اقتصاد القمامة" في العراق... فقراء في خطر

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٣ - أكتوبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


اقتصاد القمامة" في العراق... فقراء في خطر

يعيش رجال ونساء وأطفال في العراق من العمل في مكبات يتجاوز عددها 200 بحسب ما تفيد بيانات وزارة البيئة. ويُطلق محلياً اسم "النبّاشة" على ممارسي هذه المهنة، في حين تنتشر تحذيرات على مواقع التواصل من خطورة ما يحيط بالأطفال والعاملين فيها.تقول أم علي (45 عاماً) التي تمضي يوماً طويلاً في مكب شرقي العاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد": "أبدأ في فرز الزجاجات والبلاستيك والمعادن في الصباح، وأبيعها إلى تجار، وأكسب أحياناً ما يكفي للطعام، وأعود بلا شيء أحياناً أخرى. أعيش مع أربعة من أبنائي في غرفة صغيرة من صفيح قرب المكب، وتشبه حياتي مئات العائلات التي جعلت من القمامة مصدر رزقها الوحيد بعدما فقدت المعيل أو باتت بلا فرص عمل".
ويقول حسنين ذات (22 عاماً) الذي يصحو في ساعات الفجر الأولى لجمع الخردة لـ"العربي الجديد": "أبيع كيلوغراما واحدا من البلاستيك بنحو 500 دينار، أي أقل من نصف دولار، والنحاس بأكثر من 8 آلاف أي خمسة دولارات، والأسعار تتغيّر كل يوم لكن الخطر ثابت".
ويتفق باحثون ومسؤولون على أن معالجة "اقتصاد القمامة" لا تحصل عبر المنع أو الملاحقة، بل عبر تنظيم القطاع. ويقول الباحث الاجتماعي الدكتور أحمد الكعبي لـ"العربي الجديد": "يوفر هذا الاقتصاد غير الرسمي دخلاً لعشرات آلاف الفقراء، لكنه يُعمّق في الوقت نفسه التفاوت الاجتماعي، ويعرّض العاملين فيه لمخاطر صحية وجسدية ونفسية حادّة". يضيف: "لا يمكن إنكار أن هذا النشاط أصبح بديلاً اقتصادياً لشرائح مهمّشة، لكن غياب التنظيم الرسمي حوّله إلى بيئة استغلال يتحكم بها وسطاء وأصحاب نفوذ".
ويتحدث أيضاً عن أن "الدولة تستطيع إدماج جامعي النفايات في برامج رسمية لإعادة التدوير، وتزويدهم بطاقات عمل وأدوات وقاية كما تفعل دول في المنطقة. لم تعد هؤلاء مجرد ظاهرة ترتبط بمشكلة بيئية، بل مقياس لانهيار الخدمات وضعف العدالة الاجتماعية. وداخل مكبات القمامة، يتشكّل وجه آخر للبلاد عبر أشخاص متعبين يبحثون في الركام عن حياة أُهملت كما المدينة نفسها".

تحدق مخاطر كبيرة بـ"النبّاشة"، 26 اغسطس 2020 (مرتضى السوداني/ الأناضول)
تحدق مخاطر كبيرة بـ"النبّاشة"، 26 اغسطس 2020 (مرتضى السوداني/ الأناضول)
من جهتها، تحذر وزارة البيئة من التوسّع غير المنظّم للمكبات العشوائية التي تجاوز عددها 200 في العراق. ويقول أحد مسؤولي الذي رفض كشف اسمه لـ"العربي الجديد": "أعدّت الوزارة خطة لإعادة تأهيل مكبات خطرة بالتعاون مع منظمات دولية، لكن ضعف التمويل وعدم التزام الحكومات المحلية يعطّل التنفيذ".
ويشير إلى ان "الوزارة فرضت غرامات مالية على مكبات النفايات في بعض المحافظات بسبب عدم التزامها بالشروط البيئية، كما شكلت لجنة لمتابعة التلوث البيئي تضم وزارات وهيئات عدة لتعزيز التعاون وإعداد التقارير والخطط للحدّ من الانبعاثات والمخاطر".
ويؤكد وكيل وزارة البيئة جاسم الفلاحي أن النفايات الطبية تُصنف ضمن الخطرة التي تتطلب معاملة خاصة في كل مراحل التعامل معها، بدءاً من الجمع والنقل وصولاً إلى المعالجة. ويتحدث عن أن "العديد من المؤسسات الصحية لا تلتزم بالإجراءات المطلوبة في التعامل مع هذه النفايات بسبب الاستسهال أو الاستهتار بالقوانين، ما يشكل خطراً على الصحة العامة". يتابع: "رصدت وزارة البيئة استناداً إلى قانون حماية وتحسين البيئة تهاوناً واضحاً من دوائر الصحة في المحافظات، حيث تخلط النفايات الطبية مع تلك البلدية، وهذا أمر غير قانوني يعرّض المخالفين لمساءلة قانونية".
ويؤكد الفلاحي أن الوزارة تملك سجلات تتضمن عدداً كبيراً من المخالفات، حيث تبدأ الإجراءات القانونية ضد المخالفين بالإنذار، ثم الغرامة، وصولاً إلى الإحالة على القضاء مع إمكانية إغلاق المؤسسات غير الملتزمة. لكنه يقرّ بأن الوضع الصحي الراهن قد يفرض تحديات على تنفيذ قرارات الإغلاق.
ويشدد على أن "مسؤولية التعامل مع النفايات الطبية تقع على عاتق وزارتي الصحة والبلديات، وفق القانون. ووزارة البيئة ليست جهة خدماتية، بل رقابية تعمل لتشخيص المخالفات واتخاذ الإجراءات القانونية في حق الجهات الملوثة للبيئة، أكانت حكومية أو خاصة".
ويقول الدكتور في وزارة الصحة قسم الصحة البيئية علي عبد الإله لـ"العربي الجديد": "تتابع الوزارة بقلق الأوضاع الصحية لفئة جامعي النفايات والعاملين قرب المكبات العشوائية، بسبب ما يشكّله عملهم من خطر مباشر على سلامتهم الصحية والمجتمع المحيط بهم، فهم معرضون للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والتهابات القصبات والالتهاب الرئوي، نتيجة استنشاق الغازات السامة والأبخرة الناتجة عن تحلل المواد العضوية وحرق النفايات، وهم أيضاً شريحة مهمشة تحتاج إلى دعم ورعاية خاصة".
ويذكر أن "وزارة الصحة تعمل بالتنسيق مع وزارة البيئة وأمانة بغداد والبلديات من أجل تنظيم مواقع النفايات وضبط عمليات الحرق والتخلص منها بطريقة آمنة، وتوفير معدات الوقاية الشخصية، مثل الكمامات والقفازات، وتنظيم ورش توعية وبرامج فحص دوري للكشف المبكر عن الأمراض التنفسية. كما تسعى الوزارة إلى إصدار تعليمات وتشريعات جديدة تضمن تحسين معايير الصحة والسلامة المهنية في قطاع الخدمات البلدية، وإجراء دراسات ميدانية لرصد حالات المرض وتحليل جودة الهواء في المناطق القريبة من المكبات بهدف بناء قاعدة بيانات دقيقة تضع سياسات صحية فعّالة لحماية المواطنين والعاملين في المجال".وترى منظمة "نايا" للدفاع عن حقوق الإنسان أن "من أهم حقوق الإنسان العيش الكريم"، وتعتبر أن سكن عائلات قرب مكبات النفايات وفي مناطق عشوائية يهدد صحة أفرادها وسلوكهم". ويقول مديرها ياسر إسماعيل لـ"العربي الجديد": "العيش بين النفايات انتهاك صارخ لحقوق الإنسان الأساسية، لا سيما الحق في الصحة والبيئة النظيفة والسكن اللائق. ومواصلة الحكومة السماح بانتشار هذه المساكن من دون أن تتدخل لحماية العائلات يخرق بوضوح التزاماتها الدستورية والدولية. وندعو وزارات الصحة والبيئة والبلديات إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإزالة هذه الظواهر الخطرة، وتوفير بدائل سكنية ملائمة، وتقديم دعم صحي ونفسي فوري للسكان المتضررين، وضمان مشاركتهم في أي خطة لإعادة الإسكان".

اجمالي القراءات 6
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more