نيبال: بين رفاهية فاحشة وفقر مدقع..."جيل زد" ينتفض ويقود مظاهرات أسقطت الحكومة
اضيف الخبر
في
يوم
الثلاثاء ١٦ - سبتمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً.
نقلا عن:
فرانس 24
نيبال: بين رفاهية فاحشة وفقر مدقع..."جيل زد" ينتفض ويقود مظاهرات أسقطت الحكومة
من المطالب الرئيسية التي أشعلت الشارع النيبالي وأدت إلى الاحتجاجات التي شهدتها البلاد مؤخرا وأسقطت حكومتها، إدانة المحسوبية والفساد. وقد تجلى ذلك في مقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع تظهر "جيل زد" ينتفض ويهاجم أسلوب الرفاهية والرخاء الذي تتمتع به طبقة معينة من الشباب المترف. فيما لم يقتصر هذا الهجوم على البحث والتنديد بما يعرف بـ"أبناء المحسوبية" على نيبال، بل إن رفض المحسوبية موجود في عدد متزايد من الدول الآسيوية التي تواجه تفاوتا طبقيا متزايدا، بين رفاهية فاحشة وفقر مدقع.قبل الاحتجاجات التي عرفتها نيبال مؤخرا والتي أدت إلى استقالة رئيس وزرائها كيه بي شارما أولي في 9 سبتمبر/أيلول، انتشرت مقاطع فيديو لملكة جمال سابقة لنيبال في أماكن فاخرة. ثم تلتها مشاهد وصور شابة نيبالية أخرى، مبتهجة باستعراض ملابسها الفاخرة أمام منازل فخمة، على أنغام موسيقى أمريكية صاخبة. وفجأة، تتغير نبرة الفيديو تماما، وينتقل المقطع إلى صور الفقر والعنف في البلاد، فيظهر تباين مجتمعي مذهل، بين رفاهية فاحشة وفقر مدقع.
وغالبا ما تُرفق هذه المقاطع بوسم #nepobabies أو #nepokids، وتنتهي بشعارات مثل "أبناء نيبو" (ملاحظة محرر: عبارة مختصرة لـ"أبناء نيبوتيزم" وتعني "أبناء المحسوبية") يتباهون بأسلوب حياتهم على منصتي إنستاغرام وتيك توك، لكنهم لا يكشفون أبدا مصدر أموالهم" أو "ضرائبنا، رفاهيتكم... نحن ندفع، وأنتم تتباهون...".
"الجيل زد" ضد "أبناء نيبو"
يبدو أن رحيل رئيس الوزراء قد ساعد في حقن الدماء وتهدئة الوضع حتى الآن. إذ يشير بهاسكار غوتام، الخبير النيبالي في الشؤون السياسية، إلى أن الاحتجاجات، التي اندلعت بسبب حظر العديد من منصات التواصل الاجتماعي وشهدت حملة قمع عنيفة أسفرت عن مقتل أكثر من 50 شخصا، "قد أفسحت المجال للتفاوض السياسي".
لكن لا تزال مقاطع فيديو حول وسم #nepokids تنتشر كالنار في الهشيم على الإنترنت، حاصدةً مئات الآلاف من علامات الإعجاب على تيك توك وإنستاغرام.
ويُنظر إلى هذا الحراك في نيبال على أنه انتفاضة لـ"جيل زد" (وهي فئة شباب من مواليد الفترة بين أواخر التسعينيات وأوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين) ضد "أطفال نيبو"، والتي اشتدت حدتها بعد حظر منصات التواصل الاجتماعي والقمع الدامي.
الجيش النيبالي يعلن السيطرة على العاصمة بعد احتجاجات دامية دفعت رئيس الوزراء للاستقالة
لعرض هذا المحتوى من اليوتيوب من الضروري السماح بجمع نسب المشاهدة وإعلانات اليوتيوب.
قبول
أعدل اختياراتي
أفراد من الجيش بالقرب من بقايا متفحمة أثناء قيامهم بدورية على طول الشارع خارج منزل الرئيس المحترق في كاتماندو في 10 سبتمبر 2025.
وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أسابيع مقاطع فيديو تُدين عرض حياة الأحلام لابنة وزير الصحة السابق، المغنية شيفانا شريستا، وزوجة ابن رئيس الوزراء السابق شير بهادور ديوبا، وسميتا داهال، حفيدة بوشبا كمال داهال، رئيس الوزراء السابق والشخصية المحورية في السياسة النيبالية لعقود.
وقد استغل منتقدو "أبناء نيبو" مقاطع فيديوهات هؤلاء وصورهم ورسائلهم على إنستاغرام أو تيك توك حيث يظهرون وهم يتباهون بأنماط حياتهم الباذخة. ويوضح فيزيل إسماعيل المتخصص في شؤون نيبال وحركات الاحتجاج بجامعة غودسميثس بلندن، الأمر لفرانس24 قائلا: "هذا توجه شائع على مواقع التواصل الاجتماعي ويرمز إلى الإحباط الشديد الذي يشعر به الشباب النيبالي إزاء تفاوت طبقي متزايد وفساد منتشر يستفيد منه أبناء السياسيين".
ويُمثل هذا الكمّ الهائل من مقاطع الفيديو المنتشرة على نطاق واسع وسريع حول "أبناء المحسوبية" متنفسا هائلا بعد سنوات من التطلعات المخيبة للآمال. ويؤكد فيزيل إسماعيل أن "المحسوبية نظام بحد ذاته وليست جديدة في نيبال. فقبل عام 1951، حكمت عائلة رانا البلاد بطريقة استبدادية، مستولية على كل الموارد ومتجاهلة احتياجات المجتمع".
إلى ذلك، وبعد 30 عاما من الحكم الاستبدادي، باشرت نيبال طريقها نحو الديمقراطية في العام 1990، لكن "فشلت الأحزاب في بناء مؤسسات قادرة على معالجة التباين الطبقي والتنوع في المجتمع وضمان المساءلة الديمقراطية"، على حد قول بهاسكار غوتام.
ومن جانبه، يضيف فيزيل إسماعيل: "لا تزال قلة من العائلات تهيمن على البلاد، وتركز كل الفرص بين أيديها". فبينما تتمتع قلة من النيباليين من أبناء الطبقة السياسية المستغلة للتحول الديمقراطي، بتعليم رفيع المستوى في جامعتي أكسفورد وكمبريدج (النخبة الأكاديمية البريطانية) وبقضاء عطل التزلج في محطات غشتاد أو ميجيف (سويسرا)، "لا يرى باقي السكان سوى اتساع فجوة الثروة وانعدام الفرص للأغلبية"، بحسب فيزيل إسماعيل.
وقد غذى هذا السياق حراكا مناهضا لـ"أبناء نيبو" على منصات التواصل الاجتماعي في نيبال. ولم يكن الأمر مقتصرا على مقاطع فيديو تطالب بمحاسبة أبناء وبنات "الانتهازيين"... بل رافقتها دعوات لمقاطعة المنتجات التي تبيعها شركات مملوكة لهذه العائلات النافذة. ويؤكد بهاسكار غوتام قائلا: "لهذه الحملات عواقب اقتصادية وخيمة على الشركات المرتبطة بهذه النخبة".
من الفلبين إلى نيبال وما بعدها
وفي سياق هذا الحراك الذي أطاح بالحكومة النيبالية، "هناك الأسباب الجذرية للغضب الذي شكل أرضية خصبة للاحتجاجات، إلى جانب ظاهرة الإنترنت المناهضة لـ"أطفال نيبو" التي ضخمتها وعجلت من انفجار العنف، إضافة إلى الشرارة التي أشعلت فتيل الأزمة، والتي تمثلت في قمع المظاهرات"، على ما أفادت جانجيرا سومباتبونسيري، المتخصصة في الحركات الاجتماعية والنشاط الرقمي في آسيا في المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية (GIGA) في هامبورغ.
لذلك فإن مقاطع فيديو تيك توك هذه، تمثل جزءا مُهما من اللغز النيبالي. لكنها تمثل أيضا جزءا مستوردا جزئيا. فقبل نيبال، تنامى الغضب ضد "أبناء نيبو" بين الشباب عبر الإنترنت في الفلبين. فلهذا البلد كذلك تقليد في حكم السلالات العائلية، المتهمة بتكديس الثروة لمصلحتها الخاصة، إذ تولى الرئيس فرديناند ماركوس الابن السلطة بعد 36 عاما من رحيل والده، الديكتاتور فرديناند ماركوس.
في الفلبين، يعتبر البحث عن "أبناء نبو" أكثر تطورا، إذ تتخلله فئات فرعية. على موقع مجتمع ريديت، يتتبع منتدى "lifestylecheckPH" " "أبناء نيبو لمكافحة الفيضانات"، وهم أبناء رؤساء شركات البناء الذين يُفترض أنهم يطورون البنية التحتية لحماية البلاد من سوء الأحوال الجوية والكوارث الطبيعية. ويكتب موقع "آسيا نيوز" أن استهداف هؤلاء الشباب الذين يستفيدون من أموال كان ينبغي استثمارها في البنية التحتية "يمكن اعتباره شكلا من أشكال النشاط".
"وظائف لعائلات مرتبطة بالسلطة"
ولم يُفاجأ الخبراء الذين حاورتهم فرانس24 بوجود ظاهرة الإنترنت نفسها من بلد إلى آخر. ويقول فيزيل إسماعيل: "هناك روابط غير رسمية بين هؤلاء الشباب من مختلف دول المنطقة، الذين يتبنون التوجهات ويُعدلونها وفق بيئتهم الخاصة".
وقد تنتشر هذه الفيديوهات إلى دول أخرى في المنطقة. ففي الواقع، تعد "المحسوبية معضلة في كل من إندونيسيا وتايلاند، على سبيل المثال، حيث تتحكم خمس أو ست عائلات بجميع القطاعات الاقتصادية في البلاد"، وفق جانجيرا سومباتبونسيري، التي تضيف أن انتفاضة بنغلاديش عام 2024 "انبثقت من قانون كان قد خصص بعض وظائف القطاع العام للعائلات المرتبطة بالسلطة".
وغالبا ما تُقارن انتفاضة نيبال بتلك التي أطاحت برئيسة وزراء بنغلاديش، الشيخة حسينة، في أغسطس/آب 2024.
لم يكن تصاعد الغضب في جميع هذه الدول ضد انتشار المحسوبية محض صدفة. بالطبع، لكل حالة ميزتها الخاصة، لكن "تعتبر جميعها دولا صناعية وفرت، في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عمالة رخيصة للعالم. وقد سمح ذلك بظهور طبقة متوسطة قادرة على إرسال أطفالها إلى المدارس على أمل أن ينعموا بحياة أفضل. ولكن لم يحدث ذلك... مع الأزمة الاقتصادية وانتشار الوظائف غير المستقرة، تتجه الطبقة المتوسطة إلى التضاؤل. وتزداد هذه الخيبة مع ازدياد ثراء النخب والأسر الحاكمة"، مثلما تشرح جانجيرا سومباتبونسيري.
في نيبال، وأكثر من أي مكان آخر، يُظهر هذا التنديد بـ"أبناء نيبو" تلك الرغبة في مساءلة النخبة وتقاسم الثروة بشكل أكثر عدلا. ولكن، تكمن المشكلة في معرفة إلى أين سيؤدي كل ذلك. إذ يخشى بهاسكار غوتام قائلا، "نشهد تدخلا عسكريا متزايدا في نيبال، وهو أمرٌ مُقلق... إذا أصبحت الاحتجاجات تحت سيطرة الجيش، فإن البلاد تُخاطر بالانزلاق نحو نظام استبدادي".
أما بالنسبة لجانجيرا سومباتبونسيري، فإن هذه الحراكات، التي يُغذيها جزئيا الغضب على الإنترنت، لديها عيب واحد: "تنتشر بسرعة كبيرة لدرجة أن المشاركين لا يملكون الوقت الكافي للتفكير في النتيجة النهائية".
اجمالي القراءات
19