العام الدراسي الجديد في العراق... عائلات تشكو صدمات الغلاء

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٧ - سبتمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


العام الدراسي الجديد في العراق... عائلات تشكو صدمات الغلاء

قبل أيام قليلة من انطلاق العام الدراسي الجديد في العراق، في 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، يواجه ملايين التلاميذ وأسرهم تحدياً متجدداً يتمثل في ارتفاع تكاليف المستلزمات والملابس المدرسية أكثر من 30% مقارنة بالعام الماضي. وبينما تزدحم الأسواق بطلب هذه المستلزمات الضرورية لمواكبة العام الدراسي في شكل مثالي، تتراجع قدرة المواطنين على شراء السلع الغذائية والمستلزمات المدرسية والاحتياجات الضرورية، في ظل ثبات الأجور وتآكل الرواتب، ما يجعل تجهيز الأبناء للمدارس عبئاً ثقيلاً على كاهل العائلات.
وأكدت وزارة التخطيط أخيراً تراجع نسبة إنفاق العائلات على الغذاء إلى النصف، بعدما كانت تتجاوز 60% من إجمالي الدخل خلال السنوات الماضية، وحددتها بنحو 32% حالياً في تحوّل يعكس إعادة توزيع الموارد نحو السكن والصحة والتعليم وباقي الخدمات الأساسية.
وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، في مؤتمر صحافي، أخيراً: "كانت الأسرة العراقية في السنوات الماضية تُنفق على الغذاء النسبة الكبرى من دخلها، والذي تجاوز 60%، أما اليوم فباتت هذه النسبة لا تتعدى ثلث الدخل باعتبار أن أولويات معيشية أخرى باتت تؤثر على توزيع الإنفاق على مختلف الاحتياجات الحياتية. الإجراءات الحكومية الأخيرة سمحت بتحقيق استقرار نسبي في الأسعار، رغم تسجيل بعض الارتفاعات الطفيفة في سلع محددة تراوحت بين 0.5% و3% فقط".
وأوضح أن "تقارير الوزارة أظهرت انخفاض معدل التضخم خلال يوليو/ تموز الماضي بنسبة 0.1% في المستوى الشهري، ما يعكس تحسناً محدوداً لكنه مهم في ظل الظروف الاقتصادية السائدة".
يقول التاجر مصطفى أحمد العاني لـ"العربي الجديد": "ارتفعت أسعار المستلزمات والملابس المدرسية هذا العام بنسبة تفوق الـ30% عن العام الماضي. وهذا الارتفاع غير المسبوق زاد معاناة العائلات مع اقتراب انطلاق العام الدراسي الجديد. وتتعدد أسباب هذا الغلاء، وفي مقدمها ارتفاع سعر صرف الدولار الذي ضاعف كلفة استيراد البضائع في شكل مباشر، إضافة إلى غياب المصانع المحلية التي تنتج الزي والأدوات المدرسية، ما جعل العراق يعتمد على الاستيراد من الصين وتركيا وإيران بنسبة تفوق 80%".
يضيف: "لا تقتصر التكاليف على سعر الصرف فقط، بل تشمل أيضاً ارتفاع أجور النقل والشحن من بلد المنشأ، إضافة إلى رسوم الجمارك والضرائب المفروضة على المنافذ الحدودية، ما أدى إلى تضخم الأسعار قبل أن تصل إلى السوق المحلية. التاجر يتحمّل بدوره هذه الأعباء، لكنه في النهاية يضطر إلى تطبيقها على أسعار السلع، ما يجعل المستهلك المتضرر الأكبر في ظل ضعف القدرة الشرائية وثبات الأجور. وهكذا تتحوّل عملية تجهيز الأبناء لدخول المدارس إلى عبء ثقيل على كاهل الأسر".

