الاتحاد الأوروبي أنشأ 4 محطات مياه بسيناء.. وجمال مبارك عطل افتتاحها ليتاجر بها في حملة «الرئاسة»

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٠١ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: روزاليوسف


 

«روزاليوسف» تقتحم زراعات المخدرات في عمق الصحراء (3-3) 

الاتحاد الأوروبي أنشأ 4 محطات مياه بسيناء.. وجمال مبارك عطل افتتاحها ليتاجر بها في حملة «الرئاسة»

مقالات متعلقة :

مغامرة محفوفة بالمخاطر والإثارة تلك التي اقتحمت فيها «روزاليوسف» عمق جبال شمال سيناء، وسط الدروب الصحراوية وسلاسل الجبال الشاهقة ،ولهيب الشمس الحارقة ، في طريقها إلي مزارع البانجو المخبوءة في الوديان أسفل قمم الجبال ، فكان أمراً شبه مستحيل أن تقنع بدوياً بأن يصطحبك إلي مزارع المخدرات وهو يعلم أنك صحفي مهنتك كشف الأسرار ، في وقت تلاحق فيه أجهزة الأمن قرابة 3 آلاف مواطن بشمال وجنوب سيناء صادر بحقهم أحكام معظمها تهم زراعة واتجار في المواد المخدرة والتوتر الأمني، وبلوغ الأمر بين البدو والشرطة إلي ما يشبه الخصومة الثأرية ، وتعالي نبرات التهديد بالانفصال بسيناء وتسليم بطاقات الرقم القومي وتنظيم الوقفات الاحتجاجية علي الحدود مع إسرائيل. 

هذه المغامرة هدفها نقل الحقائق وإيصال الصوت المكتوم علي مدار ثلاثه عقود إلي آذان المسئولين ، بعد أن جعل نظام الرئيس المخلوع المعالجات الأمنية هي الطريق الوحيد لمعالجة القضايا السياسية فكانت سيناء هي النموذج الصارخ ، ففي تلك القطعة من جسد الوطن التي ارتوت بدماء الشهداء وبعد 32 عاما من التحرير مازالت ارض الفيروز تنتظر التعمير ، في سيناء الوضع يرثي له، الأطفال يواجهون مستقبلاً مظلمًا لا تعليم يرقي ولا رعاية صحية لأهل البادية ، الشباب عاطل تضيق عليهم فرص العمل في الشركات والسياحة . عصفة ريح تخترق أشعة شمس حارقة تكفي لتؤرجح السراب وسط الصحراء معلنة عن أنوثة كاذبة، يحلم بها الظمآن القابع في أحضان الجبال والبوادي، إنه الماء وحده هو القادر علي تلقيح أرض سيناء الخصبة لتنجب الخير لأهلها ومصر كلها. 

أطفالها هم أثمن ما يمكن الاستثمار بها لانتاج جيل يضع الوطن في قلب القلب، ولا بناء لجيل دون صناعة العقل وبناء الجسد. 

تري لماذا اهتم الغرب بأرض الفيروز، رغم تجاهل أغلب حكام مصر لها، وإن كان أكثرهم فجاجة نظام مبارك، ربما لأن شبه جزيرة سيناء ليست مجرد صحراء، فهي قطعة من جسد أم الدنيا في نقطة وسط بين البحر المتوسط وخليج السويس وقناة السويس والبحر الأحمر وخليج العقبة تلامس بأطرافها قارتي إفريقيا وآسيا، قاعدتها العريش، تلف بين ذراعيها أعلي سلاسل جبال مصر أبرزها جبلا موسي والقديسة كاترين أعلي جبال مصر البالغ ارتفاعه ألفين و638 متراً. 

عند قاع جبل القديسة كاترين وعلي جانبي الطريق الأسفلتي المتجهة إلي مدينة سانت كاترين اختبأت فضائح نظام بائد، رائحة فساده مازالت تزكم الأنوف، هناك البدو عطشي يشترون الماء الذي يقيسونه بالطن بما يوازي متراً مكعباً حيث الأسرة الواحدة بمتوسط 15 فرداً تستهلك متراً مكعباً في الأسبوع ثمنه 20 جنيهًا من المنبع يصل إلي 50 جنيهًا يتكلفه النقل إلي المستهلك بواقع 200 جنيه شهريا، الأمر الذي عرقل الزراعة ومع ارتفاع أثمان الأعلاف تقلصت الثروة الحيوانية وضاقت سبل العيش الكريم. 

ثلاثون عامًا بلا تنمية والمعالجات الأمنية هي السائدة، قدم لي الشيخ النحيل كوب مياه مؤكدًا أن نسبة ملوحته أضعاف النسبة الصحية، فهناك من يقيس الملوحة بجهاز بسيط معد لهذا الغرض «الآي سي». 

المياه تصل إلي البدو عبر شركة حكومية في خزانات متهالكة أنهكها الصدأ معرضة للتعطل في قلب الصحراء وعندها سينتظر البدو الماء أياماً رغم أن سيناء بها كنز من المياه الجوفية التي يتطلب حفر البئر منها 400 ألف جنيه تكفي لري 100 فدان، الشيخ عودة خريج صالح قال: «المدقات ما عادت تصلح.. كانت تحفر البئر بـ40 ألف جنيه والآن من أين نجيب 400 ألف لحفر البئر؟» 

الشيخ ماجد قال: «تعالي معي لتشوف بعينك المأساة».. ركبت سيارته نظرت إلي جواري فإذا ببندقية آلية ممددة، قلت: ما الداعي لها، قال: «ياشيخ نعيش في الجبال وهذه للحماية فقط، ولدينا أحكام عرفية تمنع أن يرفع رجل سلاحاً علي الآخر». 

علي الطريق توقفت السيارة أمام محطة مياه علي أعلي درجات الحداثة أنشأها الاتحاد الأوروبي وفقًا للوحة المرفقة بها فهي مشروع لإمداد مدينة سانت كاترين بالمياه، جهة التمويل الاتحاد الأوروبي وجهة التعاقد برنامج التنمية الإقليمية لجنوب سيناء والاستشاري للمشروع «دورنير شنايدر للاستشارات» والمقاول شركة «هورس» للأعمال الهندسية أليكس بالتعاون مع جهاز تعمير سيناء الشركة القابضة للمياه والصرف الصحي. 

هذه البيانات الكاملة للمشروع الذي أنشأ أربع محطات تكلفتها الإجمالية 7 مليارات جنيه لم تنفق عليها مصر مليماً واحداً والطاقة الإنتاجية للمحطة الواحدة 700 متر مكعب يوميا، مفلترة صالحة للاستخدام الآدمي. 

تري لماذا لم تشغل تلك المحطات رغم الانتهاء من إنشائها وتسليمها لمحافظة جنوب سيناء منذ عام ونصف العام وتجريبها وقدرتها علي الإنتاج.. كان هذا سؤالي للشيخ ماجد الذي أكد أن لديه معلومات من المحافظة أن إرجاء تشغيلها كان بهدف تجهيز زيارة للرئيس المخلوع ليقوم بافتتاحها مضيفًا: تم تأجيل الافتتاح واستبدلت الخطة ليكون جمال مبارك هو صاحب الافتتاح للترويج له في حملته الانتخابية للرئاسة التي كان يعد لها للسطو علي حكم مصر. 


المتاجرة بلغت حد الاتجار بشربة الماء في عمق الصحراء، قال ماجد: كلما نسأل لماذا لا يتم الافتتاح يقولون في انتظار الرئيس الجديد: مضيفًا: هل سنظل نشتري المياه المالحة حتي يأتي رئيس جديد ليفتتحها؟! السؤال أنقله بدوري للمجلس العسكري وأقول هل يفعلها الجيش ويطلق المياه لتروي ظمأ الصحراء، فالثورة تعني تغيير السياسات ونصرة المظلومين وبالطبع خطة كاملة لتنمية سيناء تضمن أن تذهب قطرات المياه للتنمية دون أي استخدام آخر يهدد سلامة المجتمع. 

إلي جوار المحطة كان شيخ نحيل جالس سارع إلينا عندما اقتربنا منها واطمأن عندما وجد مرافقي من البدو.. إنه الخفير الذي يحرس المحطة حتي تأتيها لحظة الافتتاح. 

