فلسفة الخوف و الجوع :
فلسفة الخوف و الجوع

أسامة قفيشة Ýí 2017-10-30


فلسفة الخوف و الجوع

لمن ينكر الحياة الأبدية فإن فلسفة الخوف و الجوع هي من أبسط الدلائل على حقيقتها , فهي حاضرةٌ في ذهن الجميع , يعايشها الجميع يوماً بيوم و في كل لحظة , و هي الهاجس الذي لا يفارقنا للحظه , يرافقنا منذ اليوم الأول فنرى الطفل يبكي حين يجوع و يبكي لحظة دخوله لعالمه الجديد و كأنه كان يظن في رحم أمه بأنه خالداً فتبدل شعوره الآمن خوفاً .

فلسفة الخوف و الجوع لهي الدليل على صدق و حقيقة الحياة الأبدية , فكيف بنا لا نتفكر بها و هيترافقنا فيأصل الوجود و أصل الخلود ,

فهذا الشعور الذي نحياه ساعين خلفه لهو دليلٌ قاطعٌ على الخلود , و لولاه لما كان هناك معنى للحياة الآخرة الأبدية ,

منذ أن خلق الله جل وعلا آدم و أسكنه في الجنة كان الخوف و الجوع و البقاء أبرز هواجس هذا المخلوق , لو أدرك آدم عليه السلام فلسفة هذا الهاجس و تتخلص من تلك الشكوك لأيقن بأن خلقه كان من أجل الخلود ,

أراد الله جل وعلا و هو العليم الخبير بما خلق أن يطمئن آدم عليه السلام كي لا ينساق خلف هواجسه المتاحة له بسبب امتلاكه للعقل المفكر فقال له جل وعلا ( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ ) 118 طه , تلك الهواجس بالفناء الكلي لهذا المخلوق كان دافعها الخوف و حب البقاء , فكانت فلسفة الخوف و الجوع دليلاً قاطعاً على خلوده , فلو أنه لم ينساق خلف هواجسه لاستمر بوجوده في الجنة خالداً فيها و لم يمسه الفناء اللحظي الذي سيصيبه في الدنيا ,

لم يتيقن آدم عليه السلام بأنه قد خلق ليبقى خالداً فكان هاجس الفناء يراوده و يطارده , فمن هنا تبين لإبليس نقطة ضعفه , فكانت هي النافذة التي ينفذ من خلالها للسيطرة عليه و دفعه نحو العصيان , هذا الهاجس هو هاجسٌ شيطاني ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ ) 120 طه ,

و يستمر هذا الهاجس الشيطاني يراودنا جميعاً , نخافه و نحاول الهرب منه فنرتكب ما نرتكب من أجل تأمينه و الحفاظ عليه , على الرغم من حتمية الخلود لنا جميعاً , فكان الموت اللحظي المتمثل بالنوم راحةً لنا نهرب من خلاله من هذا الهاجس دون جدوى ,

و كان الفناء اللحظي بالموت لا يشير للفناء التام أو الخلاص , بل يؤكد على حقيقة الحياة الأبدية و الخلود لكل نفس ,

فالموت الحقيقي ما هو إلا مرحلة انتقالٍ كما الولادة سنخافه و نبكي منه ظناً بأنها النهاية أو الفناء , و ظناً منا بأننا كنا قبله خالدين كظن الطفل في رحم أمه .

مخاوف آدم عليه السلام في الجنة لم تكن مخاوف حقيقية , إنما هي هواجسٌ تحكم بها الشيطان و أودت به للعصيان , فتحولت تلك الهواجس لمخاوف حقيقيةٌ على الأرض يتصارع من أجلها الجميع ,

فجاء الموت تتويجاً لهذا الخوف , و واضعاً له الحد بالفناء الجزئي ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) 8 الجمعة ,

هاجس الخوف و الجوع ذو حدين , فهو الدافع للعصيان و مفتاح الشيطان , و هو أيضاً عقاباً إلهياً لكل من عصى , فقال جل وعلا ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ *الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ) 3-4 قريش , و قال سبحانه (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) 112 النحل ,

كما أنه يعد من أساسيات الاختبار و البلاء الدنيوي (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) 155 البقرة ,

 فالإنسان قد خلق للخلود و الأبدية , فلا تواجد للفناء الكلي بل هو فناءٌ جزئي ,

مع العلم بأن الخلود و الأبدية و الأزلية هي أمرٌ غيبي لا ندركه و لا ندرك أبعاده , بل يشار بكل تلك المفردات للفترة الزمنية التي لا ندركها نحن , بل هي من اختصاص الخالق جل وعلا فهو خالق هذا الزمن و المهيمن عليه و المتصرف به و هو راجعٌ لمشيئته جل وعلا , فالخلود هو مدةٌ زمنيةٌ لا نعلم كمّها خاضعةٌ لأمر الله جل وعلا ,  و الخلود هو زمنٌ يعتمد على مشيئة خالقه قد ينتهي بالفناء الكلي للإنسان و قد لا ينتهي ,       

أما الموت و الحياة فيعبران عن سقفٍ زمنيٍ محدود , عكس الخلود و الأبدية فسقفها الزمني مفتوح بمشيئة خالق الزمن سبحانه و تعالى .

 

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

سبحانك إني كنت من الظالمين 

اجمالي القراءات 11274

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   سعيد علي     في   الإثنين ٣٠ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[87386]

لو كنا نعلم فالدار الآخرة هي الحيوان


الزمن و كينونته هو مفتاح لمعرفة الأمد و الأبد ! الخلود زمن لا ينتهي و الدار الآخرة هي الأبدية يقول جل و علا : ( وما هذه الحياة الدنيا الا لهو ولعب وان الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ) يتوقف الزمن فور الوفاة و وقت النشور يبدأ زمنا آخر في علم الله جل و علا .

حياة أخرى تبدأ بمفاهيم زمنية أخرى إما نعيم أبدي و إما عذاب أبدي و تبقى هذه الحياة الدنيا لهو و لعب !!





 



2   تعليق بواسطة   أسامة قفيشة     في   الثلاثاء ٣١ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[87397]

الخلود و الزمن


تحياتي لك أخي سعيد شاكراً لك على تلك المداخلة ,



ما قمت بطرحه في هذا المقال من استنتاجات تدفعنا جميعاً للاعتراف بأن الخلود هو في حد ذاته فترة زمنية ,



و كل فترة من الزمن لها بداية و لها نهاية , لا نعرف حقيقة ذلك الزمن في الحياة الآخرة , و لا نستطيع تقديره أو تحديده بمعرفة أيامه ,



فلا يمكن لنا بأن ندعي و نصف أي فتره زمنية مهما كانت تسميتها بأنها لا متناهية ما دامت في أصلها خاضعة للزمن ,



بالنسبة للأمد , فهو فترة محدودة زمنياً , أنظر لقوله جل وعلا ( ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ) , و لقوله ( تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ) فالأمد سواء كان بعيداً أو كان قريباً يبقى محصوراً ضمن حدوده .



أما الأبد فهو وصفاً للقطع عائدٌ على المقطوع , و مقترنٌ بفترته , أنظر لقوله جل وعلا ( مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ) فالأبد مقرونٌ بفترة المكوث , و لقوله ( وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ) مقرونٌ بفترة التمني , و لقوله ( لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ) مقرونٌ بفترة حياته , و لقوله ( مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا ) مقرونٌ ببقائه , و لقوله ( بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَدًا ) مقرونٌ بفترة تواجد الرسول و المؤمنون و أهليهم , و لقوله ( خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) مقرونٌ في فترة الخلود و هكذا في جميع الحالات .



و الخلود كما قلت في مقالي بأنه يشار به لفترة زمنيه فذلك من قوله جل وعلا ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) ,



فسواء أهل الجنة بخلودهم فيها و أهل النار بخلودهم فيها فإن هذا الخلود محصورٌ في قوله ( إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) إذا فالخلود هو فترة زمنية تخضع لمشيئة الله جل وعلا و هو المحدد لها , فجاء التعقيب بقوله ( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) , و قد ورد الخلود مقرناً و محصوراً بمشيئة الله أيضاً في قوله سبحانه ( قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّه ) ,



و علينا بأن ندرك أن مفهوم الخلود بالجنة أو النار مرتبط بعدل الله جل وعلا الذي لا ظلم فيه , و هذا يجعلني و يدفعني للقول بأن الخلود لا يعني اللانهائية .   



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-04-09
مقالات منشورة : 196
اجمالي القراءات : 1,556,421
تعليقات له : 223
تعليقات عليه : 421
بلد الميلاد : فلسطين
بلد الاقامة : فلسطين