بعد تقرير البرلمان البريطاني.. هل تمنع لندن تهديدات المعارضين العرب على أراضيها؟

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٥ - أغسطس - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: عربى 21


بعد تقرير البرلمان البريطاني.. هل تمنع لندن تهديدات المعارضين العرب على أراضيها؟

في تقرير صادم صدر عن اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في البرلمان البريطاني، كشف النقاب عن تنامي خطير لما أسمته "أنشطة القمع الأجنبي" داخل أراضي المملكة المتحدة.

التقرير، الذي نشر في خطوة وصفت بالنادرة من قبل البرلمان البريطاني، وجه اتهامات مباشرة لحكومات دول أجنبية منها دول عربية بممارسة أعمال ترهيب وملاحقة للمعارضين والصحفيين داخل بريطانيا، وبدون وجود ردع أو منظومة حماية فعالة.

وقالت اللجنة إن التحقيقات الرسمية بشأن تهديدات خارجية ارتفعت بنسبة 48 بالمئة منذ عام 2022، مشيرة إلى أن أشكال هذه التهديدات تنوعت ما بين العنف الجسدي، والإكراه، والترهيب عبر الإنترنت، والتجسس، والتحريض ضد أقارب الضحايا في بلدانهم الأصلية، مؤكدا أن هذه الظاهرة باتت تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن واستقلال المجتمع المدني في بريطانيا.

ومن أبرز المفاهيم التي تناولها التقرير مصطلح "الإرهاب الرقمي"، والذي وصفته اللجنة بأنه أسلوب متطور من القمع عبر الإنترنت، يعتمد على الابتزاز، والاختراق، والمراقبة الرقمية، ويستخدم كسلاح نفسي لترهيب النشطاء والمعارضين، وأوصى التقرير بضرورة خضوع هذا النوع من التهديد لمراقبة أمنية وتقنية صارمة.

تورط دول عربية

وعرض التقرير أدلة موثقة على تورط حكومات من بينها: الإمارات، السعودية، تركيا، إيران، باكستان، البحرين، مصر، إريتريا، في عمليات قمع عابر للحدود، من خلال مطاردة معارضين داخل بريطانيا، والتجسس عليهم، ومضايقتهم إلكترونيًا، أو إرسال رسائل تهديدية إليهم، بل وتهديد أفراد أسرهم في الخارج.

وقال رئيس اللجنة: "يجب على الحكومة البريطانية أن تُظهر قيادة دولية في حماية حرية التعبير والملاذ الآمن، إساءة استخدام أدوات العدالة الجنائية الدولية مثل الإنتربول يُعد خطرًا حقيقيًا، ويجب إصلاح هذه المنظومات لمنع إصدار نشرات حمراء كيدية تستهدف المعارضين".

وشدد التقرير على ضرورة إنشاء خط تواصل وطني مخصص لدعم ضحايا القمع الأجنبي، وتدريب عناصر الشرطة البريطانية على التعرف على هذه الحالات والتعامل معها بشكل احترافي، بدلًا من التعامل معها كقضايا جنائية تقليدية.

رئيس اللجنة، اللورد ديفيد ألترن، صرح قائلاً: "بريطانيا يجب أن تكون منارة للحرية والأمان، لكن الحقيقة أن خصوم الديمقراطية باتوا يمارسون أنشطتهم القمعية داخل حدودنا بحرية مقلقة"، وأضاف: "نريد من الحكومة أن تجعل مواجهة القمع العابر للحدود أولوية دبلوماسية وتشريعية".

كما كشف التقرير عن ثغرة بارزة في خطة تسجيل تأثير الأجانب، باستثناء الصين من قائمة الدول التي تخضع لمراقبة مشددة، رغم تزايد الأدلة حول استخدام بكين لنظام الإنتربول والنشرات الحمراء لملاحقة منشقين في المنفى. وحذر التقرير من أن هذا الاستبعاد يهدد مصداقية النظام بأكمله.

توصيات لوزارة الخارجية

في الختام، طالبت اللجنة الحكومة البريطانية بإرسال نسخة من التقرير إلى وزارة الخارجية، وتحويل التوصيات الواردة فيه إلى إجراءات تنفيذية واضحة، تشمل تعزيز الإطار القانوني، ورفع مستوى الحماية للناشطين المقيمين في بريطانيا من القمع الأجنبي، وفرض عقوبات على الدول المتورطة.

خرق للقانون الدولي

وفي تصريحات خاصة لـ"عربي21" قال المحامي المختص بشؤون المهاجرين في بريطانيا بسام طبلية، إن ممارسات القمع العابر للحدود التي تمارسها بعض الدول ضد معارضيها المقيمين في المملكة المتحدة، تمثل خرقًا واضحًا للقانون الدولي، ولا سيما اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.

وأوضح طبلية أن الدول الموقعة على الاتفاقية، ومن بينها الدول المذكورة في تقرير اللجنة البرلمانية، يحق لها قانونيًا حماية مصالحها ورعاياها داخل الدول الأخرى، لكن ذلك يجب أن يتم ضمن الأطر القانونية الشرعية فقط، وبشكل لا يتعارض مع سيادة الدولة المستضيفة ومن حقها ملحقتهم قانونيا إذا تم إدانتهم بالقانون.

وأضاف أن أية ممارسات غير شرعية مثل التجسس أو المراقبة أو التضييق أو تهديد طالبي اللجوء المقيمين في بريطانيا، تعد انتهاكا صارخًا لاتفاقية فيينا، وتخرج الدولة المتورطة عن نطاق الممارسات القانونية المقبولة دوليًا.

وأكد أن اللجوء السياسي يمنح الحماية من الملاحقات ذات الطابع السياسي، ولا يمكن تحت أي ظرف قانوني اعتبار الانتقاد السياسي أو حرية التعبير جريمة أو تهديدا للأمن القومي للدولة الأم، ما دامت تلك النشاطات تمارس في إطار قانون الدولة المضيفة.

وشدد على أن تقرير البرلمان البريطاني يجب أن يكون أداة ضغط على الحكومة ووزارة الخارجية، من أجل التواصل الفوري مع الدول المتورطة والضغط عليها لاحترام المعاهدات الدولية، وتوفير حماية قانونية فعالة للمعارضين السياسيين المقيمين على الأراضي البريطانية، بعيدًا عن أي تساهل دبلوماسي أو مصالح اقتصادية.

قمع عابر للحدود

وفي السياق ذاته، أكدت الناشطة في مجال حقوق الإنسان دعاء دهيني في تصريحات خاصة لـ" عربي21 " أن التقرير البرلماني البريطاني يمثل دعوة واضحة ومباشرة لوزارة الخارجية البريطانية للاضطلاع بدور أكثر فعالية في حماية المعارضين والنشطاء المقيمين في المملكة المتحدة، ولا سيما أولئك الذين فرّوا من القمع المنهجي في دول مثل السعودية.

وأضافت دهيني أن ما وثقه التقرير من ممارسات ترهيب وملاحقة لا يمكن النظر إليه باعتباره مجرد حوادث فردية، بل هو جزء من نمط ممنهج من القمع العابر للحدود، يهدف إلى إسكات الأصوات الناقدة، حتى وإن كانت خارج النطاق الجغرافي لتلك الدول.

وسلطت دهيني الضوء على أن التعامل المتراخي الذي شهده العالم في قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، رغم فداحة الجريمة ووحشيتها، أرسل رسائل خاطئة شجعت على الإفلات من العقاب، بل وربما حفز السلطات السعودية وغيرها على الاستمرار في استخدام أسلوب القمع خارج الحدود كأداة ناجحة لإسكات المعارضين، تمامًا كما يحدث داخل بلدانهم.

وختمت دهيني بالقول: "ينبغي على الحكومة البريطانية أن تتعامل مع التقرير البرلماني بجدية كاملة، وتعمل على بلورة سياسة واضحة وفعالة لحماية النشطاء والمعارضين على أراضيها من التهديدات والملاحقات، بما يعكس التزام المملكة المتحدة المعلن تجاه مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير."
اجمالي القراءات 14
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق