( الفصل الخامس):الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى ( ج 5) : كتاب ( الفقه الوعظى )

آحمد صبحي منصور Ýí 2025-08-14


( الفصل الخامس):الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى ( ج 5) : كتاب ( الفقه الوعظى )

نستكمل الحديث ..

يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس )

(  ذكر تلبيس إبليس على الكاملين من العلماء:

 قال المصنف: إن أقواما علت هممهم فحصلوا علوم الشرع من القرآن والحديث والفقه والأدب وغير ذلك ، فأتاهم إبليس يخفي التلبيس فأراهم أنفسهم بعين عظيمة لما نالوا وأفادوا غيرهم ، فمنهم من يستفزه لطول عنائه في الطلب فحسن له اللذات وقال له إلى متى هذا التعب فأرح جوارحك من كلف التكاليف وافسح لنفسك من مشتهاها فان وقعت في زلة فالعلم يدفع عنك العقوبة .. )

المزيد مثل هذا المقال :

التعليق :

كأن إبن الجوزى يعلم الغيب ، ويسمع وسوسة الشيطان .!

( نقد مسالك الكاملين من العلماء :

 وقد لبس إبليس على أقوام من المحكمين في العلم والعمل من جهة أخرى فحسن لهم الكبر بالعلم والحسد للنظير والرياء لطلب الرياسة فتارة يريهم أن هذا كالحق الواجب لهم وتارة يقوي حب ذلك عندهم فلا يتركونه مع علمهم بأنه خطأ . )

 (  وقد لبس إبليس على الكاملين في العلوم فيسهرون ليلهم ويدأبون نهارهم في تصانيف العلوم ويريهم إبليس أن المقصود نشر الدين ويكون مقصودهم الباطن انتشار الذكر وعلو الصيت والرياسة وطلب الرحلة من الآفاق)

التعليق :

1 ـ يصفهم بالكاملين ثم ينتقدهم ، أي ليسوا كاملين . وكالعادة يضع نفسه فوقهم جميعا ، وهو طبعا يرى نفسه كاملا من العلماء ، أي يرتد نقده الى نفسه .

 الباب السابع في تلبيس إبليس على الولاة والسلاطين:

 قال المصنف قد  لبس عليهم إبليس من وجوه كثيرة نذكر أمهاتها:

 فالوجه الأول : أنه يريهم أنه الله عز وجل يحبهم ولولا ذلك ما ولاهم سلطانه ولا جعلهم نوابا عنه في عباده وينكشف هذا التلبيس بأنهم إن كانوا نوابا عنه في الحقيقة فليحكموا بشرعه وليتبعوا مراضيه فحينئذ يحبهم لطاعته فأما صورة الملك والسلطنة فانه قد أعطاها خلقا ممن يبغضه وقد بسط الدنيا لكثير ممن لا ينظر إليه وسلط جماعة من أولئك على الأولياء والصالحين فقتلوهم وقهروهم فكان ما أعطاهم عليهم لا لهم # ودخل ذلك في قوله تعالى ^ إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ^

والثاني: أنه يقول لهم الولاية تفتقر إلى هيبة فيتكبرون عن طلب العلم ومجالسة العلماء بآرائهم فيتلفون الدين .

 والثالث : أنه يخوفهم الأعداء ويأمرهم بتشديد الحجاب فلا يصل إليهم أهل المظالم ويتوانى من جعل بصدد رفع المظالم .

 والرابع :  أنهم يستعملون من لا يصلح ممن لا علم عنده ولا تقوى فيجتلب الدعاء عليهم بظلمة الناس ويطعمهم الحرام بالبيوع الفاسدة ويحد من لا يجب عليه الحد ويظنون أنهم يتخلصون من الله عز وجل مما جعلوه في عنق الوافي  .

والخامس :  أنه يحسن لهم العمل برأيهم فيقطعون من لا يجوز قطعه ويقتلون من لا يحل قتله ويوهمهم أن هذه سياسة. وتحت هذا من المعنى أن الشريعة ناقصة تحتاج إلى إتمام ونحن نتمها بآرائنا # وهذا من أقبح التلبيس لأن الشريعة سياسة إلهية ومحال أن يقع في سياسة الإله خلل يحتاج معه إلى سياسة الخلق قال الله عز وجل ^ ما فرطنا في الكتاب من شيء ^  

والسادس:  أنه يحسن لهم الانبساط في الأموال ظانين أنها بحكمهم # وهذا تلبيس يكشفه وجوب الحجر على المفرط في مال نفسه فكيف بالمستأجر في حفظ مال غيره وإنما له من المال بقدر عمله فلا وجه للانبساط .

  والسابع :  أنه يحسن لهم الانبساط في المعاصي ويلبس عليهم أن حفظكم للسبيل وأمن البلاد بكم يمنع عنكم العقاب وجواب هذا أن يقال إنما وليتم لتحفظوا البلاد وتؤمنوا السبل وهذا وجب عليهم وما انبسطوا فيه من المعاصي منهي عنه فلا يرفع هذا ذلك.

 والثامن :  أنه يلبس على أكثرهم بأنه قد قام بما يجب من جهة أن ظواهر الأحوال مستقيمة ولو حقق النظر لرأى اختلالا كثيرا...وأدركت السلاطين يمنعون المنجمين من القعود في الطرق حتى لا يفشو العمل بالنجوم . وأدركنا الجند ليس فيهم أحد معه غلام أمرد له طرة ولا شعر إلى أن بدىء بحكم العجم .

والتاسع: أنه يحسن لهم استجلاب الأموال واستخراجها بالضرب العنيف وأخذ كل ما يملكه الخائن واستخلافه وإنما الطريق إقامة البينة على الخائن .

 والعاشر: أنه يحسن لهم التصدق بعد الغضب يريهم أن هذا يمحو ذلك ويقول إن درهما من الصدقة يمحو إثم عشرة من الغضب وإن كانت الصدقة من الحلال لم يدفع أيضا إثم الغصب لأن اعطاء الفقير لا يمنع تعلق الذمة بحق آخر.

  والحادي عشر: أنه يحسن لهم مع الإصرار على المعاصي زيارة الصالحين وسؤالهم الدعاء ويريهم أن هذا يخفف ذلك الإثم وهذا الخير لا يدفع ذلك الشر  

والثاني عشر: أن من الولاة من يعمل لمن فوقه فيأمره بالظلم فيظلم ويلبس عليهم إبليس بأن الإثم على الأمير لا عليك وهذا باطل لأنه معين على الظلم وكل معين على المعاصي عاص )

التعليق :

هنا بعض حقائق تاريخية بين السطور . وكانت في عصر إبن الجوزى . والذى كان قريبا من الخليفة والقائمين على إدارة الدولة ، بل وعمل في خدمتها في مطاردة الشيعة ( الرافضة ). وأكل من مالها السُحت . عايش الفساد السياسى والأخلاقى والشذوذ الجنسى والسلب والنهب والذى كان على أشُدّه . وكان ابن الجوزى مشاركا فيه . ولكنه هنا يضع نفسه فوقهم ، يأمر الناس بالبرّ وينسى نفسه .

  الباب الثامن ذكر تلبيس إبليس على العُبّاد في العبادات:

 قال المصنف  :  إعلم أن الباب الأعظم الذي يدخل منه إبليس على الناس هو الجهل ، فهو يدخل منه على الجهال بأمان . وأما العالم فلا يدخل عليه إلا مسارقة . وقد لبس إبليس على كثير من المتعبدين بقلة علمهم لأن جمهورهم يشتغل بالتعبد ولم يحكم العلم .. فأول تلبيسه عليهم إيثارهم التعبد على العلم والعلم أفضل من النوافل فأراهم أن المقصود من العلم العمل وما فهموا من العمل إلا عمل الجوارح ، وما علموا أن العمل عمل القلب وعمل القلب أفضل من عمل الجوارح ... قال المصنف:  فلما مر عليهم هذا التلبيس وآثروا التعبد بالجوارح على العلم تمكن إبليس من التلبيس عليهم في فنون التعبد.

التعليق :

لم يترك المتعبدين في حالهم ، وألزمهم بالعلم ( التفقه ). وليس كل إنسان مؤهلا للعلم بالفقه .

ذكر تلبيسه عليهم في الاستطابة والحدث ( قضاء الحاجة : من البول والغائط ):

 من ذلك أنه يأمرهم بطول المكث في الخلاء ، وذلك يؤذي الكبد وإنما ينبغي أن يكون بمقدار ، ومنهم من يقوم فيمشي ويتنحنح ويرفع قدما ويحط أخرى ، وعنده أنه يستنقي بهذا ، وكلما زاد في هذا نزل البول.  وبيان هذا أن الماء يرشح إلى المثانة ويجمع فيها فإذا تهيأ الانسان للبول خرج ما اجتمع فاذا مشى وتنحنح وتوقف رشح شيء آخر فالرشح لا ينقطع وإنما يكفيه أن يحتلب ما في الذكر بين أصبعيه ثم يتبعه الماء. ومنهم من يحسن له استعمال الماء الكثير وإنما يجزيه بعد زوال العين سبع مرات على أشد المذاهب ، فإن استعمل الأحجار فيما لم يتعد المخرج أجزأه ثلاثة أحجار إذا أنقى بهن ، ومن لم يقنع بما قنع الشرع به فهو مبتدع شرعا لا متبع .

 ذكر تلبيسه عليهم في الوضوء :

 منهم من يلبس عليه في النية فتراه يقول أرفع الحدث ، ثم يقول أستبيح الصلاة ، ثم يعيد فيقول أرفع الحدث . وسبب هذا التلبيس الجهل بالشرع لأن النية بالقلب لا باللفظ فتكلف اللفظ أمر أملا يحتاج إليه ثم لا معنى لتكرار اللفظ . ومنهم من يلبس عليه بالنظر في الماء المتوضأ به فيقول من أين لك أنه طاهر. ويقدر له فيه كل احتمال بعيد . وفتوى الشرع يكفيه بأن أصل الماء الطهارة فلا يترك الأصل بالاحتمال .  ومنهم من يلبس عليه بكثرة استعمال الماء وذلك يجمع أربعة أشياء مكروهة: الإسراف في الماء ، وتضييع العمر القيم فيما ليس بواجب ولا مندوب ، والتعاطي على الشريعة ( أي المزايدة ) إذا لم يقنع بما قنعت به من استعمال الماء القليل ، والدخول فيما نهت عنه من الزيادة على الثلاث. وربما أطال الوضوء ففات وقت الصلاة أو فات أوله وهو الفضيلة أو فاتته الجماعة . وتلبيس إبليس على هذا بأنك في عبادة ما لم تصح لا تصح الصلاة ولو تدبر أمره لعلم أنه في مخالفة وتفريط . وقد رأينا من ينظر في هذه الوساوس ولا يبالي بمطعمه ومشربه ولا يحفظ لسانه من غيبة... وفي الحديث عن أبي عن النبي قال : للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوه أو قال فاحذروه . وعن الحسن رضي الله عنه قال شيطان الوضوء يدعى الولهان يضحك بالناس في الوضوء .

ذكر تلبيسه عليهم في الصلاة  :

 من ذلك تلبيسه عليهم في الثياب التي يستتر بها فترى أحدهم يغسل الثوب الطاهر مرارا وربما لمسه مسلم فيغسله، ومنهم من يغسل ثيابه في دجلة لا يرى غسلها في البيت يجزىء ، ومنهم من يدليها في البئر كفعل اليهود وما كانت الصحابة تعمل هذا بل قد صلوا في ثياب فارس لما فتحوها واستعملوا أوطئتهم وأكسيتهم. ومن الموسوسين من يقطر عليه قطرة ماء فيغسل الثوب كله ، وربما تأخر لذلك عن صلاة الجماعة، ومنهم من ترك الصلاة جماعة لأجل مطر يسير يخاف أن ينتضح عليه . ولا يظن ظان أنني أمتنع من النظافة والورع ولكن المبالغة الخارجة عن حد الشرع المضيعة للزمان هي التي ننهي عنها .

ومن ذلك تلبيسه عليهم في نية الصلاة، فمنهم من يقول أصلى صلاة كذا ثم يعيد هذا ظنا منه أنه قد نقض النية والنية لا تنقض وأن لم يرض اللفظ ، ومنهم من يكبر ثم ينقض ثم يكبر ثم ينقض فاذا ركع الإمام كبر الموسوس وركع معه.  فليت شعري ما الذي أحضر النية حينئذ وما ذاك إلا لأن إبليس أراد أن يفوته الفضيلة . وفي الموسوسين من يحلف بالله لا كبرت غير هذه المرة، وفيهم من يحلف بالله بالخروج من ماله أو بالطلاق . وهذه كلها تلبيسات إبليس ، والشريعة سمحة سهلة سليمة من هذه الآفات  . قال المصنف وقد حكى لي بعض الأشياخ عن ابن عقيل حكاية عجيبة أن رجلا لقيه فقال إني أغسل العضو( أي العضو الذكرى ) وأقول ما غسلته وأكبر وأقول ما كبرت فقال له ابن عقيل : " دع الصلاة فانها ما تجب عليك " فقال قوم لابن عقيل كيف تقول هذا فقال لهم قال النبي :  رفع القلم عن المجنون حتى يفيق ومن يكبر ويقول ما كبرت فليس بعاقل والمجنون لا تجب عليه الصلاة . قال المصنف واعلم أن الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل في العقل وجهل بالتسرع  .. والوسواس جهل محض....

فصل :  ومن الموسوسين من إذا صحت له النية وكبر ذهل عن باقي صلاته  ، كأن المقصود من الصلاة التكبير فقط وهذا تلبيس يكشفه أن التكبير يراد للدخول في العبادة فكيف تهمل العبادة وهي كالدار ويقتصر على التشاغل بحفظ الباب .

  فصل : ومن الموسوسين من تصح له التكبيرة خلف الإمام وقد بقي من الركعة يسير فيستفتح ويستعيذ فيركع الإمام ، وهذا تلبيس أيضا ، لأن الذي شرع فيه من التعوذ والاستفتاح مسنون ، والذي تركه من قراءة الفاتحة وهو لازم للمأموم عند جماعة من العلماء ، فلا ينبغي أن يقدم عليه سنة. قال المصنف : وقد كنت أصلي وراء شيخنا أبي بكر الدينوري الفقيه في زمان الصبا فرآني مرة أفعل هذا فقال يا بني إن الفقهاء قد اختلفوا في وجوب قراءة الفاتحة خلف الامام ولم يختلفوا في أن الاستفتاح سنة فاشتغل بالواجب ودع السنن.

  فصل : وقد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف فتراه يقول : الحمد الحمد ، فيخرج باعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة . وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد وتارة في إخراج ضاد المغضوب . ولقد رأيت من يقول المغضوب فيخرج بصاقة مع إخراج الضاد لقوة تشديده ، وإنما المراد تحقيق الحرف فحسب . وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة . وكل هذه الوساوس من إبليس  .. وفي أفراد مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص قال قلت لرسول الله : إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي . فقال رسول الله  : ذاك الشيطان يقال له خنزب فاذا أحسسته فتعوذ بالله منه ثلاثا واتفل عن يسارك ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.)

التعليق

1 ـ هذه حقائق تاريخية مجهولة كشف عنها إبن الجوزى ، وهى شيوع الوسوسة بين الفقهاء  في الطهارة وفى الصلاة . وقد أصبحت الوسوسة ( وسواسا قهريا ) ومرضا ساد الفقهاء فيما بعد في العصر المملوكى الى درجة ترك الطهارة والصلاة . التصوف الذى بدأ في الانتشار والتسيّد في عصر إبن الجوزى هو المسئول عن مرض الوسوسة عند الفقهاء . كان الفقهاء خصوما للصوفية ، والأشد خصومة لهم كانوا الحنابلة ومنهم إبن الجوزى . أعلن الصوفية جهارا عقائدهم ومارسوها ، ومنها التخلص من أداء العبادات أو :( إسقاط التكاليف )لأنها تعوق عن عقائدهم في الاتحاد والحلول ووحدة الوجود ووحدة الفاعل، وهذا ما قام الغزالى بتقعيده في كتابه ( الإحياء ). قابل الفقهاء المتعبدون هذا التطرف بإسقاط التكاليف بالتطرف في تأدية التكاليف التعبدية وفق دينهم السطحى الظاهرى ، الى درجة الوسوسة ، والتي إنتهت الى ترك العبادات .

2 ـ ونلاحظ أن إبن الجوزى يرد عليهم من دينه السُّنّى ، ويذكر أحاديث مضحكة عن الشيطان ، وأقاويل أخرى عن شيوخ ، أهملناها لأنها لا تستحق ، ولكنه يعتبرهم مرجعية في دينه ، وقد قلنا إن الأديان الأرضية يملكها أصحابها ، وإنهم في شقاق وخلاف .

  شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )

  https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran

اجمالي القراءات 115

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5248
اجمالي القراءات : 62,752,840
تعليقات له : 5,500
تعليقات عليه : 14,899
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي