استبعاد مرشّحي أحزاب المعارضة المصرية من الانتخابات البرلمانية
أثار استبعاد عدد من مرشحي أحزاب المعارضة المصرية من سباق الانتخابات البرلمانية حالة من الغضب بين أوساط السياسيين، لا سيّما مع الحديث الدائر إعلامياً حول عدم هيمنة أحزاب السلطة على تشكيل مجلس النواب، وإفساح المجال في مجموعة كبيرة من الدوائر الفردية للمستقلين، ومرشّحي الأحزاب غير المنضوية تحت لواء "القائمة الوطنية" الموالية للرئيس عبد الفتاح السيسي.
ورصد "العربي الجديد" عدم دفع أحزاب مستقبل وطن وحماة الوطن والجبهة الوطنية والشعب الجمهوري التي تقود القائمة بمرشحين عن دوائر بعينها، وإخلائها لصالح ممثلين عن أحزاب "المعارضة الصديقة" المؤتلفة معها في القائمة، مثل المصري الديمقراطي والعدل والإصلاح التنمية. وفي المقابل الدفع بمرشحين بارزين أمام ممثلي أحزاب المعارضة الحقيقية، فضلاً عن استبعاد عدد منهم بـ"حجج واهية" من قوائم المرشحين.
وعلى خلاف ما روجت له قيادات القائمة الوطنية من إخلاء 40 دائرة فردية من أصل 143 للمستقلين وأحزاب المعارضة، فإنّ عدد الدوائر التي لم تدفع فيها الأحزاب الأربعة الرئيسية في القائمة بمرشحين لا يزيد على سبعة دوائر، فضلاً عن ترشح عدد كبير من كوادر هذه الأحزاب بصفة "مستقل"، رداً منهم على عدم الدفع بهم كمرشحين عنها.
ففي دائرة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة على سبيل المثال، ترشح محمد الحسيني ومحمد إسماعيل القياديين السابقين في مستقبل وطن بصفة مستقل، فضلاً عن ترشح أمين الحزب السابق في المحافظة علي خليفة عن حزب العدل، كما ترشح النائب السابق عن مستقبل وطن حسن عمار مستقلاً بدائرة بورفؤاد في بورسعيد، وعلى دربه ثلاثة من كوادر الحزب في محافظة أسوان، وهم: إدريس الحاج والشاذلي الزعيم وجلال أبو الحسن.من جهتها، استبعدت الهيئة الوطنية للانتخابات 39 مرشحاً من جداول الدوائر الفردية، 11 منهم ينتمون إلى أحزاب التحالف الشعبي الاشتراكي والدستور والمحافظين، وهي أحزاب رئيسية في "الحركة المدنية الديمقراطية" المعارضة للنظام، إمّا بدعوى عدم أداء الخدمة العسكرية، أو استيفاء الأوراق المطلوبة للترشح، أو الإخفاق في اجتياز الكشف الطبي، بما في ذلك تحاليل الكشف عن المخدرات.
وقضت محكمة القضاء الإداري في محافظة الإسكندرية، أمس الأحد، برفض الطعن المقدم من النائب السابق هيثم الحريري، على قرار استبعاده من خوض الانتخابات عن دائرة محرم بك، رغم تمثيله السابق عن الدائرة في مجلس النواب (2015-2020)، بحجة عدم تقديمه ما يفيد أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها. وذكر الحريري، في طعنه، أنه قدم أوراق ترشحه في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، مع بداية المدة القانونية التي حدّدتها الهيئة لتلقي أوراق المرشحين، مشيراً إلى استيفاء ملفه جميع المستندات المطلوبة، وعددها 13، ومنها صحيفة الحالة الجنائية، وشهادة إبراء الذمة المالية، وشهادة الموقف من التجنيد، وغيرها من الأوراق المنصوص عليها في قانون مباشرة الحقوق السياسية.
ولم تبدِ لجنة تلقي الطلبات أي ملاحظات أو تحفظات أثناء تسليم أوراقه، غير أنه فوجئ باستبعاد اسمه من كشوف المرشحين، بما يخالف أحكام الدستور، ومبدأ المساواة بين المواطنين المنصوص عليه في القانون، وأكد الحريري أنه تخرج من كلية الهندسة عام 1999، وسلم نفسه لأداء الخدمة العسكرية، إلّا أنه صدرت له شهادة إعفاء من أدائها باستثناء من وزير الدفاع، وفقاً لصلاحياته، ورؤيته للصالح العام. وبين الحريري أنه وضع نفسه تحت تصرف القوات المسلحة، ولم يكن استثناؤه من أداء الخدمة العسكرية بإرادته، وهو ما يجعله قانوناً في حكم من أعفي من أداء الخدمة، إذ إن المشرع منح وزير الدفاع سلطة استثناء فئات بعينها من التجنيد لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي، والمصلحة العامة.
أيضاً، استبعدت الهيئة الوطنية مرشح حزب التحالف الشعبي عن دائرة المنصورة في محافظة الدقهلية محمد عبد الحليم، تحت مزاعم ثبوت تعاطيه المخدرات، رغم تقديمه شهادة رسمية صادرة عن معامل وزارة الصحة تفيد بعدم تعاطيه أي نوع من المخدرات. وبذلك أبقت الهيئة فقط على مرشح الحزب عن دائرة دمنهور بمحافظة البحيرة زهدي الشامي، بعد استبعاد الحريري وعبد الحليم.
وفي اجتماع موسّع لأعضاء المكتب السياسي في حزب التحالف لمناقشة تداعيات الاستبعاد، قال رئيس الحزب، مدحت الزاهد، إنّ استبعاد مرشحي أحزاب المعارضة المصرية من الانتخابات يمثل رسالة سياسية مضمونها أن "باب البرلمان مغلق أمام أي صوت معارض أو مستقل، وبأن نتائج الانتخابات محسومة سلفاً بعد إغلاق باب التعدد من خلال قائمة واحدة مغلقة من دون منافسين، وإقصاء المرشحين على المقاعد الفردية واحداً تلو الآخر".
وأضاف الزاهد أن "المسار المعادي للديمقراطية الذي ينتهجه النظام لا يعكس أزمة انتخابية فحسب، بل يشكل خطراً على مستقبل الحياة السياسية في مصر، لأنه يغذي الإحباط واليأس لدى الأجيال الجديدة الباحثة عن بدائل سلمية للتعبير عن الرأي"، وحذر من تداعيات سلب حقوق المواطنين في الترشح، واختيار من يمثلهم في البرلمان، إذ لا يبقى أمامهم سوى "الانفجار".
وكان المحامي محمد أبو الديار، مدير حملة المرشح الرئاسي السابق أحمد الطنطاوي، قد اتهم الهيئة بـ"منعه عمداً من ممارسة حقه الدستوري في الترشح للانتخابات عن دائرة قلين بمحافظة كفر الشيخ، بعد حذف اسمه من قاعدة بيانات الناخبين، بالرغم من تمتعه بجميع حقوقه السياسية"، وحُكم على أبو الديار بالسجن لمدة عام، بعد اتهامه بتوزيع استمارات تأييد غير مصرح بها لدعم ترشح الطنطاوي في انتخابات الرئاسة عام 2023.
وتقدم مرشح حزب الدستور عن دائرة بلقاس بالدقهلية أحمد الشربيني بطعن على قرار استبعاده من كشوف المرشحين التي أعلنتها الهيئة، نظراً لأنه لا يزال على قوة الاحتياط في القوات المسلحة. واشترط القانون ألّا يقل سن المرشح للانتخابات النيابية عن 25 عاماً، وبالتالي لا يمكن للمرشحين الأصغر سناً الانتهاء من مدة الاحتياط في الجيش، التي تصل إلى تسع سنوات، الأمر الذي مثل إخلالاً لمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين.
بدوره، أعلن حزب المحافظين انسحاب عدد من مرشحيه من سباق الانتخابات، بسبب احتكار المقاعد الفردية لصالح مرشحي أحزاب القائمة الوطنية. وأشار الحزب إلى تراجع عدد مرشحيه من 29 إلى 13 مرشحاً، محذراً من تعاظم دور المال السياسي في حسم مقاعد البرلمان، وإضعاف فرص المرشحين المستقلين أو الحزبيين من خارج "قائمة الدولة".
يذكر أن الهيئة الوطنية استبعدت جميع القوائم المنافسة لـ"القائمة الوطنية" على نظام القوائم المغلقة بالانتخابات، ولم تتضمن الكشوف التي أعلنتها قائمة "الجيل" التي ترشحت عن قطاعَي شرق وغرب الدلتا، وقائمتَي "صوتك لمصر" و"نداء مصر" عن قطاع غرب الدلتا، ما يضمن فوز القائمة المدعومة من النظام الحاكم (تضم 12 حزباً موالياً) بجميع المقاعد المخصّصة للقائمة بإجمالي 284.
وقسم قانون مجلس النواب المقاعد مناصفة بين نظام القوائم المغلقة والنظام الفردي بإجمالي 568 مقعداً، مع منح رئيس الجمهورية الحق في تعيين نسبة 5% من إجمالي عدد الأعضاء، أي 28 نائباً من أصل 596. وتجرى الانتخابات على مرحلتَين، الأولى خارج البلاد يومَي 7 و8 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وفي داخل مصر يومَي 10 و11 نوفمبر. والثانية بالخارج يومَي 21 و22 نوفمبر، وفي الداخل يومَي 24 و25 منه. ولأول مرة منذ عام 2011، يشرف أعضاء من هيئتَي قضايا الدولة والنيابة الإدارية على عمليات الاقتراع والفرز، بدلاً من الجهات القضائية ممثلة في القضاء العالي والنيابة العامة ومجلس الدولة، بعد تطبيق النص الدستوري الخاص بإلغاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، بمضي عشر سنوات من تاريخ إقرار دستور 2014.
اجمالي القراءات
10