شريف هادي Ýí 2008-08-06
(بحث في الجبر والاختيار)
بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله الذي خلق النفوس وسواها ، وألهمها بميزان الحق والعدل فجورها وتقواها ، وسلام على كل رسول بلغته رسالة فأداها ، أما بعد
قال تعالى"واذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا والله امرنا بها قل ان الله لا يامر بالفحشاء اتقولون على الله ما لا تعلمون" الأعراف28
مقدمة:
مسألة الجبر والاختيار ، وهل الإنسان مسير أم مخير كانت الشغل الشاغل لإتباع الأديان السماوية ومازالت وليس أدل على ذلك من خطاب البابا ب&ve;نديكيت السادس والذي أحدث ضجة في حينه عندما تكلم عن مناظرة بين مسلم من بلاد فارس والإمبراطور البيزنطي ، وقال خلالها بالحرف الواحد (الفعل الصادر وفق العقل لا يخالف طبيعة الله، أما التعاليم الإسلامية فهي تقرر أن الله متعال بشكل مطلق، وبالتالي فإرادته لا تخضع لتحديدات عقلنا نحن ومقولاته، بما في ذلك مقولة المعقولية) ، ولو أن البابا قرأ للمعتزلة وأفكارهم – والتي سوف نتعرض له – ما قال قولته هذه أو سقط سقطته هذه وهو رجل الدين وعالم اللاهوت ، وإن كانت سقطته ليست بموضوعنا ولكن تطرقنا إليها بالقدر الذي يخدم بحثنا.
والمسلمون كغيرهم من أتباع الديانات وأبناء جلدتهم من بني الإنسان شغلتهم قضية الجبر والاختيار واختلفوا فيها مذاهب شتى ، وسنورد كلام الفرق والطوائف في هذه المسألة وسنحاول الاختصار قدر الاستطاعة بما لا يخل بأهداف البحث ونتائجه ثم نورد بعد ذلك رأينا الخاص والذي نرجوا له أن يكون معبرا عن الفكر القرآني.
يبقى أن نجيب على سؤال: لماذا نحاول إيجاد رأي للفكر القرآني في هذه المسألة؟ .
والإجابة ببساطة أننا كمسلمين حنفاء نؤمن بالقرآن مصدرا وحيدا للتشريع ، وجب علينا إيجاد تراث خاص بنا في جميع القضايا الإسلامية ، لبلورة فكر قرآني يمكن الرجوع إليه لمعرفة رأي القرآنيين في القضايا المختلفة وطريقة تفكيرهم وكيف يستشهدون بالأدلة النقلية وهي بالنسبة لهم كتاب الله وحده ، والذي يؤدي الأخذ به وحده مصدرا ودليلا إلي فض الاشتباك بين العقل والنقل والذي حدث لعدم معقولية النص الذي يعتمد عليه أصحاب التراث وينسبوه لرسول الله عليه السلام رغم مخاصمته للعقل.
وسنبدأ بذكر رأي الفرق الإسلامية المختلفة ثم ندعوا الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للحق وهو نعم المولى ونعم المصير.
رأي السنة والوهابيين في هذه المسألة:
ويمثلهم رأي الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والذي أخذناه من موقعه على النت فقال بالحرف الواحد (الإنسان مسير وميسر ومخير، فهو مسير وميسر بحسب ما مضى من قدر الله، فإن الله قدر الأقدار وقضى ما يكون في العالم قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة، قدر كل شيء سبحانه وتعالى، وسبق علمه بكل شيء، كما قال عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ[1]، وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا[2]، وقال عز وجل في كتابه العظيم: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ[3]، فالأمور كلها قد سبق بها علم الله وقضاؤه سبحانه وتعالى، وكل مسير وميسر لما خُلق له، كما قال سبحانه: هو الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ[4]، وقال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى[5]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء)) أخرجه مسلم في صحيحه.
ومن أصول الإيمان الستة: الإيمان بالقدر خيره وشره، فالإنسان ميسر ومسير من هذه الحيثية لما خُلق له على ما مضى من قدر الله، لا يخرج عن قدر الله، كما قال سبحانه: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ[6]، وهو مخير أيضاً من جهة ما أعطاه الله من العقل والإرادة والمشيئة، فكل إنسان له عقل إلا أن يسلب كالمجانين، ولكن الأصل هو العقل، فمن كان عنده العقل فهو مخير يستطيع أن يعمل الخير والشر، قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ[7]، وقال جل وعلا: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ[8] فللعباد إرادة، ولهم مشيئة، وهم فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[9]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ[10]، وقال تعالى: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ[11]، فالعبد له فعل وله صنع وله عمل، والله سبحانه هو خالقه وخالق فعله وصنعه وعمله، وقال عز وجل: فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ[12]، وقال سبحانه: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[13] فكل إنسان له مشيئة، وله إرادة، وله عمل، وله صنع، وله اختيار ولهذا كلف، فهو مأمور بطاعة الله ورسوله، وبترك ما نهى الله عنه ورسوله، مأمور بفعل الواجبات، وترك المحرمات، مأمور بأن يعدل مع إخوانه ولا يظلم، فهو مأمور بهذه الأشياء، وله قدرة، وله اختيار، وله إرادة فهو المصلي، وهو الصائم، وهو الزاني، وهو السارق، وهكذا في جميع الأفعال، هو الآكل، وهو الشارب. فهو مسؤول عن جميع هذه الأشياء؛ لأن له اختياراً وله مشيئة، فهو مخير من هذه الحيثية؛ لأن الله أعطاه عقلاً وإرادة ومشيئة وفعلاً، فهو ميسر ومخير، مسير من جهة ما مضى من قدر الله، فعليه أن يراعي القدر فيقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ[14]، إذا أصابه شيء مما يكره، ويقول: قدر الله وما شاء فعل، يتعزى بقدر الله، وعليه أن يجاهد نفسه ويحاسبها بأداء ما أوجب الله، وبترك ما حرم الله، بأداء الأمانة، وبأداء الحقوق، وبالنصح لكل مسلم، فهو ميسر من جهة قدر الله، ومخير من جهة ما أعطاه الله من العقل والمشيئة والإرادة والاختيار، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار))، فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم: ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى[15]. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على ما ذكرنا. والله ولي التوفيق) ... إنتهى
مناقشة الرأي وتقديره
ومن المسالب التي يمكن أن نأخذها على هذا الرأي:
1- أنه جمع للإنسان الجبر والاختيار في آن واحد ، فرغم إيمانه بقدر الله سبحانه وتعالى ، وأن هذه الأقدار في علم الله ومشيئته قبل خلق الخلق بخمسين ألف سنة ، إلا أنه عاد وأعطى الانسان الاختيار في أن يفعل أو لا يفعل أي الاختيار في الطاعة والمعصية ولكن لم يجبنا كيف يمكن فض الاشتباك الحادث بين (رفعت الأقلام وجفت الصحف) وبين إرادة الإنسان في إتيان فعله.
2- هذا من ناحية ومن ناحية أخرى القول بأن إرادة أداء الفعل للإنسان ثم خلق الفعل نفسه من الله يثير مشكلتين أولهما وكأن الله سبحانه ينفذ إرادة مخلوقاته من البشر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وثانيهما خلق الله لأفعال البشر على ما فيها من شر بما يعني أن الله يخلق الشر تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
3- ثم أن تحديد قدر الله بزمان وهو (خمسين ألف سنة) يجعل علم الله للأقدار حادث – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- بمعنى أنه لم يجب على سؤال هام هل بدأ علم الله بالأقدار حين قدرها قبل خمسين ألف سنة من خلق الخلق أم أن علمه بها لا يحده حد ولا يرتبط بزمان؟ وهو سبحانه الكبير المتعال ،
4- وأخيرا إختياره للفظ (ميسر) والذي أيضا حمله على الجبر والتسيير ، مع أن اللفظ القرآني لا يحمل على الجبر ولكنه يحمل على عكس ذلك تماما ، يحمل على الاختيار ، ولنراجع النص القرآني في قوله تعالى " فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى" [سورة الليل 5 : 10] ، الآيات تتحدث عن فعل الإنسان وهو يتأرجح بين الخير والعطاء والتقوى والتصديق ، وبين البخل والاستغناء والتكذيب ، أما لفظ التيسير فهو مرادف للتسهيل وهو عكس العسر الذي هو مرادف للمشقة في بلوغ الفعل ، ففي الآيات كانت الإرادة كاملة للخير أو للشر من الإنسان ولم يكن من الله إلا تسهيل إرادة الإنسان.
رأي الأشاعرة:
لم يخرج رأي الأشاعرة عن رأي أهل السنة في أن الإنسان يختار أفعاله ثم يكتبها الله عليه ، وقد سبق وناقشنا ذلك في الحديث عن رأي أهل السنة
رأي الجبرية:
الجبرية أو الجهمية هم أتباع جهم بن صفوان وقالوا بأن الإنسان مسير وليس مخير وأنه لا إرادة للإنسان في أفعاله فهو مجبر عليها لأنها قدر الله في الإنسان ، وهو مغلول اليد عن أداء أفعاله والخير والشر كله من عند الله.
مناقشة رأي الجبرية وتقديره
ومن المسالب التي يمكن أن نأخذها على هذا الرأي:
1- نسبة كل الأفعال لله فلماذا يحاسب الإنسان؟ إذا كانت أفعاله بإرادة الله سبحانه وتعالى ، أو كما قال الجبر الأموي في رسالته لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز (فهل وجدت يا عمر حكيما يعيب ما يصنع، أو يصنع ما يعيب، أو يعذب على ما قضى، أو يقضي ما يعذب عليه؟ أم هل وجدت رشيدا يدعو إلى الهدى ثم يضل عنه، أم هل وجدت رحيما يكلف العباد فوق الطاقة ويعذب على الطاعة؟ أم هل وجدت عدلا يحمل الناس على الظلم والتظالم. وهل وجدت صادقا يحمل الناس على الكذب أو التكاذب بينهم؟) [ المرجع بن المرتضى 16]
2- لم يبين لنا هذا الرأي كيف سيتأول مئات الآيات التي تخالف ما توصلوا إليه وبأن الله سبحانه وتعالى سيحاسب الإنسان على أفعاله ، ثم لماذا إذا الجنة والنار؟
3- بقى أن نسوق أيضا أقوال الحسن البصري في الرد عليهم فقال في الرد على عبد الملك بن مروان (فافهم أيها الأمير ما أقوله: فإن ما نهى الله عنه فليس منه، لأنه لا يرضى ما يسخط من العباد، فإنه تعالى يقول : "ولا يرضى لعباده الكفر وأن تشكروا يرضه لكم" (الزمر 7)؛ فلو كان الكفر من قضائه وقدره لرضي ممن عمله"! ثم يضيف قائلا : "والقوم ينازعون في المشيئة، وإنما شاء الله الخير فقال تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"البقرة 185) ابن المرتضى82
رأي الشيعة:
لكي نتعرف على رأي الشيعة نسوق ما قاله علي بن موسى الرضا عندما سأله الحسن بن علي الوشاء ، أالله فوض الأمر للعباد؟ فقال له "هو أعز من ذلك" ، فعاد وسأله ، أأجبرهم على المعاصي؟ فقال له "الله أعدل وأحكم من ذلك" ثم ذكره بما عندهم من حديث يسمونه قدسي ينسبونه لله تعالى (يا أبن آدم أنا أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيئاتك مني) وعليه فإن النتيجة بالنسبة لهم أن الإنسان مخير في أفعاله وتصرفاته ولكن هذا التخيير بعلم الله سبحانه وتعالى ، وهو علم مسبق مكتوب في اللوح المحفوظ ، ويقولون أن الله يسبب الحسنات للعبد أما سيئاته فنفسه الأمارة بالسوء هي التي تسببها.
مناقشة رأي الشيعة وتقديره:
ومن المسالب التي يمكن أن نأخذها على هذا الرأي:
1- الاعتماد على الحديث القدسي والمرويات ، وهذا نستهجنه ونرفضه.
2- بساطة الرأي رغم إحتياجه لتأصيل أكثر
3- القول بأن الله يخلق الخير فقط ونفسه الأمارة بالسوء هي التي تخلق الشر يضاهي أقوال المعتزلة وسنأتي في نقضها عند بحث أقوال المعتزلة
رأي المعتزلة:
يقولون بإختيار الإنسان لأفعاله خيرا أو شرا وأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وترك له أمر أفعاله إليه دون تدخل منه ، فالانسان يقرر ما يشاء وليس لله قدرة على منعه – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – ووصل الحد ببعضهم أن قالوا إن الله لا يعرف فعل العبد إلا بعد أن يوجد العبد فعله
يقول واصل بن عطاء إمام المعتزلة (إن الباري تعالى حكيم عادل لا يجوز أن يضاف إليه شر ولا ظلم ولا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمر، ويحتم عليهم شيئا ثم يجازيهم عليه. فالعبد هو الفاعل للخير والشر والإيمان والكفر والطاعة والمعصية، وهو المجازَى على فعله، والرب تعالى أقدره على ذلك… ويستحيل أن يخاطب -الله- العبد بـ "افعل" وهو لا يمكنه أن يفعل ولا هو يحس من نفسه الاقتدار والفعل.) [الشهرستاني. الملل والنحل ج1 ص 47]
القاضي عبد الجبار بن أحمد في الأصول الخمسة وأدلتها يقول (يجب التمييزفي الأفعال بين ما يجب أن ينسب إلى إرادة الإنسان واختياره وبين ما يجب أن ينسب إلى الله. والقاعدة في ذلك "أن ننظر في الفاعل ونختبر حاله ، فإن وجدنا الفعل يقع بحسب قصده ودواعيه وينتفي بحسب كراهته وصارفه حكمنا بأنه فعل مخصوص"، أي أنه مخلوق له، وأن الله قد خلق فيه القدرة على فعله. أما إن وجدنا أن الفعل "لا يجوز أن يكون مقدورا للإنسان بالقدرة فيجب أن يكون مقدورا للقادر بذاته وهو الله تعالى". وهكذا فالسكون والحركات على اختلاف أجناسها والاعتمادات (الاهتزازات) على اختلافها والمتولدات كالتأليف والألم والصوت والكلام وكذلك النظر والندم والاعتقادات المبتدأة والظن، كل ذلك يقع بقصد الإنسان ودواعيه وهي مقدورة له بالقدرة التي يُحْدِثُها الله فيه، وبالتالي فهي أفعال له. أما الروائح والطعوم والألوان والحرارة والبرودة.... فهي غير مقدورة للإنسان بمعنى أن الله لم يمنحه القدرة على إحداثها وبالتالي فلا يستطيع فعلها وإنما هي من خلق الله مباشرة) [الأصول الخمسة وأدلتها 325]
ويقول المعتزلة بنظرية العدل الإلاهي فيقولون (أن الله "منزه أن يضاف إليه شر وظلم، وفعل هو كفر ومعصية، لأنه لو خلق الظلم كان ظالماً، كما لو خلق العدل كان عادلاً")
كما قالوا بوجوب تنفيذ وعده ووعيده: فـ "المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة: استحق الثواب، والعوض والتفضل معنى آخر وراء الثواب (أي زيادة عليه). وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها: استحق الخلود في النار لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار. وسموا هذا النمط: وعدا ووعيداً". كما "اتفقوا على أن أصول المعرفة وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع (قبل سماع دعوة الأنبياء) والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل، واعتناق الحسن واجتناب القبيح واجب كذلك". أما وُرود التكاليف الشرعية فهي ألطاف للباري تعالى أرسلها إلى العباد بتوسط الأنبياء عليهم السلام: امتحاناً واختباراً، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة") [منقول من بحث للأستاذ / محمد عابد الجابري]
مناقشة رأي المعتزلة وتقديره
ومن المسالب التي يمكن أن نأخذها على هذا الرأي:
1- مخالفة رأي المعتزلة للكثير من الآيات القرآنية ، وعلى سبيل المثال قوله سبحانه وتعالى في سورة طه ( يعلم السر وأخفى) والأخفى هو الذي لم يسر بعد فكيف يقولون بأن علم الله للحوادث حادث بعد فعل الإنسان ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، ثم ماذا يقولون في قوله عالم الغيب والشهادة؟.
2- افترضوا وجود علاقة عكسية بين إرادة الله وإرادة البشر فكلما زاد نطاق إرادة الله قل نطاق إرادة البشر حتى إنعدم وكلما زاد نطاق إرادة البشر قلت إرادة الله – تعالى سبحانه عن ذلك علوا كبيرا – مع أن هذا الافتراض غير موجود إلا في عقولهم لأن الإنسان هو مخلوق لله عز وجل ، فإرادة الخالق تحيط بإرادة المخلوق لقوله تعالى" يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا" النساء108، ثم أن الخالق هو الذي ييسر للمخلوق أداء فعله لقوله سبحانه وتعالى "" فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى" [سورة الليل 5 : 10]
3- الوصول لنتائج شاذه ومنها خلود المسلم في النار ، ولكن ستكون ناره أقل من نار الكفار ، في قولهم بالمنزلة بين المنزلتين ، ولتمسكهم بالوعد والوعيد على ما فهمته عقولهم ،
4- حكموا بالعقل على النقل فأولوه (النقل طبعا) ، وأظنهم بذلك إتفقوا مع قول الإمبراطور البيزانطي الذي ساقه البابا كرأي للمسيحية.
5- وإن كان رأي المعتزلة في هذا الموضوع – من باب شهادة الحق – هو أقرب الأراء للصواب ، على ما سنتبين بإذن الله سبحانه وتعالى.
وبعد أن تعرضنا لأراء وأقوال الطوائف المختلفة في موضوع (الجبر والإختيار) ثم ناقشنا هذه الأقوال وقدرناها ، وجب علينا أن نعرض لرأينا الشخصي ، ولكن قبل أن نضع رأيا ، نوضح لماذا جعلنا عنوان البحث (علم الإرادة وعلم الإحاطة وعلم الجمع)؟ ، وعلى أي أساس قسمنا علم الله سبحانه وتعالى إلي علم إرادة وعلم إحاطة وعلم جمع؟ وما دخل علم الله في الجبر والاختيار؟
نقول وبالله التوفيق:
علم الله:
قال تعالى" قل ان تخفوا ما في صدوركم او تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الارض والله على كل شيء قدير" آل عمران 29 ، وقال تعالى" وهو الله في السماوات وفي الارض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون" الأنعام3 ، وقال تعالى " وان تجهر بالقول فانه يعلم السر واخفى" طه7
والآيات التي تتكلم عن علم الله كثيرة ، فهو علم مرتبط بذات الله سبحانه وتعالى ، علم ليس له أول ولا منتهى ، علم بما كان وما سيكون وما لم يكن إن كان كيف يكون ، يعلم ما نخفي في صدورنا ويعلم نجوانا ويعلم سرنا وجهرنا وما نكسب ، بل يعلم ما هو أخفى من السر ، والأخفى من السر هو السر قبل أن يسر.
والمطالع لآيات القرآن الكريم لن يجد عناء في معرفة كل هذه المعاني والأ وصاف لعلم الله سبحانه وتعالى وأكثر، ومما لا شك فيه أن اللغة تقف عاجزة عن وصف هذا العلم الذي لا ينبغي أن يكون أو حتى يوصف به غير الحق سبحانه وتعالى.
أقسام علم الله من القرآن:
أولا:علم الإرادة:
بالبحث في كتاب الله سبحانه وتعالى وجدنا أن علم الله سبحانه وتعالى إرتبط في بعض الآيات الكريمة بإرادته سبحانه وتعالى وهنا أصبح علم كوني لا دخل لإرادة أي من مخلوقاته فيه ، وهو سبحانه عز وجل يدبر الأمر ويخلق الخلق ، ويفعل ما يريد بهذا العلم الإرادي الذي لا حدود له ، ومن الملاحظ في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى عندما يذكر هذا العلم في القرآن يذكره مرتبط بصفته (عليم) ، وعليم على وزن (فعيل) وهي إحدى أوزان صيغ المبالغة ، ولا مبالغة في وصف صفات الله سبحانه عزوجل وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، ولكنها محدودية اللغة أمام عظمة الخالق سبحانه وتعالى ، وكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا أنه عندما يذكر صفته (عليم) على هذا الوزن (فعيل) تكون دليل على إرتباط العلم بالقدرة و الإرادة على الفعل والخلق وسبحانه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وقد ذكر لفظ (عليم) في القرآن مائة وواحد وستين مرة (161) منهم مرتين في وصف إسحاق عليه السلام في قوله تعالى " قالوا لا توجل انا نبشرك بغلام عليم "الحجر53 ، وفي قوله تعالى " فاوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم" الذاريات 28 ، أما في الباقي فكانت صفة لله سبحانة وتعالى ، ونؤكد على أن الفرق بين صفة الخالق وصفة المخلوق هو نفسه الفرق بين ذات الخالق جل وعلا وبين ذات المخلوق ، ونلاحظ أن وصف إسحاق (غلام عليم) إرتبط بدعاء إبراهيم عندما جعله الله سبحانه وتعالى للناس إمام قال (ومن ذريتي) فكانت النبوة في بيت إسحاق إلي أن جاء آخر الرسل عليهم جميعا السلام من بيت إسماعيل ، والنبوة علم إقترنت بالإرادة على العدل والخير ، لقول الله (لا ينال عهدي الظالمين) ، فأصبح وصف إسحاق عليم يتفق على جمع العلم بالنبوة مع الإرادة على العدل والخير.
الإدلة القرآنية على علم الإرادة المرتبط بإسم الله (عليم)
1- قال تعالى" هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم" البقرة29 ، فإرتبط هنا اللفظ بفعل الله وحده وإرادته في الخلق دون دخل لأي من مخلوقاته.
2- وقال تعالى" قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم" البقرة 32 ، وهنا إرتبطت الصفة بإرادة الله في تعليمه للملائكة وفقا لمشيئته وإرادته وحده سبحانه وتعالى
3- وقال تعالى" ولن يتمنوه ابدا بما قدمت ايديهم والله عليم بالظالمين" البقرة95 وهنا إرتبطت بإرادته وقدرته على الحساب
4- وقال تعالى" ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه الله ان الله واسع عليم" البقرة115، وهنا إرتبط بقدرة الله وإرادته على كل أركان الكون
5- وقال تعالى" وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم" البقرة127 ، وهنا إرتبط علم الله بإرادته على تقبل العمل الصالح لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
6- وقال تعالى" فان امنوا بمثل ما امنتم به فقد اهتدوا وان تولوا فانما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" البقرة 137، وهنا أرتبط علم الله بإرادته على كف أذى الكفار عن رسوله عليه السلام
7- وقال تعالى " يسالونك ماذا ينفقون قل ما انفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فان الله به عليم" البقرة215 ، وهنا أرتبط العلم بقدرة الله على الجزاء الأوفى لمن يفعل الخير.
8- وقال تعالى "... وان تفعلوا فانه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم" البقرة282 ، وهنا أرتبط علم الله سبحانه وتعالى بإرادته على منح العلم للمتقين.
9- وقال تعالى " هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ولله جنود السماوات والارض وكان الله عليما حكيما" الفتح4 ، وهنا أرتبط العلم بإرادته على منح السكينة في قلوب المؤمنين ، وقدرته التي بها يملك جنود السماوات والأرض.
10- وقال تعالى " الم تر ان الله يعلم ما في السماوات وما في الارض ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ان الله بكل شيء عليم" المجادلة 7 ، وهنا أرتبط علم الله سبحانه وتعالى بإرادته وقدرته على حساب الناس يوم القيامة محسنهم ومسيئهم.
ونكتفي بهذا القدر من الأدلة القرآنية ، وليرجع القارئ الكريم للقرآن الكريم في حالة رغبته في الإطلاع على باقي الأدلة القرآنية ومدى الصلة الوثيقة والارتباط في صفة الله سبحانه وتعالى (عليم) بين العلم والإرادة له سبحانه.
ثانيا: علم الإحاطة:
وهو ذلك العلم الذي لا ينبغي لغير الله وحده وبه يستغرق علمه سبحانه وتعالى جميع الأحداث والأشخاص من جميع الجوانب ، وهو علم اطلاع رب العالمين على أفعال البشر ، إطلاع لا جهل فيه – تعالى الله علوا كبيرا – يحيط بالحدث من كل زواياه ، علم يليق بذاته سبحانه وتعالى ، فبصره لا يحده حدود ولا يمنعه عائق جل وعلا وسمعه لا تتداخل فيه الأصوات ولا حدود لصفاته وقدرته سبحانه وتعالى.
ولله المثل الأعلى لو شهد شاهد على جريمة قتل فإنه سيحكيها من زاوية رؤيته لها ، أما الله سبحانه وتعالى فلا تحد رؤيته زاوية.
ولذلك فإن أفضل وصف لعلم الإحاطة هو العلم الذي يستغرق الأحداث والأشخاص بالكلية ، ولكن مع إستقراء آيات القرآن الكريم نجد أن هذا العلم لا تتدخل إرادة الله وقدرته لتغيير الأحداث ولكنه يقف عند حد إستيعاب الأحداث ليجزي عليها الجزاء الأوفى.
الأدلة القرآنية على علم الإحاطة المرتبط بإسم الله (المحيط):
1- قال تعالى "او كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون اصابعهم في اذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين“ البقرة 19
2- قال تعالى "ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ان الله بما يعملون محيط" آل عمران120
3- قال تعالى" يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا" النساء108
4- قال تعالى"ولله ما في السماوات وما في الارض وكان الله بكل شيء محيطا"النساء126
5- قال تعالى"ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط" الأنفال47
6- قال تعالى"قال يا قوم ارهطي اعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ان ربي بما تعملون محيط" هود 92
7- قال تعالى"الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شيء محيط" فصلت 54
8- قال تعالى"والله من ورائهم محيط" البروج 20
والشاهد في هذه الآيات أن الله سبحانه وتعالى محيط بالكافرين يعلم كيف يسوءهم أن تصيب المؤمنين حسنة وكيف يفرحون إذا أصاب المؤمنين سيئة ، وهو سبحانه وتعالى محيط بالناس وبأعمالهم وكيف يفعلون الحرام والسيئات وهم يستخفون من الناس ، وكان أولى بهم أن يستخفون من الله سبحانه وتعالى وهو سبحانه معهم (معية علم وإحاطة) إذ يبيتون ويضمرون ما لا يرضى عنه سبحانه والله سبحانه مالك السماوات والأرض ومحيط بهما ، وبما يعمل الناس الذين يخرجون من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ، وأولئك الذين يرتكبون فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين فإن الله بما يعملون محيط ، وبالكلية فإن الله سبحانه وتعالى من ورائهم محيط إحاطة علم لا جهل فيه ولا نسيان ولا مراء فيه ولا جدال ، ولكنه علم يقف عند باب رصد أفعال الإنسان ليحاسبه عليها يوم الحساب حتى ولو كانت هذه الأفعال مما لا يرضاها رب العالمين ولا يقبل بها ، ولكنها أفعال البشر التي ستوضع في موازينهم ليحاسبوا عليها.
ثالثا: علم الجمع
وهو ذلك النوع من العلم الذي يجمع الله سبحانه وتعالى فيه بين علم الغيب وعلم الشهادة ، وهو العلم الذي سيحاسب الله عز وجل به الناس يوم القيامة ، وهو الذي يجمع بين علم الأحداث التي حدثت وبين علم الغيب للأحداث التي لم تحدث وسوف تحدث وتلك التي حدثت في أزمنة سحيقة وأماكن بعيدة لا تصلها إلا قدرة رب العالمين وكذلك الغيب الذي لا يعرفه شهود الأحداث إلا رب العالمين ، وهو المتعلق بالنفوس والسرائر.
الأدلة من القرآن على علم الجمع
1- قال تعالى" وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير" الأنعام73
2- وقال تعالى" يعتذرون اليكم اذا رجعتم اليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبانا الله من اخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" التوبة94
3- وقال تعالى" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" التوبة 105
4- وقال تعالى" عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال" الرعد9
5- وقال تعالى" وقال الذين كفروا لا تاتينا الساعة قل بلى وربي لتاتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين" سبأ3
6- وقال تعالى" قل اللهم فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون"الزمر46
7- وقال تعالى" هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم" الحشر22
8- وقال تعالى" قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" الجمعة8
9- وقال تعالى" عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا" الجن26
والشاهد من الآيات أن عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال جامع الناس ليوم الحساب يوم ينفخ في الصور وينبأنا سبحانه وتعالى بما كنا نعمل ، وهو سبحانه لا يغيب عن علمه وقدرته مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر فكل شيء مدون في كتاب مبين ، وهو سبحانه لا يظهر على غيبه أحدا.
هو علم الله سبحانه وتعالى الذي إقتضت لطائف رحمته وعزائم مغفرته أن يدخره لحسابنا يوم القيامة ، فتوزن أعمالنا بميزان علم غيبه سبحانه ، فيتحقق عدل الله في بشره مقترنا بموجبات رحمته وواسع مغفرته على ما يعلمه عنا بعلم غيبه وشهادته ولا نعلمه حتى نحن عن أنفسنا ، علم يليق بذاته ولا ينبغي لغيرة ، فهو سبحانه الكبير المتعال ، العزيز الرحيم ، الرحمن الرحيم .
الخلاصة:
نخلص من ذلك أن الله سبحانه وتعالى عالم عليم جمع لنفسه أنواع ثلاثة من علمه سبحانه ، أولها مقترنا بقدرة إرادته وهو العلم الذي وصف به الحق نفسه فقال (عليم) ، وثانيها مقترنا بقدرة إحاطته وهو العلم الذي وصف به الحق نفسه فقال (محيط) ، وثالثها هوعلم مقترن بقدرة عظمته اللانهائية في علم الماضي دون أول والحاضر دون غمة والمستقبل دون آخر علم الغيب الذي أدخره لنفسه والشهادة المقترنه بتنزيهه عن الشريك في الملك والشبيه والصاحبة والولد فسبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وهو العلم الذي سيجمعنا به وينبأنا بأعمالنا ويضع لنا به الموازين الحق يوم القيامة.
الجبر والاختيار
يسأل سائل وما دخل علم الله بالجبر والاختيار؟
فنقول بتوفيق الله بأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بعلم إرادته فكان مسيرا لا أختيار له في بيئته أو اسرته ، ولا أختيار له في شكله أو صفاته الوراثية أو وظائفه الحيوية ، كما أنه لا دخل له في تعاقب الليل والنهار ولا في جميع الظواهر الكونية التي تحدث برضاه أو رغما عنه لا يهم ، وكل ذلك بإرادة رب العالمين سبحانه وتعالى العليم.
ثم أن الله سبحانه إقتضت إرادته تكليف الإنسان – الذي حمل الأمانه وكان ظلوما جهولا – بعلم إحاطته ، والإنسان يكون مخير في إتيان أفعاله وتأرجحها بين الخير والشر، ولكي نفهم قضية الاختيار في إتيان الإنسان أفعاله نعود للوراء قليلا.
الله جاعل في الأرض خليفة
فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وقال للملائكة (إني جاعل في الأرض خليفة) فردت الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك) ، فقال لهم رب العالمين (إني أعلم ما لا تعلمون) ، وأعطاهم درس عملي أن علم آدم الأسماء كلها (علم آدم كيف يستخرج الإسم من عين المسمى) ، ثم عرضهم على الملائكة وقال (أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صاديقين) ، فكان رد الملائكة (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) فقال (يا آدم أنبئهم بأسماءهم)
السؤال الأول: هل الإنسان خليفة الله؟
والإجابة طبعا لا ، لأن وجود الخليفة يستوجب غياب المستخلف ، والدليل من كتاب الله قال تعالى " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " الأعراف 142 ، فلما غاب موسى إستخلف هارون حتى يعود ، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يغيب والدليل في قوله سبحانه وتعالى " الم تر ان الله يعلم ما في السماوات وما في الارض ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ان الله بكل شيء عليم" المجادلة 7 ، فالله سبحانه وتعالى لا يغيب بعلمه وقدرته وإرادته ، فأستوجب ذلك أن نفهم أن الاستخلاف لخلق أسبق على البشر ، وقد يكونوا الجن وقد يكونون غيرهم والله تعالى أعلم.
السؤال الثاني: كيف عرفت الملائكة أن الإنسان سيفسد فيها ويسفك الدماء؟
يقول البعض قياسا على فعل السلف على الأرض والذين خلفهم الإنسان ، ونقول لو أن ذلك كذلك ، فإنه قياس ظالم ، إذ كيف نقيس على ظلم (زيد) أن (عبيد) سيكون ظالم ، ولم نعاين من أفعاله شيئا حتى الآن ، ثم أن الله جعل الإنسان خليفة لمن قبله وذلك لظلم من قبله – على رأي من قال بذلك – فإن كان الخليفة مماثل للمخلوف فلا سبب لإستخلافه.
ثم أن الله تعالى قال على لسان الملائكة (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) عندما سألهم أن يستخلصوا الأسماء من عين المسميات وهي عملية أسهل من القياس على فعل سابق ، إذا فالملائكة لا يقيسون على أفعال سابقة ولا يستنبطون لأنهم يستمدون علمهم مباشرة من الله.
ويبقى السؤال قائم: كيف عرفت الملائكة أن الإنسان سيفسد ويسفك الدماء؟
والإجابة: علموا من الله مباشرة ، فلما رفضنا القول السابق بأن الملائكة قاست على فعل الأولين ، نظرنا وتدبرنا في كتاب الله الفعل (جعل) فوجدنا أن باب هذا الفعل أوسع بكثير من باب الفعل (خلق) ، لأن الله عندما ذكر الفعل جعل في القرآن يتبعه اسم فإنه يذكر لنا من صفات هذا الإسم ، وعلى سبيل المثال:
1- قوله تعالى"الحمد لله فاطر السماوات والارض جاعل الملائكة رسلا اولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء ان الله على كل شيء قدير"فاطر 1 ، قوله تعالى جاعل الملائكة تبعها بأنهم رسل وأن هذه الرسل أولي أجنحة.
2- وقوله تعالى"واذ جعلنا البيت مثابة للناس وامنا واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل ان طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود" البقرة 125 ، وهنا وصف الله البيت بأنه مثابة للناس وأمنا وأمرنا بأن نتخذ من مقام إبراهيم مصلى.
3- وقوله تعالى"وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا... الآية" البقرة 143 ، وقد جعلنا الله أمة وسطا صفتنا الأساسية أن نكون شهداء على الناس ، ولكنها شهادة محكومة بشهادة الرسول علينا إذا أتبعنا الكتاب الذي جاء به.
نكتفي بهذا القدر ، ومن يريد البحث فعليه بكتاب الله ، فباب الجعل واسعا يشمل دائما صفات المجعول ، ولأن اللغة القرآنية فريدة ، فإن المستخلص من موقف الملائكة من خلق الإنسان أن الله عندما قال لهم (جاعل) فقد تلا ذلك بصفات المجعول وهي أنه (سيفسد فيها ويسفك الدماء) والسبب من خلقه وهو (العبادة والتسبيح) ، فكان فهم الملائكة من إخبار الله لهم ، فجاء ردهم لازم غير متعدي وفقا للإخبار فإن كان الإنسان سيفسد ويسفك الدماء والسبب لإستخلافه العبادة فنحن نعبدك ونسبح بحمدك ونقدسك ، فقال سبحانه إني أعلم ما لا تعلمون ، أن رغم ما سيقع فيه الإنسان من إمتحان قاس ، ودفع إلي الشهوات ووسوة الشيطان له إلا أنه سيعبد إختيارا في حدود التكليف الذي قبله عندما سأله الله (ألست بربكم) قالوا (بلى) ، والله تعالى أعلم.
عصيان إبليس وخطيئة آدم:
بعدما خلق الله آدم وبعد تلكم القصة التي حدثت بين الملائكة ورب العزة عن إستخلاف آدم ، أمرهم الله سبحانه بالسجود لآدم فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ، وناقش رب العزة ورفض السجود لما خلق الله من صلصال من حمأ مسنون ، فأخرجه الله منها بعصيانه ولعنه وجعله رجيم ، فتمادى في غيه وقال لرب العزة (بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) وأستثنى البعض من عباد الله المخلصين ، ولا يعرف إبليس أنه بعصيانه وبغوايته لآدم وذريته إنما ينفذ قدر الله سبحانه وتعالى ، لأن الله سبحانه وتعالى وهو الكمال المطلق والحق المطلق والمستحق وحده للعباد كل أنواع العبادة إستحقاق تنزيه ، وأسمى أنواع العبادة تلك التي تكون إختيارية ، وأفضلها في الإختيار التي تكون مخالفة لطبيعة العابد التي تأبى الرتابة في الأداء والضعف على الإستمرار قال تعالى" يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا" النساء 28 ، وأعظمها التي تقترن بالغواية على آداء غيرها ، وأعلها مرتبة التي تخرج من رحم المعصية ، وهذا النوع من العبادة يقدر عليه كل من الجن والإنس نظرا لأن الله منحهم الإختيار ، ثم أن الإنس وحده تكون عبادة أعظم قدرا وأعلى مرتبة لكونه أضعف من الجن بالنظر لمادة خلقه وطبيعة.
فلذلك فإن عصيان إبليس وغوايته للبشر من بني آدم يجعل طاعتهم لله وعبادتهم له أعلى مرتبة وأسمى قدر ، بما يليق بجلال الله سبحانه وهو سبحانه غني عن العالمين.
أما خطيئة آدم ، فقد تلقى الأمر من ربه بعدم الأكل من الشجرة هو وزوجه ، ولم يرد الأمر على الله كما فعل إبليس أو حتى يناقشه فيه ليتبينه كما فعلت الملائكة ، ولكنه قبله رغم أنه يقع في المرتبة أغرب من أمر الله لإبليس أو إخباره للملائكة ، فالأمر لإبليس واضح بالسجود لما خلق الله تنزيها للخالق لا عبادة للمخلوق ، وقد رده فإستحق اللعن والرجم ، وإخبار الملائكة بما يقع في مشيئة رب العالمين من إختياره لخليفة لمن سبقه على الأرض ليعمرها ، أما الأمر بعدم الأكل من الشجرة فليس له سبب يعرفه آدم ومع ذلك قبله دون رد أو مناقشة وإستفسار ، إلا ان آدم بضعفة وغياب عزمه بعد قبوله الآمر فعل ما نهي عنه وعلم بعد فعلته بمعصيته فطفق وزوجه يخصفان على سؤاتهما من ورق الشجر بعدما كان الجزاء السريع أن بدت لهما سؤاتهما ، فكانت توبة الله على آدم بأن تعلم من الله كلمات كيف يتوب بها ، وقبلها منه الله بلطف رحمته وعظيم كرمه لأنه – آدم – إبتداء لم يرد الأمر أو يناقشه ، ثم هبط للأرض مع الجن جميعا ليبدأ التكليف المرتبط بالطاعة والمعصية والحساب والجزاء.
الإرادة والمشيئة
الإرادة:
هي عقد العزم على الفعل ، وتشمل إتخاذ كافة التدابير اللازمة للفعل المراد تنفيذه ، ولكنها لا تشمل الفعل نفسه ، ولنتدبر قوله تعالى"ولو ارادوا الخروج لاعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين" التوبة46 ، وقوله تعالى"ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا"الإسراء 19 ، هذا فيما يتعلق بإرادة الإنسان وقد أثبتها الله له ، فوصف الإرادة هو عقد النية والعزم مع الإعداد ، وقد يكون الإعداد في حد ذاته أداء كما في الآية في سورة الإسراء ، أن الإرادة الكلية للمؤمن هي الآخرة (الجنة) فكان أعداده لها هو سعيه في الدنيا ، وحتما سيكون شكر الله لسيعه بدخوله الجنة
وإرادة الله سبحانه وتعالى هي قضاءه وقراره الذي لا معقب عليه ، قال تعالى"له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم واذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال" الرعد 11 ، وقال تعالى"انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون" يس 82 ، إذا فالإرادة سابقة على الأداء ، ولكن الفرق بين إرادة العبد وإرادة الرب ، أن إرادة العبد قد تخيب ، إذا خالفت إرادة الرب ، قال تعالى"وارادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين"الأنبياء 70 ، وقال تعالى"كلما ارادوا ان يخرجوا منها من غم اعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق" الحج 22 ، أما إرادة الله سبحانه وتعالى فهي قضاءه ، قال تعالى"وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم" يونس 107 ، ثم أن الله يقول"بديع السماوات والارض واذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون" البقرة 117 ، وفي سورة يس الآية 82 إستبدل لفظ (أراد شيئا) بـ (قضى أمرا) ، ولذلك لا راد لأمره وقضاءه.
المشيئة:
المشيئة هي إرتباط الإرادة بالأداء ، وهي قدر الله ، أي ما تم فعلا من قضاء الله هو المشيئة ، وما قضاه سبحانه قبل حدوثه هو الإرادة المنتظر حدوثها لتخرج من باب القضاء الي باب القدر، قال تعالى"...يهدي من يشاء الى صراط مستقيم"البقرة 142، وقال تعالى "...والله يرزق من يشاء بغير حساب" البقرة 212 ، وقال تعالى"...والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم" البقرة 247 ، وقال تعالى"...ولكن الله يهدي من يشاء...الآية" البقرة272 ، وقال تعالى" قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير" آل عمران 26.
الشاهد من الآيات السابقة وغيرها كثير في كتاب الله سبحانه وتعالى ، أن مشيئة الله قد نفذت في الهدي والرزق والملك ، وهكذا فهي قدر الله سبحانه وتعالى ومشيئته التي نفذت في عباده.
الإنسان مخير:
عرفنا أن الإنسان قد قبل التكليف من الله ، لقوله تعالى" انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا" الأحزاب 72 ، والشاهد في هذه الآية أن هناك أمانة وأصبح الانسان مؤتمن عليها ، فلو إإتمنت شخصا ثم لم تجعل له الاختيار في التصرف فلا عبرة لهذه الأمانة ، لأن من مقتضيات الأمانة حرية التصرف للمؤتمن فلو وفى إستحق الجزاء الأوفى ، ولو خان إستحق أن يهان بأن يلقى في النار مهان.
وللإنسان إرادة ومشيئة على النحو التالي.
إرادة الإنسان:
وللإنسان إرادة وهذه الإرادة متباينة ومختلفة عن إرادة رب العالمين ، يؤتي بها الطاعات أو يرتكب بها المعاصي ، وهذه الإرادة إلهام من رب العالمين عند خلق النفس وتسويتها ، قال تعالى " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)[الإنسان] ، والإرادة لا تخرج عن الفجور وهو شق ستر حجاب النهي المضروب على المعاصي نهيا دون حائل يحول بين المرء وإتيان فعل المعصية ، والتقوى بوقاية النفس من الوقوع في المعاصي وإتيان الطاعات بوازع من النفس دون تدخل من الغير لحملها على الطاعة.
ففي الحالتين لا تدخل في إرادة الإنسان من الله سبحانه وتعالى لذلك جعل الله فعل المكره(بضم أوله وفتح ما قبل آخره) شرا أو خيرا كأن لم يكن ، لتدخل إرادة جانبية من الغير لكشف أستار حجاب العلاقة بين المرء وربه ، قال تعالى" من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم" النحل 106 ، وهذه الآية توضح أن فعل المكره لا يعتد به ، كما توضح أيضا أن هناك إرادة للإنسان تختلف عن إرادة رب العزة سبحانه وتعالى بل حتى وقد تتضاد مع إرادة رب العزة سبحانه ، فتغضبه ، ولكنه سبحانه لا يتدخل فيها إطلاقا حتى تكون سببا في إستحقاقه عذاب عظيم.
مشيئة الإنسان:
عرفنا الإرادة على أنها العزم على الفعل ، أما المشيئة فهي إقتران العزم بالفعل ، وكما أن للإنسان إرادة ، فإن له مشيئة ن ولكن إذا كانت إرادة الإنسان متباينة ومختلفة عن إرادة رب العالمين ، فإن مشيئة الإنسان إذا أتخذ سبيل الرشاد والإيمان ، تكون دائما في حدود مشيئة الله ، أي أن مشيئة الله مستغرقة لمشيئة الإنسان إستغراقا كليا ، لأنه في النهاية لن يصل للإيمان الموجب لرحمة رب العالمين إلا بمشيئة رب العالمين ، قال تعالى" إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) [الانسان] ، وقال تعالى" إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) [التكوير].
والشاهد في هاتين الآيتين أنه عند ذكر مشيئة الإنسان للإستقامة وإتخاذ سبيل إلي الله ، لا يكون ذلك إلا بمشيئة رب العالمين في الأول ، فتكون مشيئته مستغرقة لمشيئة عبده التائب المنيب الأواب ، ولذلك قال رب العزة سبحانه وتعالى" يا ايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم" المائدة54 ، ذلك أن الحب منه أولا لأولئك القوم الذين يتصفون بالذلة للمؤمنين والعزة على الكافرين ويجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم ، وهوفضل الله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء.
أما إذا كانت مشيئة الإنسان للكفر فإنها لا ترتبط بمشيئة رب العالمين قال تعالى" وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر انا اعتدنا للظالمين نارا احاط بهم سرادقها وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا" الكهف29 ، والشاهد أن من يكفر يخضع لعذاب الله بنار أحاط بهم سرادقها ، ولكن ذلك لا يكون بمشيئة الله سبحانه كما يكون مع من شاء الإيمان والطريق المستقيم
الخلاصة: أن للإنسان مشيئة للإستقامة وهي مشيئة مستغرقة في مشيئة رب العالمين ، ومشيئة للكفر وهي مرتبطة به وحده يحاسب عليها بنار أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وسائت مرتفقا.
والسؤال: هل يكون الإنسان مخير إذا تدخلت مشيئة الله لتغيير من عمله؟
والجواب قطعا يبقى مخيرا ، لأن المشيئة تتدخل لتجعل نتيجة عمله خائبة أو موقوفه ولا تتدخل في إختيارة للعمل نفسه ، ولنتدبر قوله تعالى"... كلما اوقدوا نارا للحرب اطفاها الله ويسعون في الارض فسادا والله لا يحب المفسدين" المائدة64 ، وقوله تعالى" واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" الأنفال30
فكانت لهم إرادة الاختيار فأختاروا الكفر ، ولكنهم عندما أرادوا أن يتخذوا خطوات تنفيذية للحرب والفساد وقتل الرسول وكانت هذه الخطوات ضد مشيئة رب العالمين ، أوقف الله سبحانه وتعالى جريمتهم فأصبحت خائبة
حل إشكالية بعض الآيات بتدبرها:
1. قال تعالى"وان كان كبر عليك اعراضهم فان استطعت ان تبتغي نفقا في الارض او سلما في السماء فتاتيهم باية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين" الأنعام35
2. قال تعالى"ولو شاء الله ما اشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما انت عليهم بوكيل" الأنعام 107
3. قال تعالى"ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون" الأنعام 111
4. قال تعالى"وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون" الأنعام 112
5. قال تعالى"وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون" الأنعام 137
6. قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم اجمعين" الأنعام 149
7. قال تعالى" ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" يونس 99
المتفق عليه من تدبر كتاب الله أن الإنسان إذا أختار طريق الصلاح (الطريق المستقيم) فإنه يختاره بمشيئة رب العالمين أي أن مشيئة الله إستغرقت مشيئته ، أما إذا أختار الكفر فتستقل به مشيئته ، دون دخل لمشيئة رب العالمين
والشاهد في كل هذه الآيات السابقة أن الله سبحانه وتعالى لحكمته ، وما كتبه على الإنسان من تكليف لم يتدخل بمشيئته على من كفر بل ترك له حرية الكفر ، فهذه الآيات لا تعني الجبر ولكنها تشير إلي الإختيار ، وإلي حرية الإنسان المطلقة في إختياره الشر وأن الله سبحانه لم يتدخل بمشيئته ليوقف إختيار الإنسان بل أبقى ذلك لحسابه يوم القيامة.
ويتضح هذا المعنى جلي في الآية 99 من سورة يونس أن الله سبحانه وتعالى لم يتدخل بمشيئته ليجعل كل من في الأرض جميعا مؤمنين ( أي يكرههم على الإيمان) ، والدليل أنه إستنكر على نبيه أن يكره الناس على الإيمان ، فهذه الآيات تؤكد حرية الإيمان والكفر (حرية الاختيار) ، ولا تدل على الجبر أبدا ، بل أكثر من ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يستنكر على الإنسان أن يجبر الإنسان على الإيمان ، وهي أعلى مراتب حرية الاختيار.
هل الإنسان خالق لأفعاله؟
نقول نعم الإنسان يخلق أفعاله ، ولنتدبر قوله تعالى" انما تعبدون من دون الله اوثانا وتخلقون افكا ان الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له اليه ترجعون" العنكبوت17، وهنا أعتبر الله سبحانه وتعالى الإفك الذي يتخذوه بصناعة الأوثان ثم عبادتها (خلق) .
ثم أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ، ثم كتب عليه (التكليف) وجعله مؤتمن (بضم أوله وفتح ما قبل آخره) ، وأعطاه حرية الاختيار بين الإيمان والكفر ، وبين الرشاد والضلال ، فإما أن يدخل في حظيرة الإيمان فتستغرقه مشيئة رب العالمين ، أو يختار الضلال فيخلق أفعاله التي سيحاسب عليها.
ولكن يجب أن نؤكد على أنه لا يخلق من عدم ، فهذه لله وحده ، كما أن خلقه لا يتعدى إرتكابه للفعل ، فلا مقارنة بين خلق الله وخلق البشر ، فخلق الله فيه روح والبشر لا يقدرون على خلق بعوضه ، ولنتدبر قوله تعالى" ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا اخر فتبارك الله احسن الخالقين" المؤمنون 14.
كما يجب أن نؤكد على أن كل ذلك في حدود علم الله الأزلي ، فالله سبحانه وتعالى يعلم بصفته (محيط) ويعلم لكونه (عالم الغيب والشهادة) ما سيكون من هذا الإنسان ، ولكن علم لا تتدخل فيه الإرادة ، وليس أكثر من تدخل مشيئته وقت خلق الفعل الضار ليصحح منه بجعله موقفا وخائبا ، وليس أدل على ذلك من قصة العبد الصالح (الخضر) مع موسى عليه السلام أن الله جعله يتدخل وفقا لمعطيات الناموس البشري لرد الأمر وفقا لمشيئة رب العالمين دون التدخل في إختيار البشر.
وأخيرا فإن علم الله سبحانه وتعالى بالقدر الذي يليق بذات الله سبحانه وتعالى ، فهو علم أزلي ، لا يأتيه جهل أو نسيان ، علم بما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون ، علم يحيط بالأحداث من كل جوانبها بل وبظاهرها (الشهادة) وباطنها (الغيب) ، والله سبحانه بسابق علمه يعلم ما سيكون منا من طاعة أو معصية ، ولكنه علم إحاطة لا علم إرادة ، بل هو علم لا يتدخل به فيما نفعل ، ومن المشهور أن العلماء يسوقون مثال المدرس الذي يتنبأ بسقوط التلميذ لسابق علمه بمدى تحصيله ، والأب الذي يتنبأ بأفعال إبنه لسابق علمه بأخلاقه ولكن دون تدخل منهما في إرادة التلميذ أو الولد ، ولله المثل الأعلى.
هذا والله تعالى أعلم
ندعوه مخلصين أن تستغرق مشيئته مشيئتنا ، فنستقيم ونتخذ إليه السبيل ، فمن زحزح عن النار وإدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
شريف هادي
بداية نشكرك على البحث الرائع ولي وقفات عنده ,وقفاتي تلك عبارة عن تساؤلات علي أجد إجابة عنها
بداية موضوع علم الله تعالى بما سيفعله المرء من خير أو شر فلم يأت القرآن على ذكر أي من ذلك في أي آية من القرآن تحديدا وإنما أتى بصيغة عامة عن علمه بالغيب دون دخول بتفاصيل وأظن أن في ذلك حكمة ربانية أرجو أن تفيدني عن ذلك
إن كان الله يعلم ما سيجني المرء فأرجو منك تعليقا على الآيات التي سأوردها
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
( سورة آل عمران
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
( سورة التوبة
الآية تقول ولما يعلم الله ( بمعنى لم يعلم الله بعد )
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
ليعلم الله أي لكي يعلم يفهم منها أن العلم لم يكن حاصلا
( سورة الحديد
نفس التعليق على الآية السابقة
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ
( سورة آل عمران
نفس التعليق
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ
نفس التعليق
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ
( سورة آل عمران
نفس التعليق
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
( سورة المائدة
نفس التعليق
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ
( سورة العنكبوت
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ
( سورة العنكبوت
الآيات تقول وليعلمن ( بمعنى ولسوف يعلم
أرجو توضيحا على تلك الآيات
بداية أشكركم على مروركم الكريم ، وقراءتكم للبحث ، وأنتهز الفرصة للإعتذار لكم ولكل قارئ على طول البحث وتشعبه ، ولكن في الحقيقة حاولت جاهدا لكي أجعله بسيطا وأستخدم أبسط التركيبات اللغوية ، مع الحفاظ على أدب الحديث عن رب العالمين سبحانه وتعالى ، لذا لزم التنويه والاعتذار
أما عن إختلافكم الكريم معنا في الخلاصة التالية ((متفق عليه من تدبر كتاب الله أن الإنسان إذا أختار طريق الصلاح (الطريق المستقيم) فإنه يختاره بمشيئة رب العالمين أي أن مشيئة الله إستغرقت مشيئته ، أما إذا أختار الكفر فتستقل به مشيئته ، دون دخل لمشيئة رب العالمين )) ، فأراه إختلاف في اللفظ لا في المضمون ، حيث أنكم تقولون (فأنا أقول أن الانسان له الحرية المطلقة في إختيار الايمان أو الكفر , فالله تعالى لا يتدخل أبدا فيإختياراتنا يقول تعالى((هديناه النجدين)) أي تركنا الأمرله سواء للكفر أو الإيمان)
وأنا أتفق معكم أن الإنسان له مطلق الحرية في الكفر أو الإيمان ، ولن ما قصدته أنه عند إختياره للإيمان يكون هذا الاختيار متفقا ومتوافقا مع مشيئة الله سبحانه وتعالى ، فتكون مشيئة الله هنا مستغرقة لمشيئة الإنسان لإختياره ما يتفق مع مشيئة رب العالمين لذلك قال تعالى "إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) [التكوير]
أما عن قولكم (هناك فرق بين قدرة الله وفعل إرادة الله) أتفق معكم تماما فيه ، ولا أعرف في أي أجزاء بحثنا أو مطالبه قلنا بغير ذلك ، أما وصفنا للإرادة بأنها القضاء والمشيئة بأنها القدر لا يختلف وذهابكم
وأشكركم على الأمثلة التي سقتموها وأتفق معكم عليها تماما
شريف هادي
بداية أشكرك على قراءتك وتفاعلك معنا.
أما عن سؤالك ، فأقول وبالله التوفيق
أولا: علم الله سبحانه وتعالى لا تحده حدود ولا يعتريه نقص تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، فلما يقول سبحانه عن نفسه "عالم الغيب والشهادة" نفهم من تعريفه للغيب بأداة التعريف (الـ) أنه كل الغيب ، ونعرف من تعريفه للشهادة بأداة التعريف (الـ) أنها كل الشهادة ، ومن المنطق أن الأفعال التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في الآيات الكريمات التي سقتها ، تدخل في نطاق الغيب قبل حدوثها وفي نطاق الشهادة بعد حدوثها ، وهي على هذا النحو لم تخرج من نطاق علم الله
بقى لنجيب على سؤال ، فلماذا إستخدم الله لفظ ( ولما يعلم ) ولفظ (وليعلم) ، بعدما تقينا من الأيات المحكمات في كتاب الله سبحانه وتعالى أن علمه لا محدود وهو أزلي أبدي يتفق وجلاله سبحانه وتعالى ، وجب علينا النظر في الآيات ، والبحث عن السبب في لماذا ذكرالله سبحانه وتعالى لفظ (ولما يعلم) ولفظ (وليعلم) ؟
والإجابة ببساطة أن الفعل قبل حدوثه يقع في حدود علم الغيب عند الله ، ولكن بعد حدوثه ينتقل من حدود علم الغيب إلي حدود علم الشهادة فحق عليه هنا الجزاء (ثواب أو عقاب) ، فلما يقول الحق سبحانه وتعالى "إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" آل عمران 140 ، أي ليقع فعل المؤمنين في نطاق علم الشهادة الموجب للجزاء ، فيتخذ الله منهم شهداء ، ولذلك أنتهت الآية بقوله (والله لا يحب الظالمين) ثم تتابعت بالآية 141 من آل عمران (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) فوجب فهم العلم هنا على أنه علم الشهادة المرتبط بالثواب (يمحص) والعقاب (يمحق)
فالله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء عن الإنسان قال تعالى"اولا يعلمون ان الله يعلم ما يسرون وما يعلنون" البقرة77 ، ولكن علم الغيب وحده ليس كافيا لمعاقبة الإنسان على فعل لم يرتكبه حتى ولو كان في علم الله أنه سيرتكبه ، فوجب إنتقال الفعل من حيز الغيب إلي حيزالشهادة أي من علم إلي علم وليس من جهل إلي علم تعالى الله سبحانه وتعالى عن الجهل علوا كبيرا.
ومن الأدلة القرآنية التي تصحح مذهبي قوله تعالى"الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا اولي الالباب" البقرة 197 ، وهنا قوله ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله) أي يجازي به الله ، يأتي لعلم الشهادة من علم الغيب ، فيخرج من حيز علم لحيز علم آخر موجب للثواب
والله تعالى أعلم وأجل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوك / شريف هادي
ردكم كان فلسفيا يعتمد على المنطق
بناء على المعطيات التي قدمتها يكون جوابكم صحيحا بالاعتماد على المنطق غير أني أبحث عن الدليل النقلي أو المفهوم النقلي من خلال آيات القرآن الكريم
ولك الشكر
الآية التي سقتها ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله ففعل تفعلوا أتى بصيغة المضارعة وفعل يعلمه أتى بالمضارعة أيضا ولذا لا يستدل بها على أنها علم غيب
ولك الشكر
هذه كلمة حق أقولها لهذا الرجل الجميل المسمى شريف هادى ، ليس لأنه مستشار وليس لأنه يدعونى دائماً بتوأم الروح ، وليس للتقارب الفكرى بيننا ، ليس لهذه الأسباب أكتب تعليقى هذا ، ولكننى اقولها بحب وصديق وعدل ، لقد تعلمت من هذا الرجل الكثير ، فعلاوة على صبره وحلمه وأدبه ودماثة خلقه ، فقد تعلمت منه الكثير من أنوار القرآن العظيم ، لم يكن أولها تلك التقسيمات الجميلة التى ساقها هنا فى مقاله ، ولن تكون آخرها بإذن الله تعالى وجهة نظره واجتهاده الرائع المقنع فى قول الله تعالى ( إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون )
لقد كنت حتى وقت قريب مقتنعاً ان الملائكة قالوا لربهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) بناءاً على تجربة سابقة رآها الملائكة بعيونهم لمخلوق أوجده الله تعالى على الأرض قبل الإنسان , ورغم وجاهة الرآى الذى كنت مقتنعاً به لسنوات طويلة إلا أن الرجل ( شريف هدى ) قد فاجأنى بقوله : أليس من الظلم أن يحكم الملائكة على الإنسان بأنه سيفسد فى الأرض ويسفك الدماء قبل أن ينزل إلى الأرض ومن مجرد تجربة سابقة لمخلوق سابق لا يحمل نفس الصفات ولا نفس جنس آدم ؟ كيف يحكم الملائكة على الإنسان بالفساد وسفك الدماء قبل أن يروا منه ذلك ؟
كان السؤال وجيهاً وقوياً ... قلت له إنه الإستنباط يا صديقى فقد شاهدوا بأن عيونهم مخلوقاً سابقاً أو مخلوقات سابقة على الأرض سبقت خلق الإنسان وسفكوا الدماء وأفسدوا فى الأرض ، فكان سؤال الملائكة لربهم ( أتجعل فيها ) هو إستفسار وليس إستنكاراً ، فقد خافت الملائكة أن يكون المخلوق الجديد ( الإنسان) مثل سابقيه ، فسألوا ربهم جل وعلا هذا السؤال ...
ولكن أليس من الظلم أن يحكم الملائكة على المخلوق الجديد قبل أن يروه ويروا ماذا سيفعل ؟
قال المستشار شريف هادى : إن الله سبحانه حيت يأتى بالفعل جعل فإنه يذكر أفعال ما يليه ، وحين يأتى بالفعل خلق فإنه يأتى بصفات ما يليه ، وبناءاً على هذا القياس القرآنى الخطير فقد رأى أن الله تعالى قد أخبر الملائكة أن هذا الإنسان مخلوق لكى يعبد الله تعالى ولكنه سيفسد فى الأرض ويسفك الدماء ...
يتبع ....
ورأى أن هذا الحل الوحيد لهذا الإشكال وهو كيف سألت الملائكة هذا السؤال لربهم سبحانه ؟ فالحل الأمثل هو أن الله تعالى قد أخبرهم بمجمل أفعال هذا المخلوق وهى أنه سيعبد الله تعالى ولكنه ( غالبيته ) ستفسد فى الأرض وتسفك الدماء ... ولكن لو كانت الملائكة تعلم ذلك مسبقاً من الله تعالى فكيف سألوا هذا السؤال ؟ ألا يعتبر ذلك إلحاحاً منهم وتدخلاً فى أفعال الله عز وجل؟
والجواب هو أنهم قالوا ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) أى أن الملائكة يريدون من الله تعالى الإكتفاء بهم وأنه لا لزوم لمحلوق سيفسد الدماء ويفسد فى الأرض ، فقال الله تعالى لهم ( إنى أعلم ما لا تعلمون ) ... ثم علم الله آدم ( والإجتهاد لشريف هادى ) كيف يستنبط أسماء الأشياء من صفاتها .. فقال تعالى ( وعلم آدم الأسماء كلها ) بمعنى أن الله تعالى علم آدم كيف يطلق إسماً معيناً على مسمى بناءاً على صفاته .. وهذه صفة حرم منها الملائكة والدليل على ذلك قوله تعالى لهم ( أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) وهو تحدى من الله تعالى للملائكة فقالوا ( سبحانك ) ثم قالوا ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ) فقال الله لآدم الذى علمه الله فن الإستنباط ( يا آدم أنبئهمبأسمائهم ) فأنبأهم آدم بأسمائهم فقال الله ( فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) أى أن الله تعالى يقول لهم لقد علمت آدم وذريته ( جينات وراثية ) كيفية تسمية الأشياء من صفاتها أما أنتم أيها المائكة فلم أعلمكم هذا العلم .
أخى شريف هادى لقد تعلمت منك ، اشكرك وبارك الله فيك وزادك علماً ونوراً
جزاكم الله خير الجزاء على هذا البحث الجرى الذى يقع موقعا شديد الحساسية لكونة يتعلق بطلاقة قدرتة سبحانة وتعالى وعلمة سبحابة وتعالى ونعلم جميعا بأننا نؤمن يقينا بطلاقة قدرتة سبحانة وتعالى اللا نهائية وعلمة سبحانة وتعالى الذى أحاط بكل شىء علما وأحصى كل شىء عدد
واننى أتفق مع الأستاذ / خالد حسن .. فيما ذهب الية من خلال فهم ما أوردة بتعليقة أعلاة من آيات الذكر الحكيم
ونحن هنا لا ننفى عن العليم الخبير سبحانة وتعالى طلاقة قدرتة أو إحاطة علمة حاش للة ولكننا ننفى عنة سبحانة (( الظلم )) وهو الذى قال ( وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)العنكبوت40
لأنة لو إفترضنا أن فلان بن فلان قبل أن يولد او تكون لة إرادة أو تكون لة عقيدة أو يكون لة عمل صالحا كان أم فاسدا وقبل هذا كلة هو فى علم الله فاجرا فاسقا فاسدا كافراوبناء على ذلك فهو قبل ان يولد وقبل أن يكسب أو يكتسب شيئا صالحا كان أو فاسدا هو من أصحاب السعير والخلود فى جهنم وبئس المصيرفإذا وضع أحدنا نفسة مكان هذا الفلان فماذا سيكون موقفة هل هو مظلوم أم ظالم وماذا سيكون ظنة بخالقة سبحانة وتعالى
وأضيف هنا ان العلم هو معلومة أو معلومات عن شىء أو حدث أو فعل وعند إنعدام الشىء والحدث والفعل تنعدم المعلومة فهى لم توجد بعد وبذلك لا نكون ننفى علم الله بعلم موجود بل ننزة العلى القدير سبحانة وتعالى عن علم هو عدم او غير موجود إذن هو إفتراض وليس علم
والفعل قبل حدوثة لاشىء أى ليس هناك علم فماذا يعلم الله هل هو لاشىء حاش للةسبحانة وتعالىعن ذلك علوا كبيرا
لأن المنطقى بعد حدوث الفعل نكتب فعل فلان كذافماذا نكتب قبل حدوثة ولو كتب الله الفعل قبل حدوثة لكان قهرا لهذا الإنسان على المعصية وهذا إتهام صريح لله عز وجل بالظلم سبحانة وتعالى عن ذلك علوا كبيرا
ولى إستفهام من الأستاذ/ شريف هادى
ما المقصود بقولكم فى التعقيب على الأستاذ / خالد حسن
إقتباس
(، فتكون مشيئة الله هنا مستغرقة لمشيئة الإنسان لإختياره ما يتفق مع مشيئة رب العالمين ) هل يعنى ذلك الهيمنة وهذا يؤدى الى تبرئة هذا الإنسان من سيئاتةأم تعنى التوحد وهذا يأخذنا الى متاهات أخرى لا يعلم عواقبها إلا الله
وللجميع خالص التحية والتقثدير
تعلم حبى وتقديرى وإعجابى بقلمكم وفكركم المبدع
وأذن لى ببعض الإختلاف فى تعليقكم أعلاة
عندما أخبر الله الملائكةعن خلق آدم لم يخبرهم عن جنسة ولكنة أخبرهم عن (( وظيفتة)) ((( خليفة ))) وهنا دلالة لها قيمتها فى فهم موقف الملائكة من هذا الخليفة الذى لا يعلمون عن ة سوى وظيفتة على تلك الأرض فقال لهم الله ( إنى جاعل فى الأرض خليفة) ولم يقل لهم إنى جاعل فى الأرض بشرا أو إنساناوتلك الوظيفة التى حددها الله لهذا الخليفةوهى الخلافة فى الأرض تعلم الملائكة مسبقا أنها تتطلب وتستدعى أن يكون لة الإختيار فى الإصلاح أو الإفساد فى الأرض وبناء على ذلك كان إستفسار الملائكة طلبا للعلم وإستيضاح للموقف وخشية من الله أن يوجد فى ملكة من يعصاة حتى ولو كان مخلوقا غيرهم الم يخبرنا الله فى كتابة الحكيم أن الملائكة يستغفرون لمن فى الأرض فقول الملائكة خشية وجود من يعصى الله وليس للإعتراض لأنة سبحانة وتعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
وعندما قال الله (وعلم آدم الأسماء كلها) لماذا لم تكن وعلم الإنسان الأسماء كلها أو وعلم البشر الأسماء كلها. ذلك لأن التعليم كان لشخص آدم ذاتة مثلما علم الله رسولة إذ قال لة ( وعلمك ما لم تكن تعلم) فعلم الله آدم الأسماء كلها ومنها أسماء الملائكة بوحى من الله كما أوحى الله لأنبيائة ورسلةوتلك الأسماء كانت ضمن رسالة آدم علية السلام وتكليف من الله لآدم بتعليم الملائكة بأسمئهم وكان أمر الله للملائكة بطاعة رسولة آدم فيما علمهم وهذا أمرة سبحانةللملائكة بالسجود لآدم وتأمل قولة سبحانة للملائكة ((وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ))نفهم منها أن هتاك تكليفات لآدم تجاة الملائكة وتفضيل لة عليهم بتعليمهم أسمائهم وأن الملائكة كانت تبدى وتخفى وعلم الله يحيط بما أبدت وما أخفت وهذة المعانى والدلائل تحتاج الى بحث أكثر عمقا فيما جاء عن الملائكة فى كتاب الله
وأختلف مع أستاذىد/حسن
فى أن علم تسمية الأشياء( جينات وراثية)لأنة لو كان ذلك صحيحا لوجدنا أسماء الأشياء واحدة فى جميع الغات وكانت جميع لغات البشر على مر العصور والى قيام الساعة توحدت فى لغة واحدة
وتقبل خالص حب وإحترام تلميذكم المجتهد
أشكرك على تعليقك أعللاه
والحقيقة أننى فهمت سبب الإختلاف الأخير بخصوص الجينات الوراثية وأنا لم أقل أن الله تعالى قد كتب أسماء الأشياء على هذه الجينات ولكننى قلت ما يعنى أن الله تعالى قد علم آدم كيفية تسمية الأشياء من خلال صفاتها الظاهعرة له ، وهنا لم أتحدث عن أى لغة ، فالإنسان فى أى مكان وبأى عرق أو أصل أو لون أولغة يستطيع بتلك الجينات الوراثية أن يسمى الأشياء كل واحد حسب لغته وبيئته ، فالبحر فى العربية إسمه بحر وفى الإنجليزية إسمه sea مثلاُ وفى الهندية ستجد له إسماً آخر وفى الفرنسية إسماً رابعاً وهكذا كل اللغات ... ولكن فى النهاية لو جمعت معنى كلمة بحر فى كل اللغات ستجد لها دلالة واحدة وهى التى تعنى ذلك المكان الضخم العميق النلىء بالماء المالح والذى تسير فيه السفن وتعيش فيه الأسماك والكائنات البحرية .. ولقد ضربت كلمة بحر كمثال فقط .
أما اختلافك الأول فلم أستوعب سبب الخلاف
وتقبل تحياتى
تحية طيبة للأستاذ شريف هادي
عندي سؤال بسيط حتى استخلص منه كامل الفكرة التي أسست بها بحثك، هل يعلم الله بأفعال عبده س منذ الأزل أي قبل حتى أن يخلق؟
و كيف ترى في تعبير "علم الله الأزلي" اللانهائية في العلم و كلمة الأزلي ذاتها لا ينطبق عليها هذا الوصف؟
و شكرا
أخي الأستاذ / محمد مهند مراد أيهم
بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أراك إقتنعت بالأدلة العقلية والمنطقية وتسألني عن أدلتي النقلية ، أما عن أدلتي القرآنية فهي:
في إحدى عشر موضع من القرآن قال تعالى (عالم الغيب والشهادة) [الأنعام73 ، التوبة94 ، 105 ، الرعد9 ، المؤمنون 92 ، السجدة6 ، فاطر38 ، الزمر46 ، الحشر22 ، الجمعة8 ، التغابن18]
وقال سبحانه " وقال الذين كفروا لا تاتينا الساعة قل بلى وربي لتاتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين" سبأ3
وقال سبحانه " ان الله عالم غيب السماوات والارض انه عليم بذات الصدور"فاطر38
وقال سبحانه "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا" الجن26
ومن هذه الآيات أن الله سبحانه وتعالى يعلم مطلق الغيب ، كل الغيب معرفا بأداة التعريف (الـ) ومعرفا بالإضافة إلي السماوات والأرض ، فحملت اللفظ على إطلاقة فقمت بتأويل الآيات التي ذكرتها.
وشكرا لتواصلكم الكريم ، والسلام عليكم
شريف هادي
أخي الدكتور / حسن
أشكركم أخي الحبيب على إنصافكم لي ، ولكنني أيضا أتعلم منكم ومن كل رواد موقعنا الكرام ، وأشكركم على إلقائكم الضوء على موضوع الملائكة مع رب العزة سبحانه ، وعندي أن الملائكة لا تعرف القياس ، لقوله تعالى"وعلم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين" ، فقد أشار الله سبحانه وتعالى بإسم الإشارة (هؤلاء) على أشياء يعرفونها ، ولكنهم لم يستطيعون إستخراج أسماء من عين المسمى ، أما آدم فقد منحه الله هذه الخاصية ، لأنها من لوازم التكليف في الأرض.
شكرا لمروركم الكريم وتعليقكم الجميل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي
أخي الأستاذ / عابد أسير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشتاق إليكم ونراكم مقلين في الدخول على الموقع لعل المانع خيرا
بالنسبة لإتفاقكم ، مع الأستاإقتنذ / خالد حسن ، فقد قمت بالرد عليه وإحيلكم للرد ، أما عن سبب إقتناعكم قوله تعالى"وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" العنكبوت40 ، غهو سبب جديد يجب علينا الرد عليه على النحو التالي:
يا أخي علم الله سبحانه وتعالى بأفعال الكافر ، ليس فيه ظلم للكافر ، لأنه علم لا تتدخل فيه الإرادة (إرادة الله) ، ولكنه علم يقف على باب علم الإحاطة وعلم الجمع على نحو ما أسلفنا ، بمعنى أن الكافر ليس مدفوعا لعمل الشر أو الكفر ، كما أنه ليس مكتوبا عليه في مشيئة رب العالمين ، ولكنه يتأرجح بين الغيب قبل أن يحدث فيقع في علم غيب الله ، وبين الشهادة بعد إتيانه من الكافر فيقع في علم شهادة الله. (والله تعالى أعلم)
أما عن المثال الذي ضربته ، فإن الكافر غير مجبر من رب العالمين على الكفر رغم سابق علم الله بذلك ، وقد ضربت مثال المدرس والأب ولله المثل الأعلى
أما عن تفسيرك للعلم فيجب التفريق بين علم الله وعلم البشر ، ولا تنسى أن الله سبحانه قال في سورة طه (يعلم السر وأخفى) فما هو الذي أخفى من السر؟ الإجابة: هو السر قبل أن يسر(بضم الياء وفتح السين) والله تعالى أعلم
أما عن قولنا (فتكون مشيئة الله هنا مستغرقة لمشيئة الإنسان لإختياره ما يتفق مع مشيئة رب العالمين) ، فهي ليست هيمنة أو توحد – حاشا لله – ولكنها (توافق) أو قل تلاقي ، بمعنى تلاقت إرادة المحسن المستقيم مع إرادة رب العالمين ، وبما أن إرادة رب العالمين هي الإرادة الكلية ، فتكون مستغرقة لإرادة العباد المستقيمين والله تعالى أعلم
والسلام عليكم / شريف هادي
أخي الأستاذ المعتزلي للأبد
السلام عليكم ورحمة الله ، وأقول لك أيضا نفتقدك كثيرا بارك الله فيك
أما عن سؤالك: هل يعلم الله بأفعال عبده س منذ الأزل أي قبل حتى أن يخلق؟ الإجابة : ببساطة أيضا (نعم) لأنه يعلم الغيب ، والعبد (س) قبل أن يفعل شيء وقبل أن يخلق كان غيبا (جزء من الغيب) فدخل في علم الله سبحانه وتعالى
وأما عن سؤالكم: و كيف ترى في تعبير "علم الله الأزلي" اللانهائية في العلم و كلمة الأزلي ذاتها لا ينطبق عليها هذا الوصف؟
الإجابة: وببساطة أيضا ، عندما يطلق وصف على الله سبحانه وتعالى يجب أن يتصف هذا الوصف بصفات الموصوف ، والموصوف هو رب العالمين سبحانه وتعالى ، فوصف أزلي هنا يتفق وجلال الله سبحانه وتعالى ، أما علم الله سبحانه وتعالى فهو علم مرتبط بذات الله ، فكما أن الله سبحانه وتعالى أول بلا إبتداء فعلمه أيضا بلا إبتداء
وأخيرا فإن عجز اللغة لا يقف حائلا بيننا وبين إيماننا بإتصاف الخالق بصفات الكمال
والله تعالى أعلم
والسلام عليكم
شريف هادي
عزيزي الاستاذ شريف هادي
اشكرك جدا على سؤالك عني و اسمح لي أن أوجه اليك و الى كافة كتاب و قراء موقع أهل القرءان الدعوة الى المشاركة في "منتدى العقلانيين العرب" كأول منتدى يجمع كافة التيارات العقلانية و أولها التيار المعتزلي و التيار القرءاني في مكان واحد، هذا ما شغلني في الفترة السابقة و ان شاء الله في خلال اسبوعين سيتم اطلاق المنتدى و سأوجه الدعوة مرة اخرى مصحوبة بالرابط بمجرد التجهيز النهائي..
بالنسبة للجزء الأول من سؤالي و ردك ما هو الفرق بين الغيب و العدم؟ و هل العدم يعتبر غيب أم شيء لا يتعلق به علم أو جهل حتى نعلم به أو نجهل به
و أما الملاحظة على ردك فهي هل ترى في اجابتك أنك خرجت عن ما قال به الأشاعرة مثلا من حيث أن الفعل موجود منذ الأزل و لكن ما علينا الا اكتسابه؟
بالنسبة للجزء الثاني و أنت صاحب فكر قرءاني هل وصف الله عز و جل نفسه بأنه أزلي أو أن علمه ازلي حتى نصفه بما لم يصف نفسه به؟ أليس للأزل بداية و ليس له نهاية؟ كيف ترى لعلم الله بداية؟
تحياتي القلبية
ملحوظة: انا لا امثل التيار المعتزلي اطلاقا و لست من المعتزلة و انما اتفق معهم في نقاط كثيرة و اعتز بفكرهم حتى كنيت نفسي بكنيتهم لفضلهم الأول علي في اكتشافي لأهمية العقل
بارك الله فيك و بمجهودك القيم .. مقال ممتع و مفيد و فيه شمول مناسب للموضوع المطروح.. جزاك الله خيرا...
و الى المعتزلي للأبد الذي يتساءل (بالنسبة للجزء الثاني و أنت صاحب فكر قرءاني هل وصف الله عز و جل نفسه بأنه أزلي أو أن علمه ازلي حتى نصفه بما لم يصف نفسه به؟ أليس للأزل بداية و ليس له نهاية؟ كيف ترى لعلم الله بداية؟) .... الأزل أخي الكريم هو مالابداية له ..أي القديم بدون بداية ، أما مالا نهاية له فهو السرمدي أو الآبد (بالمد و كسر الباء الموحدة)...أما كلمة خالد/خلود ففيها اختلاف ..و الراجح أنها مالانهاية له أيضا.
المصدر من اللسان لابن منظور إذ يقول: (والأَزَل، بالتـحريك: القِدمَ. قال أَبو منصور: ومنه قولهم هذا شيء أَزَلِـيٌّ أَي قديم، وذكر بعض أَهل العلـم أَن أَصل هذه الكلـمة قولهم للقديم لـم يَزَلْ، ثم نُسِبَ إِلـى هذا فلـم يستقم إِلا باختصار فقالوا يَزَلـي ثم أُبدلت الـياء أَلفاً لأَنها أَخف فقالوا أَزَلـي،) ... و يقول أيضا (السرمد الدائم الذي لا ينقطع )
و الله لم يصف نفسه لا بهذا و لا بذاك و إنما وصف نفسه بأنه الاول و الاخر ... و هو أفصح وأبلغ و أشمل من معانى تلك الكلمتين...
و الله تعالى اعلى و اعلم
أخي الكريم محمود دويكات
أشكرك جدا على التعقيب، نعم أتفق معك أن أزلي يعني قديم كما أتفق معك بأن السرمدي هو الذي لا ينقطع أي الدائم لكن حدود علمي و استخدام اللغة في كلمة أزلي هو أنها القديم أي بدأ منذ زمن قديم فهناك بداية، و بغض النظر عن صحة أزل مقابل سرمد فكل منهما له حدود أما بالبداية و اما بالنهاية و علم الله عز و جل لا ينطبق عليه ذلك فهو عليم بذاته و هو الأول و الأخر و ليس القديم و لا الأزلي.
تحياتي الخالصة
أخي الكريم الأستاذ المعتزلي
أشكرك على التفاعل والرد
أولا: في الحقيقة رأيي يختلف مع رأي الآشاعرة كلية ، لأنهم يقولون بوجود الفعل ذاته ، وقد خلقه الله خيرا أو شرا ، ويبقى للإنسان إكتسابه ، ولكنني لا أقول بذلك ، ولكن أقول بأن الفعل وإن كان في الغيب و العدم ، فهو غير موجود وغير مخلوق ، ولكنه داخل في إحاطة رب العالمين بعلم الغيب ، ولكن الفعل نفسه لم يخلق بعد ، ثم لا ضير إذا تماس رأي في بعض جزئياته مع رأي فرقة أخرى.
وثانيا: فإن تعيب علي وصف أن علم الله أزلي ، وأحب أن أبين لحضرتك أن باب الوصف أوسع من باب الصفة ، وأضرب لك مثالا ، فالله سبحانه وتعالى صفته أنه (الأول) ، فيجوز لنا أن نوصف رب العالمين بأنه سبحانه (قديم بلا إبتداء) ، لأن الوصف هو تعريف لمفهومنا لمعنى الصفة تنزيها وتعظيما لرب العالمين.
ثالثا: العدم أخي الكريم في رأيي هو أحد أبعاد الغيب ، وهو لا يخرج عن وصفه غيبا
وشكرا لكم دعوتكم الكريمة لموقعكم والذي ننتظره ، ليكون ساعد جديد لفتح آفاق المعرفة ودواوين العلم لمجتمعنا العربي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي
أخي الحبيب الأستاذ / محمود دويكات
أسعدني كثيرا إستحسانكم للبحث ، وأكثر ما أسعدني صدوره منكم شخصيا على ما نعرفه عنكم باحثا عظيما ، وأستاذا فاضلا.
أشكركم أخي الكريم ، كما أشكركم على ردكم التفصيلي على الأخ الأستاذ / المعتزلي للأبد ، ولسيادتكم خالص الشكر ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي
أخي الكريم شريف هادي
تحية طيبة
حسنا ليس المصطلح هو ما يعنينا بالأساس لذا سنتجه الى المعنى و الفعل، تقول بأن الفعل غيرموجود و غير مخلوق"ولكن أقول بأن الفعل وإن كان في الغيب و العدم ، فهو غير موجود وغير مخلوق ، ولكنه داخل في إحاطة رب العالمين بعلم الغيب ، ولكن الفعل نفسه لم يخلق بعد "أي أن س سوف يفعل شيء ما يوما ما بعد أن يخلق فكيف قرر س قبل أن يخلق أنه سيفعل شيء ما يوما ما؟! هل العدم يتعلق به علم أو جهل؟ أتحدث هنا عن فعلي "المجهول" كوني اساسا عدم لم اخلق بعد!
مثال:
اذا كان فرعون مقرر سلفا أنه من أهل النار من قبل أن يخلق لأن كل شيء سيفعله بعد أن يخلق معروف سلفا فهل لك أخي الكريم أن تفسر لي هذه الأية الكريمة في ضوء ما توصلت اليه:
"اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى
فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى"؟
تحياتي الخالصة
أخي الحبيب الأستاذ / المعتزلي
حسنا دعنا نستمر في هذا الجدل الصاعد ،مع محاولة كل منا الانتصار للحق أو الإنصياع له
أخي الكريم ، يجب أن تفرق بين (مقرر) و (معلوم) ، كفر فرعون ليس مقررا في الأزل أو في العدم ، ولكنه معلوم من رب العالمين عندما كان هذا الفعل في الغيب (العدم) ، ولكن ليس مقررا عليه لذلك فإن الله سبحانه وتعالى أعطاه الفرصة ، لعله يفعل غي ذلك دون تدخل من إرادة الله ، ولكنه أي فرعون إختار بكامل إرادته طريق الكفر ، فخرجت أفعاله من (علم الغيب) إلي (علم الشهادة)
فأنا أتفق معك ومع المعتزلة أن أحدنا ليس مجبورا على أفعاله قبل إتيانها ، ولكن لا يعني هذا أن الله سبحانه لا يعرفها قبل حدوثها ، لأن هناك تفرقة بين علم الإرادة والذي به تتدخل إرادة رب العالمين فيه ، وبين علم الإحاطة وعلم الجمع ، الذي يقف عند باب علم الأحداث دون التدخل فيها ، وأظن أن هذا هو أهم الإختلافات إن لم يكن الوحيد بيني وبين المعتزلة في هذا الموضوع
والله تعالى أعلم
شريف هادي
شكرا على سعة صدركم وعلى الإيضاح
ولكتى لا أخفى عليكم أنة مازال هناك شىء ما فى داخلى لا أستطيع أن أوصلة لكم
مع خالص التقدير والإمتنان
تلميذكم / عابد
أخي العزيز عابد أسير أسعد الله مساءك:
أظن أنني أعرف ما الذي تريد أن توصله للأستاذ شريف هادي! ولكنني لا أستطيع التداخل في هذا الموضوع إلا في حالة واحدة وهي أن تحل لي أنت أو أي من الأخوة الكرام على هذا الموقع مسألة لم أجد لها حلاً رغم أنها استغرقتني واستغرقتها ولكن دون أن أتمكن من حلها. علماً بأن حل هذه العقدة سيحدث انقلاباً جذرياً في المفاهيم وسيؤدي إلى مفهوم جديد لمسألة القضاء والقدر وعلم الغيب. أما ما هي هذه العقدة فإليك المسألة:
استقر حسب علمي عند كل المسلمين أن القرآن أنزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وبعد ذلك تم تنزيله منجماً حسب تتابع الأحداث وعلى مدى 22 عاماً. وهذا معناه أن كل ما جاء في القرآن بخصوص أمور وأحداث وقعت خلال الفترة المعاصرة للنبوة كان مقرراً ومدوناً سلفاً في القرآن، من حادثة الإفك إلى غزوة حنين إلى التي جادلت النبي وكل ما هنالك من أحداث.
هل عندك ما يحل هذه العقدة؟ هل عندك ما ينقض هذا الرأي عن نزول القرآن في ليلة واحدة سابقة لنزوله منجماً؟ أو هل لديكم ما يفيد أن ما أنزل في ليلة القدر ليس هو القرآن؟ أو هل يمكنكم أن تثبتوا أن الكتاب الذي بين أيدينا (الذي اتفقنا على أنه هو القرآن لا زيادة ولا نقصان فيه) احتوى عند إنزاله في ليلة القدر كل ما في أيدينا من الآيات اليوم باستثناء الآيات التي تتعلق بأمور وأحداث وقعت في عصر النبوة؟ مع العلم أنني قرأت آراءً تميز بين الكتاب والحكمة والقرآن ولكنني لم أقتنع بها. عذراً على تطفلي ويمكنك تجاهل كلامي دون أن يفسد ذلك للود قضية. أنا طبعاً لم أستسلم وسأظل أبحث في الموضوع رغم خوفي من أنه لا حل لهذه العقدة لأنها باطلة وفاسدة.
وشكراً لك لأنك شجعتني على طرح المسألة فقد أعيتني وأتعبتني.
الأستاذ الفاضل / واصل عبد المعطي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالنسبة لقولكم (مسألة لم أجد لها حلاً رغم أنها استغرقتني واستغرقتها ولكن دون أن أتمكن من حلها. علماً بأن حل هذه العقدة سيحدث انقلاباً جذرياً في المفاهيم وسيؤدي إلى مفهوم جديد لمسألة القضاء والقدر وعلم الغيب.) أراه مرتبطا بقولكم (استقر حسب علمي عند كل المسلمين أن القرآن أنزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وبعد ذلك تم تنزيله منجماً حسب تتابع الأحداث وعلى مدى 22 عاماً) فلو علمت أن ذلك الرأي ليس رأينا ولا نقول به فقد تم حل المسألة عندك ، دون الحاجة لتغيير جذري للمفاهيم ، وذلك على النحو التالي:
أستدل أصحاب الرأي القائل بنزول القرآن كله للسماء الدنيا في ليلة القدر ، بقوله تعالى" انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين" الدخان 3 وبقوله تعالى" انا انزلناه في ليلة القدر" القدر 1.
فهموا أن الهاء هنا في قوله (أنزلناه) عائد على القرآن كله ، ولكن الحقيقة أنه عائد على بداية نزول القرآن وليس كل القرآن ، فقد نزل القرآن مفرقا تبعا للأحداث على مدى مدة رسالة الرسول عليه السلام ، وإليك الأدلة
قال تعالى " وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا" الإسراء 82 ، و (من) التبعيضية تفيد نزول القرآن مجزأ ، وفق إحتياج المؤمنين لذلك.
وقال تعالى" وقرانا فرقناه لتقراه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا" الإسراء 106 ، قوله تعالى (فرقناه) أي لم ينزل مرة واحدة ، ثم المفعول المطلق تنزيلا يؤكد على إستمرارية التنزيل وتعدده وليس على مرة واحدة.
وقال تعالى" وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القران جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا" الفرقان 32 ، وهذا أظهر وأقوى دليل على أن القرآن لم ينزل جملة واحدة.
ثم إطلاق الل على الجزء قائم في القرآن ، ولنتدبر قوله تعالى " ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون" فصلت 30 ، يستفاد من قوله (الملائكة) أنهم كل الملائكة ، ولكن الحقيقة أنهم ملائكة (الرحمة) وليس كل الملائكة ، والآيات كثيرة في هذا المعنى
الخلاصة:أن آيات القرآن نزلت مفرقة سور وآيات بحسب إستعداد المخاطبين تلقي المعارف الكلية للاعتقاد وحاجتهم في تلقي الأحكام الفرعية للعمل واقتضاء المصلحة ذلك إقتران التعريف بالتكليف (العلم بالعمل) ، بما يتفق وطباع الناس بتحصيل المعرفة والالتزام بالأحكام واحدا تلو الآخر.
وبهذا نكون قد أجبنا على كل أسئلتك التالية(هل عندك ما يحل هذه العقدة؟ هل عندك ما ينقض هذا الرأي عن نزول القرآن في ليلة واحدة سابقة لنزوله منجماً؟ أو هل لديكم ما يفيد أن ما أنزل في ليلة القدر ليس هو القرآن؟) وقمنا بفضل الله سبحانه وتعالى يحل العقدة التي أرقتك.
أما عن قولك (رغم خوفي من أنه لا حل لهذه العقدة لأنها باطلة وفاسدة) فغير مفهوم ، هل هو إعتقادك بنزول القرآن جملة واحدة؟ أم ماذا؟ فلو كان الاعتقاد بنزوله جملة واحدة فأقول لك نعم إنه إعتقاد باطل فاسد ، أم ماذا؟ تحتاج إجابتكم ، والله تعالى أعلم ، وشكرا لكم
شريف هادي
شكراً لكم على المساعدة
تحية طيبة وعطرة:
أبدأ من حيث انتهيتَ. قصدت بقولي: (رغم خوفي من أنه لا حل لهذه العقدة لأنها باطلة وفاسدة) أنني أخشى أني أحاول أن أثبت أمراً غير صحيح. أنا أحاول أن أثبت أن القرآن لم ينزل في ليلة واحدة (ليلة القدر) كاملاً كما هو الرأي السائد الذي تؤيده الأيات الثلاث: البقرة185 والدخان3 والقدر1 وتدعمه عدة أحاديث منسوبة للنبي. وأنا عن نفسي لا يمكنني تجاهل كل ذلك إلا إذا جاءني ما يثبت أن الفهم السائد خطأ، والإثبات عندي ليس مجرد رأي يقبل الأخذ والرد وإنما هو حجة قاطعة لا يمكن دحضها.
القفز عن ظاهر الآيات يحتاج إلى مبررات فما هي مبررات خروجكم عن المعنى الظاهر الذي تدل عليه الآيات المذكورة إلى معنىً مستتر؟ هل قبول الرأي الظاهر يناقض أياً من الآيات القرآنية الأخرى؟ بمعنى هل إذا قلنا أن القرآن أنزل في ليلة واحدة كاملاً تاماً فإن ذلك سيتسبب في حدوث تناقض مع آيات قرآنية أخرى؟ أعتقد أن الموضوع يحتاج إلى اكثر من رد سريع على تعليقي، وأرجو منكم إذا كنتم ترون أن الموضوع يستحق مقالة تفصيلية أن لا تبخلوا علينا بها وأجركم على الله.
وشكراً جزيلاً لكم مرة ثانية على ما بذلتم من جهد في سبيل حل العقدة.
أخي الكريم شريف هادي
تحية طيبة
أخي الكريم ما تقوله هو جبر في قالب اختيار، اذ كأنك تقول أن الله ليس فعال لما يريد بل فاعل لما سبق في علمه أنه سوف يفعله و المقولة لأمين نايف ذياب..
كأنك تقول أن الله علم أن فرعون الذي لم يخلق بعد سوف يكفر و يطغى و سيموت على كفره و على الرغم من ذلك فقد جعل الله موسى يدعوه الى الايمان مرارا و تكرارا بدون فائدة لأن النتيجة معلومة سلفا!
ثم يقول الله في كتابه أو قال ما علم في نفسه أنه سوف يقوله لموسى منذ الأزل بأن يذهب الى فرعون و أن يقول له قولا لينا لعله لعله لعه و ضع تحتها الف خط يتذكر أو يخشى!!!!
كيف و قد علم أنه لن يستجيب يقول "لعله"؟!!
أليست لعله هذه محل احتمالين اما الاستجابة أو الرفض؟!
أليست حجة واحدة كافية على فرعون مع العلم بكفره و موته على الكفر لتنتهي الدعوة عند هذا الحد؟!
لاحظ يا عزيزي أن حوارنا فلسفي تماما مع التعضيد بما ورد في القرءان الكريم و قد فعلت أنا ذلك فهل لك أن تحل هذه المعضلة معي "لعله" و أن تؤيدها بأيات من القرءان الكريم و التي تدل على معلومية افعالنا منذ الأزل و أن هذا في الجنة و هذا في النار؟
أشكرك جدا على التفاعل اخي الحبيب
تحياتي لك و للجميع
أخي الحبيب الأستاذ / المعتزلي للأبد
السلام عليم ورحمة الله وبركاته ، وبعد
أخي الحبيب أعتذر عن التأخر في الرد ، وأجد أن المشكلة الوحيده بيننا ، هي إختلاف مفاهيم المترادفات في عقلينا ، وقد فهمت من قولكم (أليست حجة واحدة كافية على فرعون مع العلم بكفره و موته على الكفر لتنتهي الدعوة عند هذا الحد؟!) وقولكم (فهل لك أن تحل هذه المعضلة معي "لعله" و أن تؤيدها بأيات من القرءان الكريم و التي تدل على معلومية افعالنا منذ الأزل و أن هذا في الجنة و هذا في النار؟) أنم لا تفرقون أخي الحبيب بين العلم المقترن بالإرادة والعلم الواقف على باب الإحاطة ، فطالما أن الله علم فإن الإنسان لا أختيار له ، وحلا لهذه المشكلة لدي أخذت بقول المعتزلة وجعلت علم الله حادث بعد إرادة الإنسان وخلقه لفعله ، أما قبل ذلك فلا علم لله ، لأن حدوث العلم مناقض لحق الإختيار ، وضياع الإختيار مناقض للحساب والثواب والعقاب ، أما الوضع عندي مختلف ، فمجرد علم الله فقط وإحاطته بكل الأحداث عبر التاريخ قبل حدوثها علم أزلي أبدي ، دون أن تتدخل إرادته في ذلك لا ينفي إرادة الإنسان وإختياره ، ولذلك قال تعالى (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) ، وقال (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ، فوقف علمه عند باب الإحاطة بالغيب والشهادة ، وقد نسب سبحانه الفجور للنفس والتقوى للنفس بالتساوي ، وكل منا حر في إختياره رغم علم الله
لذلك أنت ترى أن (لعله) معضله لأنك قرنتها بـ (الجنة والنار) فقلت فلان في الجنة وفلان في النار ، أما أنا فلا تشكل لدي معضله تحتاج لحل ، لأن الله ترك له الأختيار دون تدخل رغم علمه بما سيفعله ، أما الجنة والنار فهما في إرادة الله سبحانه وتعالى القائل "يدخل من يشاء في رحمته والظالمين اعد لهم عذابا اليما" الإنسان31
وشكرا لك أخي الفاضل
شريف هادي
أخي الأستاذ واصل
شكرا لردكم وتفاعلكم ، وآسف على التأخر في الرد
قولكم (كما هو الرأي السائد الذي تؤيده الأيات الثلاث: البقرة185 والدخان3 والقدر1 وتدعمه عدة أحاديث منسوبة للنبي) فيه عدة مسائل
أولهما: هنا مغالطة كبرى لأن آيات القرآن لا تفهم كجزر منعزله ولكن بالتدبر فإن بعضها يشرح ويفسر البعض ، وكلها تتكامل ولا تتعارض وقد سقت لسيادتكم آيات كثيرة تفيد تدرج نزول القرآن ، مما يجعلنا نحمل الآيات المشار إليها على أنها بداية النزول لا النزول الكلي للقرآن
ثانيهما: الإشارة للأحاديث أنها تدعم الرأي السائد ، وأقول لك هذه أيضا مغالطة كبرى لأن الأحاديث لا تدعم هذا الرأي ولكنها هي التي أنشأته وقالته ، ونحن لا نحتج بالأحاديث ولا نأخذ بها ، وأتحداك أن تستخرج من القرآن آية واحدة تقول أن القرآن نزل للسماء الدنيا مرة واحدة في ليلة القدر ثم جاء منجما حسب الإحتياج للإرض ، هذا الكلام العار عن الصحة لن تجده في القرآن ولكنه من إختاعات تلك الأحاديث التي ما أنزل الله بها من سلطان
ثالثا: قولكم (القفز عن ظاهر الآيات يحتاج إلى مبررات فما هي مبررات خروجكم عن المعنى الظاهر الذي تدل عليه الآيات المذكورة إلى معنىً مستتر؟) أقول لكم أن المبرر وجود الآيات التالية
قال تعالى " وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا" الإسراء 82.
وقال تعالى" وقرانا فرقناه لتقراه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا" الإسراء 106 .
وقال تعالى" وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القران جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا" الفرقان 32.
كل هذه أدلة قطعية الثبوت والدلالة على أن القرآن لم ينزل جملة واحدة ، وهي آيات محكمة (وعندي الآيات المحكمات تلك التي عندما تقرأها لا تفهم منها غير معنى واحد فقط ، فيكون مقصود رب العالمين فيها واضح ، والدرس الذي نحتاج تعلمه ظاهر) فلما يقول شبحانه (ننزل من القرآن) و (قرآنا فرقناه) و (لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) نفهم من ذل أن القرآن نزل على مراحل طبقا للأحداث ، فوجب علينا تأويل المفهوم الظاهر للآيات التي تقول (أنزلناه في ليلة مباركة) و (أنزلناه في ليلة القدر) على أن النزول كان بداية التنزيل وليس كامل التنزيل.
بمعنى آخر أننا خصصنا فهمنا لقوله (أنزلناه) على أنه بداية التنزيل ، لوجود مخصص في الآيات السابق ذكرها ، لأن القاعدة الأصولية لا نخصص العام إلا بمخصص ولا نقيد المطلق إلا بمقيد
والسلام عليكم
شريف هادي
الأستاذ شريف هادي:
أشكرك على الإهتمام والمتابعة، ولكن أرجوك ألا تتسرع في الحكم على الموضوع وأن تعطيه وقتاً أطول من التفكير والتدبر. قلت لكم أنني أبحث في الموضوع منذ فترة طويلة نسبياً ومازلت، فالموضوع ليس بهذه البساطة.
كتب الدكتور منصور مؤخراً مقالاً يناقض فيه رأيكم وأحدث بلبلةَ على الموقع ماتزال مستمرة. مما يعني أن الموضوع بحاجة للبحث المعمق والدراسة المستفيضة. مع العلم أن رأي الدكتور منصور والقاضي بأن القرآن أنزل كاملاً على قلب النبي في ليلة القدر هو أضعف الآراء وأبعدها عن الصواب حسب رأيي.
في تعليقي السابق قلت لحضرتكم: "هل قبول الرأي الظاهر يناقض أياً من الآيات القرآنية الأخرى؟ بمعنى هل إذا قلنا أن القرآن أنزل في ليلة واحدة كاملاً تاماً فإن ذلك سيتسبب في حدوث تناقض مع آيات قرآنية أخرى؟" أنا كنت أقصد نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ولم أكن أعني نزوله على قلب النبي! ورددت أنت علي بتعداد الآيات التي تشير إلى تنزيل القرآن على النبي على دفعات وليس دفعة واحدة. في الحقيقة هذا الرأي لا يمكن أن نستنتج منه أن القرآن لم ينزل إلى السماء الدنيا كاملاً في ليلة القدر. أما عن موضوع الأحاديث فأنا لم أقل أن الأحاديث المنسوبة للنبي هي حقاً من أقوال النبي كما أنني لم أنكر أنها من أقوال النبي (موقف حيادي). ولكنني إعتبرتها مما يرجح كفة الرأي القائل بنزول القرآن دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وذلك لأنها حتى وإن كانت غير صادرة عن النبي على وجه اليقين فهي تمثل رأي السابقين. ولا يمكن لمن يبحث عن الحقيقة إلا أن يأخذ بعين الإعتبار كل الآراء المتوفرة كي يتمكن من الوصول إلى نتيجة صحيحة موضوعية.
وكي لا يساء فهمي هذه المرة أيضاً بسبب عجزي عن شرح ما أبحث عنه فإنني أقدم لكم المثال التالي:
سافرت قافلة سيارات يوم السبت من المدينة (س) قاصدةً المدينة (ع). وفي يوم الإثنين وصل ثلث السيارات إلى المدينة (ع)، وفي يوم الثلاثاء وصل الثلث الثاني، ووصل أخيراً الثلث الأخير يوم الأربعاء. الآن وبافتراض وجود المدينة (ص) على الطريق الواصل بين المدينتين (س و ع). هل يمكن القول أن السيارات لم تجتمع في المدينة (ص) لأنها وصلت على ثلاثة أيام متتالية إلى المدينة (ع)؟ بالتأكيد هذا ليس كلاماً حتمياً، لأن السيارات قد تكون وصلت إلى المدينة (ص) مجتمعة يوم الأحد ثم قررت بعد ذلك الإفتراق إلى ثلاث مجموعات! هذا هو ما يحدث معي وهذه هي العقدة! أنت تقول أن القرآن أنزل على النبي على دفعات وهذا الأمر كما هو واضح لا ينفي ولا يناقض أن يكون القرآن قد أنزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا ثم بعد ذلك تم تنزيله على دفعات على قلب النبي. إذا كان لديك ما ينقض الرأي القائل بنزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا (وليس قلب النبي) على دفعة واحدة في ليلة القدر فأرجو منك أن تزودني به لأنني في أمس الحاجة إليه
ولكم مني أطيب التحيات.
رغم اختلافي سابقا مع الاستاذ واصل .. وهو ما أعتبره سنة الحياة ..
كتب الدكتور منصور مؤخراً مقالاً يناقض فيه رأيكم وأحدث بلبلةَ على الموقع ماتزال مستمرة. مما يعني أن الموضوع بحاجة للبحث المعمق والدراسة المستفيضة. مع العلم أن رأي الدكتور منصور والقاضي بأن القرآن أنزل كاملاً على قلب النبي في ليلة القدر هو أضعف الآراء وأبعدها عن الصواب حسب رأيي.
وكم هو رائع هذا الرأي ..
ولا يمكن لمن يبحث عن الحقيقة إلا أن يأخذ بعين الإعتبار كل الآراء المتوفرة كي يتمكن من الوصول إلى نتيجة صحيحة موضوعية.
ألا تري سيادة المستشار مدي اختلافك مع الدكتور احمد في موضوع نزول القرآن كاملا أم مفرقا .. وهناك أمور أحري
أخي الدكتور عمرو
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي، أنا لم أقل في يوم من الأيام أني أتفق مع الدكتور أحمد في كل شيء ولكن هناك أشياء كثيرة نختلف عليها نحن الأثنين ولكنه إختلافا لا يفسد للود قضية ، أختلف معه وأنا أقدر علمه وريادته ، كثيرا ما أثير موضوعات نختلف فيها نحن الأثنين ولكنني أراه يكتب لي مستحسنا وشاكرا ، وبالنسبة لي فهذا قمة العلم مقرون بالتواضع من عالم جليل مثله.
أخي دكتور عمرو يجب أن نتعلم كيف نختلف ، كما تعلمنا كيف نتفق
وشكرا
أخو / شريف هادي
ولا يمكن لمن يبحث عن الحقيقة إلا أن يأخذ بعين الإعتبار كل الآراء المتوفرة كي يتمكن من الوصول إلى نتيجة صحيحة موضوعية.
ثم الاعتراض بأدب علي جملة الآديان الأرضية ..وأنا أشاركه هذا الاعتراض .
إن كنتم اعتبرتم الاستاذ زهير تجاوز علي الدكتور احمد قيراطا .. فقد تجاوزتم عليه عشرات القراريط .. حتي وصل الآمر لوصفه بالصعلوك ..
أي عدل هذا من قاضي
أخي الكريم شريف هادي
سلام الله عليك،،
و عذرا لتأخري انا ايضا و الحمد لله انتهيت من اعداد المنتدى و بقى خطوات طفيفة و ينتهي نهائيا و اسمح لي أن أدعوكم جميعا للمشاركة هناك فذلك مما يشرفني و يسعدني و هذا هو الرابط منتدى العقلانيين العرب
قلت التالي أخي الكريم:
أنم لا تفرقون أخي الحبيب بين العلم المقترن بالإرادة والعلم الواقف على باب الإحاطة ، فطالما أن الله علم فإن الإنسان لا أختيار له ، وحلا لهذه المشكلة لدي أخذت بقول المعتزلة وجعلت علم الله حادث بعد إرادة الإنسان وخلقه لفعله ، أما قبل ذلك فلا علم لله ، لأن حدوث العلم مناقض لحق الإختيار ، وضياع الإختيار مناقض للحساب والثواب والعقاب ، أما الوضع عندي مختلف ، فمجرد علم الله فقط وإحاطته بكل الأحداث عبر التاريخ قبل حدوثها علم أزلي أبدي ، دون أن تتدخل إرادته في ذلك لا ينفي إرادة الإنسان وإختياره ، ولذلك قال تعالى (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) ، وقال (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ، فوقف علمه عند باب الإحاطة بالغيب والشهادة ، وقد نسب سبحانه الفجور للنفس والتقوى للنفس بالتساوي ، وكل منا حر في إختياره رغم علم الله
و انا كما وضحت مسبقا اعتز بفكر المعتزلة لكن لا انتمي اليهم و لا اقول بعلم حادث لله بعد حدوث الفعل فأنا أقول بأن الله عز و جل يعلم المعلومات بالوجه الذي يصح أن تعلم به، بمعنى أنا موجود و أنا افكر في شيء ما فالله عز و جل يعلمه، أنا مريض بمرض ما و لم اعلم بعد باصابتي به فالله عز و جل يعلمه، هناك موجودات يتعلق بها علم و بالتالي فعلام الغيوب يعلمها، أما المعدوم الذي لا وجود له و لم يحدث فكيف يتعلق به علم أو جهل، هنا يجب التفرقة بين العدم و الغيب
و لو كانت الأمور معلومة ازليا فعلينا اذن أن نقول بأن الله سبق في علمه أنه سينزل القرءان الكريم لاحقا و أن كل احداث القرءان موجودة بالفعل منذ قديم الأزل لكن كل ما حدث هو أن كل شخص قام بدوره في التنفيذ الحرفي بدون أن يعلم أن هذا اختياره و لم يكن ليقدر على تغيير ذلك فهو قد فعل ذلك بدون أن يفعل ذلك عندما كان عدما!!!!!!
"وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين "
هل أفهم اخي الكريم من هذه الأية الكريمة أن الله عز و جل لا يستجيب لمن يدعوه بل يفعل فقط ما سبق في علمه أنه سيفعله؟ هؤلاء سيدعون الله الأن و لكنه سيستجيب لهم ليس من بعد دعائهم و لكن الزاما لنفسه لأنه سبق في علمه أنهم سيدعون منذ ان كانوا عدما و هو سيستجيب لهم ثم على العكس مع الأخرين لن يدعونه - منذ ان كانوا عدما - و لا يستطيعون أن يدعونه فقد لزم عليهم ذلك منذ الأزل!!!
أين يا عزيزي حرية الاختيار التي نحاسب عليها؟
بل لماذا رقيب عتيد يسجل علينا و قد سجلت الافعال بالفعل؟ و ما فائدة أن يستنسخون ما كنا نفعل؟!
هل يخلق الله الغلام الذي يقتله العبد الصالح فقط ليضرب المثل و يعلم موسى عليه السلام؟!
و هل اذا قتلت نفسي الأن أكون قد مت كافرا و أنا لم اخلق بعد و انا الأن اعذب في نار جهنم؟!!
اتمنى أن تقنعني بوجهة نظرك أخي الكريم بشرط أن لا نخل بحرية الاختيار و الحساب على التكليف...
تحياتي القلبية الخالصة
هل حقا ستزول إسرائيل فى 2022م ؟؟
محضر وتحقيق بتوصية من شيخ الأزهر
دليل جديد على العدد 6236 عدد آيات القرآن
دعوة للتبرع
ترجمة لحظات قرآنية: حبذا لو قمت بفيدو هات مثل لحضات قراني ة ...
اهلا بك: استاذ ي احمد صبحي منصور السلا م عليكم ورحمة...
ذوق الموت: ما معنى ذوق الموت ؟...
جدل حول خاتم النبيين: بداية أشكرك م جزيل الشكر على كثير مما فهمته و...
الزكاة فورية: شاهدة خطبة نسبة الزكا ة لفضيل تكم وتعلم ت ...
more
جزاك الله خيرا أستاذ شريف
ولكن أنا أختلف معك في خلاصتك التالية :
((المتفق عليه من تدبر كتاب الله أن الإنسان إذا أختار طريق الصلاح (الطريق المستقيم) فإنه يختاره بمشيئة رب العالمين أي أن مشيئة الله إستغرقت مشيئته ، أما إذا أختار الكفر فتستقل به مشيئته ، دون دخل لمشيئة رب العالمين ))
فأنا أقول أن الانسان له الحرية المطلقة في إختيار الايمان أو الكفر , فالله تعالى لا يتدخل أبدا فيإختياراتنا يقول تعالى (( وهديناه النجدين )) أي تركنا الامر له سواء للكفر أو الايمان .
نحن نعلم جليا أن الله قادر على كل شيء ومشيئته تصل الى كل شيء لكن الله بمشيئته أيضا , أوقف مشيئته من التدخل في مشيئة الانسان
فالايات التالية
(( يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31) [الانسان ))
"وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون" الأنعام 112 ))
5. قال تعالى"وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون" الأنعام 137 ))
6. قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم اجمعين" الأنعام 149 ))
تدل أن الله تعالى يستطيع أن يهدي الخلق جميعا أو يمنع جميع أفعال العباد وهذا صحيح , ولكن من منع الله من ذلك ؟؟؟ لقد منع الله نفسه من التدخل في أمور العباد سواء في هداية أو ضلال ليتحمل الانسان مسؤولية أعماله واختياراته .
ولكن يكون التثبيت بعد ذلك تبعا لفعل الانسان فإذا اختار الايمان يسره الله لذلك , وإن اختار الضلال يسره الله لذك
((يهدي من يشاء ويضل من يشاء )) أي يهدي من يشاء ويريد الهداية , ويضل من يشاء ويريد الضلال
ونقطة أخرى هناك فرق بين قدرة الله وفعل إرادة الله
فقدرة الله لامتناهية إطلاقا فالله تعالى قادر على كل شيء يستطيع أن يفعل كل شيء ولكن فعل الارادة لا يحيط بكل القدرة
مثال (( فلو شاء لهداكم أجمعين )) فالله تعالى قادر على أن يهدي كل البشر, جميعا , وكل المخلوقات بلمح البصر ولكن الله لم يرد ذلك , فإن فعل الارادة الاهية هنا لم يحيط بقدرة الله ولم يأتي بكامل القدرة
مثال آخر هل يقدر الله تعالى على إلغاء اليوم الآخر ومنع يوم القيامة من القدوم ؟؟ الجواب نعم , ولكن الله تعالى أراد شيئا آخر هو وجود اليوم الآخر للحساب والثواب والعقاب , ففعل إرادة الله تعالى لم يحط بكامل قدرة الله ,
فإذن الله تعالى ليس كل ما يقدر عليه يريد تطبيقه وفعله , فالله تعالى يقدر على هداية البشر وتيسيرهم والتدخل في شؤونهم ولكن لا يريد وذلك من تمام العدل
جزاك الله خيرا