علي بعد أمتار من المحطة وعلي جانب الطريق أشار الشيخ إلي منازل مهجورة وبقايا أشجار أرهقها العطش فجفت أغصانها التي كانت تلد في السابق فاكهة، قال: هنا كانت أسرة تعيش، وهذه كانت حديقة العنب والزيتون.. رحلت الأسرة بحثًا عن مكان آخر به ماء وماتت الأشجار وعلي بعد أمتار أخري أشار إلي حديقة صغيرة قال: صاحبها ثري يستطيع شراء الماء ليروي حديقته.. «سيناء يا شيخ ممكن تصبح جنة بس الحكومة تنظر لنا بعين المواطنة إحنا مواطنين مصريين لينا حقوق علي الدولة وضحينا بدمائنا من أجل بلدنا ولا قبيلة إلا ومنها آباء وأجداد حاصلون علي نجمة سيناء لتضحيتهم في حرب الاستنزاف و1973 . 

أمتار أخري وكانت مدرسة عفا عليها الزمن تجلس أعلي تبة ترفع فوق رأسها العلم المصري لكنها أشبه بالكارفانات لا تستوعب سوي ثلاثة فصول قال: «هذه المدرسة بناها الاحتلال الإسرائيلي، وليس بها سوي ثلاثة فصول يجلس الطلاب أولي وثانية ابتدائي مع بعض في فصل واحد، وثالثة ورابعة ابتدائي في فصل وخامسة وسادسة في فصل العيل بيدرس السنة في سنتين عندنا. 

في منطقة قريبة، وعلي حافة الطريق أسفل جبل سانت كاترين كانت مدرسة من ثلاثة أدوار حديثة البناء انشئت بتمويل من الاتحاد الاوروبي، المبني فخيم لا يقل عن مدارس الحضر ممشوق الجسد، لكن بلا روح، ما يرويه عنها شيوخ المنطقة يدفع للضحك الهستيري. 

قال الشيخ النحيف وأمن علي كلامه الحضور: «منذ 15 عاماً ولا يحصل ولد من أبنائنا علي أكثر من 170 درجة في الاعدادية حتي لا يستطيعوا دخول الثانوية العامة ويظل الجميع دبلومات، فلا يسعي واحد منا للالتحاق بالشرطة أو الحربية» مضيفًا: المدرسون ضباط أمن دولة يحضرون 12 يوماً ويسافرون 12 يوماً فلا انتظام في العمل وعندما يأتي مدرس يكون تابعاً لأمن الدولة ومحذوراً عليه الاختلاط بنا وبيخوفوه منا يقولون دول عملاء لإسرائيل وتجار مخدرات». 

سألت الشيخ: أليس من الممكن أن يكون العيب في أبنائكم لا يذاكرون دروسهم، فأجاب ضاحكًا: «لا ياشيخ مش ممكن مافي ولا واحد في وادي فيران قادر يجيب 200 درجة الكل 140 حتي 170 طيب أنا هاقول لك حكاية المشايخ شاهدة أهي، في سنة قلنا نغشش العيال وجبنا لحمة و6 فرخات للجنة في الامتحانات ودخلنا وغششوهم، الامتحان بالضبط من نموذج الاجابة وبرضه ما في واحد جاب أكثر من 170 درجة «ضحك الحضور مؤمنين علي كلامه مرددين: هذا صحيح شغل أمن دولة ياشيخ». 

عندما اقتربت من المضيفة الممثلة في جدران بالطوب الأحمر والأبيض تتوسطها أعمدة تحمل عرشاً من البوص والأرض مفروشة بأشرطة بلاستيكية وبعض منها من الصوف قابلني الأطفال بحفاوة وترحاب طالبين التقاط صور لهم، تملأهم الحيوية وملامح البيئة الصحراوية، في عيونهم نظرة نحو مستقبل أفضل يملؤها الأمل، فهل يحمل لهم القدر غدًا زاهراً يخلق منهم أطباء ومهندسين وضباطاً ومزارعين منتجين للخير، أم ستدفع بهم اقدارهم وفشل سياسات الحكومات إلي زراعة المخدرات وتزعم العصابات؟ هذا مرهون بالنظام القادم الذي ستتمخض عنه الثورة .. أتمني لأبناء سيناء كل الخير.

اجمالي القراءات 2377
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق