نفس الأرض ونفس الحضارة.. لماذا إذًا تقدمت الهند وتخلفت باكستان؟

اضيف الخبر في يوم الخميس ١٨ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


نفس الأرض ونفس الحضارة.. لماذا إذًا تقدمت الهند وتخلفت باكستان؟

منذ ما يقرب من خمسة آلاف سنة، تشاركت الهند وباكستان نفس الأرض، ونفس الحضارة، وسارا معًا في درب التاريخ ذاته، إلا أن ستة عقود، منذ انفصالهما سنة 1947، كانت كافية لتتخذ كل منهما مسارًا مغايرًا. واحدة تتقدم إلى الأمام، وأخرى تتخلف إلى وراء.

فكيف إذن يمكن تفسير هذه المفارقة؟

هل تتفوق الهند على باكستان؟

تملك الهند مساحةً تفوق ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، ويصل عدد سكانها إلى 1.3 مليار نسمة، بينما مساحة باكستان تقارب المليون كيلومتر مربع، وسكانها لا يتجاوزون الـ200 مليون نسمة.

وتصنف الهند على مستوى التنمية البشرية في المرتبة 130، مدرجة في فئة «تنمية بشرية متوسطة»، في حين تتذيل باكستان الترتيب في المرتبة 147، مدرجة في فئة «تنمية بشرية منخفضة»، بحسب تقرير التنمية الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2015، والذي يعتمد على معايير، الدخل الفردي، والتعليم، والصحة، والمساواة أمام القانون.

وعلى المستوى الاقتصادي، تفيد بيانات البنك الدولي لسنة 2015، أن نصيب الفرد من الدخل الإجمالي في الهند يصل إلى 1590 دولارًا، في حين لا يتعدى نصيب الفرد من مجمل الدخل القومي في باكستان 1440 دولارًا، ويعتبر 21.9% من سكان الهند تحت خط الفقر، فيما نسبة 36.3% من سكان باكستان مدرجون تحت خط الفقر.

هذا وتعد الهند سابع اقتصاد في العالم، من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي، برقم يتعدى 2.18 تريليون دولار، مضاعفًا تقريبًا عشر مرات لدولة باكستان، التي لا يتعدى ناتجها الإجمالي المحلي 269.97 مليار دولار.

أما على مستوى التعليم، فتتوفر الهند على ثاني أكبر شبكة تعليم في العالم، وتندرج عشر جامعات هندية ضمن أفضل 100 جامعة عالمية، بحسب تقرير لجريدة التايمز، فيما تصنف جامعات باكستان ضمن الأسوأ آسيويًّا، وتقارب نسبة الأمية في باكستان 44%، في حين تبقى نسبة الأمية بالهند في حدود 31%.

كما تعد الهند من الدول الصاعدة على مستوى الصناعة والتكنولوجيا، حيث يشهد سوق الهواتف والإنترنت نموًا مذهلًا، بفضل الشركات التقنية الهندية، التي نجحت في تسويق هواتف ذكية رخيصة، وشبكات إنترنت بالمجان، علاوة على أن الهند تحوز مكانة معتبرة فيما يخص غزو الفضاء، من خلال وكالتها الفضائية، التي نجحت في وضع قمر صناعي في مدار كوكب المريخ، بتكلفة رخيصة، تقل بتسعة مرات عن حجم الإنفاق الذي تتكلفه وكالة «ناسا» الأمريكية، لإنجاز نفس المهمة، ووصل حجم صادرات الهند في قطاع التكنولوجيا والمعلومات إلى مائة مليار دولار سنة 2015، في حين لا تتعدى الصادرات من قطاع التكنولوجيا في باكستان المليار دولار، ما يبين تخلف الأخيرة على مستوى القطاع التكنولوجي.

 

على صعيد آخر، يصل معدل متوسط العمر في الهند إلى 68 سنة، ويقدر معدل الوفيات لدى الأطفال حديثي الولادة 37.9 طفل من كل ألف طفل، بينما يقف متوسط مدى العمر بباكستان في حدود 66 سنة، ويرتفع معدل وفيات حديثي الولادة إلى 65.8 طفل من كل ألف طفل.

وبالنسبة للمناخ الديمقراطي، فتحوز الهند، التي تتوفر على أكبر كتلة انتخابية بالعالم، على معدل 7.74 – 10، في مؤشر الديمقراطية لـ2016، وتدرج منظمة الشفافية الدولية «ترانسبرانسي» الهند في المرتبة 76 من حيث الفساد، بينما مؤشر الديمقراطية لدى باكستان يتدنى إلى معدل 4.4 – 10، وتحتل الرتبة 117 في استشراء الفساد.

على هذا النحو، يتبين من خلال المقارنة أن الهند تتفوق على باكستان، اقتصاديًّا، وتعليميًّا، وفي الصحة، والديمقراطية، بالرغم من أن البلدين متجاوران، وكان يجمعهما سابقًا نفس العرق ونفس الثقافة. ولفهم هذه المفارقة ينبغي أولًا المرور على السياق التاريخي للبلدين.

السياق التاريخي لتشكل الهند وباكستان

يعود وجود الإنسان في البلاد الآسيوية الغربية، التي تضم الهند وباكستان، إلى حوالي ثلاثين ألف سنة ماضية من الآن، وظهرت أول حضارة بالمنطقة هناك قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، حيث كانت تسود حضارة «وادي السند».

وفي أواخر القرن السادس قبل الميلاد، نشأت الديانتان: الجاينية والبوذية، اللتان ستغطيان المنطقة، ثم ستدخل الديانة المسيحية على يد الحملات الحربية القادمة من الإغريق بعد الميلاد، وبعدها ستأتي الحملات الإسلامية، التي بدأت مع الأمويين، ثم العثمانيين، لتبلغ أوجها، في عهد إمبراطورية المغول خلال القرن السادس عشر، والتي كانت تسيطر على مناطق شاسعة من البلاد الآسيوية الغربية، والتي شملت ما يعرف حاليًا بباكستان وأفغانستان وبنغلاديش، بالإضافة إلى أجزاء من الهند.

وفي نهاية القرن الثامن عشر، سيطرت الإمبراطورية البريطانية على المنطقة، من خلال شركة الهند الشرقية البريطانية، حيث عمل الاستعمار البريطاني، على تسويق منتجاته المتدفقة؛ نتيجة الثورة الصناعية آنذاك للهنود، إلا أنه سمح بالحرية الدينية، ومنع بعض الطقوس التقليدية المضرة بالإنسان «طقس السوتي»، وأدخل النظم الحديثة في التعليم والإدارة والتصنيع، كما ظهرت الصحافة لأول مرة بالهند حينئذ.

وقبل الحرب العالمية الثانية بقليل، ظهرت حركات ثورية مسلحة وأخرى سلمية «غاندي»، تطمح إلى الاستقلال عن الاحتلال البريطاني، واستمررت طوال عقدين، حيث ستحظى المنطقة الهندية باستقلالها سنة 1948.

خلال تلك الفترة طالب السكان المسلمون بدولة مستقلة عن الهندوس، من خلال نشاط حركة العصبة الإسلامية، لتنقسم الهند إلى جمهورية باكستان الإسلامية يرأسها محمد علي نجاح، وجمهورية الهند الديمقراطية، ويقودها جواهر لال نهرو.

غير أن الانفصال لم يطفئ نار العداء بين المسلمين والهندوس، حيث سيدخل البلدان في ثلاث حروب طاحنة خلال النصف الأخير من القرن الماضي، تمخض عنها انفصال الجزء الشرقي من الباكستان سنة 1971، المسمى حاليًا بدولة بنغلاديش.

ولما تزال العلاقة متوترة بين الهند وباكستان لحد الساعة، على خلفية منطقة كشمير الحدودية.

ومنه نستشف من كل ذلك أن كلًّا من باكستان والهند عاشا نفس السياق التاريخي، الذي عرف كثير من الحروب والتوترات.

لماذا إذن تقدمت الهند وتخلفت باكستان؟

ساهمت مجموعة من العوامل المتراكبة في دفع الهند نحو التطور، الذي بدأ يتخذ منحى متسارع خلال الخمس السنوات الأخيرة، بينما ما تزال جارتها، دولة باكستان، تتخبط في مضمار التخلف.

الديمقراطية

تعرف الهند نفسها بأنها «جمهورية ديمقراطية مستقلة»، وتنص على العلمانية في ديباجة دستورها، كما تعد أكبر ديمقراطية على مستوى العالم من حيث الكتلة الانتخابية، وبفضل النظام الديمقراطي، استطاعت الهند توفير بيئة مواتية للتقدم، قائمة على الحكم المدني والمساواة أمام القانون، والتداول السلمي للسلطة، والتنوع المجتمعي دينيًّا وعرقيًّا؛ مما حمى الهند من الانقلابات العسكرية، والتوترات المجتمعية، وتغول الفساد.

في حين، تعرف باكستان نفسها بأنها «جمهورية إسلامية»، وتتحكم بها المؤسسة العسكرية، التي قامت بثلاثة انقلابات عسكرية، منذ استقلالها سنة 1947 لإطاحة الحكم المدني، وهو ما يرى العديد من المراقبين، أنه تسبب في تأجيج المناخ الدكتاتوري، واستشراء الفساد والتوترات الداخلية بالمجتمع الباكستاني.

الاقتصاد

بدأ الإقلاع الاقتصادي الهندي خلال منتصف التسعينات، بعدما توقفت حقبة الحروب مع باكستان، وازداد نموه بشكل متسارع، في السنوات الأخيرة، حتى أصبح السابع عالميًّا من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتتوقع دراسة أمريكية أن يصبح لدى الهند ثالث أقوى اقتصاد عالمي بحلول 2030.

مثلت الكتلة البشرة الهائلة للهند، المتجاوزة المليار نسمة، مصدر جذب للشركات العالمية العابرة للقارات، إذ تمثل الهند سوقًا استهلاكية خصبة من جهة أولى، ومن جهة ثانية توفر يد عاملة كفؤة ورخيصة لشركات وادي السيليكون، الأمر الذي رفع المستوى الاقتصادي للمواطنين الهنود بشكل مستمر، كما لعبت السياسة الخارجية الهندية، و«بوليود» دورًا مهمًّا في عكس صورة إيجابية للهند على مستوى العالم، الشيء الذي حفز استقطاب الاستثمارات الخارجية.

بينما بقيت باكستان، حبيسة الاضطراب السياسي، وأعمال العنف المستمرة، التي تشعلها أحيانًا الحركات الجهادية، مثل طالبان باكستان، بالإضافة إلى الصراعات الدينية والثقافية الداخلية؛ مما خلق بيئة متوترة، طاردة لرؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية، علاوة على قلة مساهمة النساء في سوق العمل.

التعليم

دعمت الحكومة الهندية التعليم، من خلال إنجاز مئات الجامعات والمعاهد متنوعة التخصصات، حتى صارت الهند حاليًا ثاني أكبر شبكة تعليم بالعالم؛ مما وفر بنية تحتية صلبة، تعمل على تخريج ملايين الطلاب سنويًّا.

ارتد هذا التوجه الحكومي الهندي نحو الرأس المالي البشري بالإيجاب، على مستوى الاقتصاد والتكنولوجيا، إذ أدى ذلك إلى تأسيس يد عاملة كفؤة تناسب الشركات العالمية، مثلما أصبح رجال الأعمال الهنود يخصصون شركاتهم للتطوير التقني، وبعضهم يدير اليوم عمالقة الشركات العالمية في وادي السيليكون.

بخلاف باكستان، التي يعاني فيها التعليم من مشكلات جمة، سواء على مستوى المحتوى التعليمي، أو البنية التحتية للتعليم، مما قاد إلى مجتمع نصفه تقريبًا يعاني الأمية، ويفتقر للأرضية البشرية اللازمة للنهضة الاقتصادية والحضارية بشكل عام.

اجمالي القراءات 3746
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق