آحمد صبحي منصور
:
هناك تقسيمات مختلفة للغيب فى القرآن الكريم:
هناك تقسيم للغيب حسب الزمن ، مثل حديث القرآن عن غيوب الماضى كقصص السابقين قبل نزول القرآن ـ وهناك غيب فى الحاضر ـ كحديث القرآن الكريم عما كان يفعله المنافقون من كيد للنبى محمد عليه السلام و المؤمنين وقت نزول القرآن ، وهناك غيب المستقبل كالحديث عن علامات الساعة و أحداث القيامة.
وهناك تقسيم آخر للغيب عموما ـ والغيب هو ما يغيب عن حواسنا و مدركاتنا ـ فهناك غيب لم يرد أصلا فى القرآن الكريم ـ وبالتالى فهو مجهول لنا تماما و بالكلية, وهناك غيب ـ كان غيبا ـ فنزل القرآن يتحدث فيه ، فأصبح معروفا لنا بعد أن كان غيبا عنا.
هذا الغيب الذى أشار له القرآن الكريم له أيضا جانبان :
هناك جانب غيبى فى القصص القرآنى يأتى داخل القرآن الكريم نفسه توضيح له ، وعندها نستطيع من خلال التوضيح القرآنى أن نتعرف على بعض ملامح هذا الغيب الذى أوضح الله تعالى بعض ملامحه. وهناك غيب فى القرآن الكريم لم تات توضيحاته فى القرآن الكريم ، ويجب على المؤمن الايمان به كما هو. مثل الاشارة الى هاروت وماروت . ليس لنا أن نبحث خارج القرآن عما قيل عنهما لأنه ببساطة شديدة كل ما قيل عنهما خارج القرآن هو خرافة. لأنه غيب و لا يعلم الغيب الا الله تعالى . وعلام الغيوب ذكر من الغيب شيئا وترك أشياء، وما تركه لا يعلمه الا هو . والنبى محمد عليه السلام لم يكن يعلم الغيب ، وبالتالى فلا أحد يعلم بقية الغيوب التى لم يذكرها الله تعالى.
والوحى للأنبياء يقع ضمن الغيب الذى جاء بعض توضيح له فى القرآن الكريم.
يقول تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا. وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) ( النساء 163 ـ )
المستفاد من الآيتين الكريمتين أن الله تعالى أوحى الى خاتم النبيين محمد ـ عليهم جميعا السلام ـ بنفس الطريقة التى أوحى بها الى كل الأنبياء المذكورين فى الآية 163 وغيرهم من أنبياء لم يرد قصصهم فى القرآن الكريم. وأن موسى عليه السلام قد انفرد وحده بطريقة فى الوحى كان فيها يسمع كلام الله تعالى ، ويخاطب ربه جل وعلا.
وقد ذكر رب العزة جل وعلا طرق الوحى للأنبياء فقال ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ . وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( الشورى 51 ـ ) والمستفاد هنا أن الله تعالى أوحى لخاتم الأنبياء عن طريق رسول من الملائكة هو جبريل : (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ . وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا) فهناك وحى مباشر ـ مثل تكليم موسى ـ ووحى من وراء حجاب ، ووحى يحمله رسول من الملائكة هو جبريل.
وقد تحدث القصص القرآنى كثيرا عن الوحى لموسى قبل وبعد تلقى ألواح الكتاب السماوى( التوراة). وذكر الله تعالى أن هناك خطابا جرى بين الله تعالى و موسى أثناء ذلك الوحى. حدث هذا فى أول وحى مباشر عند شجرة طور سيناء ، وذكرته سور الأعراف وطه والقصص و النمل .. وحدث أيضا عندما كلمه ربه فى ميقات الجبل (الطور ) فى سيناء. وبعده. ولكن لم يأت فى القرآن الكريم كيفية الحوار، هل كان بصوت أم بالمعنى..
وقد ضل علماء الكلام المسلمون حين أخذوا يجادلون فى هذا الغيب فأضاعوا أعمارهم فى جدل عقيم لأنه غيب ، وطالما لم يذكره الله تعالى فيجب علينا التوقف عما توقف عنه علام الغيوب. فما أشار اليه فى القرآن الكريم نستطيع أن نفكر من خلاله فنخطىء ونصيب ، ولكن ما سكت عنه يجب أن نتوقف عنه ،
وفى كل الأحوال فلا بد من الايمان بالغيب الموجود فى القرآن فقط.
وأذا آمنت بالخرافاتت الغيبية الغبية الموجودة فى كتب التراث فقد كفرت بالقرآن.، لأنه ببساطة لا يعلم الغيب الا الله تعالى ، و خاتم الأنبياء محمد لا يعلم الغيب ، وبالتالى فان ابن فلان وابن علان من أئمة التراث إذا تكلم فى الغيب فقد افنرى على الله كذبا ، وإذا آمنت بما يقول فقد كذبت أنت بآيات الله تعالى ، وأصبحت مثله ظالما مجرما ، ممن قال الله تعالى فيهم (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ )( يونس 17 )
لا وسطية هنا ولا اعتدال ، بل هى قضية عقيدة لا تحتمل التوسط ،إما حق وإما باطل .( فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) ( يونس 32 ) (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ) 0 الأعراف 3 )
مقالات متعلقة
بالفتوى
: