اكتشاف علمي جديد.. خريطة دماغية تكشف آلية اتخاذ القرار

اضيف الخبر في يوم الخميس ١٨ - سبتمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: CNN


اكتشاف علمي جديد.. خريطة دماغية تكشف آلية اتخاذ القرار

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أفضت شراكة دولية غير مسبوقة بين علماء أعصاب من 22 مختبرًا إلى تحقيق إنجاز علمي بارز: خريطة عصبية تُظهر نشاط الدماغ بالكامل أثناء اتخاذ القرار.

جُمعت البيانات من 139 فأرًا، وغطت نشاط أكثر من 600 ألف خلية عصبية في 279 منطقة دماغية، أي ما يعادل نحو 95٪ من دماغ الفأر. وتُعدّ هذه الخريطة الأولى من نوعها التي توفّر تصوّرًا كاملًا لما يحدث في جميع أنحاء الدماغ عند اتخاذ قرار ما.
مقالات متعلقة :


وقال الدكتور بول غليمشر، رئيس قسم علوم الأعصاب والفسيولوجيا، ومدير معهد علوم الأعصاب بكلية غروسمان للطب في جامعة نيويورك، عن نتائج هذه الشراكة: "لقد أنشأوا أكبر مجموعة بيانات يمكن تخيّلها على هذا النطاق". في مجال علوم الأعصاب، قال غليمشر، غير المشارك في البحث الجديد، لـCNN: "سيُسجِّل التاريخ هذا الحدث كإنجاز كبير".

من أجل بناء هذه الخريطة، اعتمد الباحثون إجراءً موحدًا كي يتمّ استخدامه في جميع المختبرات، ثم قاموا بتتبّع النشاط العصبي لدى الفئران أثناء استجابتها لمحفزات بصرية، ودمجوا كل البيانات التي جمعها كل مختبر. استغرق هذا العمل سبع سنوات، وعُرضت نتائجه في دراستين نُشرتا بمجلة Nature، في 3 سبتمبر/ أيلول.

وأوضح ألكسندر بوجيه، أستاذ علم الأعصاب الأساسي في جامعة جنيف، الذي شارك في تأليف الدراسة الأولى وكان المؤلف الرئيسي للدراسة الثانية: "هناك نتيجتان رئيسيتان، ولهذا لدينا دراستان":

في الأولى، تناولت الدراسة التوزيع الواسع للنشاط الكهربائي المرتبط باتخاذ القرار،
وفي الثانية، استخدمت الدراسة البيانات لتقييم كيفية تأثير التوقعات على اتخاذ الخيارات.
وأضاف في حديث له مع CNN: "بدأنا من الصفر. لم يسبق لأحد أن حاول القيام بشيء كهذا من قبل".

دماغ فأر
في الصور الثابتة، يتم تغيير حجم كل نقطة بشكل خطي وفقًا لمعدل إطلاق النبضات العصبية المتوسط الخام لتلك الخلية العصبية، حتى تصل إلى حجم أقصى.
Credit: Daniel Birman/International Brain Laboratory
من خلية عصبية واحدة إلى آلاف في آن واحد
لعقود من الزمن، درس العلماء نشاط الدماغ خلال مهام محدّدة باستخدام أقطاب كهربائية تسجل النبضات الكهربائية من خلية عصبية واحدة. لكنّ تسجيل خلية واحدة في كل مرة كان أمرًا صعبًا وبطيئًا. لكن بعد أشهر عدة من العمل يمكن الحصول على نتائج نحو 100 خلية عصبية فقط، ما يجعل من هذه التقنية مناسبة بشكل أفضل لدراسة مناطق محددة جدًا في الدماغ.

خلال العقد الماضي، حقّق علم الأعصاب قفزة كبيرة إلى الأمام مع تطوير مسبارات عصبية رقمية تُدعى Neuropixels، التي يمكنها مراقبة آلاف الخلايا العصبية في وقت واحد. كانت هذه الأقطاب الحساسة أداة أساسية لإنشاء الخريطة الجديدة.

قال بوجيه: "انتقلنا من مراقبة بضع مئات من الخلايا العصبية في منطقة واحدة إلى 600 ألف خلية عصبية في جميع مناطق الدماغ".

في التجارب، ارتدت الفئران خوذات مزودة بأقطاب كهربائية أثناء قيامها بتحريك عجلة صغيرة للتحكم في حركة دائرة مخططة بالأبيض والأسود على الشاشة. كانت الدائرة تظهر لفترة وجيزة إما على الجانب الأيسر أو الجانب الأيمن من الشاشة، وكانت الفئران التي تمكنت من توجيه الدائرة إلى المركز تحصل على مكافأة من ماء السكر. وأثناء استجابة الفئران لما رأوه، سجلت مسبارات Neuropixels الإشارات الكهربائية في أدمغتها.وفقًا للخريطة، بدأ النشاط بالارتفاع في الجزء الخلفي من الدماغ، في المناطق التي تعالج المدخلات البصرية. ثم انتشر النشاط إلى جميع أنحاء الدماغ، حيث أضاءت المناطق المسؤولة عن التحكم في الحركة عندما وصلت قرار الفأر إلى مرحلة الحركة. تلا ذلك نشاط واسع الانتشار في الدماغ عندما حصل الفأر على مكافأته من ماء السكر.

قال بوجيه: "ما من مناطق قليلة فقط تشارك بذلك، بل شبكة كبيرة جدًا من المناطق تعمل معًا". وأوضح مؤلفو الدراسة أن معرفة مدى مشاركة أجزاء الدماغ في اتخاذ القرارات سيساعد الباحثين على إجراء دراسات محددة أكثر حول السلوكيات المعقدة.

وأضاف الباحثون تحديًا إضافيًا للفئران. ففي بعض الأحيان، كانت الدائرة باهتة أو شبه غير مرئية. ولكي تقرر الفأرة أي اتجاه تدير به العجلة للحصول على المكافأة، كان عليها أن تتذكر ما رأته في المحاولات السابقة.

وأوضح بوجيه أنّ "هذا ما يُعرف بالمعرفة السابقة. كل قرار يُتخذ بهذه الطريقة".

وكان علماء الأعصاب قد افترضوا سابقًا أن الدماغ يستعين بالمعرفة السابقة في المراحل المبكرة من اتخاذ القرار، "حتى إنه بمجرد ما أن تبدأ في معالجة المحفز الحسي، فإنك تفعل ذلك في سياق ما تتوقعه".

وأشار إلى أن خريطة الدماغ أظهرت أن هذا التنبؤ كان صحيحًا.

مسح رقمي واسع النطاق للدماغ
قال غليمتشر إن التعاون الدولي واسع النطاق في مجالات أخرى قد غير طريقة إجراء العلم، وأن نطاق العمل الذي أنتج خريطة نشاط الدماغ يُعد نقطة تحوّل كبيرة في علم الأعصاب.

ولفت إلى أنه "تقليديًا، كانت العلوم البيولوجية تُجرى في كل مختبر بمختبر،" بخلاف التعاون متعدّد المختبرات التي تحدث كثيرًا في مجالي الفيزياء والفلك، مستشهدًا بمثال بارز وهو مسح السماء الرقمي سلوون (Sloan Digital Sky Survey)، الذي يضم مئات علماء الفيزياء الفلكية والفلك، وقد أنتج أكثر الخرائط ثلاثية البعد تفصيلاً للكون على الإطلاق، التي تغطي أكثر من ثلث السماء ليلاً.وقال غليمتشر: "لقد أحدث مسح السماء الرقمي سلوون ثورة في طريقة جمع البيانات الفلكية وتوزيعها بين علماء الفلك"، مضيفًا أنّ رؤية المنظمة البحثية التي تقف وراء خريطة الدماغ، المختبر الدولي للدماغ (International Brain Laboratory)، كانت بناء مسح رقمي شبيه بمسح سلوون للدماغ.

وخلص بوجيه، المؤسس المشارك للمختبر الدولي للدماغ، إلى أنه"في أفضل الأحوال، ستكون هذه الخريطة الأولى بين العديد من التعاونات واسعة النطاق بين علماء الأعصاب. نحن نأمل حقًا أن تلهم هذه المبادرة مجموعات أخرى لبدء العمل بهذا النوع من النهج".
اجمالي القراءات 8
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق