كيف يفيد البرق بعض النباتات الاستوائية؟
قد لا يبدو التعرض لصعقات كهربائية بملايين الفولتات نشاطاً صحياً، لكنه كذلك بالنسبة لبعض الأشجار، إذ أفادت دراسة نشرت يوم 26 مارس/آذار الماضي في مجلة New Phytologist أنّ بعض أنواع الأشجار الاستوائية لا تتحمل ضربات البرق فحسب، بل تستفيد منها أيضاً، وربما تطورت هذه الأشجار لتعمل قضبانَ صواعق. وفقاً للدراسة، تقضي الصواعق على الأشجار المجاورة والطفيليات، ما يمنح أشجار الكامارو Dipteryx ميزة تنافسية، ومع تغيّر المناخ وزيادة الصواعق، قد تصبح هذه الظاهرة أكثر تأثيراً على النظم البيئية.
يتسبب البرق في مقتل مئات الملايين من الأشجار كل عام، لكن عام 2015، وفي أثناء العمل في بنما، صادف قائد فريق البحث في الدراسة إيفان غورا، أستاذ علوم البيئة في معهد كاري لدراسات النظم البيئية، شيئاً غير عادي: شجرة من نوع الكامارو الهجين نَجَت من ضربة برق من دون أضرار تُذكَر، وكانت الضربة قوية بما يكفي لتفجير نبات طفيلي من قمة الشجرة، وقتل أكثر من 12 شجرة مجاورة، ومع ذلك ظلّت شجرة الكامارو سليمة إلى حد كبير. يقول غورا في تصريحات لـ"العربي الجديد": "رؤية أشجار تتعرّض للبرق وتبقى حية كان أمراً مذهلاً، كان هذا الاكتشاف دافعاً إلى مزيد من البحث في تأثير البرق على التنوع البيولوجي، وتخزين الكربون في الغابات الاستوائية، ووجدنا أن أشجار الكامارو تمتلك قدرة فريدة على تحمل ضربات البرق".
لطالما افترض العلماء أن بعض الأشجار قد تطوّرت لمقاومة البرق، لكن لم يكن هناك دليل واضح على ذلك. في دراسة نُشرت عام 2022، أثبت غورا لأول مرة أن بعض أنواع الأشجار لديها قدرة أكبر على النجاة من ضربات البرق، أما الدراسة الأخيرة، فهي الأولى التي تُظهر أن بعض الأشجار يمكنها الاستفادة فعلياً من هذه الصواعق الكهربائية.
يضيف الباحث أن الفريق كان مهتماً بمعرفة تأثيرات البرق على أشجار الكامارو، فراقب الباحثون 93 شجرة تعرّضت للبرق في محمية بارو كولورادو الطبيعية وسط بنما، وخلال فترة امتدت من عامين إلى ستة أعوام، تتبّعوا معدلات بقاء الأشجار، وأضرار جذوعها وأغصانها، وانتشار النباتات الطفيلية، ومعدل موت الأشجار المجاورة. "كانت النتائج مذهلة، فقد نَجَت جميع الأشجار التسع من نوع الكامارو الهجين، التي تعرّضت لضربات البرق المباشرة مع أضرار طفيفة فحسب. في المقابل، تعرّضت الأشجار الأخرى لأضرار جسيمة، ففقدت 5.7 أضعاف الأوراق من تيجانها، ومات 64 في المائة منها في غضون عامين"، يقول غورا.إضافة إلى ذلك، بدا أن الأشجار من نوع الكامارو تستفيد من الضربات. في المتوسط، عند تعرُّض إحدى هذه الأشجار للبرق، يموت نحو 9.2 أشجار مجاورة، ما يقلل من المنافسة على ضوء الشمس والمغذيات، ويسمح لها بالنمو الأفضل، كما أن ضربات البرق قلّلت كثيراً من انتشار النباتات الطفيلية بنسبة 78 في المائة، ما عزّز فرص الشجرة في البقاء.
أظهرت الدراسة أيضاً أن هذا النوع من الأشجار يميل إلى أن يكون أطول من الأشجار المحيطة به، ربما لأن البرق يقتل الأشجار الأطول المنافسة بمرور الوقت. في المتوسط، كانت هذه الأشجار أطول بنحو أربعة أمتار من النباتات المحيطة. وحسب حسابات المؤلفين، فإن هذه الأشجار أكثر عرضة بنسبة تصل إلى 68 في المائة لضربات البرق مقارنة بالأشجار ذات الارتفاع والتيجان المتوسطة، ونظراً إلى أنها تعيش لمئات أو ربما أكثر من ألف عام، فمن المتوقع أن تنجو من هذه الضربات مرات عدة خلال حياتها. وخلال فترة الدراسة، تعرضت إحدى الأشجار للبرق مرتين خلال خمس سنوات فحسب.
يوضح قائد فريق البحث أن تحمُّل البرق يمنح أشجار ميزة كبيرة في التكاثر، إذ وجد الفريق أن هذه السمة تزيد من قدرة النوع على إنتاج نسل جديد بمقدار 14 ضعفاً مقارنة بالأشجار الأقل مقاومة للبرق. يرى غورا أن هذه النتائج تتحدى الفكرة التقليدية القائلة إن البرق يدمر الغابات، إذ تظهر أن بعض الأشجار يمكن أن تستفيد من هذه الظاهرة الطبيعية، ويلفت إلى أن تحمّل البرق قد يكون عاملاً غير مقدر في ديناميكيات الغابات، إذ يؤثر على تنافس الأشجار، والتنوع البيولوجي، وتخزين الكربون. ومع ارتفاع وتيرة البرق في مناطق عدة بسبب تغيّر المناخ، قد تصبح الأنواع مثل أشجار الكامارو أكثر انتشاراً. ومن ثم، يعد فهم هذه التفاعلات أمراً ضرورياً للتنبؤ بتغيّرات الغابات، وتوجيه جهود إعادة التشجير في المناطق الاستوائية.
اجمالي القراءات
138