سُلَي" المالية: نداء من قلب الحصار ودرسٌ في الصمود

عادل بن احمد Ýí 2025-05-28


في قلب مالي، حيث تتداخل خيوط الأمل مع واقع مرير، تقف قرية "سلي" شامخة في وجه الإرهاب، لكن صمودها كلفها غالياً. سكان هذه القرية الصغيرة، الواقعة في منطقة سيغو، يطلقون نداء استغاثة يائساً إلى السلطات الانتقالية في البلاد، مطالبين بكسر طوق حصار خانق تفرضه عليهم جماعات جهادية إرهابية منذ ما يقارب العامين.

المأساة التي يعيشها أهالي "سلي" تجسد واحدة من أوجه الصراع المعقد في مالي. فبحسب تقارير إعلامية دولية، فإن "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، المرتبطة بتنظيم القاعدة، هي من تمسك بزمام الأمور حول القرية، متحكمة في كل مداخلها ومخارجها، ومانعة وصول أي شكل من أشكال المساعدة الإنسانية أو الإمدادات الحيوية للسكان المحاصرين.

وفي بادرة تعكس حجم اليأس والمعاناة، بث أهالي القرية – رجالاً ونساءً وشباباً – تسجيلاً مصوراً مؤثراً بلغتهم المحلية ، لعل صوتهم يصل إلى العقيد أسيمي غويتا، رئيس المرحلة الانتقالية، ويوقظ ضمير المسؤولين تجاه محنتهم.

تكمن خصوصية مأساة "سلي" في سياقها الأوسع. فالقرية جزء من تجمع قروي يضم تسع قرى. المثير للدهشة أن سبعاً من هذه القرى اختارت طريق المهادنة، وقبلت بـ"اتفاقات محلية" مع الجماعات الجهادية. هذه الاتفاقات، وإن كانت توفر أمناً هشاً، إلا أنها تفرض على السكان شروطاً قاسية، من بينها تطبيق تفسيرات متشددة للشريعة الإسلامية، وفرض أنماط معينة من اللباس كالنقاب، ودفع "الزكاة" للجماعات المسلحة، والأخطر من ذلك، قطع أي صلة بالدولة المالية ومؤسساتها.

أما "سلي"، ومعها قريتان أخريان، فقد أبت الرضوخ لهذه الإملاءات، واختارت طريق الكرامة والتمسك بالانتماء للدولة، فكان جزاؤها العزلة التامة والحصار المطبق. هذا الموقف البطولي يسلط الضوء على شجاعة مواطنين عاديين يرفضون الخضوع لمنطق الإرهاب، حتى وإن كلفهم ذلك أمنهم وقوت يومهم.

إن نداء "سلي" ليس مجرد استغاثة إنسانية، بل هو مؤشر خطير يكشف مرة أخرى عن هشاشة سلطة الدولة في بعض المناطق الشاسعة من مالي، وعن الفراغ الذي تستغله الجماعات المتطرفة لتوسيع نفوذها وفرض أجندتها. كما يطرح تساؤلاً مؤرقاً حول الثمن الباهظ الذي يدفعه المواطنون المتمسكون بولائهم للجمهورية في مناطق يكاد يكون فيها حضور الدولة معدوماً. فإلى متى سيظل الصامدون يدفعون فاتورة غياب الدولة وقدرتها على حماية مواطنيها؟ 

ما سطرتُ هذه الكلمات إلا مدفوعاً بشعور عميق بالألم لما يعانيه أهالي قرية "سلي" الصامدة، وتضامناً مع محنتهم التي يواجهونها بشجاعة نادرة. ففي وجه هذا الحصار الجائر والصمت الذي قد يحيط بمعاناتهم، أجد أن أقل ما يمكنني تقديمه هو أن أشارك قصتهم، وأن أضم صوتي إلى ندائهم العادل. لعل هذه الأحرف تكون بمثابة شعاع ضوء يسلط على تضحياتهم، ورسالة متواضعة تحمل في طياتها كل الدعم والمساندة لهؤلاء الأبطال الذين يرفضون الاستسلام لقوى الظلام.

اجمالي القراءات 75

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2013-01-07
مقالات منشورة : 10
اجمالي القراءات : 2,686
تعليقات له : 87
تعليقات عليه : 0
بلد الميلاد : Algeria
بلد الاقامة : Algeria