المسلتزمات المدرسية غالية جداً، 22 سبتمبر 2024 (مرتضى السوداني/ الأناضول)
المسلتزمات المدرسية غالية، 22 سبتمبر 2024 (مرتضى السوداني/الأناضول)
وفي ظل هذه الأحوال يتصاعد استياء الأهالي من غلاء المستلزمات المدرسية الذي لا يستطيعون مواجهته، سواء براتب حكومي لا يكفي، أو بأجور عمال يُضطرون إلى مضاعفة ساعات عملهم لتأمين المتطلبات الدراسية لأبنائهم. ويقول كمال حميد، وهو موظف من بغداد، لـ"العربي الجديد: "الراتب الحكومي الذي لا يتجاوز 600 ألف دينار (440 دولاراً) لم يعد يواكب توفير أبسط متطلبات العائلة، فكيف إذا تعلق الأمر بالتعليم الذي أصبح رفاهية؟".
يتابع: "فوجئت هذا العام بأن أسعار الحقائب المدرسية تضاعفت تقريباً، وأن الزي الرسمي تجاوز بأكثر من النصف ما كنت أدفعه العام الماضي، أما الدفاتر والأقلام فارتفعت أسعارها بشكل غير مسبوق. الأسواق الشعبية لم تعد توفر خياراً ميسوراً كما في السابق، واليوم أقف حائراً بين تأمين العلاج والغذاء أو تجهيز أبنائي للمدرسة، وكلاهما ضروري، وأشعر بأن الحكومة غائبة عن هذا الملف، بينما تتلقى العائلات الصدمات وحدها".
بدوره يقول سامي حسن، وهو عامل بناء من محافظة الأنبار، لـ"العربي الجديد": "اعتدنا في السنوات الماضية على الاستدانة من الأقارب، أو الاقتطاع من مصاريف البيت لتغطية نفقات المدارس، لكن الوضع يختلف تماماً هذا العام باعتبار أن أجرتي اليومية بالكاد تكفي لشراء الاحتياجات الضرورية وبعض المواد الأساسية، أما الحديث عن زي مدرسي وقرطاسية وكتب فيبدو أشبه بمستحيل".
يضيف: "لدي طفلان في المرحلة الابتدائية، ويحتاج كل منهما إلى تجهيز كامل يكلف مئات آلاف الدنانير، لذا اضطررت هذا العام إلى مضاعفة ساعات عملي في البناء وبحثت عن عمل إضافي في المساء لتأمين جزء من هذه النفقات، ما انعكس سلباً على صحتي واستقرار عائلتي. هذا الوضع يستنزِف أي أب، لكنه يعكس حجم المأساة التي تعيشها الأسر الفقيرة. التعليم من حق الجميع، لكن الواقع يجعلنا نختار بين الإنهاك الجسدي أو حرمان الأبناء من حقهم في الدراسة".ويقول الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن، لـ"العربي الجديد": "ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية في العراق ليس معزولاً عن المشهد الاقتصادي العام، فهو نتيجة مباشرة لارتفاع تكاليف النقل والجمارك من المنافذ الحدودية، إضافة إلى تقلبات أسعار الصرف وضعف الرقابة الحكومية للأسواق. وقد جعل غياب السياسات الداعمة للطبقات الفقيرة والمتوسطة المواطن يواجه الأسعار بلا حماية، فيما تفتقر السوق إلى مبادرات حقيقية لضبط الاستيراد وتشجيع الإنتاج المحلي للقرطاسية والملابس المدرسية".
ويدعو حسن إلى تفعيل الرقابة ودعم الإنتاج المحلي وتقليص الرسوم الجمركية على المواد التعليمية، وإطلاق برامج دعم للفئات ذات الدخل المحدود لتأمين حق أبنائهم في التعليم من دون أن يتحول إلى عبء اقتصادي.
ويُعتبر العراق حالياً من بين أكثر البلدان التي تعاني من ارتفاع الأمية التي تتجاوز 47%، ويعد الفساد الذي تعانيه غالبية مؤسسات الدولة أحد أبرز التحديات التي يواجهها، وتفاقمت تأثيراته من خلال النقص الكبير في عدد المدارس، والاضطرار إلى تطبيق نظام الدوام المزدوج فيها، وعدم تجهيزها بالمستلزمات الدراسية من كتب ومقاعد وسبورات وغيرها، ما يضطر الأهالي إلى تحمّل أعباء توفير مقاعد وكتب لأبنائهم.
اجمالي القراءات 14
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق