الخوف من العطش.. تغيرات المناخ تنعش صناعة تحلية المياه عالميا
نشرت صحيفة فايننشال تايمز قبل أيام تقريرا تناول اتساع أزمة ندرة المياه عالميا، في وقت لجأت فيه بعض الدول إلى تحلية المياه كحلّ طارئ رغم تكلفته البيئية والمالية المرتفعة.
وباتت تحلية المياه ضرورة بسبب تقلبات المناخ ونضوب مصادر المياه الجوفية، ما دفع الحكومات لاستثمار مليارات الدولارات في تطوير محطات التحلية.
شركة بركاء لتحلية المياه ش م ع ع هي الشركة المالكة لمشروع تحلية المياه المستقل في ولاية بركاء بمحافظة جنوب الباطنة، سلطنة عُمان، بطاقة إنتاجية تعادل 281,000 في اليوم (61.8 مليون جالون)، وتفتخر الشركة بتلبية ما نسبته ٢٣%من إجمالي الطلب على المياه في السلطنة. موقع الشركة
شركة بركاء لتحلية المياه في سلطنة عُمان (موقع الشركة)
قبرص مثال لنذرة المياه
وأفاد التقرير بأن قبرص -على سبيل المثال- ستضطر هذا الصيف إلى استيراد الطماطم والبطيخ ومنتجات أخرى كانت تُزرع محليا منذ زمن طويل بعد أن بات ري المحاصيل مستحيلا.وقد خفضت الحكومة تخصيصات المياه الزراعية إلى النصف، وأدى هذا إلى قطع المياه عن المحاصيل الموسمية تماما.
ومع تغيّر المناخ وتراجع مصادر المياه الجوفية، تتسابق الحكومات عالميا للبحث عن حلول لضمان استمرار تدفق المياه، وهذا ينعش صناعة التحلية التي من المتوقع أن تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار بحلول عام 2027، مقارنة بأقل من 15 مليارا في 2024، وفق الصحيفة.
وأدّى ضعف الاستثمارات في قبرص وتشتّت السياسات والاعتماد على الأمطار إلى اقتراب النظام المائي من حافة الانهيار؛ إذ لم تكن خزانات البلاد الرئيسية الـ18 مملوءة سوى بنسبة 21.7 % في يونيو/حزيران الماضي، مقارنة بـ97% قبل 5 سنوات.
وأوضح التقرير أن الاعتماد على التحلية كثيفة الطاقة بات الخيار الوحيد المطروح، إذ تمتلك قبرص 4 محطات تحلية كبرى تُشغّلها خلال أزمات المياه، وتطمح وزيرة الزراعة ماريا باناجيوتوبو إلى تلبية كافة احتياجات الشرب عبر التحلية خلال عامين إلى 3 أعوام، من خلال التشغيل الدائم للمحطات.
الإجهاد المائي
قبرص ليست وحدها؛ فهي واحدة من عدد من الدول في منطقة متسعة من الإجهاد المائي تمتد من الهند إلى أميركا الشمالية وتشمل أجزاءً من المحيط الهادي وجنوب أفريقيا؛ إذ يعيش شخص من كل 10 في بلد يعاني من "إجهاد مائي مرتفع وحرج" بحسب الأمم المتحدة.
ولقد تطورت تقنية التحلية كثيرا في العقود الأخيرة وفق التقرير، وانتقلت من غلي مياه البحر إلى التناضح العكسي، الذي يعتمد على أغشية دقيقة لفصل الملح.
ويُقدّر البروفيسور نضال هلال، مدير مركز أبحاث المياه في جامعة نيويورك أبو ظبي، أن قدرة التحلية العالمية تنمو سنويا بمعدل 6 إلى 12%.
ولكن سواء باستخدام الغليان أو التناضح العكسي، تبقى مشكلتان: الحاجة الهائلة للطاقة، وطرح محلول ملحي كثيف مضر بالبيئة.
ومع تزايد الطلب، تضخ الشركات والحكومات -خاصة في الشرق الأوسط– مليارات الدولارات لتوسيع البنية التحتية للتحلية، رغم آثارها البيئية الضارة.
تطورت تقنية التحلية كثيرا في العقود الأخيرة، وانتقلت من غلي مياه البحر إلى التناضح العكسي، الذي يعتمد على أغشية دقيقة لفصل الملح.
وأوضح التقرير أن المجتمعات المحيطة بالخليج هي القوة الدافعة وراء تحديث تحلية المياه؛ إذ يعتمد وجودها على هذه العملية.
وتمثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا القاحلة اليوم حوالي 70% من القدرة العالمية لتحلية المياه، وفقا لمرصد الاقتصاد الأزرق للاتحاد الأوروبي.
واليوم، يمكن لأكبر محطات المنطقة إنتاج كمية كافية من المياه لتزويد أكثر من مليون شخص.
ويعتبر البحر في الخليج "أصعب ماء يمكن تحليته على الكوكب"، وفقا لنضال هلال من جامعة نيويورك أبو ظبي، فالخليج شبه المغلق أكثر ملوحة من المسطحات المائية الأكبر والأكثر انفتاحا مثل المحيط الأطلسي.
أحد محطات تحلية المياه في مدينة آسفي بالمغرب (الفرنسية)
التناضح العكسي لتحلية المياه
وحاولت صناعة تحلية المياه تقليل استهلاك الطاقة عن طريق التحول إلى التناضح العكسي، كما في محطة "بركاء 4" في عُمان، والذي يعد أقل استهلاكا للطاقة؛ فهو يستهلك ربع أو خمس طاقة التحلية الحرارية.
وقد أدى تقليل استهلاك الطاقة إلى جعل إنتاج الماء المحلى أقل تلويثا من حيث انبعاثات الغازات الدفيئة، وقلل تكاليف الإنتاج.
وتعد الشركة الفرنسية متعددة الجنسيات التي تبلغ قيمتها 22.4 مليار يورو واحدة من شركات المرافق والهندسة التي تستفيد من تزايد هشاشة المياه في العالم؛ إذ تؤكد الشركة أن 18% من قدرة التحلية العالمية تعمل بالفعل على تقنيتها.
تمثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا القاحلة اليوم حوالي 70% من القدرة العالمية لتحلية المياه، وفقا لمرصد الاقتصاد الأزرق للاتحاد الأوروبي.
وهناك آمال في أن يصبح التناضح العكسي لتحلية المياه أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. ففي الولايات المتحدة، يتم تجربة تحلية مياه أعماق البحر باستخدام ضغط المحيط نفسه لدفع مياه البحر عبر الأغشية.
غير أن فوائد التحلية الأقل تكلفة لا يتمتع بها الجميع؛ إذ تستخدم قبرص التناضح العكسي لكنها تستورد الوقود الأحفوري لتشغيله، وهذا يعني أن كل متر مكعب يكلف 1.50 يورو لإنتاجه، أي ما يقرب من 5 أضعاف تكلفة محطة حصيان في دبي.
وتخطط الحكومة القبرصية لاستخدام الطاقة الشمسية لتشغيل محطات الضخ، لكن ضيق المساحة وضعف قدرة الشبكة الكهربائية يعوق ذلك.
وأفاد التقرير أن الخليج لا يزال يعتمد على التكنولوجيا القديمة؛ إذ تحصل دبي على 86% من مياهها المحلاة من التقطير الحراري.
وتقول الشركات في المنطقة إنها تريد تغيير هذا الوضع والاتجاه نحو استخدام التناضح العكسي، لتقليل استخدام الوقود الأحفوري.
ووفق التقرير تؤكد صوفي برتراند، نائبة مدير التنسيق التجاري في شركة "سويز إنترناشونال"، أن استخدام الطاقة المتجددة يخفف الأثر البيئي لتحلية المياه بالتناضح العكسي في ظل التخلص التدريجي من محطات التقطير، مشيرة إلى أن معظم المناقصات الحالية تحدد التناضح العكسي كخيار رئيسي.
وأوضح التقرير أن محطات التحلية حول العالم تنتج نحو 150 مليون متر مكعب من المحلول الملحي يوميا، وفقا لأبحاث علمية.
وغالبا ما يُعاد تصريف هذا السائل الكثيف والمعكّر إلى البحر. وقد ربطت إحدى الدراسات بين المحلول الملحي الناتج عن التحلية وتبيّض الشعاب المرجانية في خليج العقبة، في حين كشفت دراسات أخرى عن تأثيرات سلبية على الكائنات البحرية في قاع البحر قرب نقاط التصريف.
محطات التحلية حول العالم تنتج نحو 150 مليون متر مكعب من المحلول الملحي يوميا، وفقا لأبحاث علمية.
شراكات ناجحة في الخليج
وفي الخليج، الذي يغذي أكثر من 800 محطة تحلية، أثار تصريف المحلول الملحي مخاوف من ارتفاع تركّز الملوحة وتأثيره على الأنواع الحساسة.
ويشير التقرير إلى أن أكاديميين في السعودية، أكبر منتج للمياه المحلاة، يحاولون معالجة مشكلة المحلول الملحي. ويعمل البروفيسور تشيبينغ لاي في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على استخراج عناصر ذات قيمة تجارية مثل الليثيوم والبوتاسيوم.
ونقل التقرير عن لاي تأكيده على أن استخراج الليثيوم من المحلول قد يُعزز الجدوى الاقتصادية لحل المشكلة.
وتقول براكليانوف، الرئيسة التنفيذية لشركة "فيوليا"، إن دول الخليج اعتمدت نماذج ناجحة لتمويل مشاريع التحلية، تعتمد غالبا على شراكات بين القطاعين العام والخاص بآليات تمويل واتفاقيات شراء محددة.
وتقول شركة "فيوليا" إن سوق الشرق الأوسط كان الأسرع نموا العام الماضي عبر مختلف خدماتها. وتُعد "تقنيات المياه" من أسرع خدماتها نموا عالميا؛ إذ بلغت مبيعاتها نحو 5 مليارات يورو خلال العام الماضي.
ويخلص التقرير إلى أن التحلية ليست الحل الوحيد لأزمة المياه، إذ تستثمر الدول أيضا في تطوير البنية التحتية. فالبنك الأوروبي للاستثمار موّل مشاريع في إسبانيا بـ400 مليون يورو لتحديث شبكات المياه، وأنفقت كاليفورنيا 63 مليون دولار على إعادة التدوير والتخزين، في حين أطلقت اليونان مشاريع عاجلة تشمل التوعية ودمج مزودي الخدمة لتعزيز الكفاءة.
اجمالي القراءات
18