من الإرهاب المسلح إلى الإرهاب الإليكتروني!

د. شاكر النابلسي Ýí 2010-12-05


1-

رغم عتو وضراوة التنظيمات الإرهابية الدموية في العالم العربي عامة وفي منطقة الخليج خاصة، إلا أن تيقظ ومتابعة دوائر الأمن المختصة، استطاعت في السنوات الماضية أن تحبط معظم خطط الإرهاب الدموي المسلح، وتضبط الكثير من عناصره، وأسلحته، وأدوات تدميره للمواطنين والوطن. وقد أدركت عناصر وقيادات هذه التنظيمات، وعلى رأسها التنظيم الإرهابي المسلح الأكبر (القاعدة) هذه الحقيقة. ولذا بدأت "القاعدة" منذ زمن ليس بالبعيÏiacute;د، بإنشاء مواقع إرهابية إليكترونية على الانترنت، لكي تكون الرديف الفكري والسياسي والدعوي للإرهاب المسلح، الذي تستعد له على أرض الواقع. ومن هنا رأينا انتشار المواقع الإليكترونية الإرهابية على الانترنت. وكلها تتصيد تصيداً فاشلاً جُملاً وعبارات وتصريحات وإجراءات إدارية محضة من هنا وهناك، وتلبسها رداء الدين، وتعيد صياغتها، وعجنها، وتشكيلها من جديد، وتحقنها بنصوص مقدسة، لكي يُستساغ طعمها، وتُصبح قابلة للتناول.

-2-

العالم النفسي المصري/الفرنسي الأشهر مصطفى صفوان، قال في كتابه المهم (الكلام أو الموت) عن الظاهرة الطوطمية Totemismالتي يعاني منها فريق في العالم العربي، إنها شكل من أشكال العبادات (والعياذ بالله). وأن الطوطمية حسب الفيلسوف الفرنسي كلود ليفي شتراوس (وليس ليفي شتراوس الألماني، مبدع الجينز) – لا تعدو أن تكون وهماً من الأوهام، وخيالاً من الخيالات، يتوهمه ويتخيله البدائيون – وهم كثر في العالم العربي – وكذلك علماء الأنثروبولوجيا، ويقابلهم في العالم العربي بعض رجال السياسة والدين، وكبار المثقفين. وهؤلاء كما يتوهمون بالطواطم، فإنهم يعتقدون بالسحر، والشعوذة، وأعمال الدجل، التي قرأنا عنها بعد هزيمة 1967، فيما كان يكتبه أنيس منصور عن استحضار الأرواح بالسلة، وفيما كان يكتبه الراحل مصطفى محمود، وما كان ينشره حسنين هيكل في "الأهرام" في نهاية الستينات من القرن الماضي عن ظهور السيدة العذراء، فوق كنيسة في "حي الزيتون" في القاهرة، وفيما كتبه إبراهيم بدران وسلوى الخمّاش في كتابهما "دراسات في العقلية العربية: الخرافة".

