فلسفة الخُدام .. قصة قصيرة :
فلسفة الخُدام .. قصة قصيرة

شادي طلعت Ýí 2025-07-05


 

في بهو قصر مهيب، خُدام كُثر منشغلون في حركات رتيبة، يغمرهم الرضا الكاذب.

ويجلس الخادم (راضي) إلى جانب زوجته الخادمة (أنيسة)، يتبادلان أطراف هذا الحديث :

 

- الخادم راضي : 

يا أنيسةُ، ما رأيك لو نرقى، لا بالخطى، بل بالخُطاب، فنجعل من بنتنا وجدان، باباً نحو الجاه، والإحسان.

 

- الخادمة أنيسة (بتعجب) : 

وبأي سُلم يا راضي، نصعد إلى أعلى واد، و (وجدان) إبنتنا، لم تبلغ بعد الحُلم، ولا تدرك خفايا الحكم، والجاه.

 

- الخادم راضي (بابتسامة مريبة) :

إن (وجدان)، وإن كانت في العاشرة، لؤلؤة بين المحارة، وإن أحسنا تربيتها، وزينا طلعتها، غدت مطلباً للأسياد، لا للمساكين والعباد، أما تذكرين زواج (السيد/ عزيز) من إبنة العامل، التي أهدى لأهلها المال الوفير.

 

- الخادمة أنيسة (بتنهيدة) : 

لكنه زواج لم يدم شهرين، حتى طلقها بين صبح وعين. 

 

- الخادم راضي (بثقة) : 

لكن اهلها باتوا من مهرها مبسوطي الحال، ويحسبونه يقين النعيم، وإن نحن ربينا إبنتنا (وجدان) على خُلق وفتنة، فربما دام الزواج، وصارت لنا الرفعة.

 

- الخادمة أنيسة (بعين تتقد طمعاً) : 

ما دام الأمر كذلك، فدع عنك الشك، وابدأ السبك.

 

وبعد أن بلغت (وجدان) الخامسة عشرة، وباتت في أجمل صورة، تأمرها أمها بأن تذهب بالقهوة إلى السيد/ عزيز، فتدخل عليه بهدوء، وتنحني أمامه، فيتأملها بنظرات زائغة، ثم يأمرها : بأن تذهب، وتنادي على والدها الخادم (راضي)، وإذ به يأتي مسرعاً لسيده، ويقول له : سيدي ومولاي ... 

 

- السيد عزيز :

يا راضي، لقد راق لي طيف ابنتك، واستراح لي وصف طلعتها، أريدها زوجة، حلالاً، لا حراماً.

 

- الخادم راضي (متصنعاً التحفظ) :

لكنها دون السن يا مولاي، وقد لا يرضى المأذون بعقد قرانها لصغر سنها.

 

- السيد عزيز :

وما المأذون إن بدت كأنها ابنة العشرين، وما النكاح إن لم يكن بالإشهار المبين.

 

- الخادم راضي (مستبشراً):

لك ذلك يا مولاي، وسيدي، ولكن .. أمها قد تطلب المهر أضعافاً، والشبكة أثقالاً.

 

- السيد عزيز :

دع امها تأخذ ما تشاء، إنما أريدها لذة ومقاماً.

 

ويتم الزواج على عجل، ويعلو شأن الخادم (راضي) في القصر، وينظر إليه باقي الخُدام بعين الحسد ... وبات كُل الخُدام يجهزون بناتهم، عسى يتزوجن كما تزوجت (وجدان).

وينجح تدبير الخُدام، وتتعاقب الفتيات، وتتكرر المآسي، وجميعهن تزوجن من نفس الشخص السيد/ عزيز. 

 

حتى وصلت زيجات السيد/ عزيز إلى ثلاثين زيجة من بنات الخُدام، وثلاثين طلاق مثلها. 

 

ودامت حياة السيد/ عزيز لـ أربعين عاماً، وكان الخادم (راضي) فيها سيد السفهاء، لا الحكماء.

فكُل خادم صار يُهدي عذراؤه، عسى أن يُرفع ذكرُه، وينسى ذُله.

 

حتى مات السيد/ عزيز، وفي يوم عزاءه، جاء السيد/ شريف، يدخل القصر متأنقاً، ليقدم وجب العزاء، وكان شاباً، وسيماً، غنياً، وبعد أن أنهى واجب العزاء، ذهب يدنو من الخادم (راضي)، وطلب منه أن يلحق به في قصره، بعد إنتهاء العزاء. 

 

وذهب الخادم (راضي) يهرول إلى السيد/ شريف، وبدأت المحادثة بينهما :

 

- السيد شريف :

يا راضي، سمعتُ عنك رواية تُحكى في المجالس، وتدون في الدفاتر، أريدك عندي، لا خادماً، بل وكيل تنتقي لي العرائس العذارى.

 

- راضي (بدهشة مصطنعة) :

وهل هذا عمل يُشرف أحد يا سيدي، أم وظيفة تنكس الجبين. 

 

- السيد شريف (ساخراً) :

ألم تعرض ابنتك بالأمس، فما الفرق إن قدمت بنات الناس اليوم، النكاح واحد، والمقصد لذة، والخُدام دوماً وسيلة.

 

- الخادم راضي :

دعني أستشير زوجتي (أنيسة)، فهي شريكتي في الرأي، والكيد.

 

وذهب الخادم (راضي) لزوجته الخادمة (أنيسة) ودار بينهما الحوار التالي :

 

- الخادم راضي :

يا أنيسة، ما رأيك في العرض، أهو جنة أم مهلكة.

 

- الخادمة أنيسة :

بل هو نعيم وفير، وجاه كبير، وإن لم نقبله، أخذه سوانا، ألسنا نحن من علمنا إبنتنا (وجدان) كيف تكون السلعة، فلنكمل الطريق إذاً.

 

وقبل الخادم (راضي) الوظيفة عن حب، وشغف.

 

وجاء يوم عيد الأضحى، وفي ساحة القصر .. ذبح السيد/ شريف، مائة خروف، وبعث لكُل الخُدام، حتى توزع الأضاحي عليهم.

 

وبعد إنتهاء توزيع الأضاحي، طلب السيد/ شريف، من خادمه ان يطلب من الطباخ أن يطهو له (مخ) من رأس خروف. 

لكن الخادم أخبره بنفاذ كُل رؤوس الأضاحي، فدار هذا الحوار بين السيد/ شريف، وخادمه :

 

- السيد شريف (متعجباً) :

أين الرؤوس، أضاعت كُل رؤوس الخراف.

 

- الخادم :

بل اقتنصها الخُدام يا سيدي، ظناً منهم أن من يمسك بالرأس، ملك العقل، والفهم.

 

- السيد شريف (ضاحكاً) :

ها قد فهمت الآن ... فمن أدرك فلسفة الخُدام، استراح من الأوهام، وارتاح في الأحلام.

هل تراهم مالوا لأكل الرؤوس لوجود العقل فيها. 

أم أن للقرون طلعة اختزلت فتنة الأزمنة، فسكنت النفوس قبل أن تراها الأعين. 

 

قصة : شادي طلعت 

 

#شادي_طلعت

#فلسفة_الخدام

#قصة_قصيرة

اجمالي القراءات 10

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-11-20
مقالات منشورة : 345
اجمالي القراءات : 4,114,607
تعليقات له : 79
تعليقات عليه : 229
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt