الإثنين ١٩ - فبراير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
آحمد صبحي منصور
:
اللغة العربية مثل أى لغة فى العالم تانى فيها بعض الكلمات باكثر من معنى، و اذا فتحت القامس العربى الانجليزى أو العكس ستجد للكلمة الواحدة أكثر من معنى ، و تجد أن دخول حرف على الفعل يحول المعنى الى معنى آخر ـ قد يكون النقيض أحيانا.
السبب فى هذا أن المعانى أوسع من امكانية النطق أوالتعبير عنها لدى الانسان. المعانى ترجع للنفس ـ أما امكانية النطق والصياغة فيشترك فيه اللسان ، وهو مقيد باعتبارات المادة و الجسد ، وعموما هذه قصة اخرى، لكن المهم أن وجود أكثر من معنى للكلمة الواحدة أمر شائع بين اللغات البشرية ، و أن هذه المعانى للكلمة الواحدة قد لا تختلف فحسب ـ بل قد تتناقض, ومن الطبيعى أن السياق هو الذى يحد المعنى المراد.
فى اللغة العربية ـ مثلا ـ كلمة ( عكس ) تفيد معنيين متناقضين ، فقد تفيد ( انعكاس الشىء ايجابيا بمعنى الاستجابة و التاييد ، مثل : ( ما حدث من غزو امريكى للعراق انعكس على سمعة أمريكا فى العالم).فالغزو الأمريكى شىء مكروه فانعكس كراهية لأمريكا . و( العكس ) صحيح . لاحظ قولى ( العكس ) أى المعنى المناقض . كأن تقول ( وعلى عكس ما فعلت الادارة الأمريكية فى العراق فقد وقفت المنظمات المدنية الأمريكية ضد الغزو ) أى أن كلمة ( العكس ) هنا تفيد (العكس) أى التناقض. ومثلها كلمة ( مضى ) التى تفيد التقدم الى الامام و تفيد الحدوث فى الزمن الماضى. وكلمة ( مضى ) من مفردات القرآن الكريم ، و سنعرض لمعناها فى حلقات القاموس القرآنى . و من الكلمات مختلفة المعنى ـ وغير المتناقضة ، كلمة( حميم ) وتفيد النار السائلة كما تفيد الصداقة الوثيقة ، وقد استعملها القرآن الكريم أيضا نفس الاستعمال اللغوى العربى. وهذا ما سيأتى تفصيله فى القاموس القرآنى.
وقد تاتى اشتقاقات للكلمة بمعنى يخالف المعنى الأصلى للكلمة ؛ فالرحمن مشتق من الرحمة ، ولكن معناه الجبروت و التحكم و السيطرة و الهيمنة ، و هذا ما أوضحناه فى القاموس القرآنى عن كلمة ( الرحمن )
و القسط يأتى منها القاسط و المقسط ، ومعناهما مختلفان.
وهذا يستلزم شرحا قرآنيا :
فالقسط أساس الدين وأساس الشرع وأساس الخلق فى الكون، وفى النهاية هو أساس الحساب يوم القيامة. لذلك يقول تعالى يؤكد شهادته ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (آل عمران 18) فالقيام بالقسط يشهد به الله تعالى والملائكة وأولو العلم . لذا فإن القرآن الكريم يجعل ميزان القسط متناهى الحساسية، بمعنى أن القسط المطلوب هو بنسبة مائة فى المائة فإن تراجعت النسبة إلى 99% أصبح الحكم ظلماً، طالما دخلت فيه نسبة الواحد فى المائة من الظلم. نفهم هذا من التفرقة اللغوية والقرآنية بين كلمتين "قاسط" و"مقسط". فالقاسط هو الذى يحول الحكم لهواه أو لصالحه ولو بنسبة 1%، والله تعالى يقول عن القاسطين ﴿وَأَمّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنّمَ حَطَباً﴾ (الجن 15) أما المقسط فهو صيغة مبالغة من القسط أى الذى يراعى القسط دائماً وأبداً. وذلك المقسط يستحق حب الله تعالى، يقول تعالى ﴿إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ﴾ وقد تكرر ذلك فى القرآن ثلاث مرات (المائدة 45، الحجرات 9، الممتحنة 8) فعلى المسلم أن يختار لنفسه منزلته عند الله تعالى، هل يكون من المقسطين المسلمين الحقيقيين أم من القاسطين الظالمين ﴿وَأَنّا مِنّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـَئِكَ تَحَرّوْاْ رَشَداً. وَأَمّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنّمَ حَطَباً﴾ هل يكون ممن يحبهم الله تعالى ﴿وَأَقْسِطُوَاْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ﴾ أم من الذين يكرههم الله تعالى؟
وفى كل الأحوال فان السياق هو الذى يحدد المراد بكل دقة.
يبقى ان نقول أن هذا كله لا علاقة له بالنسخ التراثى الذى يعنى إلغاء الأحكام القرآنية. لأن لكلمة النسخ فى القرآن معنى واحدا هو الاثبات و الكتابة. ولها أيضا معنى واحدا فى الاستعمال اللغوى العادى هو الاثبات و الكتابة. بل أنه حتى فى كتب الفقه و الحديث فانهم مع اختراعهم للنسخ التراثى بمعنى الالغاء إلا إنهم يضطرون الى استعمال المعنى الأصلى للكلمة بمعنى الكتابة.
مقالات متعلقة
بالفتوى
: