بعثة استكشافية تحقق اكتشافًا مذهلًا في قاع البحر بالقارة القطبية الجنوبية
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- خلال بعثة استكشافية للبحث عن حطام سفينة شهيرة، اكتشف الباحثون أمرًا غير متوقع، أنماطًا هندسية مذهلة في قاع بحر "ويدل" الغربي، في القارة القطبية الجنوبية أنتاركتيكا، أنشأتها الأسماك.
وكان قاع البحر في السابق مخفيًا تحت كتلة جليدية سميكة، لكن ذلك تغير في يوليو/ تموز من العام 2017، عندما انفصل الجبل الجليدي الضخم A68 عن كتلة "لارسن" الجليدية.
وقد بلغت مساحة الجبل الجليدي 5,800 كيلومتر مربع، أي ما يعادل تقريبًا مساحة ولاية ديلاوير الأمريكية.
وانتهز الباحثون الفرصة لدراسة قاع البحر الذي كان مخفيا في السابق، ونظموا "بعثة بحر "ويدل" الاستكشافية للعام 2019"، من أجل هدفين رئيسيين، الأول استكشاف الأحياء البحرية في بحر "ويدل" الغربي، والثاني البحث عن حطام السفينة HMS Endurance، التي حوصرت في الجليد وتفككت في نهاية المطاف في العام 1915.
وأبحر الباحثون في يناير/ كانون الثاني من العام 2019، في رحلة استكشافية استمرت 49 يومًا على متن سفينة البحث القطبية الجنوب أفريقية "SA Agulhas II".
القارة القطبية الجنوبية
تُناور سفينة البحث القطبية الجنوب أفريقية "SA Agulhas II" عبر المياه الجليدية خلال البعثة الاستكشافية.
Credit: Dr. Michelle Taylor/Weddell Sea Expedition 2019
وللمفارقة، واجهت البعثة ظروفًا قاسية من الجليد البحري تشبه إلى حد كبير تلك التي واجهتها سفينة Endurance قبل أكثر من قرن، ما حال دون تمكّن الفريق من البحث عن الحطام.
من جهتها، قالت الدكتورة ميشيل تايلور، المحاضِرة الأولى بكلية علوم الحياة في جامعة إسكس البريطانية:"شكل الجليد البحري تحديدًا، تحديًا كبيرًا، إذ كان هناك في ذلك الوقت انسداد وتراكم للجليد حول تلك المنطقة، كنا نتجه مباشرة نحو هذا العائق".
وتايلور هي المؤلفة المشاركة في دراسة جديدة نُشرت في دورية "Frontiers" حول ما اكتشفته البعثة.
ورغم أنهم لم يعثروا على حطام السفينة، إلا أن البعثة وثّقت لقطات ثمينة تحت الماء تظهر الحياة البحرية التي تسكن أعماق بحر "ويدل" المتجمدة. وقد رصدت المركبة الغاطسة التابعة لسفينة البحث التي يتم التحكم بها عن بعد، ويطلق عليها اسم "Lassie"، سلسلة من الأعشاش المرتبة في أشكال مميزة تمتد عبر قاع البحر.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة روس كونلي، الباحث في مرحلة الدراسات العليا بكلية علوم الحياة في جامعة إسكس: "وجود أكثر من ألف عش محفوظ ضمن المناطق التي تمت دراستها يُظهر أن استكشاف عالمنا ما زال مستمرًا، مع اكتشافات جديدة تظهر باستمرار".ويبرز هذا الاكتشاف التنوع الكبير للحياة التي تزدهر في مكان يشهد تغيرًا مناخيًا سريعًا، ولهذا السبب يطالب العلماء بسنّ قوانين لحماية النظام البيئي الهش في بحر "ويدل".
أما عن حطام السفينة HMS Endurance، فقد اكتشف في نهاية المطاف خلال بعثة استكشافية العام 2022.
حيّ هندسي
بينما كانت المركبة Lassie تمر فوق قاع بحر "ويدل"، ظهرت فجوات كبيرة في الرمال. وكانت البقع الدائرية تبدو مرتّبة مقارنة بما يحيط بها، خالية من طبقات العوالق المتحللة التي شوهدت في أماكن أخرى من القاع.
وقال كونلي:"كانت هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها هذا الجزء من قاع البحر، لذا كان من المتوقع دومًا وجود قدر من الغموض".
وعندما فحص العلماء لقطات الفيديو التي التقطتها Lassie، لاحظوا وجود أسماك ويرقات أسماك داخل تلك الفجوات. وعند التدقيق أكثر، تبين أن الأسماك تنتمي إلى نوع من أسماك القد الصخرية يسمى Lindbergichthys nudifrons، المعروف أيضًا باسم yellowfin notie.
وأضاف كونلي أن هذه الأسماك تتواجد من شبه الجزيرة القطبية الجنوبية حتى جزيرة جورجيا الجنوبية في القسم الأطلسي من المحيط الجنوبي.
يمكن رؤية أعشاش الأسماك مرتبة في أنماط مختلفة على قاع البحر في القارة القطبية الجنوبية
Credit: Flotilla Foundation/Eclipse/Weddell Sea Expedition 2019
وقال كونلي:"هذه الأنواع تعد إكستريموفيل (أليفة الظروف القاسية)؛ إذ تزدهر في بيئات الضغط العالي والمياه الباردة. وتبني الأعشاش الصغيرة الدائرية في الرواسب الدقيقة، ثم يحرس الذكور البَيض لحوالي أربعة أشهر. وأكبر تهديد لهم يأتي من المفترسات على قاع البحر، مثل نجوم البحر الهشة والديدان المفترسة، التي تحاول أكل البيض".
ولاحظ الباحثون أيضًا أن 1,036 عشًا نشطًا موزعة في خمسة مواقع بقاع البحر، عرضت ستة أنماط مختلفة.
وُجدت مجموعات من الأعشاش متقاربة أو متداخلة، وأعشاش على شكل هلال مرتّبة في خط منحني يشبه الهلال. كما كانت هناك أعشاش مرتّبة بشكل خط مستقيم، أو في شكل بيضاوي مع تباعد متساوٍ حول المحيط، أو على شكل حرف "U" مميز.
كما وُجدت أعشاش منفردة ومعزولة، وكانت عادة أكبر من الأعشاش المرتبة في أشكال محددة، بحسب الدراسة.
ويشكل هذا الاكتشاف المرة الأولى التي يتم فيها ملاحظة أنماط معقدة من أعشاش أسماك yellowfin noti
وكانت المجموعات أكثر الترتيبات شيوعًا، حيث مثلت أكثر من 42% من الأعشاش، بحسب الباحثين.
ويعتقد الفريق أن هذه الأنماط تمثل استراتيجية للنجاة من المفترسات. فبالنسبة لأولئك الذين يعيشون في نمط المجموعات، فإن الأسماك في المركز تتلقى أكبر حماية من المفترسات.
ويظن الباحثون أن هذا الترتيب يمثل نظرية "القطيع الأناني"، "حيث يقلل الأفراد من مجال خطرهم بوضع أفراد آخرين بينهم وبين المفترس القادم".
وأظهرت أبحاث سابقة أن الذكور من نوع yellowfin notie ستدافع عن مناطق تصل إلى 25 سنتيمترًا من أعشاشها، ما يعني أن جيرانها محميون أيضًا ضمن ترتيب المجموعات.
القارة القطبية الجنوبية
يمكن أن تظهر أعشاش هذا النوع في أشكال مختلفة، مثل مجموعات، أو على شكل هلال، أو خط، أو بيضاوي، أو شكل U، أو منفردة.
Credit: Dr. Michelle Taylor/Weddell Sea Expedition 2019
وقال كونلي:"في حال غياب المأوى، يمكنهم التجمّع معًا لتوفير مستويات أكبر من الحماية".
ويُحتمل أن الأسماك تحمي أعشاشها من الديدان الخرطومية، أو النيمرتيات، التي لوحظت تعيش في المنطقة، والتي بإمكانها اكتشاف الإشارات الكيميائية من بيئتها للعثور على الطعام.
كتب مؤلفوا الدراسة: "قد تخلق المجموعات بيئة حسية مُربكة للنيمرتيات، ما يصعّب عليها اكتشاف عش واحد واستهدافه، وهو استراتيجية تكيفية حاسمة خلال فترة حضانة البيض الطويلة".
وفي الوقت ذاته، يُعتقد أن الأعشاش المنفردة على أطراف تجمعات الأسماك تعود إلى أفراد أكبر وأقوى من النوع، قادرين على الدفاع عن أعشاشهم الخاصة.
ويعتقد مؤلفو الدراسة أن البحث الجديد يقدم أدلة حاسمة على موائل التكاثر التي تعزز فكرة إنشاء منطقة محمية بحرية في بحر "ويدل"، المقترحة من قبل لجنة الحفاظ على الموارد البحرية الحية في القارة القطبية الجنوبية.
وقال كونلي: "إذا تم تصنيفها بنجاح كمنطقة محمية بحرية، فسيعني ذلك حماية هذه النظم البيئية البحرية الهشة".
وأضاف: "من المهم للغاية استكشاف ودراسة هذه البيئات الفريدة قبل أن نفقد شيئًا لم نكن نعرف بوجوده أبدًا".
اجمالي القراءات
9