اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية.. ولادة متأخرة ونمو بطيء

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٣ - أغسطس - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الجزيرة


اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية.. ولادة متأخرة ونمو بطيء

رغم انطلاق الدول الأفريقية فعليا في تحرير التبادل التجاري بينها منذ عام 2012، فإن التوصل إلى اتفاقية رسمية بهذا الشأن لم يتحقق إلا مطلع عام 2019، لتبدأ بعدها عملية انضمام الدول المعنية، وهي مسار طويل لم يكتمل إلا أخيرا، وجزئيا، إذ لم تصدق إريتريا بعد على الاتفاقية.

وقد بدأ تنفيذ بنود اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية مطلع عام 2021، عقب انتخاب وامكيلي ميني أول أمين عام للمنطقة في 20 فبراير/شباط 2020، واختيار مدينة أكرا، عاصمة غانا، مقرا للأمانة العامة.

تطمح الدول الأفريقية من هذه الاتفاقية إلى إنشاء سوق موحدة تضم 55 دولة، يبلغ عدد سكانها نحو 1.3 مليار نسمة، ويُقدّر ناتجها المحلي الإجمالي بنحو 3.4 تريليونات دولار أميركي.طموحات كبيرة وتحديات واقعية
في تعليقها على الاتفاقية، وصفت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية المشروع بأنه من أبرز مبادرات الاتحاد الأفريقي، ورأت فيه خطوة نحو تحويل القارة إلى قوة اقتصادية عالمية خلال العقود المقبلة.

لكن الصحيفة أشارت إلى أن الاستفادة من الاتفاقية لن تكون متساوية بين الدول، إذ يفتقر بعضها إلى شبكات النقل الأساسية، بينما تعاني أخرى من آثار العنف والنزاعات، ما يستدعي تعاونًا سياسيًا واسعًا، لأن التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها.

من جهته، توقع البنك الدولي أن تسهم الاتفاقية في رفع الناتج المحلي الإجمالي للقارة بنسبة 7%، أي ما يقارب 450 مليار دولار بحلول عام 2035، بفضل خفض الرسوم الجمركية وإزالة الحواجز غير الجمركية. كما رجّح أن تساعد في انتشال نحو 30 مليون شخص من الفقر المدقع، و68 مليونًا من الفقر المتوسط.

وتشمل بنود الاتفاقية إزالة الحواجز التجارية، وتعزيز التجارة البينية، وتطوير المنتجات ذات القيمة المضافة في قطاعات الخدمات، إلى جانب إرساء سلاسل قيمة إقليمية، بما يتيح فرصًا أكبر للاستثمار وخلق الوظائف.


وامكيلي ميني أول أمين عام منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (مواقع التواصل الاجتماعي)
تأخر الولادة.. الأسباب والانعكاسات
بعد سنوات من العمل التنظيمي والمؤسسي، صار مشروعا التساؤل عن أسباب تأخر ولادة هذا المشروع، وعن مستوى نموه، وما تحقق فعليا على الأرض، والسبل الكفيلة بدفعه نحو آفاق أرحب.

يعزو الأكاديمي الكيني الأميركي ديفيد موندا هذا التأخر إلى البيروقراطية السائدة في العديد من الدول الأفريقية، والتي تتجلى في تحفظ الحكومات تجاه الملفات السياسية الحساسة، وعلى رأسها التجارة.

ويضيف في حديثه للجزيرة نت، أن بعض الأنظمة تخشى فقدان السيطرة على الأنشطة التجارية، ما تعتبره تهديدا لبقائها في الحكم.

كما أن كثرة التكتلات الإقليمية داخل القارة، والانقسام التقليدي على أساس اللغات السائدة (الإنجليزية، الفرنسية، البرتغالية…)، كلها عوامل ساهمت في تأخير التوصل إلى الاتفاقية. ويُضاف إلى ذلك تباين التصورات بين الدول، إذ تشعر الاقتصادات الضعيفة بالقلق من المنافسة غير المتكافئة مع الدول ذات الاقتصادات الأكبر، ما يبطئ خطواتها نحو التكامل.

تقدم محدود في ظل تحديات مزمنة
بعد نحو خمس سنوات من توقيع الاتفاقية، يرى موندا، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة نيويورك سيتي، أن الأهداف المرجوة لم تتحقق بعد، إذ لا تزال الدول الأفريقية تمثل أقل من 3% من حجم التجارة العالمية، بينما تبقى التجارة البينية داخل القارة الأضعف مقارنة بالتكتلات الدولية الأخرى.

ويؤكد أن الأزمات السياسية تمثل عائقًا كبيرا أمام قيام سوق أفريقية حرة، إذ تعاني بعض الدول من ضعف السيطرة على الحدود، وتواجه أخرى تداعيات الحروب والإرهاب وتغير المناخ، فضلا عن هشاشة الهياكل الإدارية.

ورغم ذلك، يشير التقرير الاقتصادي لأفريقيا 2025 إلى "تقدم ملحوظ" في تطبيق الاتفاقية، تمثل في إطلاق مبادرة التجارة الموجهة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وتشمل حاليا 30 دولة، منها نيجيريا وجنوب أفريقيا، وتتبادل بينها مجموعة مختارة من المنتجات.

وانطلاقا من هذه التجربة، شدد تقرير الأمم المتحدة على ضرورة وجود أطر مؤسسية واضحة، ودعا الحكومات إلى إنشاء هياكل وطنية لدعم تنفيذ الاتفاقية.

كما لاحظ التقرير وجود ارتباك لدى بعض الشركات، التي اعتقدت أن الاتفاقية تعني إلغاءً فوريًا للرسوم الجمركية، ما يستدعي زيادة الوعي بقواعد التجارة.


توصيات لتعزيز التكامل
لتحقيق أهداف الاتفاقية، دعا التقرير إلى معالجة تحديات البنية التحتية، إذ إن سوء حالة الطرق، وعدم موثوقية إمدادات الطاقة، وضعف كفاءة الموانئ، كلها عوامل تعيق انسيابية التجارة.

وقد أقر الأمين العام للمنطقة، وامكيلي ميني، في مناسبات عدة، بأن إنشاء سوق أفريقية مشتركة يتطلب وقتا طويلا، مشيرا إلى أن العجز في البنية التحتية يُقدّر بنحو 100 مليار دولار.

كما أوصى التقرير بضرورة معالجة اختلال اللوائح التنظيمية والسياسات التجارية بين الدول، والتغلب على محدودية التجارة الرقمية، التي لا تزال غير مستغلة بالكيفية الأمثل في المعاملات البينية.

من جانبه، شدد موندا على أهمية تعزيز الآليات الاقتصادية الإقليمية في كل منطقة جغرافية، قبل الانتقال إلى خطط كبرى على المستوى القاري.

كما دعا إلى توفر الإرادة السياسية لدى القادة، ومعالجة الحواجز غير الجمركية، وتقليل البيروقراطية، وزيادة التنوع والإنتاج ذي القيمة المضافة داخل القارة، بدلًا من الاعتماد المفرط على تصدير المواد الخام.

ويرى أن هذا التنوع من شأنه أن يعزز التجارة البينية، ويوفر منتجات أكثر يمكن تداولها داخل القارة، ما يفضي في نهاية المطاف إلى تحقيق تكامل اقتصادي أعمق.
اجمالي القراءات 16
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق