تصاعد خطير لأعداد الوفيات داخل مراكز الاحتجاز المصرية
خلال أقل من أسبوع، توفي ستة من السجناء والموقوفين في مصر، من بينهم خمسة شبان ورجل مسن، في وقائع تكرر منظمات حقوقية أنها ليست فردية، بل جزء من نمط منهجي يشمل الإهمال الطبي والتعذيب الشائعين في أقسام الشرطة والسجون المصرية.
والأحد الماضي، أعلنت مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، وفاة وليد أحمد طه، وهو موظف بنك، داخل محبسه في قسم شرطة ثان شبرا الخيمة شمالي العاصمة القاهرة، بعد أيام من احتجازه على خلفية مشاجرة مع أحد جيرانه. وفي اليوم نفسه، أعلنت المؤسسة الحقوقية ذاتها عن وفاة الشاب حازم فتحي داخل محبسه في قسم شرطة نجع حمادي بمحافظة قنا (جنوب)، بعد خمسة أشهر من الحبس الاحتياطي، على خلفية مشادة مع ضابط شرطة داخل محل تجاري، وسط اتهامات بتعرضه للتعذيب داخل مقر الحجز.
وقبل أيام من وفاة الشابين، أعلنت منظمات حقوقية وفاة الشيخ علي حسن عامر (77 سنة) داخل سجن وادي النطرون، بعد 12 عاماً على حبسه. وكان المسن المصري قبل سجنه يعمل مدرساً للغة العربية وإماماً لمسجد، وجرى القبض عليه في عام 2013 على خلفية قضية "اقتحام مركز شرطة كرداسة". وعلى الرغم من أن وفاته نُسبت إلى أسباب طبيعية، فإن منظمات حقوقية، من بينها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أكدت أن الوفاة كانت نتيجة مباشرة لسنوات من الإهمال الطبي الممنهج والظروف القاسية التي يعيشها كبار السن والمرضى داخل السجون، وأنها حلقة جديدة في سلسلة حالات مشابهة، تُبرز "الظروف غير الإنسانية" السائدة في أماكن الاحتجاز.
كما توفي الشاب وائل يوسف بشارة (20 سنة) داخل حجز قسم شرطة الأهرامات بمحافظة الجيزة، بعد أسبوع من اعتقاله. ووفقاً لـ"الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، فقد ظهرت على جسده آثار تعذيب وحشي، ما يشير إلى أنه تعرض لانتهاكات جسيمة أدت إلى وفاته، وقد أكدت عائلته أن السلطات أنكرت في البداية وجوده داخل قسم الشرطة.
وفي السياق ذاته، كشف المحامي محمد رمضان عن وفاة شابين آخرين في قسم شرطة المنشية بمدينة الإسكندرية (شمال) خلال يوم واحد؛ الأول هو رمضان السيد حسن، والذي احتُجز "بديلاً" لأخيه الذي كان مطلوباً، والثاني هو محمد أحمد سعد، والذي كان ينفذ حكماً بالسجن لمدة ستة أشهر، وتُوفي بعد أن رفضت إدارة قسم الشرطة نقله إلى المستشفى رغم مرضه، بحجة صعوبة الإجراءات الأمنية. وأكد المحامي أن عائلتي الضحيتين تعرضتا لضغوط أمنية لعدم الحديث عن الأمر، ما يثير المزيد من الشكوك حول ملابسات الوفاتين.
ويقول مصدر حقوقي لـ"العربي الجديد": تُثير هذه الوقائع المتكررة تساؤلات جدية حول غياب المساءلة القضائية، وضعف الرقابة على أجهزة الأمن. في الوقت الذي تُصر فيه السلطات المصرية على أن أوضاع السجون تتوافق مع المعايير الدولية، تُقدم التقارير الحقوقية وشهادات الضحايا صورة مغايرة تماماً، والممارسات التي تُسجّل، سواء في شكل تعذيب مباشر، أو إهمال طبي ممنهج، أو ظروف احتجاز غير آدمية، تتناقض صراحة مع الدستور المصري الذي يضمن الحق في الحياة ويحظر التعذيب".
ويضيف المصدر: "تؤكد المؤسسات الحقوقية، سواء المصرية أو الدولية، أن هذه الانتهاكات لا يمكن أن تُعتبر حالات فردية، بل هي جزء من خطر منهجي يتطلب تحقيقاً مستقلاً شفافاً، ومحاسبة عادلة للمسؤولين عن ارتكابها".
ويثير تكرار الوفيات في السجون المصرية قلقاً دولياً مستمراً، وتتحدث تقارير حقوقية عن أعداد كبيرة من الوفيات داخل أماكن الاحتجاز نتيجة الإهمال الطبي، وظروف الاحتجاز القاسية، وأحياناً التعذيب، ووثقت منظمات حقوقية أكثر من 50 وفاة بين السجناء في عام 2024 وحده.
وبحسب "مؤشر الديمقراطية" الدولي، بلغ عدد الوفيات الناتجة عن الإهمال الطبي المتعمد في السجون ومقار الاحتجاز المصرية بين عامي 2013 و2024 نحو 915 وفاة، ومنذ مطلع عام 2025، وثّقت تقارير حقوقية وفاة 13 سجيناً نتيجة الإهمال الطبي، أو التعذيب، أو الانتحار. وتُشير منظمات من بينها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إلى أن نزلاء السجون والمحتجين داخل أقسام الشرطة، وخاصة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، يحرمون من الرعاية الصحية اللازمة، وتُمنع عنهم الأدوية، أو تُؤخر، أو تُرفض طلبات نقلهم إلى المستشفيات.
كما أن ظروف الاحتجاز متردية، وتشمل التكدس الشديد في الزنازين، وسوء التهوية، ونقص التغذية، وقلة سبل النظافة، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض، فضلاً عن التعذيب وسوء المعاملة. وتصف المنظمات الحقوقية هذه الظروف بأنها "غير إنسانية"، وتؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفاة، خاصة بين المعارضين السياسيين والمحتجزين في قضايا سياسية، ما يعكس "سياسة ممنهجة للقتل البطيء".وتعزز شهادات السجناء الصورة القاتمة، إذ نشرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان رسالة مؤلمة للشاب هشام ممدوح، المحبوس منذ 12 عاماً، سُربت من داخل حجز قسم شرطة الخليفة في القاهرة، يُفصّل فيها معاناته من أمراض متعددة، ورفض نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، كما يؤكد تعرضه للضرب والإهانة، وتكرار محاولاته اليائسة للانتحار، مشيراً إلى ظروف الاحتجاز القاسية، التي تشمل الحرارة الشديدة، وانعدام للتهوية.
وأطلقت أسرة النزيل في سجن وادي النطرون (شمال غرب)، إبراهيم سعيد شحاتة، استغاثة عاجلة لإنقاذه من التعذيب على يد ضباط المباحث، والذي وصل إلى حد "كسر قدمه"، وتؤكد الأسرة أن ما يحدث ليس واقعة فردية، بل جزء من نمط ممنهج يتعرض له العديد من السجناء، وأن السلطات تتعهد بزيادة التنكيل بمن يشتكي.
اجمالي القراءات
20