الخرطوم منزوعة الحياة.. هدوء بالأسواق وفراغ إداري
الخرطوم – تبدو الصورة في قلب ووسط العاصمة السودانية، وتحديدًا في مركزها التجاري حيث تتوزع الدواوين الحكومية والمؤسسات، مضطربةً وتعكس حالة من الجمود، على النقيض من الأحياء الشعبية البعيدة التي بدأت تستعيد شيئًا من نبض الحياة تدريجيا.
ويقتصر المشهد في الوسط على انتشار ظاهر لقوات الشرطة، في مقابل تراجع حضور الجيش بعد إعلان دحر قوات الدعم السريع، من دون أن يصاحب ذلك أي مؤشرات واضحة على استئناف الخدمات أو عودة النشاط الإداري.
وتُظهر الجدران وواجهات المباني آثارًا واضحة للمعارك، حيث تتناثر الندوب والتصدعات، وقد تحولت بعض البنايات إلى أنقاض، في مظهر يرجّح أن إعادة إعمارها ستتطلب وقتًا طويلًا وجهودًا ضخمة.
ويسجَّل حضور إداري محدود في رئاسة ولاية الخرطوم المطلة على النيل الأزرق، مع عودة بعض الموظفين وعلى رأسهم الوالي أحمد عثمان حمزة، إلا أن هذا الحضور لا يرقى إلى استئناف فعلي لدولاب العمل.
فقد باشرت بعض الجهات الرسمية، مثل وزارة الداخلية الاتحادية، وعدد من مقار الشرطة، ووزارتي الصحة والمالية في ولاية الخرطوم، أعمالها في مقارها السابقة للحرب، في خطوة أولية نحو استعادة الحد الأدنى من الأداء المؤسسي. ولكن تلك التحركات المحدودة لم تعن الكثير للحياة الإدارية والخدمية التي لا تزال غائبة إلى حد كبير، وهو أمر يُعزى إلى حجم الدمار الذي أصاب البنية التحتية، مما يستدعي تدخلات هندسية لإعادة تأهيل المباني، وشبكات المياه والكهرباء، فضلًا عن خدمات الاتصالات التي لا تزال ضعيفة في أجزاء واسعة من مركز المدينة.
هدوء في الأسواق وشلل في قلب الخرطوم
وفي جولة الجزيرة نت الميدانية يبدو لافتا خلوّ المركز التجاري للخرطوم ومناطق السوق العربي وشارع الجمهورية وشارع القصر من الحركة إلا من ظهور متقطع وعابر لبعض المركبات العامة والخاصة.
ويمكن ملاحظة بعض ممن يحاولون تفقد مكاتبهم ومؤسساتهم التجارية مع وجود قليل لبعض العمال يتفقدون الأضرار في البنايات أو يراجعون بعض التدابير الخاصة بإغلاق أبواب أو تنظيف وجمع أنقاض.
وتبدو الصور في الناحية الجنوبية الغربية من وسط الخرطوم حيث مركز المواصلات العامة في ما يسمى موقف جاكسون أقرب إلى درجة الأفضلية مقارنة بحالة السكون العام في أرجاء الأمكنة.
هنا يتجمع عدد قليل من الحافلات ومركبات النقل العام موزعة حسب اتجاهات خطوط السير إلى وجهات مدن العاصمة؛ من أم درمان غربا والكلاكلات جنوبا وشرق النيل والحاج يوسف شرقا وبحري شمالا.
ويمكن ملاحظة غياب الخطوط المباشرة إلى مناطق الصحافات المنطقة الأقرب نسبيا لوسط العاصمة، وهو ما يعلله منظمو حركة المركبات بالموقف بقلة ركاب تلك المناطق.
ويقول الرشيد أبو أيمن المسؤول عن تنظيم الموقف -للجزيرة نت- إن قلة عدد الركاب اضطرهم إلى خفض تعريفة النقل من 7 آلاف جنيه إلى ألفي جنيه أحيانا.
ويقول أبو أيمن للجزيرة نت إنهم يجتهدون في تنظيم حركة المواصلات العامة والمركبات التي يتوقع أن تزيد في مقبل الأيام. ويرى أبو أيمن أن من أسباب ضعف حركة المواصلات عدم استئناف المصالح الحكومية لأعمالها، فلا توجد حاليا سوى الشرطة، ويضيف أن "غالب القادمين إلى وسط الخرطوم يأتون عادة لتفقد متاجرهم ثم يعودون".
تاكسي جاد الله ومؤشرات خجولة للانتعاش التجاري
تغيب سيارات الأجرة عن شوارع وسط الخرطوم بشكل شبه تام، باستثناء تاكسي عم جاد الله حسب الرسول، الذي يُعد السائق الوحيد الذي يواصل العمل في هذه المنطقة حتى الآن.
يقول جاد الله للجزيرة نت إنه كان أول من استأنف الخدمة فور دخول الجيش إلى قلب المدينة، مضيفًا أنه يصل إلى موقعه بين كوبري الحرية وموقف جاكسون في وقت مبكر من الصباح، ويظل في انتظاره القليل من الزبائن حتى مغيب الشمس.
ورغم التحديات والصعوبات المحيطة، يبدي عم جاد الله قدرًا من التفاؤل بشأن تحسن الأوضاع في المدى القريب.
وسط العاصمة السودانية ...حراك فاتر و تفاؤل حذر آثار الدمار وسط الخرطوم جراء الحرب
آثار المعارك لا تزال بادية على جدران المباني وواجهات المؤسسات في وسط الخرطوم (الجزيرة)
وعلى مقربة من موقعه، يمتد شارع الحرية شمالًا من كوبري الحرية، ويُعد أحد أكبر المراكز التجارية المتخصصة في بيع الأدوات الكهربائية والإلكترونية.
وقد تعرّض هذا السوق خلال الحرب لعمليات نهب وسلب واسعة، حولته إلى منطقة شبه خالية من النشاط، وألحقت أضرارًا جسيمة بتجاره الذين تكبدوا خسائر فادحة.
لكن عودة الأمن وسيطرة الجيش على المنطقة دفعت عددًا من التجار إلى استئناف أنشطتهم ومحاولة إعادة الحياة إلى السوق بعد نحو عامين من التوقف.
فقد عاد نحو 80 تاجرًا إلى العمل، وجلبوا كميات محدودة من البضائع، في حين بدأ آخرون في ترميم متاجرهم وصيانتها، تمهيدًا لاستئناف النشاط التجاري، خاصة بعد زيارة والي الخرطوم وتقديمه دعمًا وتشجيعًا مباشرًا لهم.
ورغم استمرار ضعف حركة الزبائن، بدأت بعض البضائع تصل إلى السوق، في إشارة أولية إلى نية استعادة الدورة التجارية.
ويقول حافظ موسى الفنجري، أحد تجار السوق ومنسق مبادرة "إحياء النشاط التجاري"، في حديثه للجزيرة نت، إن عودة هذا العدد من التجار رغم حجم الدمار وهواجس الأمن تمثل خطوة مهمة على طريق التعافي.
ويضيف "إذا حُلّت مشاكل الكهرباء والمياه، ووفرت الجهات الرسمية تأمينًا جيدًا للمكان، فستكون وتيرة عودة النشاط التجاري أسرع وأكثر استقرارًا."
عاصمة تنتظر من يوقظها
ورغم الإشارات الفردية والجهود المتفرقة لعودة الحياة، لا يزال وسط الخرطوم يعاني من فراغ إداري واقتصادي وخدمي يثقل على سكانه وتُظهره شوارع المدينة وأسواقها جليًّا.
وبين التفاؤل الحذر والشلل شبه التام، تبقى العاصمة في حالة انتظار لعودة حقيقية تُخرجها من صدمة الحرب وتعيد إليها نبضها المنهك.
اجمالي القراءات
65