أكثر من مليون دونم على عتبة التصحر في العراق
يواجه أكثر من مليون دونم من البساتين المثمرة في العراق خطر التصحر مع استمرار أزمة الجفاف وشح المياه وسط تعثر المباحثات مع تركيا وإيران.
تنشغل الأوساط السياسية العراقية بأزمة المياه التي سبَّبتها قلة الواردات المائية من إيران وتركيا وعوامل تغير المناخ. وقد ظهر الاهتمام المكثف خلال الأسابيع الماضية، بعد أن كانت معظم الأحزاب المشاركة في الحكم تهمل الملف، ما يعكس عمق الأزمة والتهديد الحقيقي الذي يتربص بمعظم شرائح المجتمع العراقي في شتى المناطق، بما في ذلك مدن إقليم كردستان العراق، شمالي البلاد.
والشهر الماضي، دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الجهات المعنية في الحكومة إلى فتح باب الحوار مع تركيا، بهدف زيادة الإطلاقات المائية مع بدء نفاد مخزون المياه. وكتب الصدر في منشور على منصة "إكس"، أن "أزمة المياه العالمية وصلت إلى العراق، وقد دق ناقوس الخطر، ولا سيما مع بدء نفاد المخزون المائي في العراق، فضلاً عن شح مياه الأمطار، والأنهار، وانحسارها".
ولأول مرة يتحدث تحالف "الإطار التنسيقي" عن أزمة المياه، وهو الذي يمثل الكيانات السياسية الشيعية وممثلي الفصائل المسلحة المشاركين في الحكومة. وجاء في بيان صدر عقب اجتماع أعضاء التحالف، أنهم "ناقشوا الجهود الحكومية في تطويق أزمة المياه، وضرورة زيادة الإطلاقات المائية وفقاً للاتفاقيات الدولية".يعكس هذا الاهتمام خطورة الأزمة وحجمها في بلد مثل العراق يملك نهرَي دجلة والفرات وعدداً من الروافد والبحيرات، إلا أن شح المياه أصاب البلاد بأكملها، لدرجة نزوح عشرات الآلاف من العائلات من مناطق البساتين والأهوار والحقول إلى مراكز المدن، بعد نفوق حيواناتهم وضياع أرزاقهم بسبب الجفاف.
وقبل أيام، كشف مرصد "العراق الأخضر" المتخصص بشؤون المياه والبيئة، انخفاضاً في منسوب المخزون الحالي من المياه إلى 4% من الإجمالي الكلي، بعد أن كان 8%، مؤكداً أن الوضع المائي في العراق هو "الأشد خطورة" منذ سنوات. وذكر المرصد في بيانه أن "هذا الانخفاض قد يتسبب بنقص مياه الشرب حتى في العاصمة بغداد، بعد أن ضربت الأزمة المحافظات الجنوبية، وخصوصاً البصرة وذي قار، اللتين عانتا الأمرّين بسبب نقص مياه الشرب، ما أدى إلى تظاهرات في تلك المناطق".
وأضاف المرصد أن "الوضع المائي في البلد أصبح خطراً جداً مع انخفاض الإطلاقات المائية من تركيا، وتأخر موسم الأمطار"، مؤكداً أن مباحثات أجريت مطلع الأسبوع بين العراق وتركيا لمناقشة ملف المياه، إلا أن "النجاح لم يُكتب لها".
وطلبت الحكومة العراقية من الحكومة التركية زيادة إطلاقات المياه من نهرَي دجلة والفرات لشهرَي أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام، بمقدار مليار متر مكعب لكل شهر، في سبيل إنقاذ الوضع. وقال مسؤول في وزارة الموارد المائية لـ"العربي الجديد"، إن "العراق يتطلع إلى مزيد من المياه الواردة من تركيا لإنعاش الوضع في البلاد، وتحديداً في المناطق الجنوبية، إلا أن الواردات التي وصلت خلال الأيام القليلة الماضية لم تكن بمستوى الطموح"، متوقعاً "عدم موافقة تركيا على مجمل طلبات العراق، كونها تمر أيضاً بأزمة مائية".
الصورة
شح المياه ينذر بالأسوأ، وسط العراق، 25 يوليو 2025 (كرار جبار/ فرانس برس)
شح المياه ينذر بالأسوأ، وسط العراق، 25 يوليو 2025 (كرار جبار/ فرانس برس)
وأشار عضو لجنة الزراعة والمياه في البرلمان العراقي، ثائر الجبوري، إلى أن "الاهتمام السياسي والحكومي المكثف جاء بسبب خطورة الملف، فقد كان مهملاً لسنوات ولم تكن السلطات أو الأحزاب تدرك حجم الأزمة. لكن مع بلوغ حالة النزوح البيئي مرحلة حرجة، فإن الأحزاب استشعرت الخطر وبدأت في الحديث عن الأزمة ومحاولة إيجاد الحلول، مع العلم أنها تدخلت متأخرة". وأوضح الجبوري لـ"العربي الجديد" أن "أكثر من مليون دونم من البساتين المثمرة في عموم العراق باتت على المحك، وأن استمرار الأزمة من دون التوصل إلى حلول واتفاقات مع تركيا، يعني أن العراق سيمضي نحو كارثة حقيقية".
ويؤكد الناشط البيئي حميد العراقي لـ"العربي الجديد" أن "العراق يواجه أزمة مائية خطيرة تجمع بين شح الإطلاقات الواردة من تركيا وإيران، وسوء الإدارة الداخلية لموارد المياه. والأزمة تشمل كل مدن العراق، بما فيها مناطق إقليم كردستان"، مشيراً إلى أن "الخطط الحكومية لإدارة المخزون المائي لم تنجح بمعظمها، بل تفيد البيانات الرسمية الأخيرة بأننا أمام تحدٍّ كبير، وأن استمرار الوضع سيؤدي إلى انقطاع مياه الشرب في بعض المحافظات الجنوبية والوسطى خلال الصيف المقبل".
ويعاني العراق من أزمة جفاف خانقة نتيجة تراجع مستويات نهرَي دجلة والفرات إلى مستويات قياسية، بعد إقامة تركيا عدداً من السدود الضخمة على مجرى الفرات، وتغيير إيران مجرى عدد من روافد نهر دجلة، وتقول تركيا وإيران إنهما تعانيان أزمة جفاف وشح أمطار أيضاً، لكن بغداد تطالب بما تسميه "تقاسم الضرر"، والتزام حصة ثابتة من المياه.
اجمالي القراءات
24