القافلة إلى غزة: تضامن بريء أم توظيف سياسي؟

عادل بن احمد Ýí 2025-06-14


عندما أتابع الجدل الدائر حول قافلة المساعدات المتجهة إلى غزة، أجد نفسي مضطراً للنظر أبعد من الصورة العاطفية التي تُقدَّم للجمهور. هناك من يرى في المشاركين أبطالاً، وفي القافلة عملاً إنسانياً نبيلاً، وهذا مفهوم. لكنني أرى أن الصورة أكثر تعقيداً، وتستدعي منا طرح أسئلة جريئة وصريحة.

دعوني أبدأ بما يقوله الإخوة المصريون، وهي في رأيي كلمة حق لا يمكن تجاهلها. مصر دولة ذات سيادة، ومن حقها المطلق أن تطلب تصاريح رسمية لدخول أي قافلة إلى أراضيها، خاصة عبر معبر رفح الحساس. المشاركون في هذه القافلة، كما نعلم، دخلوا مصر بتأشيرات سياحية. التأشيرة السياحية، بحكم تعريفها، مخصصة للسياحة، ولا تمنح حاملها الحق في ممارسة العمل الصحفي، أو النشاط السياسي، أو حتى العمل التضامني المنظم. تجاهل هذه الحقيقة الأساسية ليس بطولة، بل هو تجاوز للقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية.

هذا التجاهل المتعمد للإجراءات الرسمية يقودني إلى تساؤل حتمي: لماذا هذه العجالة؟ عدم طلب التصاريح يعني أن تنظيم القافلة تم بسرعة، وكأن هناك من أصدر أمراً بالتحرك الفوري. وهنا أسأل بصدق: هل كانت نية المنظمين حقاً هي إيصال المساعدات بأي ثمن، أم أنهم تلقوا إشارة من جهة ما بضرورة خلق حدث سياسي و أعلامي سريع؟

والسؤال الأكثر إلحاحاً: لماذا الجزائر بالذات؟ لماذا تنطلق قافلة يعلم منظموها علم اليقين أنها ستُمنَع عند الحدود المصرية لأنها تفتقر لأبسط الشروط القانونية؟ أليس في هذا محاولة متعمدة ومبيتة لخلق أزمة دبلوماسية بين الجزائر والقاهرة؟ السيناريو يبدو مرسوماً بعناية: إذا منعتها الجزائر، ستنطلق حملة إعلامية تتهمها بـ"خذلان فلسطين". وإذا سمحت بمرورها وأوقفتها مصر، وهو ما سيحدث حتماً، ستُوجّه السهام إلى الدولة الجزائرية تحت شعار: "أين الجزائر؟ لماذا لا تدافع عن أبنائها؟". إنها لعبة سياسية خبيثة تضع الدولة في موقف حرج.

ولننظر إلى من يقود هذه القافلة. نجد في الصدارة شخصيات مثل عبد الرزاق مقري، المحسوب على تيار الإخوان المسلمين. هذا الأمر يثير تساؤلاً آخر: لماذا لم تنطلق مثل هذه القافلة من تركيا، التي تقدم نفسها كراعية للقضية الفلسطينية وداعمة لتيارات الإسلام السياسي؟ لماذا يُطلب من الجزائر أن تكون هي منصة الانطلاق لأجندات لا تخدم بالضرورة مصالحها الوطنية؟ أخشى أن الإجابة تكمن في أن غزة، بالنسبة للبعض، تحولت إلى ما يشبه "السجل التجاري"، يُستخدم لتحقيق مكاسب سياسية، وتلميع صور شخصيات، وحشد الأنصار.

في رأيي، إن أسمى أشكال التضامن لا يكون باستعراضات إعلامية تهدف إلى صناعة "أبطال" وهميين. لو كانت النية صادقة ومخلصة لخدمة أهل غزة، لكان الطريق مختلفاً. الطريق الأمثل هو تنظيم قوافل عالمية، تنطلق واحدة من الجزائر، وأخرى من أنقرة، وثالثة من الرباط، ورابعة من الدوحة، وتلتقي جميعها أمام معبر رفح، ولكن بعد الحصول على التراخيص اللازمة من السلطات المصرية. هذا هو التضامن الحقيقي الذي يحترم سيادة الدول ويضمن وصول المساعدات، لا التضامن الذي يخلق أزمات.

إن الهدف الحقيقي لهؤلاء المشاركين، في اعتقادي، ليس فك الحصار عن غزة، بل العودة إلى الوطن كأبطال، وحشد الجماهير حولهم، ومن ثم تصدر المشهد السياسي والإعلامي، ومحاولة الاستئثار بالقضية الفلسطينية واحتكارها لصالح تيارهم.

وهناك هدف أعمق وأخطر. أرى أن هناك توظيفاً ممنهجاً لصورة المعاناة الفلسطينية من أجل تحقيق أهداف داخلية في بلداننا. ما تفعله قناة مثل الجزيرة ليس ببعيد عن هذا؛ فهي تبث مشاهد الألم والمعاناة ليس لتحرير فلسطين، بل لتهييج الشوارع العربية، وتأجيج مشاعر الغضب ضد الأنظمة القائمة. الهدف هو استخدام القضية الفلسطينية كوقود لكسر "حاجز الخوف" لدى الشعوب، ودفعها للتظاهر والثورة.

إن المخلص الحقيقي، في نظري، هو من يتحرك في صمت، بعيداً عن الأضواء والكاميرات، من يتسلل عبر مصر أو لبنان أو الأردن ليقاتل الاحتلال على الأرض. أما من يتاجر بمعاناة شعب أعزل ليصنع لنفسه مجداً سياسياً، فهو يشارك، من حيث يدري أو لا يدري، في إدامة الأزمة وتوظيفها لخدمة مصالحه الضيقة. علينا أن نكون أكثر وعياً، وأن نميز بين التضامن النبيل، والمتاجرة الرخيصة بآلام الآخرين.

اجمالي القراءات 118

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2013-01-07
مقالات منشورة : 12
اجمالي القراءات : 5,629
تعليقات له : 87
تعليقات عليه : 0
بلد الميلاد : Algeria
بلد الاقامة : Algeria