بعد تهديدات ترامب... ما هي الطبيعة الديمغرافية والدينية لنيجيريا وما واقع المسيحيين فيها؟

اضيف الخبر في يوم الإثنين ٠٣ - نوفمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: فرانس 24


بعد تهديدات ترامب... ما هي الطبيعة الديمغرافية والدينية لنيجيريا وما واقع المسيحيين فيها؟

يرى الباحث القانوني إبراهيم شاهين، في تصريحات لفرانس24، أن تهديدات ترامب باستخدام القوة ضد نيجيريا، في سياق ما يقول الرئيس الأمريكي إنه عملية عسكرية لحماية المسيحيين، يشكل خرقًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. واعتبر أن مثل هذا الخطاب قد يؤجج التوترات الدينية، مؤكدا أن العنف في هذا البلد الأفريقي "لا يمكن اختزاله في صراع ديني"، لأنه يمس المسلمين والمدنيين من مختلف الأعراق. جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأحد تهديده بشن عملية عسكرية في نيجيريا "دفاعا عن المسيحيين" فيها، بعد أن تعرضوا للقتل بأعداد كبيرة هناك حسبه، فيما دعته الرئاسة النيجيرية إلى الحوار لحل القضية.

وأعلن ترامب بإنه يدرس مجموعة واسعة من الخيارات العسكرية المتعلقة بنيجيريا، بعد تهديده بالتدخل لحماية المسيحيين في أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان.

"يقتلون المسيحيين بأعداد كبيرة"
وأجاب ترامب ردا على سؤال حول احتمال إرسال قوات برية أمريكية إلى نيجيريا أو شن غارات جوية عليها: "هذا ممكن. أعني، هناك الكثير من الخيارات، في تصوري هناك الكثير منها. وأضاف: "إنهم يقتلون المسيحيين، ويقتلونهم بأعداد كبيرة. لن نسمح بحدوث ذلك".

وطلب ترامب أيضا من البنتاغون وضع خطة لهجوم محتمل، بعد يوم واحد من تحذيره من أن الديانة المسيحية "تواجه تهديدا وجوديا في نيجيريا".

كما أردف: "إذا استمرت الحكومة النيجيرية في السماح بقتل المسيحيين، ستوقف الولايات المتحدة فورا كل المساعدات لنيجيريا، وقد تذهب إلى هذا البلد "مدججة بالسلاح" للقضاء على الإرهابيين الإسلاميين الذين يرتكبون هذه الفظائع المروعة".

وأضاف الرئيس الأمريكي: "أصدر تعليماتي لوزارة الحرب بالاستعداد لعمل عسكري محتمل. إذا قمنا بشن هجوم فسيكون الهجوم سريعاً وشرساً وحاسماً، تماما كما يهاجم الإرهابيون المجرمون مسيحيينا الأعزاء"، محذراً الحكومة النيجيرية من أنه "من الأفضل لها أن تتحرك بسرعة!".

الرئاسة النيجرية تدعو ترامب للحوار
في المقابل، ردت الرئاسة النيجرية الأحد بالتعبير عن رغبة الرئيس بولا أحمد تينوبو في لقاء نظيره الأمريكي.

وقال دانيال باوالا، المستشار الإعلامي للرئيس النيجيري: "لقد ساعد الرئيس ترامب نيجيريا كثيرا بالسماح ببيع الأسلحة لها. واستفاد الرئيس تينوبو من ذلك في مكافحة الإرهاب. ما سمح لنا بتحقيق نتائج جيدة". وأضاف: "أما فيما يتعلق بما إن كانت الهجمات الإرهابية في نيجيريا تستهدف فقط المسيحيين، أو أنها تستهدف كل المعتقدات وغير المؤمنين كذلك، فإن هذا الأمر يُناقش بين الرئيسين حين يلتقيان في الأيام المقبلة".

من جانبه، قال وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث إن "وزارة الحرب تستعد للتحرك. إما أن تحمي الحكومة النيجيرية المسيحيين. وإما سنقتل الإرهابيين الإسلاميين الذين يرتكبون هذه الفظائع المروعة".

الرئيس النيجيري بولا تينوبو يتحدث خلال بيان صحفي مشترك مع نظيره البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا في قصر بلانالتو، برازيليا، البرازيل في 25 أغسطس/آب 2025.
الرئيس النيجيري بولا تينوبو يتحدث خلال بيان صحفي مشترك مع نظيره البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا في قصر بلانالتو، برازيليا، البرازيل في 25 أغسطس/آب 2025. © رويترز.
وفي مارس/ آذار 2025، دعا عضو الكونغرس كريس سميث وزارة الخارجية إلى إدراج نيجيريا ضمن قائمة "الدول ذات الاهتمام الخاص".

وقال ترامب الجمعة إنه يسمي نيجيريا "دولة ذات اهتمام خاص" بسبب ما وصفه بـ"تهديد وجودي" للسكان المسيحيين. وتعتبر الخارجية الأمريكية الدول المدرجة في تلك القائمة "متورطة في انتهاكات خطيرة للحرية الدينية".

وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول2025، اتهم السيناتور تيد كروز والنائب الجمهوري رايلي مور الحكومة النيجيرية بالتغاضي عن "القتل الجماعي" للمسيحيين.

حول هذه التهديدات، قال إبراهيم شاهين باحث في القانون بجامعة "باريس بانتيون أساس"، إن تهديدات ترامب باستخدام القوة ضد دولة ذات سيادة مثل نيجيريا، بمعزل عن الموقف الحالي والإدانة الطبيعية للجرائم التي تحدث، "يشكل خرقا لمبادئ القانون الدولي العام لا سيما ميثاق الأمم المتحدة، الذي يحظر اللجوء إلى القوة خارج نطاق الدفاع الشرعي عن النفس أو قرار صادر عن مجلس الأمن. وبالتالي، فإن خطابه لا يحمل مخاطر تأجيج التوترات الدينية فحسب، بل يشكل سابقة خطيرة لتسييس مبدأ الحماية وتوظيفه خارج النطاق القانوني والإنساني المشروع".

بين هجمات الجهاديين والاشتباكات العرقية
تنقسم نيجيريا، الدولة التي يزيد عدد سكانها عن 200 مليون نسمة وتضم حوالي 200 مجموعة عرقية، بين شمال ذي أغلبية مسلمة وجنوب ذي أغلبية مسيحية.

رغم ذلك، شهدت مناطق شمال شرق البلاد عنفا جهاديا لأكثر من 15 عاما من قبل جماعة بوكو حرام، أودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص وأجبر مليونين على النزوح منذ 2009، وفق الأمم المتحدة.

يقول محللون، إنه رغم سقوط قتلى مسيحيين، فإن الغالبية العظمى من الضحايا كانوا من المسلمين.

كما تنتشر في الشمال الغربي عصابات تعرف باسم "قطاع الطرق" تهاجم القرى وتقتل وتخطف السكان.ولطالما اندلعت وسط البلاد، اشتباكات متكررة بين رعاة من الفولاني، يغلب عليهم المسلمون، ومزارعين معظمهم من المسيحيين، بسبب نزاعات على المياه والمراعي، في حين يُغير مسلحون في الشمال الغربي على القرى بشكل متكرر، ويخطفون أفرادا منها طلبا لفدى.

كما يتواصل نشاط جماعة بوكو حرام وتنظيم "الدولة الإسلامية" في غرب أفريقيا المنشق عنها، رغم تراجع قوتهما في السنوات الأخيرة.

يضيف إبراهيم شاهين في هذا الصدد، بأن "العنف في نيجيريا حسب معظم الخبراء لا يمكن اختزاله في صراع ديني، بل هو عبارة عن مزيج من النزاعات القبلية والعرقية والصراعات على الموارد، في ظل ضعف مؤسسات الدولة. ومن ثمة، فإن تصويره على أنه حرب على المسيحيين يتجاهل حقيقة أن الضحايا يشملون أيضًا المسلمين والمدنيين من مختلف المجموعات العرقية، ما يحول المأساة إلى أداة سياسية وانتخابية".

"عنف عشوائي يصور على أنه معاد للمسيحية"
في نفس السياق، قال لاد سيروات، كبير محللي الشؤون الأفريقية في "إيه.سي.إل.إي.دي" مشروع بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة: "غالبا ما تصور الجماعات المتمردة، مثل بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا، حملاتها على أنها معادية للمسيحية، لكن في الواقع، عنفها عشوائي ويدمر مجتمعات بأكملها".

وأضاف : "العنف الإسلامي جزء من ديناميكيات الصراع المعقدة والمتداخلة في البلاد حول السلطة السياسية والنزاعات على الأراضي والانتماء العرقي والطائفي وقطع الطرق".

في الواقع، تظهر أبحاث هذا المشروع أن من بين 1923 هجوما على مدنيين في نيجيريا حتى الآن هذا العام، بلغ عدد الهجمات التي استهدفت مسيحيين بسبب دينهم 50 هجومًا.

وقال سروات إن الادعاءات الأحدث المتداولة بين بعض الدوائر اليمينية الأمريكية بأن ما يصل إلى 100 ألف مسيحي قتلوا في نيجيريا منذ 2009 لا تدعمها البيانات المتاحة.

جنود نيجيريين يقومون بجرد للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة التي تم استعادتها من قطاع الطرق في 21 أبريل/نيسان 2022.
جنود نيجيريين يقومون بجرد للأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة التي تم استعادتها من قطاع الطرق في 21 أبريل/نيسان 2022. © أ ف ب (أرشيف).
ويروج البعض في نيجيريا مزاعم عن اضطهاد المسيحيين، في بلد أججت فيه الانقسامات العرقية والدينية والإقليمية صراعات دامية في الماضي، ولا تزال تؤثّر في السياسة المعاصرة للبلاد.

ويقول بعض المسؤولين الأمريكيين إن المسيحيين في نيجيريا يتعرضون لـ "إبادة جماعية". وهو ما تنفيه أبوجا.

ورد الرئيس بولا أحمد تينوبو السبت: "إن وصف نيجيريا بأنها غير متسامحة دينيا لا يعكس واقعنا الوطني". وأضاف أن "الحرية الدينية والتسامح كانا مبدأ أساسيا في هويتنا الجماعية وسيظلان كذلك دائما".

من ينشر هذه الادعاءات؟
يقف سياسيون محافظون وراء ترويج هذه الادعاءات ، منهم النائب الأمريكي الجمهوري كريس سميث الذي دعا في مارس/آذار إلى إعادة إدراج نيجيريا على لائحة "الدول المثيرة للقلق بشكل خاص".

وفي بداية أكتوبر/تشرين الأول، اتهم السناتور تيد كروز والنائب رايلي مور الحكومة النيجيرية بغض الطرف عن "مذبحة" تجري بحق المسيحيين.

لاقت تلك التصريحات صدى لدى سياسيين يمينيين متطرفين في أوروبا، منهم النائب البولندي في البرلمان الأوروبي دومينيك تارشينسكي.كما تروجها منظمات دينية، منها "الأبواب المفتوحة" منظمة غير حكومية نشرت تقريرًا عام 2023 جاء فيه، أن "89 بالمئة من المسيحيين الذين استشهدوا في العالم هم من بلد واحد: نيجيريا".

ويرتكز سياسيون أمريكيون على تقارير هذه المنظمة الهولندية للمطالبة بفرض عقوبات على هذا البلد.

وانفصل الفرع الأمريكي لمنظمة "الأبواب المفتوحة" عام 2023 وأطلق منظمة "الإغاثة المسيحية العالمية" التي تساهم أيضا في نشر رواية أن نيجيريا "عاصمة العالم للشهداء المسيحيين".

يردف الباحث القانوني إبراهيم شاهين قوله، إن تهديد ترامب بشن حرب لـ"حماية المسيحيين" في نيجيريا هو "غير مرتبط بالواقع الميداني بقدر ما يعكس خطابًا موجها للقاعدة الإنجيلية المحافظة في الداخل الأمريكي التي انتخبته أصلًا".

من هم الانفصاليون البيافريون وما دورهم؟
يلاحظ أيضا أن تهديدات ترامب جاءت في الوقت الذي تنشط فيه جماعات ضغط للترويج لصالح قضية انفصاليين نيجيريين.

حيث كتبت شركة موران غلوبال ستراتيجيز التي تمثل حكومة جمهورية بيافرا في المنفى إلى أعضاء الكونغرس في مارس/آذار تحذرهم من "اضطهاد المسيحيين" في نيجيريا، وفقا لوثائق تم الكشف عنها كجزء من قواعد عمل جماعات الضغط الأجنبية.

وبيافرا هو اسم لدولة انفصالية في شرق نيجيريا لم تعمر طويلا، حيث أعلنت استقلالها عام 1967 وأشعلت حربا أهلية دامية استمرت حتى 1970، أودت بمليون مدني على الأقل، بسبب أن المسيحيين يتعرضون للاضطهاد في نيجيريا.

وقامت "حكومة جمهورية بيافرا في المنفى" بقيادة سيمون إيكبا، بتعيين جماعة ضغط في واشنطن يديرها عضو الكونغرس السابق جيم موران، للدفاع عن أهدافها الانفصالية وزيادة الوعي بشأن "اضطهاد المسيحيين في نيجيريا".

في هذا الشأن، أكد المحلل المختص في شؤون أفريقيا في مؤسسة "أكليد" الأمريكية لاد سروات أن عنف الجماعات الجهادية في نيجيريا "أعمى". واعتبر أن مزاعم أعضاء الكونغرس عن مقتل 100 ألف مسيحي "مبالغ فيها".

ووفق بيانات "أكليد"، فقد قضى 52915 مدنيا في اغتيالات سياسية محددة الهدف منذ 2009، ويشمل الرقم المسلمين والمسيحيين.

كذلك، تشير البيانات إلى وقوع ما لا يقل عن 389 حالة عنف استهدفت المسيحيين بين عامي 2020 و2025، أوقعت 318 قتيلًا على الأقل. خلال نفس الفترة، استهدف 197 هجومًا مسلمين، أسفرت عن 418 قتيلا على الأقل.

التدخل الأمريكي... مهمة شائكة؟
في العاصمة أبوجا، قال بعض المسيحيين الذين حضروا قداس الأحد إنهم سيرحبون بتدخل عسكري أمريكي لحماية مجتمعهم.

لكن خبراء أمنيون قالوا إن أي ضربات جوية أمريكية ستستهدف على الأرجح مجموعات صغيرة تتناثر عبر مساحة شاسعة من الأراضي، ومن ثمة، فهي مهمة قد تصبح أكثر صعوبة بالنظر إلى سحب الولايات المتحدة قواتها العام الماضي من النيجر الواقعة على الحدود الشمالية لنيجيريا.

كما تتنقل الجماعات المسلحة بين البلدان المجاورة مثل الكاميرون وتشاد والنيجر. وقال الخبراء إن واشنطن قد تحتاج إذا إلى مساعدة من الجيش والحكومة النيجيريين، اللذين هدد ترامب بقطع المساعدات عنهما.
اجمالي القراءات 37
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق