( الفصل الخامس):الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى ( ج 8) : كتاب ( الفقه الوعظى )

آحمد صبحي منصور Ýí 2025-08-22


( الفصل الخامس):الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى ( ج 8) : كتاب ( الفقه الوعظى )

نستكمل الحديث ..

يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس )

(  ذكر تلبيسه على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر :

المزيد مثل هذا المقال :

 وهم قسمان :  عالم وجاهل ،  فدخول إبليس على العالم من طريقين :

 الطريق الأول : التزين بذلك وطلب الذكر والعجب بذلك الفعل . روينا بإسناد عن أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سلمان يقول سمعت أبا جعفر المنصور يبكي في خطبته يوم الجمعة فاستقبلني الغضب وحضرتني نية أن أقوم فأعظه بما أعرف من فعله اذا نزل قال فكرهت أن أقوم إلى خليفة فأعظه والناس جلوس يرمقونني بأبصارهم فيعرض لي تزين فيأمر بي فأقتل على غير صحيح فجلست وسكت .

  والطريق الثاني :  الغضب للنفس ، وربما كان ابتداء، وربما عرض في حالة الآمر بالمعروف لأجل ما يلقى به المنكر من الإهانة فتصير خصومه لنفسه،  كما قال عمر بن عبد العزيز لرجل : " لولا أني غضبان لعاقبتك وإنما أراد أنك أغضبتني فخفت أن تمتزج العقوبة من غضب الله ولي".

   فصل :  فأما اذا كان الآمر بالمعروف جاهلا فان الشيطان يتلاعب به ، وإنما كان إفساده في أمره أكثر من إصلاحه، لأنه ربما نهى عن شيء جائز بالإجماع ، وربما أنكر ما تأول فيه صاحبه وتبع فيه بعض المذاهب ، وربما كسر الباب وتسور الحيطان وضرب أهل المنكر وقذفهم ، فان أجابوه بكلمة تصعب عليه صار غضبه لنفسه ، وربما كشف ما قد أمر الشرع بستره.  وقد سئل أحمد بن حنبل عن القوم يكون معهم المنكر مغطى مثل طنبور ومسكر قال اذا كان مغطى فلا تكسره  ،  وقال في رواية أخرى إكسره . وهذا محمول على أنه يكون مغطى بشيء خفيف يصفه فيتبين والأولى على أنه لا يتبين.  وسئل عن الرجل يسمع صوت الطبل والمزمار ولا يعرف مكانه فقال : " ولا عليك ما غاب عنك فلا تفتش. " . وربما رفع هذا المنكر أهل المنكر إلى من يظلمهم وقد قال أحمد بن حنبل: " إن علمت أن السلطان يقيم الحدود فارفع إليه " .

  فصل : ومن تلبيس إبليس على المنكر أنه إذا أنكر جلس في مجمع يصف ما فعل ويتباهى به ويسب أصحاب المنكر سب الحنق عليهم ويلعنهم ، ولعل القوم قد تابوا ، وربما كانوا خيرا منه لندمهم وكبره.  ويندرج في ضمن حديثه كشف عورات المسلمين لأنه يعلم من لا يعلم ، والستر على المسلم واجب مهما أمكن. وسمعت عن بعض الجهلة بالإنكار أنه يهجم على قوم ما يتيقن ما عندهم ويضربهم الضرب المبرح ويكسر الأواني وكل هذا يوجبه الجهل.  فأما العالم إذا أنكر فأنت منه على أمان .  وقد كان السلف يتلطفون في الإنكار ، ورأى صلة بن أشيم رجلا يكلم امرأة فقال : " إن الله يراكما سترنا الله وإياكما ". وكان يمر بقوم يلعبون فيقول: "  يا إخواني ما تقولون فيمن أراد سفرا فنام طول الليل ولعب طول النهار متى يقطع سفره ؟" فانتبه رجل منهم فقال : " يا قوم إنما يعلمنا هذا فتاب وصحبه .

  فصل : وأولى الناس بالتلطف في الإنكار على الأمراء، فيصلح أن يقال لهم : " إن الله قد رفعكم فاعرفوا قدر نعمته فإن النعم تدوم بالشكر فلا يحسن أن تقابل بالمعاصي ."

 فصل : وقد لبس إبليس على بعض المتعبدين فيرى منكرا فلا ينكره ويقول :" إنما يأمر وينهي من قد صلح وأنا ليس بصالح فكيف آمر غيري." وهذا غلط لأنه يجب عليه أن يأمر وينهي ولو كانت تلك المعصية فيه إلا أنه متى أنكر متنزها عن المنكر أثر إنكاره، وإذا لم يكن متنزها لم يكد يعمل إنكاره. فينبغي للمنكر أن ينزه نفسه ليؤثر إنكاره. قال ابن عقيل: " رأينا في زماننا أبا بكر الأقفالي في أيام ( الخليفة العباسى ) القائم إذا نهض لإنكار منكر استتبع معه مشايخ لا يأكلون إلا من صنعة أيديهم، كأبي بكر الخباز .. وتبعه وجماعة ما فيهم من يأخذ صدقة، ولا يدنس بقبول عطاء ، صوام النهار قوام الليل ، أرباب بكاء. فإذا تبعه مخلط رده،  وقال : "متى لقينا الجيش بمخلط انهزم الجيش"! . )

التعليق :

أولا :

1 ـ هنا بعض حقائق تاريخية عن عصر ابن الجوزى  بين السطور ، مثل : ( وربما أنكر ما تأول فيه صاحبه وتبع فيه بعض المذاهب ، وربما كسر الباب وتسور الحيطان وضرب أهل المنكر وقذفهم ،  )، ( ومن تلبيس إبليس على المنكر أنه إذا أنكر جلس في مجمع يصف ما فعل ويتباهى به ويسب أصحاب المنكر سب الحنق عليهم ويلعنهم ، ولعل القوم قد تابوا ، وربما كانوا خيرا منه لندمهم وكبره.  ويندرج في ضمن حديثه كشف عورات المسلمين لأنه يعلم من لا يعلم ، والستر على المسلم واجب مهما أمكن. وسمعت عن بعض الجهلة بالإنكار أنه يهجم على قوم ما يتيقن ما عندهم ويضربهم الضرب المبرح ويكسر الأواني وكل هذا يوجبه الجهل.)، ( . قال ابن عقيل: " رأينا في زماننا أبا بكر الأقفالي في أيام ( الخليفة العباسى ) القائم إذا نهض لإنكار منكر استتبع معه مشايخ لا يأكلون إلا من صنعة أيديهم، كأبي بكر الخباز .. وتبعه وجماعة ما فيهم من يأخذ صدقة، ولا يدنس بقبول عطاء ، صوام النهار قوام الليل ، أرباب بكاء. فإذا تبعه مخلط رده،  وقال : "متى لقينا الجيش بمخلط انهزم الجيش"! . ).

2 ـ بعض ما ذكره ابن الجوزى في القرن السادس تكرر حدوثه في عصرنا ، أعنى ما يقوم به المتطرفون بحجة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إذا أتيحت لهم الفرصة . حدث هذا كثيرا في مصر في المناطق التي سيطروا عليها في القاهرة والصعيد ، ووصل الانكار على ما يعتبرونه منكرا الى حد القتل ، وظهر هذا كثيرا في الصحف . ولا ننسى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في الدولة السعودية الثالثة الراهنة . كانوا يتسلطون على الناس بالضرب ، وإشتكى منهم القناصل الأجانب في عصر عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة . ومن الشنائع أن حريقا شبّ في مدرسة بنات فمنعوا خروجهن ، فاحترقن جميعا ، وخرجوا منها جثثا متفحمة . كل هذا حتى لا تظهر وجوهن سافرة .!

3 ـ إبن الجوزى يتكلم من خلفيته الحنبلية ، ويستشهد بأقوال السلف وإبن حنبل . وما إستشهد بآية قرآنية واحدة . سبق أن نشرنا كتابين هنا في هذا الموضوع : ( الحنبلية ( أمّ الوهابية ) وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى ) و ( الأمـر بالـمـعــروف والـنـهـي عــن الـمـنـكــر في الإسلام ) ج 1 . ) وأوضحنا قصة إختراع الحنابلة لحديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) والذى صار دستورا للمتطرفين ، ولا يزال ، وأنه أسّس لشيوخ الحنابلة سلطة أخافت الخلفاء العباسيين وقتها ، خصوصا بعد أن جعل الخليفة المتوكل ( الحنبلية السنية ) دينا رسميا للدولة .

4 ـ يبقى إعطاء لمحة عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في الدين الإسلام

ثانيا :

1 ـ ليس في الإسلام أن تتخصص طائفة تأمر غيرها بالمعروف وتنهاها عن المنكر. بل هو التواصى بين الجميع ، كما قال جل وعلا : ( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ( 17 ) البلد  )

 ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ( 2 )  إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) .

وجاء في وصف المجتمع المؤمن قوله جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104) آل عمران )  . هنا ( ولتكن منكم ) تتكلم عن الجميع لأن ( من ) هنا بيانية وليست تبعيضيه .!  

2 ـ إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو وعظ لمن تتوسم فيه القابلية للهدية . إذا لم يكن فاتركه لما إختار لنفسه . نفهم هذا من الآيات الكريمة التالية :

1 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 105 )  المائدة )

2 ـ ( وعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا(63)الفرقان )

3 ـ (  وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ(55) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)القصص )

4 ـ الإعراض عنهم فرض إسلامى . كان هذا في دولة النبى في المدينة في التعامل مع المنافقين ورذائلهم . نتدبر قول ربنا جل وعلا :

4 / 1 : ( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ( 81 ) النساء )(81)

4 / 2 : : ( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ( 95 ) التوبة )

 5 ـ لا ننسى أن الإسلام مؤسسُّ على الحرية الدينية ومشيئة البشر في إختيار الهدى أو الضلال ، ومسئوليتهم يوم الحساب على ما إختاروه لأنفسهم . قال جل وعلا : (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا(29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ( 31 ) الكهف . ) .

أخيرا :

الآيات كثيرة ، وهذه مجرد لمحة ، وليس عجيبا أن يتجاهل إبن الجوزى هذا كله ، وهذا يؤكد أنه متبع مخلص لابليس الذى يحذّر منه .

شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )

  https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran

اجمالي القراءات 243

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5252
اجمالي القراءات : 62,991,729
تعليقات له : 5,502
تعليقات عليه : 14,901
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي