عدالة القرن الـ21 في خدمة مشاعر القرن السابع: تأملات في قرار جزائري

عادل بن احمد Ýí 2025-04-14


في خطوة تاريخية تُظهرعمق اهتمام الدولة بأدق تفاصيل الانسجام الروحي للمواطنين، توعد وزير العدل الجزائري بعقوبات صارمة تصل للسجن 5 سنوات ضد جريمة العصر الكبرى: "سب الصحابة". يا له من إنجاز! فبينما تتعالى الأصوات المطالبة بإصلاحات اقتصادية، ومكافحة الفساد، وتحسين الخدمات، اختارت منظومة العدالة أن تركز جهودها على حماية سمعة شخصيات من فجر الإسلام، وهو أمرٌ، لا شك، سيُشعر المواطن البسيط بالطمأنينة وهو يقف في طابور طويل أو يبحث عن فرصة عمل. يبدو أن معالجة جراح الحاضر أقل إلحاحاً من تضميد خدوش متخيلة على دروع الماضي. هذا التوجه، المثير للجدل على أقل تقدير، يستحق أن نتناوله بشيء من التفصيل النقدي.
 
بعيداً عن هذه الصورة الكاريكاتورية، التي قد تبدو مبالغاً فيها للوهلة الأولى، فإن تصريح وزير العدل الجزائري بخصوص معاقبة "سب الصحابة" يطرح في الواقع مجموعة من الإشكاليات والتساؤلات الجوهرية التي تستحق وقفة تحليل جادة. فالأمر يتجاوز مجرد حماية رموز دينية ليصل إلى صميم العلاقة بين القانون، الحرية، التاريخ، والدين في الدولة الحديثة.
 
أولاً وقبل كل شيء، تتمثل الإشكالية الأساسية في الغموض الفاضح الذي يكتنف مصطلح "السب" نفسه. إذ تطرح تساؤلات ملحة: ما هي المعايير القانونية الدقيقة التي ستُستخدم للتمييز بين السب المزعوم، والنقد التاريخي المشروع، أو حتى مجرد عرض رواية تاريخية تختلف عن السردية السائدة؟ وهل مجرد التشكيك في رواية يعتبر سباً؟ فضلاً عن ذلك، كيف سيتم التعامل مع خلافات تاريخية موثقة بين بعض الصحابة أنفسهم؟ مما لا شك فيه أن غياب تعريف قانوني محدد يفتح الباب بالتالي على مصراعيه للتأويلات الواسعة والسلطة التقديرية المفرطة، مما يحول القانون من أداة لتحقيق العدالة إلى سيف مسلط يمكن استخدامه بشكل انتقائي أو تعسفي.
 
ثانياً، وربما الأخطر من ذلك، يصطدم هذا التوجه بشكل مباشر مع مبدأ حرية التعبير والرأي، وهو حق أساسي تكفله الدساتير والمواثيق الدولية. ففي الواقع، إن تجريم آراء أو قراءات تاريخية، حتى لو كانت صادمة للبعض، يمثل تراجعاً عن المكتسبات الحرياتية ويقوض أسس النقاش العام الصحي. ولذلك، كيف يمكن للباحثين والمؤرخين والمفكرين أن يتناولوا فترة حساسة ومهمة من التاريخ الإسلامي بحرية وموضوعية إذا كان شبح السجن يلوح في الأفق؟ إذ إن مثل هذه التهديدات تخلق مناخاً من "الرقابة الذاتية" أشد فتكاً من الرقابة المباشرة، وتؤدي في نهاية المطاف إلى تجفيف منابع الفكر النقدي.
 
يضاف إلى ما سبق، يطرح هذا التصريح تساؤلاً حول أولويات المنظومة القضائية والتشريعية. ففي ظل تحديات اقتصادية واجتماعية جمة تواجه البلاد، هل يعتبر تنظيم النقاش حول شخصيات تاريخية هو الأولوية القصوى التي تستدعي تخصيص موارد الدولة وسن قوانين جنائية بعقوبات سالبة للحرية تصل إلى خمس سنوات؟ ومن هنا، يبرز التساؤل حول اللجوء الفوري لأداة القانون الجنائي، وهي الأداة الأكثر قسوة في ترسانة الدولة، لمعالجة قضايا ذات طبيعة فكرية أو كلامية. ألا توجد بالأحرى وسائل أخرى لمعالجة الإساءات المحتملة، كالحوار المجتمعي، أو التوعية، أو حتى قوانين مدنية تتعلق بالتشهير إن ثبت الضرر المباشر؟ ناهيك عن التساؤل حول مدى تناسب عقوبة السجن مع فعل "الكلام" في هذه الحالة.
رابعاً، لا يمكن فصل هذا التصريح عن سياقه، حيث إنه يثير التساؤل عن توقيته ودوافعه المحتملة. فهل يأتي كجزء من محاولة لاسترضاء تيارات دينية معينة؟ أم كآلية لصرف الانتباه عن قضايا أخرى أكثر إلحاحاً؟ وفي كلتا الحالتين، فإن استخدام الدين والمقدسات كأدوات في المناورة السياسية أو التشريعية له تداعيات سلبية على كل من الدين والسياسة.
 
وأخيراً، وكمحصلة طبيعية لهذه الإشكاليات، يُخشى أن يتم استغلال مثل هذا القانون، إن تم تطبيقه، لاستهداف فئات معينة من المجتمع، سواء كانوا معارضين سياسيين تحت غطاء ديني، أو أصحاب أفكار مختلفة، أو حتى أقليات دينية ومذهبية قد تختلف قراءاتها للتاريخ عن القراءة الرسمية أو السائدة.
 
خلاصة القول، يتضح أن التهديد بفرض عقوبات جنائية قاسية على "سب الصحابة" يثير إشكاليات قانونية وحقوقية وفكرية عميقة، تبدأ بالغموض في التعريف ولا تنتهي بالتأثير السلبي المحتمل على الحريات الأساسية وأولويات العدالة. وبدلاً من اللجوء إلى الحلول الأمنية والقضائية لمسائل تتعلق بالفكر والتاريخ، فإن الأجدى هو تعزيز ثقافة الحوار، ودعم البحث العلمي النزيه، والتركيز على القوانين التي تحارب بوضوح خطاب الكراهية والتحريض المباشر على العنف. ويبقى السؤال مفتوحاً: هل بناء مجتمع متسامح ومتفهم يمر عبر سن المزيد من القوانين المقيدة للحريات، أم عبر ترسيخ ثقافة النقاش الحر وقبول الاختلاف؟
اجمالي القراءات 157

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2013-01-07
مقالات منشورة : 3
اجمالي القراءات : 428
تعليقات له : 85
تعليقات عليه : 0
بلد الميلاد : Algeria
بلد الاقامة : Algeria