ذهب الصحراء الشرقية.. ما قصة كنوز مصر المنهوبة والمقسمة بين الجيش والقبائل؟

اضيف الخبر في يوم الإثنين ٠٦ - يناير - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: عربى 21


ذهب الصحراء الشرقية.. ما قصة كنوز مصر المنهوبة والمقسمة بين الجيش والقبائل؟

خلال مرور "عربي21" على طريق (الأقصر- أسوان) جنوب مصر، التقت أحد أهالي الصعيد من الذين يعملون في مجال التنقيب عن الذهب في مغارات ومناجم الصحراء الشرقية، وجبال مرسى علم على البحر الأحمر، وفي مرتفعات مثلث حلايب وشلاتين جنوب مصر.

"شهادة منقب"
"أبوحمرة"، هكذا عرف نفسه، وقال إن "كثيرين هنا يعملون في مجال البحث عن الذهب واستخراج الحجارة الممتزجة بعروقه الصفراء بآلات بدائية ثم طحنه بالكسارات وبيعه للتجار، وخاصة من جبال محافظتي قنا وأسوان، وأودية مرسى علم، ومدن القصير، وقفط، وإدفو، وحتى حلايب وشلاتين (على حدود السودان)".

وأكد أن "مهنة البحث عن أحجار الكوارتز الممزوجة بعروق الذهب قد تكون مربحة لمن يعملون بها وتجعلهم من الميسورين ماليا، لكنه بقد ربحها فإن خطورتها كبيرة وتصل للموت، إما من منقبين منافسين، أو عصابات الجبل، أو تجار الذهب، أو من الجيش المصري مع اختراق مناطق امتياز شركات الجيش".
ورغم أن الحكومة المصرية قننت البحث والتنقيب عن الذهب في الصحراء الشرقية عبر قانون "الثروة المعدنية" رقم (198 لسنة 2014)، وحصلت شركات خاصة على رخص للتنقيب مقابل نسبة من الذهب تحصل عليها الدولة، إلا أن "أبوحمزة"، أكد أن "الأمر يجري في الجبال والأودية الواسعة خارج إطار أي قانون إلا قانون التراضي بين القبائل".

وللجيش مناطق نفوذ لا يمكن الدخول إليها للبحث عن الذهب، وفقا لتأكيد أبوحمزة، في مناطق وادي مسيح، وجبال علبة، والجرف، وإيقات، وفي أسوان، وجميعها محاط بحراسة مشددة من قوات الجيش ومن حرس الحدود والمخابرات الحربية، بحسب قوله.

وتعمل شركة "شلاتين للثروة المعدنية"، التي يمتلك الجيش 34 بالمئة من حصصها منذ تأسيسها عام 2012، بجانب الهيئة العامة للثروة المعدنية 35 بالمئة، وبنك الاستثمار القومي 24 بالمئة، والشركة المصرية للثروات التجريفية (7 بالمئة)، بمنطقة تصل مساحتها 13.67 ألف كيلومتر في الصحراء الشرقية.

وتضم 7 امتيازات هي (الفاطري، والبرامية، وعتود، وأم العود، وحماطة، ووادي العلاقي، ومناطق (جبل ايقات، ووادي ميسح، وجبل الجرف، وجبل علبة، وأسوان)، بحسب موقع الشركة.

"السلاح من ليبيا"
وقال الرجل الأقصري، "إنهم يقومون بالتنقيب عن عروق الذهب في تلك الجبال سرا، ولهذه المهمة يجلبون السلاح الآلي وعربات الدفع الرباعي من الحدود الشرقية لجارة مصر الغربية ليبيا، في ستار بعيدا عن أعين الدولة".
وأكد أن "لديهم أجهزة تقوم بالكشف عن المعدن النفيس، الذي يستخرجونه ويقومون بتقطيع عروقه ككتل صخرية ونشرها بآلات ثم طحنها بمطاحن أو تكسيرها بكسارات مخصصة لذلك وبيعها لتجار متخصصين في شراء الذهب والأحجار الكريمة، ويكسبون مقابل ذلك ملايين الجنيهات".

وقال إنه "لكل قبيلة من البشارية، والعبابدة، والمعازة، منطقة تبحث فيها عن الذهب ولا تعتدي على مناطق غيرها من القبائل، ومن يعتدي يقوم الطرف الآخر بإبلاغ الجيش والشرطة عنه انتقاما منه، ولذلك كل قبيلة تلتزم بحدود نفوذها فقط ولا تتعداه، وذلك وفقا لاتفاق قبلي بينهم".
وأوضح أن "الجيش هو من يسيطر على تلك المساحات الواسعة من الجبال ويقوم بعمليات تنقيب واستخراج واسعة للذهب والمعادن منها"، مبينا أنه "لو تم القبض على المنقبين يقوم الجيش بمصادرة ما لديهم من أدوات وأسلحة وسيارات وعروق صخرية بها الذهب".

وبطلب الدخول إلى إحدى أماكن الاستكشاف الذي يعرفها أبوحمزة، قال إنه "سوف يتم تصفيتنا في الحال"، موضحا أن "لكل قبيلة منطقة نفوذ بها حياة كاملة للمنقبين ويقوم على حراستها أشخاص يطلقون النار على أي غريب"، مؤكدا أن هناك حوادث قتل دائمة تحدث ويقوم رجال القبائل بحلها حتى لا تصل للجيش والشرطة".

ولفت إلى أن "تجار الذهب الكبار يأتون إلينا لشراء الحجارة وطحنها في كسارات تابعة لهم، أو بشراء الذهب بعد أن نقوم نحن بتنقيته"، مبينا أن "حمولة السيارة الواحدة تباع بـ1.2 إلى 1.5 مليون جنيه، وال
وحول مدى شرعية ما يقومون به من أعمال تنقيب واستخراج للذهب ومدى مخالفتها للشريعة الإسلامية، غضب بشدة من السؤال، وقال "إننا مسلمون، ونصلي، ولكن الدهابة (اسم يطلق عليهم) يؤمنون بأن الصحراء وما في باطنها ملكا لهم، وأنهم ملوك الصحراء والجبال".
شهادة وسيط"
"عربي21"، تحدثت إلى منقب آخر عمل سابقا في استخراج الذهب من وديان وجبال الصحراء الشرقية في مصر وفي شمال السودان أيضا، ويعمل حاليا كوسيط لتمرير عمليات البيع من المنقبين من الدهابة إلى تجار الذهب، مقابل عمولة يحصل عليها.
"أبو. ص"، قال إن "الذهب الخام موجود وظاهر للعيان في بعض الأحيان بالجبل ويتم تكسيره بآلات ثقيلة مثل الكركات، واللوادر تقوم بتحميله في عربات نقل كل منها تحمل نحو 1.5 طن من الحجارة، وتتجه نحو الطواحين التي تتسلم الحجارة المكسرة وتقوم بطحنها حتى يصير كالدقيق، ثم يتم وضعه بالماء مع مادة مخصصة لفصله عن باقي الشوائب، في عملية تتكرر 3 مرات، حتى يتم فصل الذهب".
وأضاف: "تأتي مرحلة وضع الزئبق، عقب الطحن ووضع المياه والفصل عن الشوائب، حيث يوضع الزئبق الفضي لشفط الذهب (جذبه إليه) حيث يوضع الزئبق داخل قطعة قماش وبالضغط عليه يخرج من مسام القماش لتتجمع عليه حبيبات الذهب وبهذا تنتهي عملية الفصل تماما".

وأكد أنه "بهذا يصبح المنقب مليونيرا مع استمرار التنقيب طوال العام، والذي يحتاج إلى رجال للتنقيب وآخرين للحراسة والنقل وكل منهم له أجر شهري، أو نسبة من حصة الذهب المستخرجة أو المباعة، ولذا أغلب الناس هناك يركبون سيارات (لاند روفر)، وليس لديهم أحد فقير".

وقال: "هناك من الدهابة من لا يمتلك طواحين وهناك من لا يمتلك عروق الذهب أو مساحة للتنقيب أو أن الحكومة لم تسمح له بالتنقيب، فيشتري الحجارة بالمتر من المنقبين".
وكشف أن "هناك من السودانيين يعملون في مصر وفي السودان لأن لهم جنسيتي البلدين، ولأنهم أسبق في هذا العمل من المصريين، ويقول بعضهم إنه يشتري بالمتر مما تم تكسيرة في الجبل، ويكون السعر بحسب تقدير النسبة المحتملة من الذهب المستخرج وهو ما يقدره الدهابة بخبراتهم".

وألمح إلى إن "قبيلة العبادي منقسمة بين جنوب مصر وشمال السودان حيث استقر أخ هناك وأخ هنا في مصر، وكلا الشقين ينقبان في الذهب في جبال وصحراء البلدين وبعضهم له جنسية البلدين".
وأوضح أنه "لو مثلا سعر حمولة السيارة تم شراؤه بقيمة 1.2 مليون جنيه فإنه بعد عملية الطحن والفصل يقوم ببيع الحمولة بـ2.4 مليون جنيه، أي أن المكسب يصل للضعف، والتاجر يقوم بصهر وتشكيل هذا الذهب بمعرفته".

ولفت إلى أن "الوسيط هو من يحدد السعر بين المنقب والتاجر، والكل في النهاية يروق، وأصبح لدى المنقبين أموالا كثيرة لا يعرفون كيف ينفقونها أو كيف يقيمون مشروعات بها، بل ويبحثون عن أشخاص يأتمنونهم يعملون معهم تحت ستار لإقامة بعض المشروعات كالمحلات التجارية والمطاعم والشركات الصغيرة".
وأشار إلى أن "الجيش المصري يدكنا بالطائرات، ويقوم من خلال مطار أسوان بطلعات جوية على الجبال لضرب المنقبين والمستكشفين في الأودية العمية، والذين لم يحصلوا على تراخيص بالتنقيب من شركة شلاتين التابعة للجيش"، وفق قوله.

ولفت إلى أن "هناك من المنقبين من هم مؤمنون تماما من ضربات الجيش لأنهم يتبعون شخصيات نافذة أو مهمة حتى ولو لم يكن لهم تصريح، أي أن الأمور تسير أحيانا بالحب أو التوافق والتفاهم مع الجيش وبشكل غير رسمي".
وبين أن "هناك مناطق مسموح فيها بالتنقيب للقبائل ولكن هناك مناطق غير مسموح بالمرور حتى فيها، لأن الجيش أخذها لنفسه ويضرب بعنف كل من يقترب منها".

وحول كيفية دخول ذلك الذهب لسوق المشغولات الذهبية ومحلات الصاغة أكد في نهاية حديثه، أن "التجار الكبار يقومون بإدخال ما اشتروه من المنقبين للمسابك لصهره لأنه يحصل على خام الذهب النقي جدا بأقل من سعر الشاشة 3 جنيهات، لذا مكاسبه كبيرة".

وفي السياق، أكدت سيدة نوبية لـ"عربي21"، أن "الذهب له ارتباط تاريخي لدى أهل النوبة التي تعني في اللغة النوبية (أرض الذهب)، والتي غرقت تحت مياه بحيرة ناصر عقب بناء السد العالي عام 1960".

وبينت أنه "منذ ذلك الحين فقد الأهالي الكثير من مناطق استخراج الذهب الموجودة في البحيرة الآن، فيما فشلت محاولات البعض باستخراجها لأن الأمر عسير جدا رغم أن البحيرة بها كنوز كبيرة من الذهب".
وأوضحت أن "التنقيب جاري على قدم وساق في أغلب جبال البحر الأحمر والصحراء الشرقية، ولأنها مساحات شاسعة يعمل بها الآلاف في هذه المهنة المربحة جدا والخطيرة في الوقت ذاته".

وأكدت أنه "من آن إلى آخر تجري أعمال قتل واسعة إما في صدام بين الجيش والمنقبين أو بين العصابات التي تسرق المنقبين أو بين المنقبين والدهابة أنفسهم، بجانب مقتل كثير من العمال مع انهيار الصخور عليهم، حيث يتم حفر مواقع في الجبل بأعماق قد تصل ما بين 50 و100 متر ما يمثل خطرا كبيرا على حياة المنقبين".
اقرأ أيضا:

"اقتصاد يعاني"
مراقبون أكدوا أن عمليات التنقيب العشوائي لاشك تضر بالاقتصاد المصري، ويقوم عليها رجال أعمال كبار والضحية يكون العمال الصغار بالقبض عليهم أو قتلهم، بجانب خسارة الاقتصاد المصري احتياطيات كبيرة من الذهب يفقدها البنك المركزي في وقت يعاني فيه اقتصاد البلاد من أزمات هيكلية مركبة وديون تاريخية غير مسبوقة تفوق 155 مليار دولار.

وألمحوا إلى أن المسؤولين في الدولة يغضون الطرف عن تلك الجريمة، المتورط فيها كثير من الكبار ورجال الأعمال النافذين وضباط الجيش، متسائلين كذلك عن مصير ما يقوم الجيش بالكشف عنه واستخراجه من الذهب من مناطق امتياز لا حدود لها، متسائلين: من ينقذ كنوز مصر المنهوبة والمقسمة بين الجيش والمهربين؟.

"دم من عروق الاقتصاد"
وفي تعليقه، قال أحد المسؤولين المصريين السابقين ممن كان لهم دور في دخول شركة "سنتامين" الأسترالية للسوق المصري في عهد حسني مبارك، الوزير مفوض تجاري سابق الدكتور أيوب محمود أيوب، لـ"عربي21": "هناك كنوز كثيرة يتم نهبها منها الذهب والآثار وتجارة السلاح".
اقرأ أيضا:

وأضاف: "بهذا نرى أفرادا تحولوا لمليونيرات أو بليونيرات في ظرف سنوات قليلة"، موضحا أنه "يزيد الطين بلة أنهم يهربون رؤوس أموالهم للخارج".

وأكد أنهم بهذا "يأخذون الدم من عروق الاقتصاد الوطني لتستفيد به اقتصاديات الإمارات والسعودية أو فرنسا وسويسرا".
"تغول الجيش"
وخلال عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، سيطر الجيش على قطاع كبير من أماكن استخراج الذهب، من خلال شركة "شلاتين" والتي حصلت على دعم قانوني حكومي ودعم الجيش وحمايته للتنقيب في المناطق الشاسعة، ومنح التراخيص للمنقبين، في محاولة لتقنين عمليات الاستخراج غير الشرعية مقابل الحصول على 80 بالمئة من المستخرج والباقي للمنقبين.
اقرأ أيضا:

كما أن الجيش استأثر لنفسه بقطاع واسع من المحاجر، ففي عام 2020، أصدر السيسي، قانون (193) والذي يقنن تعاقد وزارات البترول والتنمية المحلية والإسكان مع الشركة المصرية للتعدين وإدارة واستغلال المحاجر والملاحات، المملوكة لجهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش، لاستغلال المحاجر والملاحات بالمحافظات والتابع لهيئة المجتمعات العمرانية.

وفي عام 2016، حصلت الحكومة المصرية من شركة "سنتامين" الأسترالية على نسبة 50 بالمئة حق انتفاع من الربحية من منجم السكري أحد أفضل 20 منجما بالعالم بجانب 3 بالمئة إتاوة إنتاج، فيما تؤكد الأرقام الرسمية أن مصر تنتج سنويا نحو مصر 16 طنا من الذهب.

ووفقا لموقع "الأهرام" المصري الحكومي، هناك حوالي 4500 منجما و5000 محجرا، تحتل بها مصر المرتبة الثالثة عالميا في الثروة المحجرية والمعدنية، منها 3 مناجم هامة هي السكري "1 و2"، وتشوينات "منجم الفواخير"، مشيرا إلى أن الفراعنة القدماء حددوا 120 موقعا لاستخراج الذهب في الصحراء الشرقية ودونوها على خريطة مازالت باقية.

يعد جبل السكري، ومنطقة حمش، ووادي العلاقي، الكائنة في الصحراء الشرقية أهم أماكن إنتاج الذهب في مصر، وأهمها ‏ منجم السكري الذي تم اكتشافه عام 1995، وبدأ العمل به عام 2009، فيما تقدر احتياطياته بـ14.5 مليون أوقية.
اقرأ أيضا:

وذلك إلى جانب مناجم "عتود"، و"البرامية"، و"فاطيرى"، و"أبومروات"، و"سمنة"، و"العرضية"، و"حمامة"، و"أم عود"، و"أم سمرة"، و"ساموت"، و"دنجاش"، و"حلايب وشلاتين"، و"المثلث الذهبي".

وارتفعت صادرات مصر من الذهب والحلي والأحجار الكريمة بنسبة 84 بالمئة في الـ10 أشهر الأولى من 2024، لتحقق 2.638 مليار دولار في مقابل 1.361 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2023.
اجمالي القراءات 63
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more