الجنوب العالمي يختنق بالديون.. هل يستطيع الغرب إنقاذه قبل الانفجار؟
تتصاعد أزمة الديون في دول الجنوب العالمي بوتيرة تنذر بخطر اقتصادي واجتماعي متفاقم، في وقتٍ تتراجع فيه المساعدات الغربية وترتفع كلفة الاقتراض عالمياً، نقلاً عن الغارديان.
فوفقاً لتحليل حديث لمنظمة التمويل الإنمائي الدولي (DFI)، فإن خدمة الديون تستهلك حالياً نحو 45% من إيرادات الحكومات في الدول النامية.
بينما تصل النسبة إلى 70% في الدول منخفضة الدخل، ما يجعل الحكومات تنفق أكثر بثلاث مرات على الديون مما تنفقه على التعليم، وأربع مرات أكثر مما تخصصه للصحة.تعكس بيانات الدين العام حجم الفجوة الهائلة بين الاقتصادات المتقدمة والنامية، إذ تتصدر الولايات المتحدة القائمة بدين عام يتجاوز 35 تريليون دولار، ما يعادل أكثر من عشرة أضعاف حجم الدين في اليابان التي تأتي في المرتبة الثانية بنحو 9.5 تريليون دولار، رغم كونها من أكثر الدول انضباطاً مالياً من حيث نسبة الدين إلى الفائدة المنخفضة.
وفي أوروبا، تُظهر الأرقام أن المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا ما زالت تتحمل أعباء ديون مرتفعة تتراوح بين 2.9 و3.6 تريليون دولار، نتيجة السياسات التوسعية التي اتُّبعت بعد الأزمات المالية وجائحة «كوفيد-19».
أما في الاقتصادات الناشئة، فتبرز الصين بدين عام يبلغ نحو 16.5 تريليون دولار، يعكس النمو السريع في الاقتراض الحكومي لتمويل البنية التحتية وتحفيز الاقتصاد في ظل تباطؤ النمو الصناعي.
وتأتي الهند في المرتبة التالية بنحو 3.1 تريليون دولار، ما يشير إلى توسع مالي مدروس يهدف إلى دعم برامج التنمية.
وفي أميركا اللاتينية، تظهر البرازيل بدين يقارب 1.9 تريليون دولار تليها المكسيك بنحو تريليون دولار، ما يعكس تحديات مزمنة في ضبط العجز المالي وارتفاع تكاليف الاقتراض الخارجي.
إفريقيا في الواجهة: من إثيوبيا إلى زامبيا
برزت الأزمة مجدداً الأسبوع الماضي عندما واجهت إثيوبيا تهديداً قضائياً من دائنيها في المحاكم البريطانية بعد فشل مفاوضات إعادة هيكلة ديون بقيمة مليار دولار.
وفي دول أخرى مثل زامبيا وتشاد وجنوب السودان، عرقل المقرضون من القطاع الخاص جهود إعادة الجدولة لسنوات، ما أدى إلى تجميد مشاريع التنمية وتأزيم الأوضاع المعيشية.
ويحذر خبراء من أن استمرار هذا المسار قد يحوّل أزمة الديون إلى أزمة ديمقراطية، إذ تجد الحكومات نفسها عاجزة عن الوفاء بوعودها الاجتماعية أو الاستثمار في مواطنيها.
خيبة أمل من اجتماعات واشنطن
كانت الآمال معلقة على اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن الأسبوع الماضي، إذ ترأست جنوب إفريقيا مجموعة العشرين (G20) لهذا العام.
ورغم إقرار الوزراء بخطورة الوضع في البيان الختامي، لم تتضمن الاجتماعات أي حلول عملية، إذ رفضت الصين مقترحاً بتكليف الصندوق ببحث آليات دعم أوسع للدول المتعثرة.
وقال مدير منظمة التمويل الإنمائي الدولي، ماثيو مارتن إن البيان «لن يغير شيئاً في حياة الناس في الدول الفقيرة»، مؤكداً أن البنية الحالية لإدارة الديون باتت غير عادلة وغير فعالة.
«ديون مستدامة» بلا حياة كريمة
تساءلت مديرة الحملة العالمية لمنظمة لاتينداد في أميركا اللاتينية، باتريشيا ميرندا، بمرارة «كيف يمكن القول إن ديوننا مستدامة بينما شعوبنا لا تجد ماءً نظيفاً أو غذاءً كافياً أو خدمات صحية أساسية؟».
وتطالب المنظمات الحقوقية بإصلاح آلية تحليل الاستدامة المالية لصندوق النقد الدولي، بحيث تُراعى فيها الأبعاد الاجتماعية وليس فقط الحسابات المحاسبية.
مطالب بإصلاح الإطار القانوني للدين الدولي
من بين أبرز المقترحات الحالية، تعديل القوانين البريطانية التي تنظم ديون القطاع الخاص بحيث تُمنع الشركات المقرضة من مقاضاة الحكومات خلال مفاوضات إعادة الجدولة، كما حدث في حالة إثيوبيا.
وتدعم منظمات التنمية في لندن هذا التوجه، محذّرة من أن استمرار الوضع الراهن يسمح للمستثمرين التجاريين بالحصول على شروط أفضل من المؤسسات متعددة الأطراف، ما يفاقم عبء الديون.
بريطانيا تتردد.. والضغوط تتزايد
رغم إبداء حزب العمال البريطاني اهتماماً أولياً بهذه الإصلاحات، فإن الحماس تراجع بعد قرار الحكومة خفض ميزانية المساعدات من 0.5% إلى 0.3% من الدخل القومي.
ويرى محللون أن الضغوط من القطاع المالي تقف خلف هذا التراجع، فيما حذّر مدير السياسات في منظمة ديت جاستس، تيم جونز، من أن «الإصلاحات الحالية بطيئة جداً وتترك الدول على حافة الانهيار».
ودعا جونز بريطانيا إلى استغلال رئاستها المقبلة لمجموعة العشرين عام 2027 للدفع نحو نظام أكثر عدلاً وسرعة في تقديم إعفاءات الديون.
اجمالي القراءات
10