معرض القاهرة الدولي للكتاب".. سلاحٌ اسمه المنع
أثار إعلان "دار المرايا للثقافة والفنون" المصرية منعها من قبل "الهيئة المصرية العامّة للكتاب" من المشاركة في الدورة المقبلة من "معرض القاهرة الدولي للكتاب" استياءً في المشهد الثقافي المصري؛ حيث اعتبر عددٌ من المثقّفين أنّ القرار يمسّ بحرّية الإبداع، ويكرّس سياسة القمع والإقصاء، ويهدّد مصداقية المعرض.
في هذا السياق، دعا الروائي إبراهيم عبد المجيد "هيئة الكتاب" إلى التراجع بشكل فوري عن قرارها "السيّء وغير المدروس"، الذي قال، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنّه يُوجّه ضربة قوية لسمعة معرض القاهرة للكتاب، ويفتح الباب أمام التشكيك في مصداقيته، مضيفاً أنّ المعرض "حقّق نجاحات ملحوظة على مدى العقود الماضية، ينبغي الحفاظ عليها والبناء عليها، لا اتخاذ قرارات بمنع دُور نشر من المشاركة فيه".
واعتبر عبد المجيد أنّ الحلّ الأمثل هو مناقشة أيّة ملاحظات على إنتاج "دار المرايا للثقافة والفنون" مع إدارة الدار و"اتحاد الناشرين المصريّين"، بدلاً من اللجوء إلى سياسة المنع والمصادرة التي تضرّ بالحركة الثقافية، مضيفاً أنّ "الإبداع لا يمكن أن يزدهر إلّا في مناخ من الحرية، باعتبارها ركيزة أساسية في الفكر والثقافة".
يعكس المنع انزعاجاً من جدّية الدار في تناول قضايا مصر
أمّا الكاتب والباحث عمّار علي حسن، فقال في حديث إلى "العربي الجديد"، إنّ القرار يتناقض مع التزامات مصر الدولية باحترام الإبداع والثقافة، ويُظهرها بصورة لا تتماشى مع تطلّعات المثقّفين والجمهور، ويمثّل رسالة سلبية ضدّ المصداقية والرمزية التاريخية للمعرض الذي "اكتسب سمعة طيّبة عبر العقود الماضية، لكنّه بدأ، في السنوات الأخيرة، يبتعد عن كونه مساحة للتنوّع الثقافي والرأي والرأي الآخر، ليتحوّل إلى أداة دعائية للسلطة".
ورأى علي حسن في المنع ردّاً "على النهج الجادّ الذي تتبعه دار المرايا في تناول القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية التي تمرّ بها مصر، حيث تعكس كتب الدار حالة من النقاش الجادّ حول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرّيات، وهي قضايا لا تتّفق مع توجّهات السلطات المصرية"، مضيفاً أنّ هذه الخطوة قد يكون لها تأثير سلبي على مشاركة عدد من دور النشر في المعرض، كما قد يدفع مواطنين ومثقّفين مصريّين إلى مقاطعته.
من جهته، رأى الناشر والسياسي هشام قاسم، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ قرار المنع أمني بحت، وينسجم مع نهج المنع والإقصاء الذي تتبعه السلطات المصرية تجاه الآراء التي تراها مناهضة لها، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، مضيفاً أنّ الجهات التي تقف وراء القرار لا تعبأ بتداعياته السلبية على مصر التي تُظهرها بلداً يقمع الفكر والثقافة، وعلى سمعة "معرض القاهرة الدولي للكتاب" التي "تضرّرت بشدّة نتيجة سيطرة الأجهزة الأمنية على تنظيمه وتدخُّلها بالمشاركين من مثقّفين ودُور نشر، ما جعل منه أداة دعائية لا مساحة فيها للرأي الآخر".
لائحة تنظيمية تتيح لإدارة المعرض المنع دون إظهار أسبابه
واستغرب قاسم منع دار نشرٍ قال إنّها تسير وفق الإجراءات القانونية المنظّمة للمعرض الذي شاركت فيه منذ سنوات وحازت جوائز فيه، وتساءل: "لصالح من يصدر مثل هذا القرار المتعسّف الذي لن يُحقّق أيّة أهداف، بل قد يدفع دور نشر جادّة إلى مقاطعة المعرض؟".
وفي بيان لها، أدانت "مؤسّسة حرّية الفكر والتعبير"، غير الحكومية، قرار المنع، ورأت فيه "استمراراً لاستهداف الدار أمنياً ورقابياً بشكل مكثّف خلال السنوات الأخيرة، بهدف إعاقتها عن ممارسة دورها الثقافي"، و"تعدّياً صارخاً على الحقّ في حرّية الإبداع والتعبير الفنّي التي كفلها الدستور وضمنتها المواثيق الدولية"، مطالبة "هيئة الكتاب" بإلغاء القرار، وتمكين "المرايا" من المشاركة في المعرض من دون أيّة عوائق، والتوقّف الفوري عن ملاحقتها.
وقالت المؤسّسة إنّ الخطوة تأتي "في سياق عامّ تقمع فيه السلطات المصرية، بمختلف أجهزتها، كلَّ أشكال الحقّ في حرية التعبير بوجه عام، وحرية الإبداع والتعبير الفنّي بشكل خاصّ، وهي السياسات التي كان لها كبير الأثر في تراجع وتردي المناخ الثقافي في مصر خلال السنوات الأخيرة".
وكانت المؤسّسة قد انتقدت، في تقرير سابق، ظاهرة المنع في "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، وقد رصد التقرير، بالاستناد إلى شهادات سبعة كتاب وناشرين، عدداً من الانتهاكات التي حدثت في دورته الخامسة والخمسين العام الماضي، وجميعُها تتعلّق بحرّية التعبير والحقّ في الإبداع، وتتعدّد بين منع دُورٍ من المشاركة، وأمر برفع كُتب من الأرفف.
ومن بين دُور النشر التي مُنعت من المشاركة في المعرض خلال الأعوام السابقة: "دار التنوير"، و"كتب خان"، و"تنمية"، و"ديوان العرب"، إضافة إلى دُور نشر أُخرى فضّلت عدم إثارة مسألة منعها إعلامياً لتجنُّب إغضاب السلطات.
وتستند إدارة المعرض في قرارات المنع إلى لائحة تنظيمية تمنحها الحقّ في قبول أو رفض اشتراك أي دار نشر دون إظهار أسباب، وهو ما يفتح باب التعسّف بمنع دُور نشرٍ مشاركة من المشاركة، حتى لو لم ترتكب أيّة مخالفة من المخالفات الواردة في لائحة المعرض، وإضافة إلى المنع التام، تستخدم الإدارة اللائحة في سحب الكتب التي تعتبرها "غير مناسبة".
وكانت "دار المرايا للثقافة والفنون" قد أعلنت، في بيان الأربعاء، أنّ "الهيئة العامّة للكتاب"، قرّرت، ودون إبداء أسباب، منعها من المشاركة في "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، الذي يُنتظر أن تُقام دورتُه السادسة والخمسون بين الرابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني الجاري والخامس من فبراير/ شباط المُقبل، مضيفة أنّ "اتحاد الناشرين" حاول، على مدار الأسابيع الماضية، معرفة أسباب الرفض وتقديم حلول لها، إلّا أنّ هيئة الكتاب أصرّت على موقفها دون تقديم أي مبرّرات.
وأكّدت الدار أنّها "تقوم بسداد التزاماتها المالية تجاه المعرض بانتظام، ولم تتخلّف في أي سنة عن سداد جميع التزاماتها بشكل مسبق قبل بداية المعرض وخلال المواعيد التي تُحدّدها الهيئة"، وأنّ "جميع الأوراق الإدارية التي تخصّ دار المرايا سليمة ومحدَّثة ومنضبطة تماماً من جميع النواحي القانونية والمالية".
يُذكَر أن هذه أوّل مرّة تُمنع فيها "دار المرايا للثقافة والفنون" (تأسّست عام 2016) من المشاركة في "معرض القاهرة الدولي للكتاب"؛ حيث دأبت على الحضور فيه منذ 2017. لكنّ المؤسّسة التي تقول إنّها "تتبنّى في كلّ منتجاتها منهجاً ديمقراطياً وتقدّمياً ومناهضاً لكلّ أنماط التمييز في المجتمع" سبق أن تعرّضت لمضايقات من السُّلطات المصرية أكثر من مرّة؛ إذ تكرّرت مداهمة مقرّها، ومصادرة محتوياته، واعتقال عاملين فيه.
اجمالي القراءات
226