-3-

ولعل الطوطم الأشهر والأكبر الذي ظهر في العالم العربي في التسعينات من القرن الماضي، كان الإرهابي الأكبر أسامة بن لادن. ونحن نطلق عليه هنا بالطوطم، لأنه أصبح فيما بعد من المقدسات البدائية عند البدائيين، الذين يعيشون بيننا في القرن الحادي والعشرين. فيطلقون على الطوطم (أسامة ابن لادن) (الشيخ الفقيه)، (والداعية الأعلم)، و(المناضل الإسلامي)، و (قاهر الكفار والاستعمار). واجتهد المجتهدون في تعظيمه وتقديسه، كما سبق أن اجتهد كفار قريش في تعظيم (هُبل) وتقديسه. وأصبح الأطفال عندما يُسألون عن مثلهم المُحتذى به، يذكرون (الشيخ أسامة)، ويجهلون عظماء تاريخهم القديم والجديد. وعندما يُسألون عن عاصمة الإسلام، يجيبون بأنها "قندهار"، وليست مكة المكرمة. وبلغ التقديس لهذا "الطوطم"، أنه إلى الآن، لم تصدر فُتيا شرعية بقتله، رغم ما قتل بواسطة أعوانه آلاف المسلمين وغير المسلمين من الأبرياء. وهذا التضليل والعمى، تمَّ بفعل ما يبذله الإرهاب الإليكتروني من جهد كبير في (التثقيف) الدعوي الإرهابي عن طريق الانترنت، بعد أن استغلت عصابات الإرهاب ثورة المعلومات والاتصالات، لكي تستفيد منها بالطريقة التي تريدها، وتحقق أهدافها. وبذا، أصبح العنف لا يقتصر على العمليات الأرضية الإرهابية المسلحة، بقدر ما انتقل إلى شاشات الانترنت. بل أصبح على هذه الشاشات، وفي المواقع الإرهابية أشد ضراوة مما هو على الأرض، وأصبح له جمهوره المُغرر بهم، والمنساق لهم. كما كان الحال، عندما كان الإرهاب المسلح يجول ويصول على الأرض، وما من رادع، أو وازع.

-4-

من الواضح، أنه أصبح بإمكان دوائر الأمن العربية – ما عدا العراق -  تعقُّب الإرهابيين المسلحين، والكشف عنهم، وضبطهم. ولكن الأخطر من هؤلاء – بصراحة – هم الصف الثاني من هؤلاء الإرهابيين/ وهم الذين يلبسون مسوح التراث، ويُظهرون غير ما يبطنون من أقوال وأفعال. ويعتلون منابر الدعوة الدينية باسم الدعوة للدين، وهم في حقيقتهم هدامون للقيم الدينية والاجتماعية والسياسية. وهم وجدوا في ممارسة الإرهاب الإليكتروني (التقية) المطلوبة دينياً واجتماعياً وأمنياً كذلك. فإذا ما قُبض عليهم متلبسين، وعوقبوا، قالوا أن الدين هو الذي قُبض عليه، وعوقب. وأن الدين ووسائله ومعارفه قد اعتُدي عليها. وتمَّ المسُّ بها. وهنا، يصبح الإرهاب الإليكتروني أمضى سلاحاً،  وأكثر مضاءً من الإرهاب المسلح لعدة أسباب منها:

1-                     أن الإرهاب الإليكتروني مغطى بطبقة دينية كثيفة من الصعب إزالتها عنه إلا بقاشط حاد، ومن قبل جراحين متخصصين. فنقرأ أن اسم الموقع الإليكتروني اسم ديني. ونرى أن معظم المواد المنشورة عليه تتضمن بين ثناياها  - إذ لم يكن في كل سطر من سطورها – حديثاً نبوياً شريفاً، أو آية قرآنية كريمة، قد تمَّ حشرها قسراً، وتفسيرها تفسيراً قسرياً، وتمَّ لي عنقها ليّاً شديداً، لكي تناسب واقع الحال، وتُعبِّر عن المآل.

2-                     أن دعاة الإرهاب الإليكتروني على شاشة الانترنت، يوصفون بأنهم من الدعاة المفكرين، والمصلحين النافعين، رغم ما يبثونه من سموم الأفكار والمضامين الخطيرة والمدمرة والدافعة للشباب لكي يُفجِّر بنفسه وبالناس، بدلاً من تفجير طاقات الإبداع في مختلف ميادين الحياة. ودعاة الإرهاب الإليكتروني هؤلاء يجلسون على مقاعد عالية، وينظرون للناس من علٍ، باعتبارهم يعرفون، والجمهور لا يعرف. ولكنهم (يتعالمون) على الجمهور، وهم لا يعلمون. وينظر إليهم سواد المجتمع بإكبار وخشية وتعظيم. فتراهم في صدر المجالس دائماً. ومَنْ في غير هواهم وخطابهم يجلس بعيداً من الندى. ويظن الجميع أن هؤلاء هم الناصحون المخلصون للوطن والمواطنين. لذا، فمن المستبعد أن يكون من بين هؤلاء من يرفد الإرهابيين المسلحين على أرض الواقع بالفكر التدميري، ويقنعهم بارتكاب أعمال العنف.

3-                     يستفيد هؤلاء من كون العموم يدركون، بأن العنف لا يمكن أن يكون شرعياً، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا هم مصدره، والحاضين عليه، والدافعين له. في حين أن سواد الناس، يعلم حق العلم أن وراء التنظيمات الدينية/السياسية الإرهابية تنظيمات فكرية دينية مدمرة، وتنظيمات مالية ضخمة تابعة لها، وبمباركتها، تعمل لحساب الإرهاب المسلح على الأرض.

4-                       إن العنف يحتاج دائماً إلى مبرر. وهؤلاء الدعاة لديهم كل المبررات لكل الأفعال، ومنها العنف. لذا يلجأ إليهم – وحدهم - الإرهابيون المسلحون لكي يبرروا إرهابهم.

5-                       إن الإرهاب الإليكتروني، هو أرخص أنواع الإرهاب، وأقلها تكلفة، ولكنه أبلغها أثراً، وأكثرها تقية واختفاء عن أعين الأمن. ولذا، كثرت مواقعه على الانترنت، وأصبحت بالمئات إن لم تكن بالآلاف الآن.

وواجبنا مكافحة الإرهاب الإليكتروني، جنباً إلى جنب مع الإرهاب المسلح على الأرض، لكي لا ننسى الأول، ونلهو بالثاني، فنصبح على ما فعلنا نادمين. 

اجمالي القراءات 10992

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   ميرفت عبدالله     في   الإثنين ٠٦ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[53461]

وكيف تصدر فتوى شرعية بقتله

الأستاذ شاكر نابلسي يفترض افتراض من الصعب إن لم يكن مستحيل حدوثه وهو أن يصدر فتوى شرعية بقتل أسامة بن لادن وذلك لما أحدثه من إرهاب وقتل لأبرياء وشرد كثير من الأسر وقضى على كثير من الشباب بما نشره من فكر إرهابي متطرف وجند كثير من الشباب المفترض أنه مسلم في خدمة أغراضه الدموية ،  والمشكلة أنهم يسحسبون أنهم يحسنون صنعا .


ولكن السؤال هل يجرؤ  أحد من الشيوخ الذين يكفرون أعداد من المجتمع الإسلامي أن يصدروا فتوة بتكفير إسامة بن لادن وأنه يجب قتلة ؟؟


 


2   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الأربعاء ٠٨ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[53559]

الإرهاب إرهاب

صدقت  يا أستاذ شاكر فلابد من التصدي للإرهاب الأرضي  أولا  بتنقية كل ما يدرس في المراحل الدراسية الأولى للأطفال ، حتى ينمو الطفل سويا ، وهذا ليس سهلا لأن أنصار الثقافة الإرهابية من  صناع القرار ولذلك فإن اقرار الإصلاح لا تقوم له قائمة وأي مصلح يتهموه بأنه يحارب الإسلام  أو له أفكار عدائية فيتم تشويه صورته، ويقل إقبال الناس عليه إلا ما ندر من ذووا العقول الراجحة  ، ثم بعد ذلك نحارب الإرهاب الالكتروني وهذا موضوع شرحه يطول لأنه يحتاج إلى تكاتف جهود كثيرة ، تنسى ما بينها من خلافات ويكون أمامها  هذا الهدف الموحد ، وان نلغي من القاموس العربي نظرية المؤامرة المعمول بها عند أغلب العرب ،  فهل نستطيع القيام بذلك ؟!!


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-01-16
مقالات منشورة : 334
اجمالي القراءات : 3,629,693
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 361
بلد الميلاد : الاردن
بلد الاقامة : الولايات المتحدة