آحمد صبحي منصور Ýí 2025-05-02
تجميع القسم الأول من كتاب الشريعة الاسلامية .
القسم الأول : عن الشريعة والاجتهاد الشيطانى
الباب الأول : الاجتهاد الشيطانى العملى .
الفصل الأول : لمحة عامة عن الاجتهاد فى ( شريعة الاسلام ):
أولا : لمجردالتذكير :
لنتعرف على شريعة الاسلام لا بد أولا من التعرف على دين الاسلام نفسه ونقيضه ( الكفروالشرك ). كتبنا فى هذا كثيرا ، ولا نملُّ من التكرار للتذكير .
قال جل وعلا عن كفار قريش :
1 ـ ( بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) التوبة ).
2 ـ ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) التوبة ). هنا وصفهم بالكفروالشرك معا ، طبقا للإعتداء الحربى ونقض العهود .وبهذا نتعرف عليهم .
3ـ وآيتان فى نفس السورة تجعل توبتهم بالاسلام الظاهرى ، أى بإلتزام الاسلام السلوكى ، وبه تكون إقامتهم الصلاة وإيتائهم الزكاة . وعندها يكونون إخوانا فى الاسلام السلوكى بمعنى السلام . قال جل وعلا :
3 /1 : ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5))
3 / 2 : ( لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11))
4ـ وحتى الجندى المقاتل فى الجيش المعتدى إذا إستجار فيجب إجارته وتوصيله الى مأمنه بعد إسماعه آيات من القرآن الكريم لتكون عليه حُجّة يوم القيامة . قال جل وعلا : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) التوبة ) ونظير هذا فى الجندى المقاتل فىالجيش المعتدى الذى نطق بكلمة السلام فيحرم قتله . قال جل وعلا فى سورة النساء : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94) )
4 ـ وآيات كثيرة فى سورة التوبة جاء فيها تكفير المنافقين فى المدينة ، ولكنهم عاشوا متمتعين بالحرية الدينية القصوى فى إعلان الكفر وحرية التعبير وحرية المعارضة القولية والفعلية ـ دون حمل السلاح . أى كانوا مسالمين ، مسلمين سلوكيا، يتزوجون من غيرهمويتزوج منهم غيرهم . وهنا معنى الاسلام السلوكى بمعنى السلام .
5 ـ وهناك مؤمنون لم يكونوا منافقين معارضين سياسيا للدولة الاسلامية فى عهد الرسول محمد عليه السلام . ولكنهم كانوا مشركين بقلوبهم وعباداتهم ؛ يقدسون القبور ( الأنصاب ) ويشربون الخمر ويلعبون القماروعادات الجاهلية ( الأزلام ) . وأولئك نزلت الآيات ـفى أواخر ما نزل تعظهم مجرد وعظ مؤكدة ان الرسول ما عليه سوى البلاغ . نرجو تدبر قوله جل وعلا فى خطاب مباشر لأولئك المؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ).
6 ـ وفى أواخر مانزل أيضا هو عن النصر النهائى بدخول الناس فى دين الله جل وعلا أفواجا . قال جل وعلا : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) النصر). النبى محمد عليه السلام لم ير مكنون القلوب فلم يكن يعلم الغيب ، ولكن رأى الاسلام السلوكى ودخول الناس فى السلام دين الله جل وعلا .
7 ـ للاسلام معنيان : الاسلام السلوكى ، وبه يتم تطبيق الشريعة الاسلامية حسب السلوكيات الظاهرة ، ففى داخل الدولة الاسلامية كل المواطنين المسالمون مسلمون حسب سلوكهم ، ومن يعتدى منهم يهتك السلام يقع عليه العقاب المنصوص عليه إن لم يتب توبة ظاهرية يرد الحقوق لأصحابها . أما علاقته بالخالق جل وعلا فمرجعها لله جل وعلا يوم الدين ، وليس من مسئولية الدولة الاسلامية هداية الناس وإدخالهم الجنة ، فهذه مسئولية شخصية ، ومن إهتدى فلنفسه ومن ضلّ فعلى نفسه قال جل وعلا : ( مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) (15) الاسراء ) والذى يهتدى يزيده الله جل وعلا هدى ومن يضل يزيده ضلالا . قال جل وعلا . ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) البقرة ) ، ( قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76) مريم ) ، (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17) محمد) .
ويأتى الجزاء يوم القيامة مترتبا على إختياره ومشيئته . قال جل وعلا ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) الكهف ).
والنبى محمد عليه السلام لم يستطع أن يهدى من أحب. قال له ربه جل وعلا فى خطاب مباشر : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص ) ، وليس وكيلا أو مسئولا عن أحد ، إلا مجرد التبليغ . قال جل وعلا له فى خطاب مباشر : ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) الغاشية ).
وفى العلاقة بالدول فهى بحسب السلوك ، فالدولة المعتدية حربيا يجب مواجهتها بعد الاستعداد الحربى ، وتظل المواجة الدفاعية حتى يتوقف لردعها عن الاعتداء وينتهى .، فالدولة الاسلامية مسالمة وقوية أيضا قال جل وعلا : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) الأنفال )، وحين يعتدى عليها عدو تظل المواجة الدفاعية حتى يتوقف الاعتداء وينتهى . قال جل وعلا : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) ، ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة) وإن جنحوا للسلم فيجب الجنوح اليه . قال جل وعلا : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) الأنفال )
والدولة المسالمة غير المعتدية على الدولة الاسلامية يجب معاملتها بالبرّ والقسط . قال جل وعلا : ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة)
8 ـ المعنى الآخر للاسلام هو التقوى والهداية فى العلاقة بالرحمن جل وعلا . وهذا المؤمن التقى ( يجتهد ) فى تطبيق شريعة الاسلام فى التعامل مع نفسه ومع الغير ، يحاسب نفسه وينهاها عن العصيان ، ويبادر بالتوبة ، مؤمنا أن عذاب الآخرة الخالد تهون الى جانبه كل عذابات الدنيا ، وأن نعيم الجنة الخالد يستحق أن يتقى ربه ما استطاع . هذا المؤمن المتقى إذا مسّه طائف من الشيطان تذكّر ربه جل وعلا فينير الايمان قلبه . قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) الأعراف ). لذا هو يمشى بين الناس بنور التقوى . قال جل وعلا : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الأنعام ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) الحديد )
ثانيا :
1 ـ كلمة الاجتهاد بمعناها الإصطلاحي من مبتكرات العصر العباسى ونحن مضطرون لاستعمالها لشيوعها على الألسنة، والاصطلاح القرآنى المماثل هو التدبر في الآيات والذي يعنى أن يظل القارئ للقرآن الكريم خلف الآية يتتبعها في القرآن الكريم فى سياق معناها المحلى بين الآيات ومعناها العام فى القرآن الكريم كله ، حتى يستوعب المراد منها.
"والتدبر" عملية عقلية فكرية يقوم بها القارئ للقرآن الكريم المؤمن به حديثا لا حديث معه ـ متشجعاً بآياته التى تحث على التفكر والتعقل والنظر والعلم والتفقه.
على أن القرآن الكريم استعمل بعض المشتقات القريبة من كلمة الاجتهاد مثل " والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم" 9/79. والجهد في الآية يعنى الإمكانات المالية والمادية وقريب منه قول القرآن "وأقسموا بالله جهد أيمانهم" 24/53.
وقد يكون الجهد مجهوداً عقلياً أما التدبر فهو تفكير عقلى علمى بحت، وذلك يجعل من أسلوب القرآن أرقى وأدق من اختراع العصر العباسى الذي لا يزال- مع الأسف- مسيطراً على تفكير المحمديين حتى الآن ، لأنهم متبعون للأديان الأرضية الشيطانية التى ترعرعت وسيطرت فى العصر العباسى وما تلاه الى أن تصدينا لها ، ولا نزال !.
2 ـ وقد قامت حركة الاجتهاد في العصر العباسي من خلال مدرسة الرأى في العراق التى تتوجت بالإمام أبى حنيفة وقابلتها مدرسة الحديث في المدينة التى كان علمها الإمام مالك، بينما كان الشافعي أسوأ وأضلّ سبيلا .!
ومدرسة الاجتهاد العقلي تقدم القياس النظرى فى تشريعاتها ، وما لبثت أن تطرقت إلى اختراع فقه الحيل الذي يبيح للناس تعطيل الشرع عندهم عن طريق الحيل الشرعية، فالذى يريد ممارسة الجنس مع زوجته فى نهار رمضان يقولون له ( سافر بها ) . وحين يسافر يجوز له الإفطار .وفي نفس الوقت تطرف الشافعى إلى القول بإن الحديث ــ الذى يقوم هو بصناعته وينسبه للرسول ــ هو الرسول الذى يجب طاعته ، أى جعل نفسه وأكاذيبه مُطاعا بالدين الذى صنعه فى كتابيه ( الرسالة ) وفى (الأم ). أكثر من ذلك فالشافعى هو الذى جعل أحاديثه التى يصنعها هى التى تنسخ- بمعنى تلغى- القرآن الكريم وتعلو عليه . ولا تزال بعض المواشى البشرية الأنيقة فى عصرنا البائس تردد هذا الكفر . أى إن ما يعرف بالفقه الشافعي هو المسئول عن هذا التطرف فى الكفر . وبهذا ساد مصطلح ( النسخ ) فى القرآن عندهم بمعنى إلغاء تشريعات القرآن الكريم وزعم تعارضها وتناقضها وتضاربها ، وهو القرآن الذى أُحكمت آياته .!. ويعرف هذا الراسخون فى العلم القرآنى المؤمنون به وحده حديثا ، قال جل وعلا : ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود )، ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) الأعراف ) ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) فصلت ). ونُذكّر بأن النسخ يعنى الاثبات والكتابة وليس الحذف والالغاء . ولنا كتاب فى هذا منشور هنا ،وقد سبق نشره فى مصر من ربع قرن !.
3 ـ على أن مدرسة العراق لم تخل من أحاديث ومدرسة المدينة لم تخل من بعض الاجتهاد.. وحتى الشافعى نفسه مع تطرفه فى الكفر فقد كانت له بعض إجتهادات فى موسوعته الفقهية ( الأم ) . لكن الذى أجمعوا عليه هو انهم لم يعرفوا حدود الاجتهاد المسموح بها في القرآن مما أوقع أحكامهم وأحاديثهم في تناقض واضح مع كتاب الله.
4 ـ فما هى حدود الاجتهاد في التشريع القرآنى؟ ومتى يكون الاجتهاد مباحاً ومتى يكون اعتداء على حق الله في التشريع بقوله سبحانه وتعالى: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله 42/ 21". ومع نبرة التخويف والتهديد من تشريع لم يأذن به الله فإن في الآية تصريحاً بوجود تشريع يرضى عنه الله جل وعلا لإنه جاء في الحدود التى يأذن بها الله جل وعلا .
ومن أسف فإن الأئمة لم يعرفوا تلك الحدود فاجتهدوا في الممنوع وربما توقفوا حيث ينبغى الاجتهاد. نتوقف مع هذا فى الفصول التالية .
الفصل الثانى: الاجتهاد الشيطانى العملى فى قتل المسالمين فعليا وجعله تشريعا إلاهيا: ( المنبع )
أولا :
الخلفاء الفاسقون الجواسيس الذين مردوا على النفاق
1 ـ تعرضنا لماهية الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، وماهية الاسلام القلبى الدينى بمعنى التقوى . وتعرضنا للنقيض وهو الكفر والشرك ، وتعرضنا للمؤمنين المسالمين سلوكيا مع حريتهم فى عبادة القبور ، وللمنافقين ( الصرحاء ) الذين لم يحملوا سلاحا ، ولكنهم مارسوا أقصى درجات المعارضة الدينية والسياسية ، متمتعين بالحرية الدينية والسياسية فى الدولة الاسلامية فى عهد النبى محمدعليه السلام .
2 ـ هناك نوع أخطر من المنافقين ، هم الذى ( مردوا على النفاق ) . قال جل وعلا عنهم فى أواخر ما نزل من القرآن الكريم : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ). كلمة ( مردوا ) لم تأت إلا مرة وحيدة فى القرآن الكريم ، عن هذا الصنف من المنافقين ، والمختلف عن المنافقين الصًرحاء الذين فضحوا أنفسهم بأقوالهم وأفعالهم . ومع ذلك فقد كان هناك أمل فى توبتهم ، فقد قال جل وعلا : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147) النساء ). أما الذين مردوا على النفاق فلا أمل فى توبتهم ، لأن الله جل وعلا أنبأ مقدما بأنه سيتم تعذيبهم مرتين فى هذه الدنيا ،ثم ينتظرهم عذاب عظيم فى الآخرة . ومفهوم أنهم سيرتكبون جُرما فظيعا ، يستحقون به هذا العذاب المزدوج فى الدنيا قبل موتهم ، وأن هذا سيقع عليهم بعد إنتهاء القرآن الكريم نزولا ، وبعد موت النبى محمد عليه السلام ، وأن إرتكابهم هذا الجرم الفظيع يعنى إنهم سيكونون فى موقع القيادة والسُلطة ، وكونهم هكذا يعنى إنهم كانوا الأقرب الى النبى محمد بالقرابة والمصاهرة ، ولهذا كتموا نفاقهم وهم الدائرة الضيقة المحيطة به ، وكان سهلا عليهم الوثوب للسلطة بعده . وهذا ما حدث فى خلافة أبى بكر ومن تلاه ، وهى الفتوحات أفظع أنواع الكفر السلوكى والدينى ، وما تلاها واستمر معها من حروب أهلية تنازعا حول إلاههم الأعظم ( المال ) .
3 ـ الملأ من قريش هم الذين تحكموا فى التجارية العالمية بين الهند شرقا وأوربا شمالا وغربا ، من خلال اليمن جنوبا والدولة البيزنطية المسيطرة على الشام . تأتى تجارة الهند الى اليمن تحملها قوافل قريش الى الشام ، تبيعها هناك لتنتقل بحرا الى أوربا ، وتشترى قريش بضائع الغرب لتبيعها الى الهند فى اليمن لتصل بحرا الى الهند ، وهذا فى رحلتى الشتاء والصيف ، بقوافل الجمال فى الصحراء ، والتى تسير فى حماية القبائل العربية التى تتصارع فيما بينها فيما كان يُعرف ب ( أيام العرب ) ، ولكن لا يقتربون من قوافل قريش لأن الملأ القرشى أقنعهم بأن تكون أصنامهم تحت رعايتهم فى الحرم المكى . وكان عجبا أن تقتتل قبائل العرب وتعيش فى خوف وجوع بينما تنعم قريش بالأمن ورغد العيش . قال جل وعلا :
3 / 1 :( لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) قريش ).
3 / 2 : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) العنكبوت ) .
4 ـ نزل القرآن الكريم فكان تهديدا لهم ولمصالحهم التجارية ومكانتهم السامية، إذ سيوقعهم فى عداء مع العرب . كانوا يؤمنون بأنه ( هُدى ) ولكن المشكلة أنهم لو إتّبعوا هذا الهدى ستتخطفهم العرب . إقرأ قول الله جل وعلا : ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) القصص ) . أى كان الدافع إقتصاديا بحتا فى تكذيبهم للقرآن الكريم ، أو بالتعبير القرآنى إنهم كانوا يرتزقون بهذا التكذيب للقرآن الكريم . قال لهم جل وعلا فى خطاب مباشر : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) الواقعة ).
5 ـ قادة قريش كانوا من ذرية عبد مناف ،وينتمى له الأمويون المسيطرون على التجارة والهاشميون الذين يقومون برعاية البيت الحرام . وترتبط بهم بقية العائلات الكبرى القرشية من بنى مخزوم وبنى زهرة الخ . فى مواجهة التهديد الذى جاء به القرآن الكريم عقدوا إجتماعا كان الحاضر فيه هو مستقبل تجارتهم وسطوتهم ، وكيف يتصرفون مع ( محمد ). قال جل وعلا عنهم فى خطاب مباشر للنبى محمد عليه السلام : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الأنفال ). نلاحظ أن مكرهم كان موجها ضده عليه السلام ، وأن الآراء إختلفت بين : السجن ، والقتل ، والإخراج . كان سجنه أو قتله سيوقع الخلاف بينهم ، فهو من بنى هاشم . إذن فالحل الأسهل هو إتخاذ الوسائل لجعله يخرج مهاجرا ، وحينئذ سيخرج معه أتباعه . ولأن مكرهم تزول منه الجبال ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ابراهيم ) فقد كلفوا جواسيسهم بالهجرة معه والالتصاق به . فإذا نجح فى المهجر ورثوا نجاحه ، وإستفادت به قريش فى الحفاظ على تجارتها .
6 ـ وهذا ما حدث . بمؤامرة بيعة السقيفة قفز للسلطة أبو بكر وتبعه فى الخلافة بقية الجواسيس ، وبادر أبو بكر بحرب القبائل التى رفضت دفع إتاوة له دليلا على التبعية والخضوع .ولم يكن دفع الزكاة المالية إجبارا فى عهد النبى عليه السلام : ( التوبة 53 : 54 ).بعد هزيمتهم أقنعهم ابوبكر بقتال الروم والفرس على أنه الجهاد فى سبيل الله . إقتنعوا ، بل إن بعض قادة المرتدين كانوا من أبطال (الفتوحات ). وبعد أن توقفت الموجة الأولى من الفتوحات إكتشف الأعراب أن قريش هى التى إلتهمت معظم الكعكة ، فكانت الثورة على فساد عثمان ، ثم الفتنة الكبرى ، وما تلاها . ولا يزال المحمديون فى نفق الفتنة الكبرى يسيرون . التفاصيل فى كتابنا (المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) .وهو منشور هنا .
ثانيا :
الفتوحات جريمة كبرى لا نظير لها :
1 ـ قتل هتلر عشرات الملايين ، وسبقه كثيرون . ولكنها حروب (علمانية ) ، لم يزعم هتلر أو الاسكندر الأكبر أو يوليوس قيصر أو جنكيزخان أنه يحارب باسم الله جل وعلا ، وأن قتله الناس وإغتصاب نسائهم وسبى ذراريهم وإحتلال أوطانهم هو فريضة إلاهية . حاليا أصبحت النازية ممقوتة ، إنتهت الى العار حتى فى بلادها . أما ما إرتكبه أبوبكر ومن تلاه فقد تأسّست عليه أديان أرضية شيطانية ، أصبح فيها الخلفاء الفاسقون كائنات إلاهية ، يكون نقدها خروجا عن الدين عندهم .
2 ـ عرف العرب فى ( الجاهلية ) غارات وحروبا ( علمانية ) . كانوا فيها يضطرون ( أحيانا ) الى( النسىء ) . أى كانوا يراعون حُرمة الأشهر الحُرُم ، فإذا إضطروا قاموا باستحلال القتال فى شهر وتأجيله الى شهر آخر . الله جل وعلا إعتبر النسىء ( زيادة فى الكفر ). قال جل وعلا : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) التوبة ). أبو بكر ( الزنديق ) بدأ الفتوحات فى شهر ( محرم ) الحرام ، ولم تتوقف أبدا الحروب مع الخارج أو فى الداخل ، بل قد تم تناسى الأشهر الحرم ، فأدخلوا فيها شهر رجب ، مع أن القرآن الكريم يشير الى أنها متتابعة ، تبدأ بإفتتاح موسم الحج ( يوم الحج الأكبر ) وتستمر متتابعة حتى شهر ربيع الأول ( سورة التوبة 1 : 5 ).
3 ـ لم يعرف العرب فى الجاهلية إنتهاك حُرمة الكعبة ، ولقد تم إحراقها فى الصراع بين ابن الزبير والأمويين ، ولم يعرف العرب هذه الوحشية التى إرتكبتها قريش وقادتها فى قتل مئات الألوف من الأبطال المدافعين عن أوطانهم فى الشرق وفى الغرب ، من حدود الصين الى جنوب فرنسا . ولم يعرف العرب فى جاهليتهم هذه الوحشية فى حروبهم الأهلية . لا فارق هنا بين وحشية الخوارج فى قتل الأطفال والنساء ،ولا وحشية الحجاج فى إدمان القتل لمجرد الشُّبهة والظن ، ولا حبسه مئات الألوف ليموتوا صبرا ، ولا قتله للأسرى بعشرات الألوف فى موقعة ( دير الجماجم ) ،. ولقد صار هذا دينا عمليا فعله مصعب إبن الزبير فى ولايته على العراق . قال عبد الله بن عمر بن الخطاب لمصعب : "أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة.! ". فقال مصعب: "إنهم كانوا كفرة سحرة." فقال ابن عمر: "والله لو قتلت عدتهم غنمًا من تراث أبيك لكان ذلك سرفًا.) .!ولنا كتاب منشور هنا عن الفتنةالكبرى الثانية . ولم يعرف العرب فى الجاهلية الطواف بالرءوس المقطوعة للقادة الكبار . بدأ هذا برأس الحسين ، ولنا كتاب عن مذبحة كربلاء ، منشور هنا .واستمر بعدها دينا عمليا مُتّبعا .
خلال عشر سنوات ( 61 : 71 ) فقط شهد قصر الامارة بالكوفة أربع رءوس مقطوعة لمشاهير الناس وقتها : رأس الحسين ، ثم رأس عبيد الله بن زياد ، ثم رأس المختار الثقفى ، ثم رأس مصعب بن الزبير . شهد هذا كله شخص إسمه عبد الملك بن عمير الليثي . قال : ( رأيت في قصر الإمارة بالكوفة رأس الحسين رضي الله عنه بين يدي عبيد الله بن زياد ، ثم رأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار ، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير، ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبدالملك بن مروان .).
أخيرا
1 ـ الذى عرفه المحمديون ــ وهم به مستمسكون ــ هو قتل الأبرياء ، لا فارق بين أبى بكرالزنديق القرشى وأبى بكر البغدادى الداعشى . ولنا كتاب منشور هنا عن ( دين داعش الملعون ).
2ـ الذى بقى من إجتهاد الخلفاء الفاسقين وغيرهم فى قتل الأبرياء هو الاجتهاد الفقهى فى تأصيل هذا تشريعيا .
وللحديث بقية .
الفصل الثالث : الاجتهاد الشيطانى العملى فى قتل النساء والأطفال جهادا
مقدمة :
هناك مجرمون يقتلون الأبرياء من الشيوخ والأطفال والنساء . يعلمون أن ما يفعلون إجرام ، وقد يتوبون . نحن هنا نتحدث عن إتّخاذ قتل الشيوخ والأطفال والنساء دينا ، وجهادا بزعم أنه الاسلام . الجريمة الكبرى هنا هى الإفتاء وتطبيقه سفكا لدماء الأبرياء . ونعطى أمثلة من المسكوت عنه فى التاريخ .
أولا : الخوارج
1 ـ فى كتابه ( التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ) قال الملطى المتوفى عام 377 هجرية
عن الفرقة الأولى منهم وهم ( المحكمة الأولى ) إنهم كانوا يخرجون على الناس يقتلونهم عشوائيا وقال عن الاباضية أنهم كانوا يقتلون الأطفال ويسبون الذرية . وأعلن نافع بن الأزرق أن جهاده يشمل ( قتل الأطفال والاستعراض،) أى القتل العشوائى لمن خالفه ، ( وأن جميع المسلمين كفار مثل كفار العرب لايقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.) .
2 ـ وننقل بعض ما ذكره الطبرى فى تاريخه عنهم فى عام 68 هجرية : ( وكانت الأزارقة لحقت بفارس وكرمان ونواحي أصبهان . .. وأقبلت الخوارج وعليهم الزبير بن الماحوز حتى نزلوا الأهواز ... فشنوا الغارة على أهل المدائن يقتلون الولدان والنساء والرجال ويبقرون الحبالى. وهرب كردم فأقبلوا إلى ساباط فوضعوا أسيافهم في الناس ، فقتلوا أم ولد لربيعة بن ماجد ، وقتلوا بنانة ابنة أبي يزيد بن عاصم الأزدي ، وكانت قد قرأت القرآن وكانت من أجمل الناس فلما غشوها بالسيوف قالت : ويحكم هل سمعتم بأن الرجال كانوا يقتلون النساء ؟ ويحكم تقتلون من لا يبسط إليكم يدا ولا يريد بكم ضرا ولا يملك لنفسه نفعا ؟ أتقتلون من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين؟ .. وحملوا عليها فقتلوها ، فقالت ريطة بنت يزيد : سبحان الله أترون الله يرضى ما تصنعون تقتلون النساء والصبيان ومن لم يذنب إليكم ذنبا ؟ ثم انصرفت وحملوا عليها وبين يديها الرواع بنت إياس بن شريح الهمداني وهي ابنة أخيها لأمها فحملوا عليها فضربوها على رأسها بالسيف ويصيب ذباب السيف رأس الرواع فسقطتا جميعا إلى الأرض ... أن رجلا من السبيع كان به لمم وكان بقرية يقال لها جوبر عند الخرارة وكان يدعى سماك بن يزيد فأتت الخوارج قريته فأخذوه وأخذوا ابنته فقدموا ابنته فقتلوها . وزعم لي أبو الربيع السلولي أن اسم ابنته أم يزيد وأنها كانت تقول لهم : يا أهل الإسلام إن أبي مصاب فلا تقتلوه وأما أنا فإنما أنا جارية والله ما أتيت فاحشة قط ولا آذيت جارة لي قط ولا تطلعت ولا تشرفت قط " فقدموها ليقتلوها ، فأخذت تنادي ما ذنبي ما ذنبي ثم سقطت مغشيا عليها أو ميتة ثم قطعوها بأسيافهم .)
ثانيا : من وحشية الدولة العباسية فى بدايتها
الدولة العباسية كانت دولة دينية كهنوتية ، وكانت تستحل الدماء دينيا ، وتطبق ذلك عمليا ، وأول خليفة عباسى كان لقبه ( السفّاح ) . وقد أرسل أخاه يحيى لتأديب أهل الموصل لأنهم رفضوا الوالى المعين عليهم ، ولم يعلنوا العصيان على الدولة . جاءهم يحيى بجيش من 12 الفا ، ولم يجد مقاومة من أهل الموصل ، ودعا زعماء الموصل وكانوا 12 رجلا فقتلهم ، فثار أهل الموصل فأعلن لهم الأمان ،وأن من دخل المسجد فهو آمن ، فتزاحموا على أبواب المسجد فقتل جنوده الناس قتلاً ذريعاً أسرفوا فيه، فقيل: إنه قتل فيه أحد عشر ألفاً ممن له خاتم وممن ليس له خاتم خلقاً كثيراً.فلما كان الليل سمع يحيى صراخ النساء اللاتي قتل رجالهن، فسأل عن ذلك الصوت فأخبر به، فقال: إذا كان الغد فاقتلوا النساء والصبيان. ففعلوا ذلك، وقتل منهم ثلاثة أيام، وكان في عسكره قائد معه أربعة آلاف زنجي، فأخذوا النساء قهراً.) أى إغتصبوهن .!
ثالثا : ثورة الزنج فى العصر العباسى
1 ـ إحتكر الخلفاء العباسيون السُّلطة والثروة ،ومنحوا لأتباعهم الأراضى أو الإقطاعات ، ومنها ما كان محتاجا الى الاصلاح ، وحدث هذا بجهود الزنوج !وتخصص التجار في استجلاب هؤلاء الزنوج إلي جنوب العراق وحول الخليج ، وتكدست بهم هذه المنطقة حيث عملوا في استزراع الأراضي تحت ضرب السياط وسوء التغذية ، يحملون علي البغال الطبقة الملحية التي تكونت بفعل ظاهرة المد من الخليج العربي ويكشفون عن التربة الزراعية تحتها ويقومون بنقل أكوام الطبقة الملحية إلي حيث تباع ، وفي نظير هذا العمل الشاق كانوا يحصلون علي غذاء بائس من تمر وسويق ، في الوقت الذي كان فيه المترفون في بغداد بجانب الخليفة يأكلون طبق ( الجام) وهو لسان السمك ، ويبلغ ثمنه أكثر من ألف درهم!ـ لذا كانت معسكرات الزنوج وقودا لثورة الزنج التي قادها مغامر مجهول الاسم تسمى باسم علي بن محمد وقد ادعي النسب العلوي والتشيع ودعا للثورة في المنطقة بين الأعراب النجديين ، وانتقل بهم الى جنوب العراق ،بعد أن غيّر دينه من التشيع الى الخوارج ، كى يتحبب الى الزنوج ويتألف ويتودد الى قادتهم . وبين دينى التشيع والخوارج استغل سوء الأوضاع والفجوة الهائلة بين الفقراء المعدمين في جنوب العراق وحول الخليج وبين المترفين في بغداد حول قصور الخلافة العباسية.
2 ـ وقد استمرت ثورته من 225 ــ 270هـ . وتكاثر أتباعه ولم تتغلب عليه الدولة العباسية إلا بشق الأنفس ، وقد دخل بأتباعه من الزنج البصرة وأعمالها وخربوها وسبوا النساء وأحرقوا ما وجدوه ، وأعقب ذلك الوباء الذي أفني خلقا لا يحصون ، وذكر الصولي إن صاحب الزنج قتل من المسلمين نحو مليون ونصف المليون ، وأنه قتل في يوم واحد بالبصرة نحو ثلاثمائة ألف ، وقالوا أنه كان ينادي علي المرأة الهاشمية في معسكره بدرهمين وثلاثة دراهم لمن أراد شراءها، وأنه كان عند الواحد من الزنج العشر من السبايا الهاشميات يطؤهن ويستخدمهن..
رابعا : القرامطة :
1 ـ شهد المؤرخ الطبرى فى حياته علوّ شأن القرامطة قبل موته بعشرين عاما، وقد ذكر قصة عن بعض الشباب المحدوعين بدعوتهم . وذكر عمليات الإبادة الجماعية التي ارتكبها كبير القرامطه في الشام, يقول:إن أهل دمشق صالحوه على دفع الأموال, وكذلك فعل أهل حمص, ثم سار إلى حماة ومعرة النعمان وغيرهما, فقتل أهلها وقتل النساء والأطفال, ثم سار إلى بعلبك فقتل عامة أهلها حتى لم يبق منهم إلا اليسير, ثم سار إلى سلمية فحاربه أهلها ومنعوه الدخول, ثم انخدعوا بالأمان الذي أعطاه لهم وفتحوا له أبواب المدينة," فبدأ بمن فيها من بنى هاشم وكان بها منهم جماعة, فقتلهم, ثم ثنى بأهل "سلمية" فقتلهم جميعا. ثم قتل البهائم, ثم قتل صبيان الكتاتيب, ثم خرج منها وليس بها عين تطرف, وسار فيما حوالي ذلك من القرى يقتل ويسبى ويحرق ويخيف السبيل".
ويلاحظ أن الطبري مات سنة 310 هجريا, وقد شهد أول ظهور للقرامطة سنة 286 هجريا, واشتدت غاراتهم مما جعله ينهى تسجيله للتاريخ سريعا سنة 302 هجريا, وفى السنوات العشر الأخيرة في تأريخه لتلك الفترة كان متعجلا شأن من يعيش في أخطار تحدق به من كل جانب. أي أن فظائع القرامطة كانت المسكوت عنها في تاريخ الطبري ، وكانت من المؤثرات التى جعلت الطبرى يحجم عن تسجيل الأحداث بالتفصيل لكل عام كما كان يفعل قبل ظهورهم.
3 ـ وقد ذكر النويرى في كتابه نهاية الأرب( جزء 25 ص : 236) أن أبا سعيد الجنابى القرمطى كان يجمع الصبيان في بيوت أعدها لهم وجعل عليهم دعاة يقومون على تنشئتهم وغسيل عقولهم وأجرى عليهم المرتبات, ورسم وجوههم بعلامات تميزهم عن غيرهم ,وجعل عليهم عرفاء ونقباء, وكان يقرن دعوته التعليمية الفكرية بتعليمهم فنون القتال وركوب الخيل, فينشئون لا يعرفون إلا دعوته دينا وإلا شخصه زعيما...
4 ـ ويقول الملطى عن القرامطة في كتابه إن المؤمن عندهم هو من يعتقد بفكرهم وتصوراتهم عن الله والأنبياء والأئمة واليوم الآخر. ومن لا يؤمن مثلهم يعتبرونه كافرا حلال المال والدم والعرض. ويقول الملطى عنهم:"زعموا أن نساء بعضهم حلال لبعض وكذلك أولادهم, وأبدانهم متاحة من بعضهم لبعض لا تحظير بينهم ولا منع, فهذا عندهم محض الأيمان حتى لو طلب رجل منهم امرأة نفسها أومن رجل أو من غلام فامتنع عليه فهو كافر عندهم خارج عن شريعتهم,وإذا أمكن من نفسه فهو مؤمن فاضل, والمفعول به أفضل من الفاعل عندهم, حتى يقوم الواحد منهم من فوق المرأة التي لها زوج فيقول لها:طوباك يا مؤمنة".!!
خامسا :الإخوان السعوديون الذين أسّسوا الدولة السعودية الثالثة الراهنة
1 ـ فى أوئل القرن الماضى سار عبد العزيز آل سعود على طريقة أبى سعيد الجنابى القرمطى ، إذ أنشأ من شباب الأعراب فى ( نجد ) جيشا أسماه (الإخوان )، وكان يقوم بتجميعهم فى معسكرات وقرى مسلحة أسماها ( الهجر ) وكانوا يتعلمون فيها فنون القتال وكتب ابن عبد الوهاب وابن تيمية . وبهؤلاء (الاخوان) أسس عبد العزيز آل سعود دعائم دولته بضم كل نجد ثم الأحساء وعسير والحجاز ، وأسفر هذا عن ذبح (إخوان عبد العزيز) حوالى مليون مسلم فى الجزيرة العربية و الشام والعراق، وإغتصاب آلاف المسلمات بزعم السبى . و بعد ضم الحجاز 1924 : 1925 إثر عدة مذابح أثارت العالم ضد الاخوان اضطر عبد العزيز الى إبعاد الاخوان عن الحجاز فثاروا عليه سياسيا، فعقد عبد العزيز عدة مؤتمرات للصلح معهم ، وفشلت فثاروا عليه عسكريا فتخلص منهم نهائيا عام 1930 ، ولكن بعد أن أقام بديلا لهم عام 1928خارج دولته ليؤازروه وينشروا دعوته فى الافاق بدون قلاقل . كان البديل فى مصر هم (الاخوان المسلمون) . وبتخلصه من معارضة الاخوان سمى الدولة باسم عائلته ( السعودية ) عام 1932.
2 ـ تركّز جهادهم فى استحلال الدماء للجميع ومنهم النساء والأطفال . وهذا أثار الرُعب منهم ،مما ساعد علي سهولة استيلاء عبد العزيز علي بعض المدن كما حدث في ضم مكة والمدينة وجدة . وكان الاخوان يدمرون معسكر العدو ويقتلون كل من يجدونه من البشر دون رحمة ،فاذا كان الهدف مدينة او قرية اضيف الاطفال والنساء والشيوخ الي قائمة الضحايا .ففي هجومهم علي الكويت في معركة الجهرة قتلوا النساء سنة 1920 ،ونفس الحال في هجومهم علي ثريب في شرق الاردن سنة 1924 ،وقتلوا النساء والاطفال والشيوخ عندما افتتحوا الطائف في 7/9/1921 . وسجل المراقبون الاجانب ان الاخوان لايحتفظون بالاسري وانما يذبحون كل من يقع في ايديهم، وكانت الدعوات للانضمام الي الوهابية او الاسلام تحمل التهديد لمن لا يستجيب بالاعدام .وتقول احداها (ان من ينضم الينا يأمن علي ممتلكاته واسرته ). وقيل عنهم انهم ظلوا لعدة سنوات لا يخيفون الاطفال وحدهم وانما الكبار ايضا ..وقد قتلوا جميع الرجال والنساء والاطفال في المنطقة ما بين المويلة وشرق الاردن، وقد ادت هذه الوحشية الي انشاء البريطانيين قلعة بسية التي كانت سبب المعارضة السياسية والحربية بين الاخوان وعبد العزيز .وقد اعترف اثنان من الاخوان الاحياء الي جون حبيب ،وقد قالا انهما شاركا في الغارة التي توغل فيها الاخوان داخل العراق ،وقد استغرقت المسيرة عشرة ايام، وانهما فيما بينهما قتلا حوالي الف شخص ، وكان القتال يجري ليل نهار ،وانهما لم يناما سوي ثلاث ساعات فقط في اليوم ،وكان طعامهما من التمر والخبز والقهوة ،وحفنة من التمر.
3 ـ وعندما تمردوا وهاجموا اخوانهم الوهاببين من اتباع عبد العزيز، فأنهم قتلوا الشيوخ والنساء والاطفال كما ذكر حافظ وهبة القائل تحت عنوان( الاخوان ) (اذ ذكر الاخوان علي حدود العراق او شرق الاردن او الكويت استولي الرعب علي قلوب السكان ،وهب البدو يطوون الصحراء لائذين بالبلاد القريبة منهم يحتمون بجدرانها وابراجها، فهم رسل الذعر والرعب في بلاد العرب ) ثم انطلق في التاريخ لهم الي ان قال (وقد ظهرت قوة الاخوان الحربية في هزيمة اهل الكويت هزيمة منكرة في موقعة حمض سنة 1919،ثم في حصار شيخ الكويت في الجهرة 1920 ،وفي ابادة جيش الشريف عبد الله في موقعة تربة 1919 وفي هجومهم المتكرر علي العراق والكويت وشرق الاردن .) .
أخيرا
فى هذه الشريعة الشيطانية نبتت عقيدة ( التّترس ) ، والتى تجيز الإحتماء بالمدنيين من النساء والأطفال والشيوخ وإتخاذهم ( ترسا ) ليقتلهم العدو المهاجم . وهى وضاعة لا حدّ لها ، فالجيش الذى مفترض فيه الدفاع عن المستضعفين هو الذى يختفى بينهم ويعرضهم للقتل . ( حماس ) الوهابية الاخوانية ـ طبّقت شريعة التّترُّس الشيطانية ، فإختبأت فى خنادقها ، تضرب وتختفى ، وتترك أهل غزة للقنابل الاسرائيلية . ومع ذلك فلا يزال هناك من يؤمن ب ( حماس ).
أين حُمرة الخجل أيها الناس .!
الفصل الرابع : الاجتهاد الشيطانى العملى فى إضطهاد أهل الكتاب
الباب الأول : عن الاجتهاد : كتاب : ( شريعة الاسلام ):
أولا :
التعامل الاسلامى للنبى محمد عليه السلام مع أهل الكتاب :
1 ـ لعن الله جل وعلا ناقضى العهد والميثاق منهم ، وبعضهم كان لا يزال يعيش فى المدينة ، ونزل الأمر للنبى بالصفح عنهم ( المائدة 13 )
2 ـ بعضهم كان يخادع المؤمنين يأتى اليهم يعلن إسلامه وهو محتفظ بكفره( المائدة 61 ).
3 ـ بعضهم خلط الكفر القولى والعقيدى بالكفر السلوكى أى الاعتداء الحربى . ونزل النهى للمؤمنين عن موالاتهم . ومصطلح الموالاة يكون فى الانحياز الحربى لفريق ضد فريق ، وهذا ما إرتكبه بعض المنافقين فى المدينة . بما نفهم منه حدوث إعتداءات منهم على دولة النبى محمد عليه السلام . قال جل وعلا :
3 /1 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) المائدة )
3/2 ـ ( وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)المائدة)
3 / 3ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) المائدة ).
4 ـ أولئك الكافرون المعتدون من أهل الكتاب أطلق عليهم رب العزة جل وعلا إسم (اليهود )، وقد جمعوا الكفر القلبى القولى والكفر السلوكى العدوانى الحربى . قال جل وعلا : ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)المائدة ).
5 ـ هؤلاء المعتدون من أهل الكتاب لم يسلم من عدوانهم أهل ملتهم ، فكانوا يحاربونهم ويخرجونهم من ديارهم ظلما وعدوانا . فقال جل وعلا فى خطاب مباشر لهم : ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) البقرة ).
6 ـ بسبب نزعتهم الحربية العدوانية كانوا يقيمون حصونا ومتاريس وقرى محصنة وسواتر ، هذا بينما لم تكن للمدينة حصون ، مما إستلزم حفر خندق لحمايتها ، وإستلزم أن ( ينفر ) أو ( يخرج ) المؤمنون لملاقاة العدوالمعتدى قبل دخوله المدينة .هذه الحصون والتحصينات لم تغن عن اليهود شيئا ، إذ بعد إعتدائهم قذف الله جل وعلا فى قلوبهم الرعب ، فخرجوا وخربوا ديارهم بدون قتال ، أو قاتلوا وانهزموا وجلوا عن بلدهم بإختيارهم .
6 / 1 : نتدبر قول الله جل وعلا عن هزيمة الأحزاب بالريح والرعب ثم هزيمة حلفائهم اليهود بالرعب ، فنزلوا من ( الصياصى ) أى الحصون وقاتلوا وانهزموا وجلوا . ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) الاحزاب ).هذه الأرض التى ورثها المؤمنون بلا قتال هى عن اليهود المذكورين فى سورة الحشر.
6 / 2 : جاء فى سورة الحشر :
6 / 2 /1 : ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2 ))
6 / 2 / 2 : ( لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14) الحشر )
ثانيا :
إجتهاد الخلفاء الفاسقين الشيطانى العملى فى إضطهاد أهل الكتاب
هذا موضوع طويل مؤلم . كنا أول من كتب فيه بإستفاضة من عام 1984 وما بعده . نقتصر منه على فرض الجزية ومصطلح أهل الذمة ، وما فعله عمرو بن العاص ، اشهر والى لمصر فى القرن الأول الهجرى ، والذى يمتدحونه بأنه كان رفيقا بالمصريين ( الأقباط )
فرض الجزية :
قال جل وعلا فى أواخر ما نزل : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) التوبة ).ونلاحظ :
1 ـ قتال من جاء توصيفهم بعدم الايمان بالله وباليوم الآخر . ومعلوم أن القتال دفاعى فى الاسلام لرد العدوان بمثله ويتوقف الدفاع إذا توقف العدوان :( البقرة 190 :194 )( الأنفال 39 ). بالتالى فالتوصيف لهم يعنى أنهم إستحلوا الاعتداء ، ولم يجعلوه إعتداءا ( علمانيا ). وبالمناسبة فهو نفس الجريمة الكبرى للخلفاء الفاسقين فى فتوحاتهم وجهادهم الشيطانى.
2 ـ وبعد تحقيق النصر وطرده إلى دياره لا يجوز إحتلال أرضه ، فقط يجب إرغامه على دفع الجزية – وليس على دخول الإسلام – وهي غرامة حربية كالشأن في عقوبة المعتدي.
عمروبن العاص وفرض الجزية على المصريين
1 ـ كان من المنتظر أن يدفع البيزنطيون الجزية لعمرو بن العاص بعد أن هزمهم وأجلاهم عن مصر ، ولكن حدث العكس , إذ دفعها المصريون الذين تحالفوا مع عمرو ضد البيزنطيين , ولذلك قصة نعرفها من المقريزي . ونستشهد بالمقريزي في كتابة المشهور "الخطط". فالمقريزي يشير بين السطور إلى مساعدة الأقباط المصريين للعرب الفاتحين ضد الروم , ومنذ أن دخل عمرو بجيشه إلى سيناء متوجها إلى مصر أرسل أسقف الأقباط في الإسكندرية أمرا إلى الأقباط بأن يعاونوا العرب ويتنبأ بزوال دولة الروم , واستجاب الأقباط لتلك الأوامر , وحين نزل عمرو على أسوار مدينة الفرما كان الأقباط أعوانا له يمدونه بالمعلومات والمؤن .والأقباط هم الذين ساعدوا عمرو في فتح الإسكندرية بعد حصارها الشديد , وظلوا شهرين يمدون العرب بالأطعمة والمؤن ويجمعون لهم الأخبار , والأقباط هم الذين استمالوا القائم على حراسة أبواب الإسكندرية – وكان قبطيا – ففتح أبوابها للعرب فاقتحموها. والمنتظر بعد هذا أن يحفظ عمرو الجميل للأقباط الذين ساعدوا جيشه الضئيل على فتح بلدهم بغضا منهم في الروم البيزنطيين . ولكن الذي حدث أن المقوقس – الوالي الرومي – هو الذي أقنع عمرو بأن يدفع الأقباط الجزية بدلا من الروم..فبعد حصار حصن بابليون الذي استمر سبعة اشهر أقتحم العرب أبواب الحصن فأضطر المقوقس للتفاوض علي أن يدفع الأقباط الجزية للعرب دينارين عن كل رجل ،لأن الروم لن يقبلوا دفع الجزية ولن يقبل العرب إلا بالجزية أو الإسلام أو الحرب , وهكذا نجا المقوقس من غرامة الجزية التي يرفض الروم دفعها , ودفعها الأقباط الذين ساعدوا عمرو في الفتوح , بل أنه فرض عليهم إلى جانب الجزية القيام بضيافة العرب في قراهم ثلاثة أيام . وعمرو بن العاص الأموي كان رائدا للدولة الأموية في شراهتها في جمع الجزية من الأقباط وغيرهم , وحتى من أ سلم من الأقباط كانوا لا يعفونه من دفع الجزية، والاستثناء الوحيد من خلفاء بني أ مية كان الخليفة عمر بن عبد العزيز في حكمه القصير الذي رفع الجزية عمن أسلم فكتب إليه والي مصر حيان بن شريح يخبره بتناقص الجزية بهذا القرار فكتب إليه عمر بن عبد العزيز يؤنبه ويقول له : ضع الجزية عمن أسلم قبح الله رأيك فإن الله إنما بعث محمد هاديا ولم يبعثه جابيا..!! وظلت الجزية نقطة سوداء في تاريخ الولاة الأمويين والعباسيين يدفعها من بقى على دينه من المصريين إلى نهاية العصر المملوكي سنة 921 هـ / 1517 م ، وجاء الفتح العثماني ففرض جزية على المصريين جميعا ، وظلت الخزانة المصرية تدفعها لتركيا بصورة عادية حتى تنبه لها عبد الناصر وألغاها ..!!
عمرو بن العاص يسلب كنوز المصريين بالقتل والارهاب
1 ـ وشرهت نفس عمرو لكنوز الآثار المصرية وذهبها المدفون وما يتم الكشف عنه ، يقول المقريزى أن عمراً أعلن لأهل مصر: أن من كتمنى كنزاً عنده فقدرت عليه قتلته!!. ونشر عمرو عيونه تتحسّس وتتجسّس عن من لديه كنوز فرعونية . ويذكر المقريزى أن عمرو بن العاص جاءته إخبارية بأن مصريا من الصعيد اسمه بطرس لديه كنز فرعونى، فحبسه عمرو واستجوبه فأصر الرجل على الإنكار، وعلم عمرو بذكائه مكان الكنز فاستولى عليه وقتل المصرى وعلق رأسه على باب المسجد، ليرهب المصريين ، فارتعبوا ،ومن كان منهم عنده كنز أسرع بتسليمه إلى عمرو. ويذكر المقريزى أن عمراً اعتقل مصريا آخر اتهمه بممالاة الروم واستجوبه ، وكانت التهمة ملفقة وبهدف إبتزاز الرجل المسكين ، بدليل أن عمرو بن العاص أطلق سراح الرجل بعد أن حصل منه على أكثر من خمسين أردباً من الذهب..!!.نكرّر ( 50 إردبا من الذهب .!!)..وهذا من رجل واحد فقط ..
2 ـ ومن مجموع هذه المصادرات تضخمت ثروة عمرو الشخصية من هذا السلب والنّهب . وحين حضرته الوفاة استحضر أمواله فكانت (140) أردباً من الذهب، وقال لولديه: من يأخذ هذا المال؟ فأبى ولداه أخذه وقالا له: حتى ترد إلى كل ذى حق حقه. ومات عمرو واستولى الخليفة معاويةعلى كل تلك الأموال التى خلفها عمرو فى ميراثه وقال: نحن نأخذه بما فيه .. أى بما فيه من ظلم وسحت..!! ومع ذلك فإن عمرو بن العاص ــ بكل جرائمه ـ كان أفضل ممّن جاء بعده .
مصطلح أهل الذمة :
1 ـ لم يأت لفظ الذمة في القرآن الكريم إلا في موضعين في الحديث عن طبيعة مشركي العرب البدوية العدوانية , وكيف أنهم لا يراعون عهدا ولا ميثاقا ولا ذمة إذا انتصروا ( التوبة 8 ، 10 ) . وظهر مصطلح أهل الذمة بعد الفتوحات العربية ضمن مصطلح آخر هو " الموالي" ليضع توصيفا للشعوب التي إحتلها الخلفاء الفاسقون .والمعنى واحد لأهل الذمة والموالي في أنهم أتباع ورعية العرب الحاكمين , وبالتالي هم مواطنون من الدرجة الثانية أو أقل .. والدليل العملي على ذلك هو ما عاناه الموالي من أبناء العراق وإيران , وما عاناه أهل الذمة من الأقباط في العصر الأموي تحت وطأة الاضطهاد والاستعلاء .
2 ـ وبينما دخل مصطلح " الموالي " إلى متحف التاريخ بعد أن تمتع أبناء الفرس والعراق بحقوقهم في الدولة العباسية التي أسهموا في تأسيسها , فإن مصطلح أهل الذمة بقى مستعملا وصمة عار على كل من تمسك بدينه من أبناء الشعوب غير العربية , وكان المسيحيون العرب فى الدولة الأموية بمنجاة من هذا المصطلح وأثاره الجانبية لأنهم عرب، وتعصّب الأمويون للعرب . أما المسيحيون في الشام والعراق ومصر فقد حملوا ذلك الوصف على كاهلهم ، وقاسوا تحته أوزار الاضطهاد العنصري فى الدولة الأموية ثم الاضطهاد الديني فى الدولة العباسية وما تلاها . وتم تقنين تلك النظرة الاستعلائية المخالفة للقرآن الكريم في كتب الفقه فيما يخص التعامل مع أهل الملل الأخرى ، وأحدثوا لها كيانا تشريعيا من أحاديث مفتراه نسبوها للنبي عليه الصلاة والسلام تبيح اضطهاد أهل الكتاب والاستعلاء عليهم .
الباب الثانى : الاجتهاد الشيطانى النظرى
الفصل الأول : الاجتهاد الشيطانى الفقهى النظرى فى قتل المسالمين وجعله تشريعا إلاهيا
أولا :
1 ـ نحن أول من قام بتعريف الاسلام السلوكى بمعنى الأمن والسلام فى التعامل مع الناس والسلام القلبى بمعنى التقوى فى التعامل مع الخالق جل وعلا ، ومعنى الكفر والشرك المناقض للاسلام . أديان المحمديين الأرضية هى المسئولة عن تغييب هذه الحقائق الاسلامية القرآنية ، ومنها أن مناط تطبيق الشريعة هو فى السلوك الظاهرى ، وليس فيما تخفيه القلوب .
2 ـ يقول جل وعلا فى ثلاث آيات متتابعات من سورة النساء :
2 / 1 : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92). أى ليس مٌتصوّرا أن يتعمّد مؤمن قتل مؤمن شريك له فى الاسلام السلوكى . تحديد التعمُّد هنا مرجعه للقاتل وللخالق جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور . وبالتالى فهنا تشريع متوقف تطبيقه على تقوى أو عدم تقوى القاتل .
2 / 2 : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) . هذا المؤمن المسالم إذا تم قتله عمدا فالجزاء خلود فى جهنم وعذاب عظيم وغضب الرحمن جل وعلا ولعنته . لاحظوا أن هذا فى قتل شخص واحد ؟ فما بالكم فى قتل الملايين فى عصور الخلفاء الفاسقين ؟ نشرنا هنا كتابا عن ( مسلسل الدماء فى تاريخ الخلفاء )
https://ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?main_id=147
2 / 3 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94). هنا تحديد المؤمن المُسالم . إنه الذى يُلقى تحية الاسلام ( السلام عليكم ) ،حتى لو كان جنديا فى جيش معتدى ثم إختار السلام .!
ثانيا :
الأفظع من قتل المؤمن المسالم هو تسويغ وتشريع قتله . هذا يكون قتلا للناس جميعا .
1ـ أول حرب عالمية فى التاريخ حدثت بين ابنى آدم حين قتل أحدهما الآخر، ولم يكن القتيل قد ارتكب جريمة فى حياته، أى قتله القاتل بدون سبب موجب للقتل.
يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقّ إِذْ قَرّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبّلْ مِنَ الاَخَرِ قَالَ لأقْتُلَنّكَ قَالَ إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتّقِينَ. لَئِن بَسَطتَ إِلَيّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنّيَ أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ﴾ (المائدة 27، 28).
كان مفهوم القتل وإزهاق النفس معلوماً لدى الأخوين، وكان مفهوم الخطأ فى القتل للنفس البشرية معلوماً أيضاً، خصوصاً لدى الأخ الضحية الذى آثر عدم الدفاع عن نفسه لأنه يخاف الله رب العالمين وقال لأخيه ﴿إِنّيَ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظّالِمِينَ﴾ (المائدة 29). ولم يكن أثم القتل وذنبه بعيداً عن عقل الأخ المعتدى، لذلك فإنه بعد أن هدد أخاه بالقتل لبث فترة متردداً ثم أصدر فتوى بأن يقتل أخاه،أو استحل قتل أخيه ، أو بتعبير القرآن ﴿فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (المائدة 30). ولأنها أول جريمة فى التاريخ ولأن آدم أباهما كان لا يزال حياً لم يمت بعد، ولأن جثة القتيل كانت أول جثة فى تاريخ البشر فإن الله سبحانه وتعالى بعث غراباً يعلم القاتل كيف يدفن جثة أخيه القتيل ﴿فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النّادِمِينَ﴾ (المائدة 31).
2 ـ إن محور القضية يتركز فى قوله سبحانه وتعالى عن القاتل ﴿فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ وبمعنى آخر، إن التركيز هنا ليس على جريمة القتل فحسب، بل على ما هو أخطر من القتل وهو الإفتاء بالقتل ظلماً،أو استحلال القتل المحرم أو تشريع القتل لنفس لا تستحق القتل. والتعبير القرآنى هنا بالغ الدلالة وهو ﴿فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ﴾ أى أباحت وشرعت وأصدرت فتوى بقتل أخيه، وبعد ذلك التشريع جاء التنفيذ فقتله.. وبعدها كانت النتيجة ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾!! ولأن محور القضية فى التنبيه على خطورة الإفتاء بالقتل ظلماً فإن الله سبحانه وتعالى بعد أن ذكر القصة انتقل مباشرة إلى الهدف منها فقال ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً..﴾ (المائدة 32).﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ﴾ أى من أجل ما سبق فى القصة من استباحة ابن آدم قتل أخيه الذى لا يستحق القتل. ﴿كَتَبْنَا عَلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ﴾ أى فرضنا فى التشريع فى التوراة. ﴿أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ أى من قتل نفساً لم ترتكب جريمة قتل أو قتل نفساً خارج القصاص، وذلك هو المعنى الظاهر..﴿أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ﴾ والفساد فى الأرض هنا وصف لجريمة قتل النفس غير المستحقة للقتل، لذلك جاءت كلمة فساد مجرورة بالكسر..﴿فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً﴾
3 ـونتساءل : كيف يكون قتل نفس واحدة مساوياً لقتل الناس جميعاً؟ أو بمعنى آخر لنفرض أن شخصاً قتل رجلاً واحداً، وأن رجلاً آخر قتل مليون رجل فهل يتساوى هذا وذلك فى مقدار الجريمة؟.بالطبع لا. إذن فالقرآن الكريم هنا لا يتحدث عن مجرد جريمة القتل، وإنما يتحدث عن الجريمة الأخطر والأفدح وهى الإفتاء بالقتل ظلماً، أو بالتعبير القرآنى الذى هو محور القصة ﴿فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ﴾ أى فالذى يفتى بقتل نفس لم تقتل نفساً أو غير مستحقة للقتل أو قتل نفس خارج القصاص فكأنما قتل الناس جميعاً، لأنه باختصار أصدر فتوى قابلة للتنفيذ والتطبيق فى كل عصر وفى كل مكان.. أى أصدر فتوى تقتل الناس جميعاً.ذلك أن السبب الوحيد لقتل النفس هو القصاص، أو قتل القاتل قصاصاً، وذلك حكم الله، فإذا تجاوزنا حدود الله وشرع الله وحكمنا بغير ما أنزل الله فقد أصدرنا حكماً بالإعدام على الناس جميعاً، إذن فقوله تعالى مَن ﴿قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ﴾ لا تتحدث عن مجرد القتل ولكن عن جريمة أخطر وهى الإفتاء بقتل من لا يستحق القتل، ولذلك جاء الوصف بالفساد لتلك الجريمة فقال ﴿أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ﴾ ولذلك فإن تشريع القتل خارج القصاص أشد أنواع الفساد.
4 ـ ثم يوضح القرآن الكريم المقصود وإنه الإفتاء الظالم وليس مجرد القتل فيقول تعالى ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً﴾ ومن الطبيعى أنه لا يمكن للقاتل أن يعيد القتيل للحياة، إذن فالمراد واضح وهو أن الجرم الأكبر هو الإفتاء بالقتل ظلماً ومن حارب الإفتاء بالقتل وأثبت إنه تشريع ما أنزل الله به من سلطان فإنه ينقذ الناس جميعاً من تلك الفتاوى المدمرة والسامة، أو كأنه أحيا الناس جميعاً. فالذى يصدر تلك الفتاوى الإجرامية يقتل الناس جميعاً، والذى يحاربها ويظهر بطلانها ينقذ من شرها الناس جميعاً.. ذلك معنى قوله تعالى ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً..﴾ (المائدة 32).
ثالثا :
الاجتهاد الفقهى فى قتل المؤمن المسالم
نماذج من فتاوى ابن تيمية :
1 ـ المعتاد أنهم أباحوا قتل المرتد وتارك الصلاة والزانى المُحصن ، وصاغوافى ذلك أحاديث . وقالوا إن التعزير هو أقل من خمسين جلدة . تطرف إبن تيمية فرفع عقوبةالتعزير الى القتل ، وتطرّف أكثر فأوجب القتل على من يخالفه فى الرأى حتى فى الأمور البسيطة كالذى يجهر بالنية فى الصلاة والذى لا يلتزم بأدائها فى وقتها والذى لا يشارك فى صلاة الجماعة مع حضوره فى المسجد ، كل ذلك إن لم يتب . ويفتى بقتل جميع خصومه متهما إياهم بالنفاق .
2 ـ الأخطر من هذا إفتاؤه بقتل ( الزنديق ) ، وهو المسلم السُنّى المؤمن بالأحاديث ، ولكن له وجهة نظر يختلف فيها مع إبن تيمية . ومعلوم أن الاختلافات فى الأحاديث وفى الحكم على رواتها أمر شائع ، ولكن الحنبلى إبن تيمية يجعله زنديقا ، ويرجح قتله بلا استتابة ، وكرّر هذا كثيرا ، يقول مثلا : ( والزنديق: هو المنافق، وإنما يقتله من يقتله إذا ظهر منه أنه يكتم النفاق. ) أى يجعل سلطة الاتهام وتنفيذ القتل لكل شخص. ويقول عمّن جعلهم منافقين ضالين حتى :( وإن أظهروا الإسلام، وكان في بعضهم زهادة وعبادة،)ويقول : ( وهؤلاء منافقون كفار يجب قتلهم بعد قيام الحجة عليهم.). ويقول : ( وإن أضمر ذلك كان زنديقًا منافقًا ،لا يستتاب عند أكثر العلماء، بل يقتل بلا استتابة،إذا ظهر ذلك منه.). الذى يهمنا هنا هو حكمه على الضمائر ، ويوجب قتلهم فورا وبلا إستتابة .!!
3 ـ ويحكم بقتل كل الصوفية والمعتزلة والشيعة . كما يحكم بقتل المستحلين للمعاصى كالزنا والشذوذ ، يقول : (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعولبه). ويحكم بقتل من يسقطون التكاليف الشرعية ومن يدمن ( السّماع ) أى الغناء الصوفى.
4 ـ ولم ينج الأطفال من تشريع ابن تيمية بالقتل العام لهم . فهو يجيز قتل الطفل إذا صال ، أى إذا هاجم وإعتدى. بل يوجب قتل الطفل حين التوقع بأنه حين يكبر سيكون صائلا معتديا .! ، ويضيق الصدر عن ذكر كل ما ذكره إبن تيمية .
رابعا :
ولكن فقهاء الإخوان ( المعتدلين ) فى عصرنا الردىء كرّروا مفتريات إبن تيمية فى هذا الفقه الدموى .
ـ ففى قتل المرتد جعلوا السبب هو إنكار معلوم من الدين بالضرورة. (والمعلوم من الدين بالضرورة) مصطلح فقهى متأخر غير محدد وغير متفق عليه، فلا توجد قائمة متفق عليها بذلك المعلوم من الدين بالضرورة عندهم ، وكل فقيه يضع قائمة للمعلوم من الدين بالضرورة مختلفة عن الآخر، تعبر عن هواه .
ـ قتل الزنديق : أفتوا بقتله دون إعطائه فرصة المحاكمة حتى لا يتمكن من الدفاع عن نفسه وتبيين حجته، أى يحرمونه من الاستتابة!!. ويقول كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) بقتل الزنديق بعد الإطلاع عليه بلا طلب توبة منه، وهو الذى كان يسمى منافقاً فى زمن النبى ولابد من قتله وإن تاب..!!. هو عندهم يستحق القتل حتى ولو تاب، ولأنه صاحب حجة ومعه الأدلة والبراهين فإن الكهنوت الفقهى يحرمه من المحاكمة التى يتفضل بها على المرتد الكافر العادى، والسبب أن المرتد العادى ليست لديه حجة يخشى منها الكهنوت الفقهى، أما من اتهموه بالزندقة فلديه الحجة والبرهان ولأنهم لا يستطيعون مواجهته بالحجة فى المحاكمة فلا داعى لمحاكمته والأفضل قتله سريعاً.. يقول الشيخ سيد سابق أن الزنديق هو الذى يعترف بالإسلام ظاهراً وباطناً، إذن هو مؤمن بالقلب واللسان، فكيف يكون زنديقاً؟ يقول الشيخ مستدركاً "لكنه يفسر بعض ما ثبت من الدين بالضرورة بخلاف ما فسره الصحابة والتابعون وأجمعت عليه الأمة".أى هو زنديق لأنه اجتهد وجاء بآراء جديدة تخالف ما وجدوا عليه آباءهم وليس مهما إن معه الدليل، إنما المهم أن أدلته تخالف أهواءهم .
أخيرا
الويل لوطن يحكمه دين أرضى شيطانى .!
التعليقات
بن ليفانت
وجهة نظر
مقدمًا ألفت الانتباه أن المقال قد كُرر هنا وفي نفس النص (على الأقل هذا يظهر عندي).
تبعًا لما جاء في المقال "تحديد التعمُّد هنا مرجعه للقاتل وللخالق جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور . وبالتالى فهنا تشريع متوقف تطبيقه على تقوى أو عدم تقوى القاتل." أفهم من هذا أنه طالما يصرح أو يزعم القاتل أنه لم يقتل متعمدًا، لا يجوز تطبيق عقوبة القتل عليه "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق"، يعني أن القتل بالحق لا يمكن لي تطبيقه إلا في حالة الحرب، أو بصورة عامة عندما يعتدي أحد علي. لكن لنفترض أن أحدًا اعتدى علي بعصاة، وكان معي هراوة فضربته بها ومات صاحبنا، ثم قدمت اعتذاري وبأنني لم أكن أقصد قتله، فماذا بعد؟ وكيف يُعطى أولياء المظلوم في الآية التالية الحق بالقتل (دون اسراف)، إذا زعم القاتل إنه لم يتعمد القتل؟
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ﴿الإسراء: ٣٣﴾هل هناك آلية مسموح بها شرعًا، غير الإقرار بالقتل المتعمد، تثبت التعمد بالقتل؟ طبعًا مع العلم بأن الآية 45 من سورة المائدة "...النفس بالنفس..." كانت قد شُرّعت لأهل الكتاب، ولو آمن هؤلاء بما جاء به القرآن، لتخلصوا من هذه العقوبات.
أحمدصبحى منصور
شكرا استاذ بن ليفانت وأقول:
آيات التشريع فى القرآن الكريم ـ فى الأغلب ـ تنتهى بالحث على التقوى . حتى فيما يخص التعامل مع الناس تكون التقوى هى الأصل. والله جل وعلا يؤاخذنا بما تعمدت قلوبنا . ومن السهل خداع الناس والسُّلُطات بتوبة ظاهرية ، ولكنها لا تُجدى شيئا يوم القيامة. والذى يتقى الله جل وعلا يوقن أن عذاب الآخرة سيكون بالسيئات التى ارتكبها العاصى فى دنياه فتتحول الى نار. وأن تكفيرها وغفرانها ـ أى تغطيتها وتحييدها سيكون يوم الدين. وهو يوقن أن كل عذابات الدنيا لو اجتمعت على شخص واحد فليست بشىء فى لحظة عذاب فى جهنم الخالدة ، وأن كل نعيم الدنيا لو كان لشخص واحد فليس بشىءء فى خلود النعيم الأخروى. الايمان باليوم الآخر هو الحاضرالغائب فى التشريع.
الفصل الثانى : إحتكارهم الاسلام وهم ألدُّ أعدائه
مقدمة :
1 ـ الأرضية التاريخية لتصرفات المسلمين فى القرن الأول الهجرى بعد وفاة خاتم النبيين عليه السلام كانت هى المصدر التى نبتت فيه أديانهم الأرضية والتى تتناقض بصدق مع الاسلام . كانت المشكلة الكبرى لديهم إنهم ارتكبوا ما شاءوا تحت اسم الاسلام وشريعته. وإذن كان لا بد لهم من تبديل مصطلحات الاسلام وشريعته بالتحوير والتحريف والاضافة حتى يحققوا نوعا من المواءمة الظاهرية بين استعمالهم لاسم الاسلام وتصرفاتهم النابعة من أديانهم الأرضية المناقضة للاسلام.
2 ـ ولأن أديان المسلمين الأرضية تحمل اسم الاسلام وتتناقض معه فى نفس الوقت فقد كان حتما أن يقوم أصحابها بتيديل وتحريف التشريعات الاسلامية الأصيلة لكى تحتل محلها تشريعاتهم الأرضية ولكى تحمل اسم الاسلام زورا وبهتانا. لذلك فان تشريعاتهم الأرضية حين تعارض القرآن الكريم فانهم يتجاهلون التشريع القرآنى أو يقررون أنه منسوخ بمعنى أنه ملغى وباطل استعماله ، وفى نفس الوقت ينسبون تشريعاتهم الأرضية للنبى محمد عبر أحاديث أو أقاويل ينسبونها له بعد موته بقرنين وأكثر من الزمان عبر ما يعرف بالاسناد ، وبهذا الاسناد المفترى يكون حديثا نبويا ووحيا إلاهيا وجزءا من الاسلام . وبها كان يتم ادخال التشريعات الأرضية المناقضة لتشريعات الاسلام الحقيقية، بل ويتم تطبيقها فى غيبة التشريعات الاسلامية الحقيقية المناقضة لها. ومن وسائلهم أيضا ( نسخ ) بمعنى إلغاء التشريعات القرآنية ، مع إن النسخ يعنى الإثبات والكتابة . وأنهم تجاهلوا الجانب الأخلاقى فى القرآن الكريم والذى نزل معظمه فى مكة ليؤهل الناس لتطبيق شريعة الاسلام عن طريق اعدادهم خلقيا وعقيديا ، أو السمو بهم أخلاقيا ليكونوا أهلا لتطبيق تفصيلات التشريع التى نزلت فيما بعد فى المدينة ، مع التلاعب بأُسس التشريع القرآنى . وسنعرض لكل هذا .
أولا :
ولكن الأهم هو تلاعبهم بمصطلح الاسلام والايمان والكفر والشرك . فقد احتكروا لأنفسهم الاسلام والايمان وأتهموا من يخالفهم بالكفر والشرك. وجعلوه مسوّغا لهم لحرب من يخالفهم فى الدين ، والذى لم يقم بالاعتداء عليهم ، شنوا عليه الحرب معتدين ، ونتج عنها إحتلال أرضه وسلب ثرواته وفرض الجزية عليه وإسترقاق ذريته وإغتصاب نسائه باسم السبى ، ومعاملة المواطنين أصحاب الأرض على أنهم ( أهل ذمّة) من الدرجة الثانية . كل هذا ظلم فظيع ، الأفظع منه نسبه الى شرع الله جل وعلا الذى لا يريد ظلما للعباد والذى لا يحب المعتدين . أرتكب هذا الظلم الهائل الخلفاء الفاسقون من أبى بكر ومن جاء بعده ، وجاء العصر العباسى فوضع التشريعات الفقهية لهذه الجرائم العظمى ، وزعم أنها الاسلام . إختلفوا حول الغنائم والثروات فنشبت الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان ، وأدت الى إنقسامهم ، وترتب على هذا الانقسام أن تحولوا الى أديان متعارضة ، واتهموا بعضهم بعضا بالكفر والشرك . وأصبح بأسهم بينهم شديدا ، وصيغت تشريعات فى قتل المخالف فى الدين حتى الأطفال والنساء والشيوخ . وحتى الآن لا يزال محتدما الصراع بين الشيعة والسنة ، يحتكر فيه كل فريق الاسلام متهما الآخر بالكفر والشرك . وبرغم أننا سبق وقد كررنا معنى الاسلام ومعنى الكفر إلا أننا نعيد التذكير به تفصيلا ، ليكون معيارا نستند اليه فى باقى ملامح التناقض بين شريعة الاسلام وأديان المسلمين الأرضية. إذ لا يزالون يربطون أديانهم بالاسلام ، وهم ألدُّ أعدائه . ويكفى أن الارهابيين فى عصرنا يسميهم العالم ( إسلاميين ) .!
ثانيا :
معنى الاسلام ومعنى الكفر والشرك والطاغوت
1-الاسلام في معناه القلبي الاعتقادي هو التسليم والانقياد لله تعالي وحده . وليس لأحد من البشر ان يحاسب انسانا بشأن عقيدته ،والا كان مدعيا للالوهية.والقرآن يؤكد علي تأجيل الحكم علي الناس في اختلافاتهم العقيدية الي يوم القيامة والي الله تعالي وحده (2/ 113)(3/ 55) (10/ 93،) (16 / 124) (5/ 48 ) (39/ 3،7،46).هذا هو معني الاسلام الباطني القلبي الاعتقادي ، هو فى التعامل مع الله تعالي استسلام وخضوع له بلغة القلوب ،وهي لغة عالمية يتفق فيها البشر جميعا، وعلي اساسها سيكون حسابهم جميعا امام الله تعالي يوم القيامة.
2 ـ اما الاسلام في التعامل الظاهري فهو السلم والسلام بين البشر مهما اختلفت عقائدهم يقول تعالي (يا ايها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة )البقرة 208 .أي يأمرهم الله تعالي بايثار السلم .ونتذكر هنا تحية الاسلام الا وهي السلام وان السلام من اسماء الله تعالي، كل ذلك مما يعبر عن تأكيد الاسلام علي وجهه السلمي ويؤكد المعني الايمان بمعني الامن والامان .
3ـ والانسان الذي يحقق الاسلام السلوكى في تعامله مع الناس فيكون مسالما لا يعتدي علي احد ،ويحقق الاسلام العقيدى في تعامله مع الله تعالى فيسلم قلبه وجوارحه لله تعالي وحده ،هذا الانسان يكون مستحقا للسلام عند الله تعالي يوم القيامة، لذلك فان الله تعالي يعدهم بالسلام و الامن فى الجنة (15 / 46) والجنة هى دار السلام (6 / 127) والسلام هو تحية أهل الجنة ( 13 / 24 ) ( 10 /10 ) ( 36 / 58 )
مفهوم الكفر والشرك فى القرآن الكريم
1 ـ الكفر و الشرك سواء, هما قرينان فى مصطلح القرآن لذلك يأتيان مترادفين فى النسق القرآنى. ( 9 / 1 ، 2 ، 17 ) ( 40 /42 ). الكفر فى اللسان العربي يعنى التغطية, أى كفر بمعنى غطى , ومثلها أيضا " غفر" ومنه المغفر الذى يغطى الوجه فى الحرب. وكلمة "كفر" أى غطى انتقلت الى لغات أخرى منها الأنجليزية : [Cover].
2 ـ لقد خلق الله تعالى البشر بفطرة نقية لا تعرف تقديسا الا لله تعالى ولا تعرف غيره جل وعلا ربا والاها و معبودا ووليا وشفيعا ونصيرا ( 30 / 30 ). ثم تأتى البيئة الأجتماعية وموروثاتها الدينية فتغطى تلك الفطرة النقية بالاعتقاد فى آلهة وأولياء و شفعاء ينسبونهم الى الله تعالى زورا , ويزعمون أنها تقربهم الى الله تعالي زلفا أو أنها واسطة تشفع لديه. ذلك الغطاء او تلك التغطية هى الكفر بالمعنى الدينى . و فى نفس الوقت فان ذلك هو أيضا شرك لأنه حوّل الألوهية الى شركة وجعل لله تعالى شركاء فى ملكه ودينه.
3 ـ وفى الواقع فان فى داخل الكفر والشرك بعض الأيمان حيث يؤِمنون بالله ايمانا ناقصا اذ يجعلون معه شركاء فى التقديس ، أو يأخذون من مساحة التقديس ـ التى ينبغى أن تكون لله تعالى خالصة ـ ويعطونها لمن لا يستحقها من البشر و الحجر. وبهذا يجتمع ذلك الايمان ـ الناقص ـ بالله تعالى مع الايمان بغيره أي بتأليه البشر و الحجر , ووصف الله تعالى أن أكثرية البشر لا تؤمن بالله إلا أذا آمنت معه بغيره ، وهذا هو حال المشركين ، ( 12 / 106 ). أى أن الشرك يعنى وجود إيمان بالله لكنه إيمان ناقص حيث يؤمن بالله تعالى ويؤمن أيضا بوجود آلهة أخرى معه. وهذا الايمان الناقص فى عقيدة الشرك سيؤدى بأصحابه الى النار يوم القيامة ، وسيقال لهم وقتها أنهم كانوا إذا قيل لهم فى الدنيا آمنوا بالله وحده رفضوا ولم يؤمنوا بالله إلا إذا جعلوا معه شريكا وحولوا الالوهية الى شركة بين الله تعالى وغيره ( 40 / 12 ). والله تعالى لا يأبه بذلك الايمان القليل لأنه " كفر" أى غطى الفطرة بتقديس غير الله . والفطرة كما جاء فى القرآن الكريم تجعل الالوهية لله وحده . وقد لعن الله تعالى الكافرين بسبب إيمانهم القليل بالله ( 4 / 46.) وأكد أن أيمان الكافرين القليل لن ينفعهم يوم القيامة ( 32 /29 ).
4 ـ الكفر ليس هو الالحاد أى الانكار التام لوجود الخالق جل و علا . إن الله تعالى ذكر فرعون نموذجا لاكثر البشر كفرا والحادا؛ بلغ به الحاده الى ادعاء واعلان الربوبية العليا، ووصل به تحديه لله تعالى أن يتساءل ساخرا عن الله تعالى منكرا وجوده لأنه ما علم الاها للمصريين سواه ـ يقصد نفسه.( 79/ :23 : 24) ( 28 /38) (40 / 36 ـ37). هذا الملحد الأكبر كان فى داخله يؤِمن بأن لله تعالى ملائكة (43/ 53) (7 / 127)" ولكنه انخدع بالملك والسلطان والتراث الدينى الذى يزكى طغيانه والكهنة والجند يؤازرونه فازداد طغيانا وتحدى رب العزة جل وعلا. وحين زال عنه سلطانه وجنده وكهنته وكهنوته و أدركه الغرق انكشف غطاء الوهم ورجع سريعا الى فطرته التى غطتها موروثات الشرك ,واعلن اسلامه فى الوقت الضائع حيث لا يجدى الندم ولا التوبة( 10 / 90 ـ ) و أصبح مثلا فى القرآن الكريم لكل مستبد يصل به استبداده الى الالحاد والتأله. ان اعتى الملحدين فى عصرنا لا يستطيع الغاء الفطرة فى داخله, ومهما اعلن انكاره لله جل وعلا فانه عندما يتعرض للمرض أو الغرق أو المصائب يرجع ذليلا لربه جل وعلا، وقد يعود الى عتوه بعد زوال المحنة( 10 / 22 ـ 9) ( 39 / 8 ، 49 ) ( 17 / 67 ـ ) و قد يظل في غيه الى لحظة الاحتضار . وهنا يصبح اسيرا بين يدى خالقه يصرخ حيث لا يسمعه البشر من حوله وحيث لا ينفع الندم ولا تجدى التوبة.
5 ـ وفى كل الأحوال فان الشرك والكفر يعنيان معا الظلم والاعتداء.
وقد وصف الله تعالى الشرك بالله بأنه ظلم عظيم (13 / 31) فأعظم الظلم أن تظلم الخالق جل وعلا وتتخذ الاها معه ، وهو خالقك ورازقك، وهذا طبعا فى التعامل مع الله جل وعلا . أما فى التعامل مع البشر فإذا تطرف أحدهم فى ظلم الناس بالقتل والقهر والاستبداد ومصادرة الحقوق الأساسية للانسان فى المعتقد والفكر ، أصبح هذا الظالم مشركا كافرا بسلوكه الظالم مع الناس ، ولا شأن لنا بما فى قلبه أو بعقيدته التى يتمسح بها أو يعلنها. نحن هنا نحكم فقط على جرائمه الظاهرة من قتل للابرياء واعتداء على الآمنين وقهر للمظلومين . أما عقيدته وعقائدنا فمرجع الحكم فيها فالى الله تعالى يوم القيامة.والقرآن يؤكد علي تأجيل الحكم علي الناس في اختلافاتهم العقيدية الي يوم القيامة والي الله تعالي وحده .
6 ـ وعليه فكما للاسلام معنيان (الايمان بالله وحده الاها والانقياد والاستسلام لله وحده) حسب العقيدة القلبية فى التعامل مع الله، و( الأمن والثقة والسلام )فى التعامل مع كل الناس ، فان الشرك والكفر يعنيان معا الظلم والاعتداء. الظلم لله تعالى والاعتداء على ذاته بالاعتقاد فى آلهة أخرى معه ، وتقديس غيره ، فيما يخص العقيدة ، والظلم والاعتداء على البشر بالقتل للابرياء وسلب حقوقهم وقهرهم، في التعامل مع الناس. وبينما يكون لله تعالى وحده الحكم على اختلافات البشر فى أمور العقيدة ـ من اعتقاد فيه وحده أوبالعكس مثل إتخاذ أولياء وآلهة معه أو نسبة الابن والزوجة له ـ فإنه من حق البشر الحكم على سلوكيات الأفراد وتصرفاتهم ، إن خيرا وإن شرا. إن كانت سلاما وأمنا فهو مؤمن مسلم ، وإن كانت ظلما وبغيا فهو مشرك كافر بسلوكه فقط.
7 ـ الطاغوت أعتى الكفر والشرك والظلم
يمكن للقارىء أن يتأكد من هذا إذا راجع كلمة الطاغوت وسياقها القرآنى . هناك مجرم عادى يقتل الأبرياء كل يوم دون مبرر دينى، وهناك مستبد علمانى يقهر شعبه تحت شعار الوطنية أو القومية دون أن يتمسح بالدين أو أن يحمل إسم الله تعالى. هذا القاتل الظالم وذلك المستبد العلمانى يوصفان بالكفر والشرك حسب إجرامهما السلوكى. ولكن بعضهم يسوّغ ظلمه للبشر واعتداءه عليهم بتشريعات وأقاويل ينسبها لله تعالى ورسوله ، ويجعل سفك الدماء وغزو المسالمين جهادا وفريضة دينية ، كما فعل الخلفاء الفاسقون فيما يسمى بالفتوحات الاسلامية وكما يفعل حاليا الارهابيون الذين يزعمون أن إجرامهم الارهابى جهاد . هنا يكون ظلمهم لله تعالى وللناس مضاعفا. هنا يمتد طغيانهم ليشمل الله تعالى ودينه ووحيه و الناس أيضا. هذه الحالة من الطغيان المركب والمضاعف يسميه القرآن الكريم : ( الطاغوت ) اى الافك والتزييف المسىء المنسوب ظلما وعدوانا لله تعالى والذى يتمسح بدينه بالكذب والبهتان.
وفى مصطلح القرآن فإن الطاغوت هو إمام المشركين الظالمين وهو الذى اليه يرجعون وبه يتمسكون. وإذا تدبرنا السياق القرآنى الذى وردت فيه كلمة الطاغوت فى القرآن وجدناها تنطبق فى عصرنا على ما يسمى بالأحاديث المنسوبة للنبى محمد ، والتى تعرف بالسنة النبوية ،وعلى الفقه والفتاوى التى تجعل القتل جهادا والتى تقنع الشباب بالانتحار ليقتل المدنيين عشوائيا. هذا هو التشريع الدينى الذى يحول أبشع الظلم الى عبادة ، ويجعل القتل العشوائى للمدنيين والأطفال والنساء والشيوخ جهادا يزعمون أن الله تعالى أمر به، والله تعالى لا يأمر بالظلم والفساد والاعتداء ، إنما يأمر بالعدل والاحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى.لذا فهذا الافتراء على الله تعالى لا يوجد مثله طغيان وبغى . ولأنه أفظع ظلم يقع على الله تعالى ودينه ورسوله وكتابه فقد إستعمل القرآن له وصف المبالغة فى الطغيان فجعله طاغوتا.
وبهذا الطاغوت كانت تحكم الدول الدينية المذهبية باسم الاسلام وياسم المسيحية فى العصور الوسطى فى الشرق المسلم والغرب الأوربى المسيحى ، وتحت عباءة الطاغوت دارت الحروب الدينية والفتوحات باسم الاسلام وباسم المسيحية ، ودارت محاكم التفتيش والاضطهادات الدينية والمذهبية،وجرى استرقاق الملايين وهتك أعراضهم بمقولة السبى ، وابيدت أمم فى أطراف العالم باسم دين الله تعالى .ثم تحررت منه أوربا،وكان المسلمون على وشك التحرر منه فكريا وثقافيا بانتهاء الدولة العثمانية وسقوط خلافتها الطاغوتية لولا أن الوهابية أعادت نشر نفس الكهنوت ،وأسهمت الظروف السياسية و( البترولية) فى نشر هذا الطاغوت الوهابى ليسيطرعلى أفئدة المسلمين باسم الاسلام،وهو أعدى أعداء الاسلام.
8 ـ والمحصلة النهائية لما سبق
ا ـ أن كل إنسان مسالم فهو مسلم حسب الظاهر من سلوكه بغض النظر عن دينه ومعتقده ، سواء كان مؤمنا بالقرآن أو مسيحيا أو من بنى اسرائيل أو بوذيا أو ملحدا. وحسب سلوكه المسالم نتعامل معه بنفس السلم ونزوجه نساءنا ونتزوج من نسائه ، ويتمتع الأولاد بحريتهم فى إختيار ما يشاءون من عقيدة أو ملة. وطبقا لتشريعات القرآن فلكل بيوت العبادة حصانة سواء كانت كنائس أو أديرة أو بيوت عبادة لأصحاب التوراة أو أى بيت يذكر الناس فيه إسم الله كثيرا أو مساجد. ومن أجل الدفاع عن كل بيوت العبادة شرع الله تعالى الجهاد ( 22 / 40 )
ب ـ إن كل إرهابى وكل سفاك للدماء وكل قاتل ظالم وكل مستبد يقهر شعبه فهو بسلوكه كافر مشرك ظالم باغ طاغ بغض النظر عن دينه الرسمى. فإذا سوغ قتله وظلمه بتفسيرات دينية نسبها لدين الله تعالى فقد أصبح طاغوتا ، يرتكب أفظع ظلم لله تعالى والبشر. وهذا ما كان يرتكبه قادة الكنائس الأوربية والمتحالفون معهم من الحكام ، وما كان يرتكبه الخلفاء فى الامبراطوريات العربية والاسلامية فى العصور الوسطى ، وما يفعله الآن حكام الدول الدينية فيما يسمى بالعالم الاسلامى ، والثائرون عليهم من جماعات الارهاب مثل ابن لادن والظواهرى والزرقاوى .
وهؤلاء يحرم الزواج منهم ويحرم تزويجهم .
الفصل الثالث : إستخدام الخطاب الالهى فى تكفير أهل الكتاب
مقدمة :
يصفون غيرهم من أهل الكتاب بالكفر، ويستخدمون الآيات القرآنية التى تتحدث فى تكفير بعض أهل الكتاب ضد جميع أهل الكتاب . ونقول :
أولا :
1 ـ هناك نوعان من الخطاب فى القرآن الكريم:
الأول هو الخطاب الالهى الخاص بالله تعالى والذى لا يجوز لنا استعماله فيما بيننا وإلا كنا قد تقمصنا دور الله تعالى. الثانى هو الخطاب المسموح لنا باستعماله.
2 ـ وقد يأتى الخطابان فى أية واحدة كقوله تعالى عن بعض بنى اسرائيل (وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ. فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ( 5 / 12 ـ ) خطاب الله تعالى هنا عن بنى اسرائيل حين يتحدث عن أخذه العهد عليهم وبنود ذلك العهد ، وكيف أخلفوا العهد فعاقبهم الله تعالى، وكيف أنه لا تزال منهم طائفة تتمسك بنفس السلوك فى عهد النبى. الى هنا ينتهى الخطاب الالهى. بعده يقول تعالى للنبى محمد (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) لم يقل له بأن يستعمل الخطاب الالهى ضدهم سيما وهم يتآمرون عليه طبقا لعادتهم فى نقض الميثاق الالهى. ولكن امره بالعفو والصفح والاحسان لهم.
3 ـ الخطاب الالهى
3 /1 : من الطبيعى أن يرد الله تعالى فى القرآن العزيز على الأقوال التى تخالف دين الله تعالى. هذا حق الله تعالى ليس فقط لأنه تعالى هو رب البشر وخالقهم وصاحب الدين الحق ولكن لأنه أيضاً تعامل مع البشر بمنطق العدل، فقد أعطاهم حرية الإيمان والكفر، وحرية إعلان الكفر وحرية العيب فى ذاته الإلهية العلية والتقول على الله تعالى، وفى مقابل ذلك فإن من حقه أن يصفهم بالكفر والعصيان وأن يرد على افتراءاتهم ، وينفى عن ذاته العلية اتخاذ الولد والشريك، وتلك قضايا تخصه جل وعلا، ومن حقه الرد عليها..
إلا أن عدل الله تعالى تجلى فى التعامل مع طوائف البشر. فحين يحكم بالكفر فإنه تعالى يضع حيثيات الاتهام وأسباب الوصف فيقول مثلاً ﴿لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ ﴿لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ﴾ (5 / 72، 73). فالحكم من الله ليس عاماً وإنما هو خاص بمن يقول ذلك القول.
3 / 2 : وفى نفس الوقت فإن الذى يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحاً من المؤمنين والاسرائيليين والنصارى والصابئين فهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يقول تعالى: ﴿إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالنّصَارَىَ وَالصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (2 / 62).ويقول تعالى: ﴿إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالصّابِئُونَ وَالنّصَارَىَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (5 / 69). أى أن الله تعالى ليس منحازاً لأحد، فمن يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر ويعمل صالحا فهو من أولياء الله أصحاب الجنة، ومن يجعل لله ولداً أو يجعل إلهاً مع الله فإن الله تعالى يحكم عليه بالكفر..وذلك هو ما يخص الله تعالى، فهو صاحب الدين وهو صاحب ومالك يوم الدين وهو الذى يرد على البشر إن أحسنوا فى العقيدة أو أساءوا فيها.
4 ـ والله تعالى يأمر بأن يكون الجدال مع أهل الكتاب بالتى هى أحسن، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُوَاْ آمَنّا بِالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـَهُنَا وَإِلَـَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (العنكبوت 46). فالجدال مع أهل الكتاب ممنوع إلا إذا كان بالتى هى أحسن. أى كان نقاشاً موضوعياً بالحجة دون إساءة، أما "الذين ظلموا" فلا جدال معهم حتى لا يتطور الأمر إلى إساءة متبادلة، والله تعالى نهى عن الجدال الذى ينتهى إلى إساءة ويقول: ﴿وَلاَ تَسُبّواْ الّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيّنّا لِكُلّ أُمّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمّ إِلَىَ رَبّهِمْ مّرْجِعُهُمْ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام 108). وعن الظالمين- أو بمفهومنا المتعصبين- يقول تعالى للنبى محمد : ﴿وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ. اللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (الحج 68، 69). أى أنه لا مجال للجدال العقيم مع المتعصب، والأفضل الإعراض عنه ، ويقول الله تعالى فى حال المؤمنين مع المتعصبين المتحفزين الظالمين ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص 55).وبالمناسبة فتلك الآية الكريمة نزلت فى حال مؤمنى أهل الكتاب ونزلت مثلاً لكل مؤمن فى الحوار أو الجدال بالتى هى أحسن وتحاشى الجدل مع المتعصبين. ولذلك فإن الجدال بالتى هى أحسن هو سمة الحوار بين المؤمنين بالقرآن ومؤمنى أهل الكتاب وذلك معنى قوله تعالى ﴿وَلاَ تُجَادِلُوَاْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ﴾.
5 ـ وحتى لا يقع المسلم فى اتهام أهل الكتاب بالكفر فإن القرآن يفرض صيغة محددة للحوار فيقول تعالى : ﴿وَقُولُوَاْ آمَنّا بِالّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـَهُنَا وَإِلَـَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ أى نؤمن معاً بالله الواحد ونؤمن بما أنزل إليكم وما أنزل إلينا، ونحن له مسلمون، ولم يقل مثلاً "وأنتم كافرون" . ولم يأت الأمر مثلاً بأن يستشهد المؤمن فى حواره مع أهل الكتاب بما قاله رب العزة عن أولئك الذين قالوا إن الله تعالى ثالث ثلاثة أو أن الله هو المسيح ابن مريم.. لأن ذلك هو قول الله تعالى ذاته فى الرد عليهم، أما نحن فما علينا إلا أن نحاور بالتى هى أحسن ونرجئ الحكم فى العقائد إلى يوم الدين يوم الحساب أمام الله تعالى..
6 ـ وقد تحدثت سورة آل عمران عن ميلاد عيسى عليه السلام وبعثته ثم قالت: ﴿ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ. إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ. الْحَقّ مِن رّبّكَ فَلاَ تَكُنْ مّن الْمُمْتَرِينَ﴾ (3 / 58: 60). وبعد ذلك التوضيح عن بشرية المسيح عليه السلام ورسالته فماذا يكون موقف النبى إذا جاءه أهل الكتاب يجادلونه؟ هل يتهمهم بالكفر؟ هل يرميهم بالضلال؟ هل يتوعدهم بالجحيم؟.
تعالوا بنا نقرأ الآية التالية لنعرف الإجابة فى تلك السورة المدنية التى نزلت فى عصر قوة المسلمين وشوكتهم ﴿فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ (آل عمران 61).أى من جادلك فى طبيعة المسيح من بعد ما جاءك فيه من العلم أى بالقرآن فادعهم إلى المباهلة، أى الاحتكام إلى الله تعالى فى الدنيا، بأن يخرج الفريقان ومعهم الأبناء والنساء ويبتهلون إلى الله تعالى أن يلعن الكاذب منهما.. لم يقل القرآن للنبى إذا جادلوك فاحكم عليهم بالضلال والكفر ودخول الجحيم.. ولكن ابتهل إلى الله لكى تكون اللعنة من نصيب الكاذب من الفريقين، ومن الطبيعى أن كل فريق يعتقد الصدق فى نفسه..أى أنه تصعيد وتأجيل للحكم إلى رب العزة لأنه وحده هو الذى يحكم بالكفر أو بالإيمان على عباده البشر، أما النبى فلا يملك أن يحكم بكفر أحد.
7 ـ والقرآن فى دعوته لأهل الكتاب يضع أسلوب الحوار الراقى الذى يجب على المسلمين اتباعه، ويقول تعالى للنبى قال تعالى: ﴿قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران 64).فهذا هو الخطاب الراقى لأهل الكتاب أن ندعوهم إلى كلمة سواء نلتزم بها سوياً، أن نعبد الله وحده دون شريك وألا نتخذ كهنوتاً وأرباباً من البشر، فإن رفضوا فلا نتهمهم بالكفر ولا نتحدث بأسمهم أو باسم الله ولكن نتحدث باسمنا فقط، فنقول لهم اشهدوا إذن بأننا أسلمنا لله وحده..لم يقل: فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون وأنتم كافرون.
8 ـ والملاحظ أن خطاب الله تعالى للبشر ـ فى تكفير من يقع فى الشرك والكفر ـ لم يأت فيه أبدا للنبى كلمة ( قل ). أى أنه خطاب خاص بالله تعالى يوجهه مباشرة ـ دون واسطة ـ لمن وصف الله تعالى بما لا يليق بجلاله . أما الخطاب المسموح لنا باستعماله فقد وردت فيه كلمة ( قل ), وكل ( الأقوال ) التى أمر الله تعالى المسلمين بقولها لأهل الكتاب وغيرهم تفيض بالعدل والوعظ وحسن الخطاب بلا تكفير أو تحقير.
والخلاصة أن الله تعالى هو وحده صاحب الحق فى أن يقول عن بعض أهل الكتاب ﴿لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾.
وهو وحده تعالى صاحب الحق أن يقول عن أهل الكتاب ﴿لَيْسُواْ سَوَآءً مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَآءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ (آل عمران 113، 114). الله وحده هو الذى ﴿يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصّدُورُ﴾ وهو الأعلم بحقيقة الإيمان عند الأفراد والطوائف والأمم، والله تعالى يقول ﴿وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مّن بَعْضٍ﴾ (النساء 25). أما نحن البشر فإذا كنا ندعى الإيمان حقاً فيجب أن نلتزم بأوامر الله تعالى فى أن نقول للناس حسنا ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ (البقرة 83).
ثانيا :
نتائج مترتبة على تكفيرهم أهل الكتاب
ا ـ ولأننا خصوم فى العقائد فلا يصح أن يكون الخصم حكما وقاضيا على خصمه، ولكن يجب ارجاع الفصل فى الموضوع الى القاضى الأعظم جل وعلا وهو صاحب الشأن فيما اختلف الناس فيه هل هو واحد لا شريك له أم له شركاء وولد وزوجة . وموعد المحاكمة هو يوم الحساب ، وفيه سيفصل الله تعالى بين أولئك الذين اختصموا فى ربهم ( 22 / 19 ـ ). الا إن فقهاء الأديان الأرضية للمسلمين تعالوا بأنفسهم واستنكفوا أن يكونوا خصوما لمن يختلف معهم فى العقيدة والدين. أى جعلوا أنفسهم من البداية فى موقع القاضى الأعظم رب العزة جل وعلا ، واستعملوا الخطاب الخاص بالله تعالى يوجهونه ضد اهل الكتاب, وهم بذلك رفعوا أنفسهم الى مرتبة الألوهية حين استعملوا حقا لله وحده لم يعطه لخاتم الأنبياء. ومن المنتظر ممن يؤسس دينا أرضيا أن يجعل نفسه الاها مع الله تعالى إما بصراحة أو بصورة ضمنية. ولهذا فأنه يقيم يوما للقيامة فى هذه الدنيا حين يعاقب مقدما من يعتبرهم كفارا دون أن يترك لهم حرية الاختيار التى كفلها شرع الله تعالى لكل العصاة ـ وأولهم أولئك المفترون على الله تعالى كذبا ـ اذن فالتأليه الضمنى لانفسهم هو النتيجة الأولى لاستعمالهم الخطاب الالهى فى مخاطبة المختلف معهم فى الدين.
ب ـ ولكن النتائج الباقية لاستعمالهم خطاب الله تعالى كان ضحيتها القرآن نفسه وأهل الكتاب أيضا.
فقد تجاهلوا الآيات القرآنية التى تتحدث عن :
1 ـ تقسيم البشر جميعا الى ثلاثة أقسام حسب العمل والايمان. وأن كل انسان سيعرف موقعه فى هذا التصنيف الثلاثى ( السابقون ـ أصحاب اليمين ـ الضالون ) عند الموت ويوم القيامة. وهذا بالطبع ينطبق على أهل الكتاب وغيرهم.( 56 /1 : 46 ـ 83 : 96 )
2 ـ وتجاهلوا الآيات التى تقسم أهل الكتاب بنفس التقسيم الثلاثى وتجاهلوا الآيات التى تمدح أصحاب الطبقة العليا من مؤمنى أهل الكتاب سواء فى عهد موسى أو فى عهد عيسى أو عهد محمد ، وتأكيد القرآن أن وجود طائفة مؤمنة من هذه الطبقة أمر ثابت أى مستمر ( 5 / 59 ، 66 ) ( 3 / 110 ـ 113 ـ 199 ) ( 4 / 153 ـ ، 162 ) وتقسم المسلمين نفس التقسيم ( 35 / 32 ) وأن هذا التقسيم ينطبق على أصحاب النبى محمد الذين أحاطوا به فى المدينة ( 9 / 84 ـ ، 97 ـ ، 100 ـ 107 ـ ).
3 ـ. وللقرآن الكريم مصطلحاته الخاصة بأهل الكتاب وطوائفهم, منها (اهل الكتاب ـ الذين أوتوا الكتاب ـ الذين هادوا ـ النصارى ـ اليهود ـ بنواسرائيل ـ قوم موسى). وفيما يخص أتباع موسى قبل محمد وفى عصره فأن القرآن الكريم يستخدم مصطلحات (الذين هادوا ـ بنواسرائيل ـ قوم موسى) فى الحديث عن النواحى الايجابية والسلبية معا. أما حين يتحدث عن الطائفة الضالة فقط منهم فانه يستعمل مصطلح (اليهود).وبمراجعة هذا المصطلح (اليهود) فى السياق القرآنى نجده يتحدث عن طائفة تخالف المتعارف عليه فى الديانة الاسرائيلية، إذ كانوا يعبدون ما يسمى بعزير يجعلونه ابن الله ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيراـ أى يماثلون النصارى القائلين بالوهية المسيح والمتأثرين معا بالديانة الفرعونية القديمة حسبما أشار اليه القرآن الكريم ( 9 / 30 ـ ) وفى تأثرهم بالعبادة الفرعونية تكلم القرآن عن جذور هذه الطائفة العقيدية فى عهد موسى حين عبدوا العجل الذهبى وطلبوا من موسى عبادة اله فرعونى عندما مروا على معبد فى سيناء ( 7 / 138 ـ ، 148 ـ ، 152 ) ( 2 /89 ـ 92 ـ ). هؤلاء اليهود كانوا على وفاق عقيدى وتحالف سياسى مع النصارى المسيحيين ـ على خلاف المتعارف عليه. والواضح أنه لا يوجد اليوم فى الديانة الاسرائيلية تلك الملامح العقيدية فى تأليه وعبادة عزير والتشابه العقيدى مع المسيحيين.
ثالثا :
1 ـ أمر عمر بن الخطاب باخلاء الجزيرة العربية من كل أهل الكتاب. وقام أولئك اليهود بعملية خداع كبرى إذ أسلموا وصاروا بما يزعمونه من العلم بالتوراة معلمين أوائل للمسلمين. وكان منهم عبد الله بن سلام ووهب بن منبه، وكان أخطرهم كعب الأحبار وابن سبأ. عبد الله بن سبأ هو الذى اخترع التشيع والذى اشعل الثورة على عثمان وساعد فى اشعال الحرب الأهلية بعد قتله، وكعب الأحبار هو أستاذ أبى هريرة أكبر رواة الحديث وكعب هو مصدر الاسرائيليات فى الفكر السنى والمخترع الأول لفكرة الشفاعة والرائد الأول فى الدين السنى، وهو الذى تآمر على قتل عمر بن الخطاب.
ومعروف تاثير ما يسمى ( بالاسرائيليات ) فى تراث السنة والتشيع.
ـ المرجح أن هؤلاء هم اليهود ـ أو النسبة الكبرى منهم ـ أسلمت لتكيد للمسلمين بعد طول عداء للاسلام والمسلمين. وجاء فقهاء الأديان الأرضية للمسلمين فيما بعد ليطلقوا مصطلح اليهود على كل أتباع التوراة متجاهلين المصطلحات الأخرى مثل (الذين هادوا ـ بنو اسرائيل ـ (أهل الكتاب ـ قوم موسى )لكى ينطبق الهجوم القرآنى على تلك الفئة الضالة التى أطلق عليها القرآن ( اليهود ) على كل الاسرائيليين والذين هادوا ، ويتم نسيان الحديث الالهى الايجابى عنهم.
الفصل الرابع : إجتهادهم الشيطانى فى التلاعب بأسباب النزول
أنواع أسباب النزول ومنهج القرآن الكريم فى كل منها
أولا :
منهج القرآن الكريم فى أسباب النزول فى ميدان الوعظ والاخلاق والعقائد
1 ـ وردت هذه القصة فى كتاب (أسباب النزول) للنيسابورى. فيما يخص سورة النساء.
( إِناأَنزَلنا إِليكَ الكِتابَ بِالحَقِّ لِتَحكُمَ بَينَ الناسِ بِما أَراكَاللهُ}الآية.إلى قوله تعالى {وَمَن يُشرِك بِاللهِ فَقَد ضَلَّ ضَلالاًبَعيداً} أنزلت كلها في قصة واحدة.وذلك أن رجلاً من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق أحد بني ظفر بنالحارث سرق درعاً من جار له يقال له قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيقفجعل الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى الدار وفيها أثر الدقيق ، ثم خبأهاعند رجل من اليهود يقال له زيد بن السمين ، فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عندهوحلف لهم: والله ما أخذها وما له به من علم فقال أصحاب الدرع: بلى والله قدأدلج علينا فأخذها وطلبنا أثره حتى دخل داره فرأينا أثر الدقيق فلما أن حلف تركوهواتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي فأخذوه فقال: دفعها إلي طعمة بنأبيرق وشهد له أناس من اليهود على ذلك فقالت بنو ظفر وهم قوم طعمة: انطلقوا بناإلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلموه في ذلك فسألوه أن يجادل عن صاحبهم وقالوا: إن لم تفعل هلك صاحبنا وافتضح وبريء اليهودي فهم رسول الله صلى الله عليهوآله وسلم أن يفعل وكان هواه معهم وأن يعاقب اليهودي حتى أنزل الله تعالى {إِنا أَنزَلناإِلَيكَ الكِتابَ بِالحَقِّ} الآية كلها وهذا قول جماعة منالمفسرين.) انتهى .
2 ـ المقصود من كلامه أنه سرق شاب درعاً وشاع أمر السرقة وصارت فضيحة للشاب السارق، وأحس أهله بالعار فاجتمعوا ليلاً ليتداركوا الفضيحة، وانتهوا إلى قرار، خبأوا الدرع المسروق فى بيت يهودى برئ، ثم ذهبوا فى الصباح للنبى محمد يدافعون عن ابنهم (المظلوم) وتم العثور على الدرع المسروق فى بيت اليهودى واقتنع النبى ببراءة الشاب ودافع عن براءته.. وبذلك تمت تبرئة المجرم وتمت إدانة برئ مظلوم..
3 ـ ولأنها قصة إنسانية تكرر فى كل زمان ومكان، فإن القرآن نزل يوضح الحق وينصف المظلوم ويثبت جريمة السارق ويضع القواعد، ويحول الحادثة المحددة بالزمان والمكان والأشخاص إلى قضية عامة فوق الزمان والمكان، قضية البرئ المظلوم والمجرم صاحب النفوذ الذى يفلت بجريمته..
3 / 1 : وبدأت الآيات بعتاب النبى، تقول له ﴿إِنّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِمَآ أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُنْ لّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً. وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رّحِيماً. وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ مَن كَانَ خَوّاناً أَثِيماً﴾ ولا شك أن أولئك الناس كانوا من الصحابة المقربين للنبى الذين كانوا يتمتعون بتقدير خاص لديه، ولكن لأنهم اجترءوا على تبرئة ابنهم المجرم واتهام إنسان (يهودى) برئ فقد جعلهم الله من الخونة الآثمين، وتلك عظمة الرقى التشريعى فى الإسلام، فالبرئ له حقوقه حتى لو لم يكن مسلما فى دولة اسلامية،ً والمجرم مستحق للاحتقار هو وأهله الذين يعاونونه حتى لو كانوا من أقرب أصحاب النبى إليه.
3 / 2 : ثم يقول تعالى يصف تآمر أولئك (الصحابة) ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىَ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً﴾ أى أنهم كانوا يراعون الناس ولا يراعون رب الناس جل وعلا.. تآمروا ليلاً على اتهام برئ ليبرئوا ابنهم المجرم، وقد نسوا أن الله تعالى معهم يسمع نجواهم ومحيط بكل ما يعملون..
3 / 3 : ثم يتوجه العتاب للنبى ولهم فيقول تعالى ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلآءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾؟؟!! يعنى إذا كنتم تجادلون وتدافعون عنهم فى الدنيا فهل يستطيع أحد منكم أن يدافع عنهم أو يشفع فيهم يوم القيامة، وهل يستطيع أحد منكم أن يكون وكيلاً عنهم أمام الله، والاستفهام استنكارى.. يعنى أن الله تعالى قد أنزل الكتاب لتأسيس العدل وليقوم الناس بالقسط، ولكن الذى حدث أن الناس لم يكتفوا بنشر الظلم فى الدنيا بل وتصوروا يوماً للحساب فى الآخرة يقوم أيضاً على الوساطات والشفاعات حتى يستطيع الذى نجا بظلمه فى الدنيا أن ينجو أيضاً فى الآخرة.. ولذلك فإن الله تعالى بعد أن عاتبهم- ومنهم النبى- بأنهم إذا كانوا يجادلون عن الخونة فى الدنيا فلن يستطيعوا الدفاع عنهم فى الآخرة.
3 / 4 : وبعدها يضع الله تعالى القواعد التى على أساسها تتم عدالة الحساب فى الآخرة حيث لا مجال للشفاعة أو التوسط أو المحاباة، فيقول تعالى ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوَءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رّحِيماً﴾ أى أن المذنب إذا استغفر الله غفر الله له، وحينئذ لا حاجة لوسيط خارجى، عليه أن يتوب والله تعالى يتوب عليه، أى أنه مسئول عن نفسه، إن تاب فالله تعالى غفور رحيم.
3 / 5 : وتؤكد الآية التالية هذه الحقيقة ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىَ نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾ أى فالمسئولية فردية ولا يغنى أحد عن أحد، والله تعالى (عليم) بكل ما يحدث فى العالم (حكيم) فى كل أحكامه وقضائه وتشريعاته.
3 / 6 : وتقول الآية التالية ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيَئَةً أَوْ إِثْماً ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مّبِيناً﴾ أى فالذى لا يكتفى بالإثم ولكن يضيف عليه أن يلصق الإثم ببرئ ليفلت هو إنما اكتسب مع الإثم بهتاناً عظيما.. فالعقاب على قدر الجناية..
3 / 7 : وفى النهاية يقول تعالى للنبى ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمّتْ طّآئِفَةٌ مّنْهُمْ أَن يُضِلّوكَ وَمَا يُضِلّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ (النساء 105: 113) أى فلولا الوحى وما نزل من الكتاب لاستطاعوا خداع النبى وتضليله، ولكن الله تعالى بفضله على النبى أخبره بما لم يكن يعلم بتآمر أولئك الصحابة الخونة المخادعين الذين كذبوا على النبى ليبرئوا ابنهم بالباطل ويلصقوا الجريمة ببرىء ، وهم فى الحقيقة لم يخدعوا إلا أنفسهم.
4 ـ وهكذا لم يتحدث القرآن عن فلان السارق وفلان البرئ وأسرة الجانى وزمن الحادثة وتفصيلاتها، وإنما تحولت الحادثة التاريخية الى قضية عامة نراها فى كل مجتمع لتكون حجة على أصحاب النفوذ الذين يستغلون نفوذهم والواسطة أو الشفاعة فيهربون من العقوبة على جرائمهم ويضعون الأبرياء مكانهم فى السجون ، وتلك احدى أهم الرذائل التى تنتشر فى بلاد المحمديين الذين آمنوا بالشفاعات والوساطات فى الدين وفى الدنيا فخسروهما معا، ولذلك تمتلىء السجون فى بلادهم بالمظاليم حتى يقول المثل الشعبى "ياما فى الحبس مظاليم".
5 ـ والآيات تنفى أن كل الصحابة أطهار بررة، فمنهم السابقون الأطهار، ومنهم من خلط عملا صالحا وآخر سيئا ، ومنهم منافقون، ومنهم خونة متآمرون، وذلك الوصف ليس من عندنا ولا نجرؤ على قوله إلا من خلال ما قاله رب العزة فى الآيات السابقة ، استرجع معنا ما قاله تعالى عنهم فى هذا السياق :" وَلاَ تَكُنْ لّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً" ـ "وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ مَن كَانَ خَوّاناً أَثِيماً" ـ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ ـ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمّتْ طّآئِفَةٌ مّنْهُمْ أَن يُضِلّوكَ وَمَا يُضِلّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ ". ان الذى ذكر قصص الصحابة التى نخجل منها الآن هو الله تعالى الذى لا معقب لحكمه.. وعليه فإن إضفاء العدالة على كل الصحابة أمر يخالف العقل ويجافى القرآن الكريم.
6 ـ والآيات تثبت :
6 / 1 : أن النبى بشر يستطيع الآخرون خداعه وتضليله، إلا أن عصمته بالوحى، إذ يأتى الوحى يوضح له الحق ويأمره بالاستغفار من الذنب، وعن عصمة النبى بالوحى فقط يقول له ربه تعالى ﴿قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنّمَآ أَضِلّ عَلَىَ نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيّ رَبّي﴾ (سبأ 50).وإضفاء العصمة المطلقة للنبى تأليه للنبى، فالله سبحانه وتعالى هو وحده المنزه عن الخطأ، وهو الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
6 / 2 : والآيات تثبت أن النبى لن يستطيع أن يجادل عن أحد يوم القيامة أو أن يشفع فيه، فالمسئولية تقع على كل فرد، إذا تاب تاب الله عليه، وإذا عصى ولم يتب فالعقاب على قدر الجريمة.. والله تعالى يقول ﴿مَن يَعْمَلْ سُوَءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾ (النساء 123). أى ولا يجد له من دون الله شفيعاً. ولذلك فإن الذين ارتكنوا فى الدنيا على شفاعة البشر فإنهم سيقولون فى النار ﴿وَمَآ أَضَلّنَآ إِلاّ الْمُجْرِمُونَ. فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ. وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾..!!
7 ـ المهم فى موضوعنا : أن القرآن الكريم تجاهل أسماء الأشخاص والزمان والمكان وكل التفصيلات ( التاريخية ) لكى يحوّل تلك الحادثة المقيدة بالزمان والمكان والأشخاص الى عبرة فوق الزمان والمكان وصالحة للعظة فى كل وقت.
8 ـ موقف أديان المسلمين منها
الذى فعله أصحاب الدين الأرضى هنا أنهم حولوا تلك القضية من العمومية الى تخصيصها بزمان ومكان. أى مجرد قصة بطلها فلان وفلان ليتركز الانتباه على الحادثة لتكون مجرد حكاية للتسلية حتى ينقطع جوهر العظة والعبرة فيها. والأهم أن ينسى الناس التعليق المكثف الذى جاءت به الآيات على القصة والذى ينفى عصمة النبى محمد وشفاعته ووقوع بعض الصحابة فى الاثم والكذب والافتراء على النبى محمد فى حياته. كل تلك القيم الاسلامية العليا تم تجاهلها فى كتب ما يسمى بالتفسير والحديث. وانتشر مكانها أكاذيب الشفاعة وعصمة النبى وعدالة الصحابة. والدليل لى ذلك أنك لو شرحت هذه القصة وتوقفت مع اتهام القرآن الكريم لأولئك الصحابة بالخيانة لهاجمك السامعون انحيازا منهم لدينهم الأرضى ضد القرآن الكريم.
هذا ما فعله فقهاء الأديان الأرضية للمحمديين فيما يخص أسباب النزول فى موضوعات الأخلاق والعقائد. فماذا فعلوه فى أسباب النزول فيما يخص التشريع؟
ثانيا :
منهج القرآن الكريم فى أسباب النزول فى ميدان التشريعات
فى سياق التشريعات فى القرآن لم ترد كثير من القصص، ولم تكن فيه الكثير من تفصيلات الأحداث. فالمنهج هنا مختلف عن قصص الوعظ الخلقى والعقيدى، إذ تتم الاشارة الى الحدث ليتسع المجال أكثر للتشريع مصحوبة بالأمر والنهى وألفاظ التشريع .
1 ـ ففى بداية سورة التوبة إشارات تاريخية لعدوان وقع من أئمة المشركين المعتدين الذين نقضوا العهد مع النبى محمد عليه السلام بعد فتح مكة واعطائهم مهلة أو براءة لمدة أربعة أشهر هى الأشهر الحرم. الواضح فى السياق هنا حرص السياق القرآنى على تحديد الحادثة بالزمان والمكان. فالمكان هو البيت الحرام والزمان هو أربعة أشهر للتوبة . وفى خاتمة هذا السياق جاءت أهم آية تشريعية وهى التى تمنع أولئك المشركين المعتدين من الاقتراب من البيت الحرام الذى جعله الله تعالى واحة أمن للناس يجب أن يبتعد عنها المعتدون الذين لا أمان ولا عهد لديهم. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (9 /28) والواضح فيها أنها تتحدث عن حادثة محددة بالزمان والمكان (بعد عامهم هذا ) ( المسجد الحرام )والسياق قبلها يصف المشركين بالعدوان ونقض العهد. والمعنى أن ذلك التشريع قابل للتطبيق إذا تكررت ظروفه بنفس التفاصيل. مثلما هاجم القرامطة مثلا البيت الحرام فكان لا بد من منعهم من الاقتراب منه. ولكن الذى حدث هو منع أهل الكتاب المسالمين من الحج إذا أرادوا. وبالمناسبة فان آيات الحج فى القرآن توجب الحج على كل أتباع ملة ابراهيم وتجعل البيت الحرام لكل الناس. ولكن الدين السنى كما احتكر لنفسه الاسلام فقد احتكر أيضا البيت الحرام. والسعودية زعيمة الدين السنى والتى يقوم نظامها السياسى على أساسه تمنع المسيحيين والاسرائيليين من دخول الحجاز أصلا وليس فقط مكة. وحين يريد مسلم أوربى أو أمريكى تأدية الحج لا بد ان تختبره السفارة السعودية فى الاسلام قبل إعطائه تأشيرة الحج. وهم يستشهدون بالآية الكريمة السابقة فيعتبرون المشركين النجس هم أولئك المسالمين من أهل الكتاب.
2 ـ ويتصل بذلك ما فعلوه بآيات الولاء والبراء فى القرآن والتى كانت تتحدث عن علاقات مرحلية محدودة بالزمان والمكان وقابلة للتطبيق فقط إذا تطابقت نفس المعطيات من وجود حالة حرب تستلزم تحالف المشركين المعتدين ضد المسلمين. عندها فقط يجب عدم موالاة العدو المعتدى ضد الوطن والمواطنين. ولكن فقهاء الأديان الأرضية عمموا استعمال هذه الايات ـ خصوصا ما يخص منها اليهود والنصارى ـ وجعلوها تنطبق على المخالف فى الدين المسالم الذى لم يقم بالاعتداء على أحد. والأقليات الدينية فى مجتمعات المحمديين هم ضحايا هذا التحريف المتعمد للقرآن الكريم فى هذا الخصوص.
أخيرا :
1 ـ إن للدين الأرضى عند المحمديين وغيرهم جذورا اجتماعية ، وسياسية ونفسية ، لانه انتاج بشرى يتأثر بالظروف الزمنية والمكانية والشخصية لاصحابه ولكن لا ينطبق ذلك على الكتاب الإلهى الذى نزل من رب العزة جل وعلا لإصلاح اهل الارض، وليس للتأثر بأهل الارض .
2 ـ صحيح ان الوحى الالهى يتشابك مع حادثة ارضية ويقوم بالتعليق عليها ، وهذا ما يعرف بأسباب النزول ، ولكن السياق القرآنى فى هذه المواضع يقوم بتحويل الحادثة المرتبطة بالزمان والمكان والاشخاص الى حالة بشرية عامة ويجعلها عظة تدور فوق الزمان والمكان ، اى يخلصها من اسر الواقعة التاريخية ويحررها من ذلك الارتباط الزمانى والمكانى لتكون صالحة للتطبيق والعظة فى كل زمان ومكان ، وهذا هو منهج القرآن الكريم فى القصص عموما وفى التعليق على الاحداث التى جرت فى عهد النبى محمد و غيره من الأنبياء ـ عليهم السلام. القصص القرآنى لا تجد فيه ذكرا للأسماء والاشخاص او الزمان او المكان ، كى تتحول القصة من التاريخ المحدد الى التشريع والعظة وبذلك يظل النص القرآنى والتشريع القرآنى سارى المفعول فى كل زمان ومكان .
3 ـ وصحيح ان التشريعات القرآنية جاء بعضها مرتبطا بظروفه الزمنية والمكانية وذلك فى التشريعات الخاصة بالنبى وزوجاته وتعاملاته مع اصحابه، ولكن التشريعات العامة جاءت فى سياق يؤكد سريانها فوق الزمان والمكان وفى اطار قواعد تشريعية ملزمة ، وجاء فى سياقها الاستثناءات الخاصة بها ، والمقاصد التشريعية التى تطبق من خلالها.
ـ ولكن ذلك كله أطاح به فقهاء الأديان الأرضية للمحمديين .
الفصل الخامس : إهمال الجانب الأخلاقى فى القرآن الكريم
مقدمة :
1 ـ يقتضى المنهج العلمى أن نتعرف على البيئة التى نزل فيها القرآن والتى شهدت دعوة الاسلام فى مجتمع أطلقوا عليه ( الجاهلية ).
2 ـ كانت الثقافة السائدة فى البيئة الصحراوية العربية لا تعترف إلا بالقوة والعنف. وقد مارست ثقافة العنف كطريق للعيش وكسب الرزق فأصبح من قيمها الأخلاقية تمجيد النهب والسبى والاعتداء وقطع الأرحام ووأد البنات وظلم المرأة وقهر كل إنسان ضعيف مسالم. ارتبط هذا بممارسة دين أرضى كافر سيطرت به قريش على العرب من غير أهل الكتاب الذين كانوا يعيشون وقتها فى الجزيرة العربية.
3 ـ لا يمكن فى اصلاح هذا المجتمع الصحراوى العنيف الدموى الكافر أن تبدأ معه مباشرة بفرض التشريعات وتفصيلاتها. لو حدث هذا فى مجتمع نهرى مسالم ما استطاع أن يتفهم هذه التشريعات وما استطاع تطبيقها لأنه لم يأخذ فترة فى الاستعداد الأخلاقى لها. فما بالك بمجتمع صحراوى فظ غليظ القلب؟.
4 ـ الأهم من هذا أن تطبيق التشريعات القرآنية الاسلامية يعتمد أساسا وأولا وأخيرا على ضمير الانسان نفسه ، ويؤكد على حريته فى الطاعة أو المعصية. وإذن لا بد من السمو بهذا الانسان أخلاقيا حتى يمكن الاطمئنان الى وجود ضمير لديه يخشى الله تعالى قبل أن يخشى الناس. فالضمير فى ثقافتنا المعاصره أقرب الى مصطلح التقوى فى القرآن الكريم.
5 ـ وجاءت بعض تشريعات إجمالية فى السور المكية فى إطار الدعوة الأخلاقية والعقيدية ، مع تركيز الوحى القرآنى وقتها كان على الجانب العقيدى ( لا إله إلا الله ) ونبذ تقديس البشروالحجر مع الجانب الخلقى وربط بينهما برباط وثيق ليؤهل المسلمين ويعدهم ليطبقوا تفصيلات التشريع التى نزلت فيما بعد فى المدينة.
6 ـ واستعراض الجانب الأخلاقى فى السور المكية أكبر من طاقة هذا الكتاب. ولكن نوجزه فى لمحة سريعة .
الأولى : الوصايا العشر فى القرآن الكريم
من الغريب والمستهجن فى نفس الوقت أنه بينما تكتسب الوصايا العشر شهرة لدى أهل الكتاب ـ مع تحريفها ـ فان الوصايا العشر التى ذكرها القرآن الكريم ــ على حقيقتها ـ تجاهلها المحمديون تماما . الأغرب أن السياق القرآنى الذى جىء فيه بالوصايا العشر كان فى اطار الحوار مع أهل الكتاب.
يقول الله تعالى فى سورة الأنعام المكية :
(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154))
ونتوقف معها بتحليل موجز:
أولا : الوصايا العشر هى :
1 ـ عدم الوقوع فى الشرك العقيدى باتخاذ آلهة وأولياء مع الله تعالى.
2 ـ الاحسان للوالدين.
3 ـ النهى عن قتل الأولاد بسبب الوقوع ( الفعلى ) فى الفقر .
4 ـ النهى عن الاقتراب من العلاقات الجنسية المحرمة سواء كانت علنية أوسرية.
5 ـ النهى عن قتل النفس التى لم تقع فى ارتكاب جريمة قتل.
6 ـ النهى عن أكل مال اليتيم الا بالتى هى احسن كأن تكون فى مقابل رعايته واستثمار ماله.
7 ـ توفية الكيل والميزان بالقسط والعدل.
8 ـ العدل فى القول ، أى قول الحق حتى لوكان ضارا بأقرب الناس اليك
9 ـ الوفاء بالعهد الالهى أى أداء فرائضه .
10 ـ اتباع القرآن الكريم وحده باعتباره الطرق المستقيم للهداية.
ثانيا : يلاحظ الآتى :
1 ـ النهى عن الوقوع فى الشرك العقيدى والشرك السلوكى أيضا والذى يتضمن النهى عن القتل والظلم لليتيم . ووجود النهى عن أشياء يعنى كثرة الوقوع فيها.
2 ـ الأمر بالتمسك بأشياء مثل الاحسان للوالدين والعدل فى القول وفى البيع والشراء وتنفيذ عهد الله والتمسك بالقرآن وحده. والأمر بشىء يعنى أنهم تعودوا اهمال ذلك الشىء.
3 ـ وبتطبيق الأوامر والابتعاد عن النواهى فقد اكتملت أركان الاسلام العقيدية والتشريعية ، إذ جاءت التشريعات الأساسية للاسلام إجمالا ضمن هذه الأوامر الأخلاقية، وأهمها الحفاظ على حق الحياة والعرض وحق اليتيم فى ماله . وكل ذلك جاء تمهيدا لتشريعات أتت فيما بعد تفصل حقوق اليتيم وعقوبة القاتل والزانى وأهمية الشهادة .
ثانيا : تفصيلات الوصايا العشر فى القرآن الكريم:
يقول تعالى فى سورة الاسراء المكية:
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28) وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39))
ونلاحظ :
1 ـ التاكيد على النهى عن الوقوع فى الشرك العقيدى فى البداية والنهاية.
2 ـ تفصيلات فى الاحسان للوالدين والرفق بهما عند وصولهما أو احدهما الى الشيخوخة/، وان يمتد الاحسان ـ أفقيا ـ الى ذوى القربى واليتامى والمساكين . ـ ورأسيا ـ الى الاعراض عنهم مع الاحسان اليهم إذا أساءوا.
3 ـ تكرار الوصايا السابقة مثل النهى عن قتل الأولاد ( خوف الوقوع مستقبلا فى الفقر ) أى النهى بكل طريق عن قتل الأولاد ، وكان منتشرا ، النهى عن الزنا وعن القتل خارج القصاص ـ وعن أكل مال اليتيم . ثم الأمر بالوفاء بالعهد والعدل فى الكيل والوزن.
4 ـ المجىء بتفصيلات جديدة مثل النهى عن الاسراف ، والبخل وانتهاك حرمة وخصوصيات الغيروالتدخل فيما ليس من شأنك ـ والنهى عن الخيلاء والاستكبار والغرور.
5 ـ مع وجود التأكيد على عدم الوقوع فى الشرك العقيدى والسلوكى ومع التاكيد على حقائق التشريع التى تحفظ حق الحياة و المال فقد جاءت أيات سورةالاسراء بحق جديد من حقوق الانسان هو حق الخصوصية وألا ينتهلك أحد خصوصيات الاخرين, وهذا ما توسعت فيه فيما بعد سورة الحجرات المدنية ( 11 ـ12 )
ثالثا : وصايا سورة الفرقان المكية:
(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) )
وهنا أيضا نلاحظ الآتى:
1 ـ الحديث هنا عن صفات المتقين . وهذه بالطبع صفات مطروحة أمام الجميع ليتحلى بها. كل منا مدعو لأن يكون من عباد الرحمن, وبامكانه أن يكون أيضا من أتباع الشيطان حسب اختياره وعمله.
2 ـ تاتى هنا نفس الصفات تقريبا من عدم الوقوع فى الشرك العقيدى والشرك السلوكى أى عدم القتل وعدم الوقوع فى الزنا وعدم الوقوع فى شهادة الزور أو حضور مجالس الزور, مع التأكيد على السير فى الأرض بدون خيلاء مع الاعتدال فى النفقة وعدم الاسراف. و( المرح ) هو الخيلاء والغرور والاستكبار .
3 ـ إلاّ إن الجديد هوالتاكيد على العبادة بقيام الليل والدعاء والحرص على هداية الذرية، والتاكيد على الاحسان مع المسىء والرد عليهم بالسلام والاعراض عن لغوهم . أى إن الاحسان هنا امتد ليشمل المسىء المعتدى بالقول واللغو مع الوالدين والأقارب واليتيم والمسكين.
رابعا : أوامر سورة النحل :
( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95))
نلاحظ :
1 ـ أوامر بالعدل والاحسان وايتاء ذى القربى والنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى . والأمر بالوفاء بالعهد والنهى عن النكث فى الحلف والأيمان .
2 ـ الجديد هو النهى عن استغلال الدين الالهى فى حطام دنيوى ( الآيتان 94 : 95 ). الأهمية القصوى فى الابتعاد بالدين عن التجارة ، والإبتعاد عن إستعمال إسم الله العظيم فى منافع دنيوية ، بدءا من البيع والشراء فى الاسواق الى خلط السياسة بالدين . ولنا كتاب منشور هنا عنتحذير المسلمين منخلطالسياسةبالدين .
خامسا : وصايا لقمان :
( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِأَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) )
نلاحظ :
1 ـ هنا الأمر بشكر الله جل وعلا والنهى عن الاشراك به ، ثم الاحسان للوالدين ومصاحبتهما بالمعروف مع عدم طاعتهما إن أرادا منه الاشراك بالله جل وعلا ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والصبر على المصائب . ثم وصايا فى طريقة المشى والكلام . وسبقت الاشارة لبعضها فى سورتى الفرقان والاسراء . أى إن الأوامر الاسلامية شملت كل شىء حتى المشى والصوت ، وأساسها ( لا إله إلا الله ).
2 ـ وفى كل ما سبق نرى القاسم الأعظم يتجلى فى حفظ حق الله تعالى (عدم الوقوع فى الشرك ) وحفظ حقوق البشر فى الحياة والمال والعرض والحياة الخاصة.
أخيرا :
1 ـ هذه الايات الكريمة مع عشرات غيرها كانت تؤهل المسلمين فى مكة أخلاقيا لتطبيق تفصيلات الشريعة الاسلامية التى نزلت فى المدينة .
2 ـ إرتد صحابة الفتوحات عن الاسلام وأعادوا ثقافة الجاهلية على نطاق أوسع وأبشع فى إحتلالهم البلاد المفتوحة . وعندما أنتجت الفتوحات أديانا أرضية تسوغها كان لا بد من تجاهل ذلك الجانب الأخلاقى فى السور المكية بل والسور المدنية أيضا.
3 ـ وبعد أن تجاهلت الأديان الأرضية للمسلمين الأخلاقيات الاسلامية و ( لا إله إلا الله ) التفتت الى أسس التشريع الاسلامى تتعامل معه أيضا بالتجاهل والتحريف والتلاعب.
الفصل السادس : التلاعب الشيطانى بالأسس التشريعية القرآنية
التلاعب فى مدار التشريعات الاسلامية :
أولا :
1 –تدور التشريعات فى القرآن الكريم حول أربع درجات :
1/ 1 : درجة السابقين المقربين الذين لا يكتفون بعمل الفرض المكتوب ، وإنما يتطوعون بما هو أعلى . فى الصيام مثلا : التطوع بصيام زائد فى غير رمضان ، وتقديم ما هو اكبر من الفدية لمن يعجز عن الصيام ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) (184) البقرة ) ، وفى الزكاة المالية هناك المفروض وهو إخراج العفو أو الزائد ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ ) (219) البقرة )وباعتدال ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) البقرة ) ، ولكن هناك ما هو أعلى وهو الفقير الذى يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (9) الحشر) والذى يقدم الصدقة من أحب ما يملك ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) البقرة 177 ) ويطعم الطعام من أحب ما يشتهى يؤثر على نفسه : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) الانسان ). ثم قيام الليل ، وهو درجات :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ ) (20) المزمل ) (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ) (16) السجدة ) ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ (9) الزمر ) ( كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) الذاريات )
1 /2 :ما دون ذلك هو الفرض المكتوب او الاوامر .
1 / 3 : ، ثم النواهى أو المحرمات .
1 / 4 : ، ثم ما بينهما وهو المباح .
2 ـ منهج القرآن فى التشريعات أن يترك المباح مفتوحا ، واذا كان هناك تشريع سابق يحرم شيئا وجاء القرآن بتحليله مجددا يأتى ذلك فى القرآن فى سياق الحلال الجديد كقوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) البقرة 187) .
ثانيا :
1 ـ جاء الدين السنى فتجاهل درجة المقربين السابقين واضاف درجتين فى التشريع انتزعهما من المباح الحلال هما المكروه والمندوب او المسنون . فالمكروه عندهم هو مباح ينبغى تركه أو درجة اقل من الحرام ، والمندوب او المسنون هو مباح ينبغى فعله وان لم يكن واجبا لأنه اقل من الفرض الواجب .
2 – وترتب على هذا نتيجتان :
2 / 1 : اضافة مصطلحات جديدة تخالف القرآن وهى المكروه والمندوب ، وعلى سبيل المثال فإن المكروه فى مصطلحات القرآن ليس مباحا اقل درجة من الحرام كما يقولون بل هو اشد انواع الحرام تجريما قال تعالى (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ (7) الحجرات ) وبعد ان جاء تحريم السرقة والقتل والكفر وسائر الكبائر فى سورة الاسراء قال تعالى عنها ( كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها : (38) الاسراء )
2 / 2 : التضييق من دائرة الحلال المباح وتحويل المباح الحلال الى مكروه لا ينبغى العمل به .وهذا يعنى التدخل فى تشريع الله تعالى من حيث الدرجة ومن حيث التفصيلات.
التلاعب فى قواعد التشريع الجامعة المانعة والمؤكدة :
أحكام جامعة مانعة لا مجال للإجتهاد فيها
أئمة التشريع السُنّى لم يعرفوا تلك الحدود فاجتهدوا في الممنوع . فى أحكام جامعة مانعة لا مجال للاجتهاد فيها ، في المحرمات في النكاح والحرام في الطعام.
أولا :
المحرمات فى النكاح :
1 ـ المحرمات في الزواج جاءت في نص جامع مانع في قوله سبحانه وتعالى :
( وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ )(24)
النساء ).
2 ـ ونقول :
2 / 1 : المحرمات هنا فى ( النكاح ) . ولم يأت لفظ الزواج .
( النكاح ) يعنى عقد الزواج وليس الزواج نفسه ، وقد يكون هناك عقد زواج ثم لا يتم الزواج ، ولا يدخل العريس بمن عقد عليها ، وحينئذ لا تترتب عدّة عليها لأنه لم يدخل بها . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (49) الاحزاب ). المعنى المراد هنا إن التحريم يبدأ بعقد النكاح ،أى لا يصح من المبدأ عقد القران .
2 / 2 : والمحرم نكاحهن من النساء بالنص كالآتى: (الأم) و (البنت) و (الأخت) و(العمة) و( بنت الأخ) و(بنت الأخت) و(الأم المرضعة) و( الأخت من الرضاعة) و (أم الزوجة) و( بنت الزوجة التى دخل بها زوجها) و (زوجة الابن الصلب) و( أخت الزوجة في وجود الزوجة على ذمة زوجها) ثم (المرأة المتزوجة بزوج آخر إلا إذا فسخ عقد زواجها بملك اليمين) فهنا خمس عشرة امرأة مُحرّمة عندما نضيف (زوجة الأب).
2 / 3 : وقد حرص التشريع القرآنى على بيان التفصيلات و الإستثناءات لتتضح الصورة الكاملة:
2 / 3 / 1 : فأجاز على سبيل الاستثناء أنواع الزواج الباطل الذى كان موجوداً قبل نزول الآية مثل :
2 / 3 / 2 : نكاح أرملة الأب أو طليقته: ( وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) .
2 / 3 / 3 : الجمع بين الاختين : ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ) ، ومع أن تلك كانت حالات فردية معدود وقت نزول القرآن إلا أن تفصيلات القرآن أفسحت لها مجالاً للتوضيح.
2 / 4 :وأوضح التشريع القرآنى معنى الربيبة المحرمة بالتفصيل : ( وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) . وأوضح التشريع الاسلامى القرآنى معنى زوجة الابن المحرمة : ( وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ). أى يكون الابن من صلب أبيه ليس بالتبني أو ابن أخيه ويتعارف الناس على أنه إبنه أو كإبنه.
2 / 5 : ، وحدد التشريع الاسلامى القرآنى المتزوجة التي على ذمة زوجها بقوله سبحانه و تعالى: : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) . والاستثناء هنا بملك اليمين يفيد أن الزوجة التى فقدت حريتها بالسبي ينفسخ عقد زواجها السابق وبعد انتهاء عدتها يمكن لها أن تتزوج.
3 ـ وبعد أن حصر التشريع الاسلامى المحرمات فى النكاح قال: ( كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) " كتاب الله عليكم" أى أن تحريم هؤلاء النسوة مكتوب ومفروض عليكم . فهنا حكم جامع مفصل بالتحريم، وبعده قال جل وعلا : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) ، أى أن مما بعد المحرمات المنصوص عليهن هن حلال للنكاح بصداق وعقد ، ولسن محرمات بأى حال. ومعناه أن التشريع الاسلامى أحاط النساء لمحرمات بسور جامع مانع ، وما بعد هذا السور فحلال للنكاح ، وبمعنى أدق فلا يجوز هنا أن نجتهد لأن ذلك يعنى ببساطة أننا سنجعل الحرام حلالاً والحلال حراماً..
4 ـ ولكن الذى حدث أن التشريع السُنّى حرّم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها قياساً على حرمة الجمع بين المرأة وأختها ، وحرموا الخالة من الرضاع والعمة من الرضاع.. الخ قياساً على تحريم الأم من الرضاع والأخت من الرضاع، ثم صاغوا أحاديث في ذلك: مثل "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" و "لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها.
4 /1 : وهنا يقع التناقض مع كتاب الله.
فإذا أراد رجل أن ينكح عمة زوجته جاز له هذا فى التشريع الاسلامى ، لأن عمة الزوجة ليست من المحرمات في نص القرآن، ولأنها تدخل في الحلال الذى قال فيه القرآن الكريم : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ )، ولكن التشريع السُنّى يجعله حراماً عليه ، وإذا أراد رجل أن يتزوج خالته من الرضاع حرمها عليها التشريع السنى ، بينما هى حلال له بدليل قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ).
4 / 2 : وذلك يعنى بوضوح أنهم يحرمون ما أحل الله ثم ينسبون ذلك للرسول ليجعلوا هذا دينا بالافتراء والكذب .
5 ـ لمجرد التذكير :
الآية الأخيرة فى سياق التحريم تصفع أئمة الدين السُنّى وأشباههم . قال جل وعلا : ( يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) النساء ). هنا حقيقتان : إنه جل وعلا هو الذى يبيّن لنا تشريعاته بآياته البينات المُبينات، وأن سنن الذين من قبلنا هو العُرف المعروف المتعارف على أنه خير ومُباح . والزواج يدخل فى هذا العُرف والمعروف . وسيأتى تفصيل لذلك .
ثانيا :
المحرمات فى الطعام :
1 ـ كل الطعام حلال ما عدا الأصناف المحددة فى قوله تعالى: ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) الأنعام ) . فالمحرمات في الطعام في الظروف العادية هن أربع فقط (الميتة والدم ولحم الخنزير وما يقدم من طعام إلى الأوثان والأصنام (ما أهل به لغير الله).
وفي الظروف الاستثنائية يجوز للمضطر أن يأكل منها ليحفظ حياته، ولا يجوز له أن يأكل من غيرها مع تحريم الصيد في الحرم . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) المائدة )
2 ـ ونعود للأصناف الأربعة المحرمة في الطعام ونرى تفصيلاً لها في قوله سبحانه وتعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) المائدة ) "
فالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة تفصيلات لمعنى الميتة من الأنعام، ويأتى تفصيل أخر بالاستثناء في قوله سبحانه وتعالى: ( وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ) " ويتبعه تفصيل : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوامِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) المائدة ) . ويأتى تفصيل : ( وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب ) ليضيف توضيحاً وبيانا لقوله سبحانه و تعالى : ( أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ) .
3 ـ الحلال المباح من الطعام هو الذى ذُكر إسم الله جل وعلا عليه . والحرام منه هو ما لم يّكر إسم الله عليه . هذا مفهوم من قوله سبحانه وتعالى :
3 / 1 : ( فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) الأنعام )
3 / 2 :( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوامِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) المائدة )
4 ـ ونتدبر قوله جل وعلا :
4 / 1 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) المائدة ). هنا خطاب للمؤمنين فيه نهى عن تحريم الطيبات الحلال ، وأن تحريمها إعتداء على رب العزة جل وعلا .
4 / 2 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) البقرة ). الأمر للمؤمنين بالأكل من الطيبات وشكر الرحمن جل وعلا ، وحصر المحرمات فى أربعة فقط ، وجاء تفصيلها فى سورة المائدة ، مع توضيح العفو عند الاضطرار . ويتكرر النّص على ( لحم الخنزير ) دون بقيته ، ومع ملاحظة أن التحريم لا يشمل الإقتراب من هذه المحرمات ،فلم يأت مصطلح ( إجتنبوا ).
4 / 3 : ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) النحل ).تكرار للمحرمات وعفو عند الاضطرار ، مع نهى عن التدخل فى تشريع الاسلام بتحريم الحلال ، وتهديد للذين يفترون الكذب علىالله جل وعلا بالعذاب وعدم الفلاح .
4 / 4 : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (60) يونس ). هنا تساؤل خطير لمن يتلاعبون بالتشريع الالهى الاسلامى .
5 ـ وهذا حكم إلاهى على أئمة التشريع السنى وأشباههم . إذ قاموا بتحريم العشرات من الطعام ، اختلفوا بشأنها ، وصيغت فيها أحاديث تحرمها ، وأحاديث أخرى تجعلها حلالاً. ومن ذلك الأرنب والخيل وغيرها. ثم هناك الحديث المشهور القائل "أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال.. " ويعتبرونه إضافة لتشريع القرآن في لأطعمة، والكبد والطحال أنسجة ولحوم وليست من الدماء بأى حال. والدم المحرم في القرآن هو الدم المسفوح من الحيوان الحي وذلك ما جاء في آية (145) من سورة الأنعام. والدم المختلط في لحم الحيوان المذبوح ليس حراماً، فليس هناك أى معنى من قول واضع الحديث "الكبد، الطحال" أما السمك فهو حلال إسلاميا بقوله جل وعلا : ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) المائدة ). وهو اللحم الطرى إمتنّ الله جل وعلا به على عباده ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) النحل ) ( وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) فاطر )
فى حق الحياة :
1 – وهناك قواعد تشريعية قرآنية مؤكدة باسلوب القصر والحصر مثل النهى عن قتل النفس إلا بالحق : ( الاسراء 33، الانعام 151 ، الفرقان 68) . والحق هنا فى القصاص ، سواء كان ذلك فى الجرائم ( البقرة 178) او فى الحروب ( البقرة 194)
2 ـ وجاء الدين السنى فألغى هذه القاعدة التشريعية المحكمة الملزمة فأضاف قتل المرتد والزنديق وتارك الصلاة ورجم الزانى ، ثم توسع فى القتل ليجعل من حق الامام ان يقتل ثلث الرعية فى سبيل اصلاح الثلثين ..!!
فى وجوب الوصية للورثة
3 – قال جل وعلا : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة). التأكيد فى الوصية جاء بصيغ مختلفة شديدة الدلالة مثل "كتب عليكم " ، " إن ترك خيرا " ، " بالمعروف" ، " حقا "،" على المتقين" ، ثم جاءت الايات بعد ذلك تضع قواعد الوصية. وفى سورة النساء (11 ، 12 ) نزل الامر بالوصية ليطبق قبل توقيع الميراث ومع ان الوالدين لهما حق فى الميراث وحق ايضا فى الوصية ، ومع ان قواعدالميراث والوصية هى حدود الله التى يحرم التعدى عليها ( النساء 13:14) الا ان الدين السنى الغى الوصية للوارث طبقا لقاعدة فقهية جعلها حديثا نبويا يقول ( لا وصية لوارث ) وافتروا أن هذه الكذبة المخالفة للقرآن قد " نسخت" أى بزعمهم ألغت الآيات المخالفة لها..
ان تشريع الوصية والحث عليها جاء تحقيقا للعدالة الاسلامية. فأنصبة الميراث محددة بالنصف والربع والسدس والثلث والثمن ولا يجوز تعديلها. وتطبيقها وحدها قد يحمل ظلما بين الورثة. قد يكون فيهم من يستحق الزيادة فى حصته لظروف خاصة به تستوجب ذلك، هنا تأتنى الوصية لتعالج الأمر تحت عين المجتمع ورقابته ووفقا لمسئولية المتوفى أمام الله تعالى فى توزيع الوصية حسبما جاء فى آيات الوصية ، بالوصية مثلا يمكن لك أن تعطى ابنتك نصيبا مساويا لابنك طالما كانت تستحق ويطمئن ضميرك والمجتمع لذلك.
أخيرا :
وترتب على هذا التلاعب السنى بتشريعات القرآن الكريم المحكمة والملزمة نتيجتان متلازمتان
* الاولى :-
اضافة معانى مخالفة لمصطلحات القرآن الكريم فالنسخ فى القرآن الكريم وفى اللغة العربية يعنى الاثبات والكتابة والتدوين ، ولكنهم جعلوا النسخ عندهم يعنى الحذف والالغاء والتبديل .
*الثانية :-
جعلوا فتاويهم الفقهية واحاديثهم المنسوبة زورا الى النبى تلغى قواعد القرآن الكريم التشريعية وتبطلها ، وبالتالى جعلوها فوق القرآن الكريم الذى هو كلام رب العالمين.
الفصل السابع : التلاعب فى قواعد التشريع ومقاصده العظمى:
مقدمة
1 ـ الاحكام في التشريعات الاسلامية هي أوامر تدور في اطار قواعد تشريعية ،وهذه القواعد التشريعية لها مقاصد او اهداف ،او غايات عامة . يبدأ التشريع القرآنى بالأوامر مقترنة بقواعدها ، وقد تأتى المقاصد فى خلال الآية نفسها أو فى خلال السياق أو تأتى منفصلة.
ا2– على ان المحصلة النهائية لتلاعبهم بالقواعد التشريعية القرآنية امتدت لتشمل : -
2 / 1 : عدم الاكتفاء بالقرآن الكريم مصدرا وحيدا للتشريع عندهم ، فأضافوا اليه مصادر اخرى له ابتدعوها وجعلوها عمليا فوق القرآن مثل الاحاديث والاجماع والقياس والمصالح المرسلة وبعضها كان ستارا لالغاء النص القرآنى مثل سد الذرائع الذى استطاعوا به تحريم وجوه كثيرة من الحلال .
2 / 2 : كثرة وسهولة انتاج الكثير من المصطلحات الفقهية ، وبعضها كان من مصطلحات القرآن ولكن حرفوا معناها مثل الحدود التى تعنى فى القرآن الكريم الشرع والحق فجعلوها تعنى العقوبة, وقاموا بتحوير بعض المصطلحات القرآنية لتكون نقيض معناها القرآنى ، مثل النسخ ـ وقد أشرنا اليه ـ والتعزير الذى يعنى فى القرآن التقديس والمؤازرة والتأييد فجعلوه فى الفقة يعنى الاهانة والعقوبة.
2 / 3 : كثرة وسهولة الوضع فى الاحاديث ، وكثرة وسهولة استعمال كلمة( يسن) فى تشريع الفقهاء .
ونعطى تفصيلا :
أولا :
1 ـ مقاصد التشريع القرآنى نوعان :
1 / 1 / 1 : الأعلى وهو ( التقوى ) التى تمنع من الوقوع فى الخطأ ، ولو وقع فيه تاب وأناب " الأعراف 201 " آل عمران133-136 ". والتقوى تجمع الايمان الصحيح بالله تعالى واليوم الآخر مع المداومة على عمل الصالحات أى العبادات والمعاملات. ولذلك لا يدخل الجنة الا المتقون. فى المجال التشريعى تأتى التقوى فى سياق التشريعات نفسها وتاتى أحيانا منفصلة عنها باعتبارها قيما عليا فى حد ذاتها، فالأمر بالتقوى تكرر للنبى نفسه والمؤمنين وكان أحيانا يأتى فى مطلع السور"النساءـ الأحزاب ـ الحج ". وتأتى التقوى فى سياق التشريع لتؤكد على ضرورة ربط التطبيق البشرى للتشريع الالهى باحياء الضمير والسمو بالنفس وتزكيتها وحسن العلاقة المباشرة بيى الانسان وربه الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، واذا كان يعلم ان الله تعالى يراه فلا بد له من أن يخشى الله تعالى ويسعى فى مرضاته جل وعلا. حتى لو كان بمأمن من السلطة البشرية والمراقبة البوليسية. من أجل هذا الدور السامى للتقوى فى التشريع القرآنى تجد الأمر بالتقوى يرصع آيات التشريع فيها جميعا. ونعطى مثالا واحدا: يقول تعالى فى تشريع الطلاق مؤكدا على حفظ حقوق المرأة : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) البقرة 231) .الآية هنا انقسمت الى قسمين : الأول فى الأمر التشريعى وهو تخيير الزوج ـ الذى طلق زوجته وبلغت العدة وهى فى بيته ـ بين أن يحتفظ بالزوجة ويمسكها بشرط معاملتها بالمعروف ، وبين أن يتحول الطلاق ـ وهو فى التشريع القرآنى مجرد مهلة للمراجعة وليس انفصالا نهائيا ـ الى انفصال نهائى بأن يطلق سراحها ولكن أيضا بالمعروف ودون اضرار. وحتى لا يضمر الزوج ان يعيدها الى عصمته بقصد اذلالها يحذر التشريع القرآنى من ذلك ويجعله اعتداءا. وبعد مجىء التشريع بالأمر والنهى جاء القسم الثانى من الآية بالمقصد التشريعى مباشرة يشمل الانذار والوعظ والتحذير والتنبيه ومراعاة التقوى.
نلمح الى أن فحوى الآية السابقة قد جاء مفصلا أيضا فى افتتاحية سورة الطلاق حفظا لحقوق المرأة ولكن الدين السلفى أضاع تشريع القرآن وحقوق المرأة وحقوق الانسان.
1 / 1 / 2 : ومع إقتران التشريعات الاسلامية بالتقوى فلا نجد اشارة لها فى التشريع السنى فى عصر الازدهار الفكرى، لا فى فقه العبادات أو المعاملات. ثم انحدر الفقه السنى فى عصوره المتأخرة الى التخيلات المستحيلة الحدوث، مثل " ما حكم من حمل على ظهره قربة فساء ، هل ينقض وضوؤه أم لا؟... من جاع فى الصحراء ولم يجد الا جسد نبى من الأنبياء ، هل يجوز له الأكل منه؟ ...ماحكم من زنى بأمه فى نهار رمضان فى جوف الكعبة ؟ وماذا عليه من الأثم ؟؟ ....وما حكم من كان لقضيبه فرعان وزنى بامراة فى قبلها ودبرها فهل يقع عليه حدُّ واحد أم حدّان؟؟. كل ذلك لا زلت اتذكره من الفقه التراثى الذى كان مقررا علينا فى الأزهر وكان يخدش حياءنا حينئذ، ثم ظل مقررا على الجيل الذى اتى بعدنا بعد توسع الأزهر فى كل القرى المصرية دون اصلاح لمناهجه وفكره. ودخل فى الأزهر افواج من المراهقين فى تعليمه الإعدادى منهن فتيات قاصرات فى براءة الطفولة وحياء العذارى ونقاء الفطرة كان عليهن دراسة هذا الفقه القذر المتخلف, ولم يتم حذف سطوره الا بعد مقالات لى كوفئت عليها بالتكفير فى اوائل التسعينيات.
1 / 2 :وبعد التقوى تأتى المقاصد التشريعية الأخرى من حفظ تماسك الأسرة ورعايتها، والتخفيف ورفع الحرج والتسهيل ، والعفة الجنسية. وكل تشريعات الأسرة فى القرآن تهدف الى حفظها وتماسكها كمقصد اسمى لتلك التشريعات .
1 / 2 / 1 :ـ الدين السنى ركّز على الأوامر وترك القواعد والمقاصد. ففى موضوع الأسرة مثلا تأتى القاعدة التشريعية تؤكد على: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء ) " وتحت هذه القاعدة ياتى التعامل مع الزوجة التى تريد النشوز أى هدم بيتها مع تمتعها بكل الحقوق وقيام الزوج بالقوامة عليها ـ ومصطلح القوامة فى القرآن يعنى الرعاية والحفظ وتحمل مسئولية الزوجة والقيام بمتطلباتها بالمعروف ـ هنا يكون من وسائل حفظ البيت والأسرة تأديب الزوجة الناشز بالوعظ ثم بالهجر ثم بالضرب. وياتى التحذير من اساءة التطبيق فى هذا التشريع بظلم الزوجة المطيعة : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34) النساء ) . الدين السنى تجاهل القاعدة والمقصد التشريعى وركّز فقط على "ضرب الزوجة".
ثانيا : ـ فى موضوع العفة والاحصان الخلقى :
1 ـ أوامر الزى للمراة هى مجرد أوامر تشريعية تخضع لقاعدة تشريعية هى العفّة الخلقية وعدم الوقوع فى جريمة الزنا وفاحشة وساء سبيلا . ولأنها مجرد أوامر فقد جاءت معها أوامر أخرى بالغض من البصر ( للرجل والمرأة ) اى النهى عن النظرة الآثمة من الرجل للمرأة ومن المرأة للرجل على التساوى بما يفيد بأن وجه الرجل مكشوف ووجه المرأة مكشوف أيضا ، ثم تزداد الأوامر بالنسبة لزى النساء حسبما جاء فى سورة النور ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)31)).
2ـ عصيان الأوامر هو مجرد سيئة ، أما الوقوع فى الكبائر فهو جريمة كبرى . قال جل وعلا : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31) النساء ).
3 ـ وتطبيقا على هذا هنا فإن: ( اللمم ) هو ما ( يلُمُّ ) به أى إنسان ، وهو من السيئات الصغيرة ، ويشمل الزى الخليع بل العُرى واللمس والقبلة والعادة السرية ، وكل ما هو دون الممارسة الجنسية المعروفة التى هى ( الزنا ) . الزنا واللمم حرام ، ولكن اللمم سيئة والزنا من أكبر الكبائر . قال جل وعلا (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) (32) النجم ). الاجتناب لكبائر الاثم والفواحش والاستثناء فى (اللمم ) . وكلاهما ( الزنا وما يقرب منه ) حرام ، ولكن يظل هناك الفارق بين السيئة وبين كبائر الإثم والفواحش.
عن جريمة النقاب :
1 ـ إبتدع الدين السنى النقاب ، وهو مزايدة محرمة على حق الله تعالى فى التشريع، وتضييع لشهادة المرأة ودورها فى المجتمع المسلم وتحريم لكشف وجهها وهو حلال فى الاسلام، وهذا التطرف بفرض النقاب أضاع المقصد الأسمى من أوامر العفة والاحصان. فالنقاب من اهم عوامل انتشار الانحلال الخلقى حيث تتخفى فيه المرأة وتفعل ما تشاء دون أن يتعرف عليها احد. بالتالى : نقارن بين إمراة ترتدى المايوه البكينى ولا تقع فى الزنا وبين إمرأة ترتدى النقاب وهى زانية ، أو تعتقد أن نقابها فريضة دينية ، الاولى ترتكب سيئة ، اما الأخرى فهى واقعة فى أكبر الكبائر وهو الاعتداء على حق الله جل وعلا فى التشريع والمزايدة عليه جل وعلا فى شرعه بأن تجعل النقاب فرضا.
2 ـ لم يرد مصطلح النقاب في تشريعات الاسلام عن زى المرأة . جاء مصطلح ( نقب ) في القرآن الكريم بمعنى الخرق في جدار : ( الكهف 97 ) والبحث والتنقيب ( ق 36 ) ولم يكن معروفا فى عصر الرسول عليه السلام، اذ كان وجه المرأة وقتها مكشوفا معروفا ، فالله تعالى يقول للنبى : ( لايحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن) : (الأحزاب /52 )" والحسن فى الوجه.والله تعالى يقول عن مجتمع المدينة فى العصر النبوى :( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله) ( التوبة 71 ) فهنا تفاعل اجتماعى حى ونشط يقوم على الايمان والتقوى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتناصح بالخير. ولا نتصور حدوثه فى مجتمع النقاب والنفاق.
3 ـ هناك ارتباط بين النفاق والنقاب ـ فالنقاب رسالة موجهة للبشر تقول فيها من تتخفى خلف النقاب : انظروا ايها الناس اننى مؤمنة تقية نقية. وهناك ارتباط بين النقاب والاستعلاء على الاخرين ، ليس فقط فى أنه رسالة لهم بالتميز عليهم ولكن أيضا لأن المتنقبة تعطى لنفسها الحق فى أن ترى الاخرين وتقتحمهم بعينيها دون أن تسمح للاخرين بأن يعرفوا هويتها ومن هى.
5 ـ الأفظع من ذلك أن النقاب استعلاء على الله تعالى وشرعه ودينه.النقاب فيه مزايدة على شرع الله تعالى ، وقد حرّم الله تعالى أن يزايد أحد على شرعه فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم ) ( الحجرات 1 ) فالله جل وعلا لم يحرم كشف وجه المرأة ، فكيف يأتى بشر من الناس ويجعل الحلال حراما ؟ هل يتهم الله تعالى بالتقصيرفى التشريع ؟ هل يتهمه جل وعلا باباحة الفاحشة على أساس أن وجه المرأة عوره وسفورها فاحشة؟ أهو صاحب الدين وصاحب الشرع ام الله تعالى ؟ وهو جل وعلا صاحب الحق الوحيد فى التشريع ، وأنه ليس لأحد أن يحل ما حرم الله تعالى أو أن يحرم ما أحل الله جل وعلا.الذين يحرمون ما أحل الله تعالى يعتدون على حق الله تعالى فى التشريع ( المائدة 87 ) ويدخلون ضمن من قال عنهم ربنا الواحد القهار ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ؟ ) ( الشورى 21 ).
6ـ ان تعبئة المرأة فى النقاب ليس اهدارا فقط لكرامتها الانسانية ومحوا لشخصيتها البشرية التى تتحدد بالوجه الذى به تعرف وتتميز عن غيرها ـ ولكنه أيضا تضييع لاقامة الشريعة الاسلامية الحقيقية التى ترتكز على الشاهد والجانى والمجنى عليه. فاذا كانت المرأة جانيا أو مجنيا عليها أو شاهدا فلا يمكن التعرف عليها وهى فى النقاب.من حق أى انسان أن يرتدى ما يشاء فى ظل القوانين المرعية. ومن حق المرأة ان تتنقب فهذه حريتها الشخصية, ولكن إذا ارادت ان تقرن ذلك بالاسلام وتجعله شعارا لدين الله تعالى فقد وقعت فى عداء مع الله تعالى لأن الدين الالهى ليس ميدانا للتلاعب السياسى والفقهى وليس مجالا للتنابذ بالأزياء والجلباب والألقاب والنقاب.
ثالثا : فى العبادات :
1 ـ هى مجرد أوامر واجب علينا اداؤها لبلوغ الهدف الأسمى وهو التقوى" البقرة - 183 -196 -197 ـ21"أو هى مجرد وسائل للتقوى نستطيع بها الابتعاد عن الفحشاء والمنكر" العنكبوت45" وهذا هو المعنى الحقيقى لاقامة الصلاة وايتاء الزكاة أى التزكى والسمو الخلقى بالتقوى.
2 ـ كل ذلك أضاعه الدين السنى حين جعل الصلاة والزكاة والحج أهدافا بذاتها، فاذا أديت الصلاة فلا عليك ان عصيت وستقوم صلاتك بمسح ذنوبك . واذا تبرعت لبناء مسجد ولو كمفحص قطاة تمتعت بقصر فى الجنة. واذا أديت الحج رجعت منه كيوم ولدتك أمك ـ أى بلا ذنوب على الاطلاق.وأكثر من ذلك ستدخل الجنة ـ رغم أنفك ـ بشفاعة محمد لأنك من امة محمد مهما فعلت. يكفيك أن تقول الشهادتين ثم تعيث فى الأرض فسادا. المهم أن الدين السنى حول العبادات الى تدين سطحى وحول الأخلاق الى مستنقع من النفاق والكذب والتدجيل. ونحن مشهورون بذلك بين الأمم .
3 ـ الأكثر من ذلك أن تتحول الصلاة المظهرية الى وسائل تشجع على إرتكاب الكبائر ، فصحابة الفتوحات وهم يقتلون ويسلبون وينهبون ويسبون الأطفال والنساء كان يؤدون الصلاة . يحسبون أنهم يحسنون صنعا . وحتى الآن فإن الارهابيين سفّكى دماء الأبرياء هم الأكثر تأدية للصلاة .
رابعا : فى تشريع القتال :
1 ـ الاسلام دين السلام فى التعامل مع الناس . ويتجلى هذا فى تشريع القتال الدفاعى ، والتى حوّلها الدين السنى من السلام الى العنف والارهاب والعدوان لأنه ركز على الأمر وأهمل القاعدة والمقصد التشريعى.
2 ـ فالامر بالقتال "قاتلوا " "له قاعدة تشريعية وهوان يكون للدفاع عن النفس ورد الاعتداء بمثله او بتعبير القرآن (في سبيل الله )،ثم يكون الهدف النهائي للقتال هو تقرير الحرية الدينية ومنع الاضطهاد في الدين ،كي يختار كل انسان ما يشاء من عقيدة وهو يعيش في سلام وامان حتي يكون مسئولاعن اختياره الحر يوم القيامة بدون اكراه فى الدين حتى لا تكون لأى بشر حجة امام الله تعالى يوم الدين.
يقول تعالي (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين :البقرة195) فالامر هنا (قاتلوا) ، والقاعدة التشريعية هي (في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين )وتتكرر القاعدة التشريعية في قوله تعالي (فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم :البقرة 194). اما المقصد او الغاية التشريعية فهي في قوله تعالي (وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين لله :البقرة 193)أي ان منع الفتنة هي الهدف الاساسي من التشريع بالقتال . والفتنة في المصطلح القرآني هي الاكراه في الدين أوالاضطهاد في الدين ،وهذا ماكان يفعله المشركون في مكة ضد المسلمين يقول تعالي (والفتنة اكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتي يردوكم عن دينكم ان استطاعوا :البقرة 217). وبتقرير الحرية الدينية ومنع الفتنة او الاضطهاد الديني يكون الدين كله لله تعالي يحكم فيه وحده يوم القيامة دون ان يغتصب احدهم سلطة الله في محاكم التفتيش واضطهاد المخالفين في الرأي، وذلك معني قوله تعالي(وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله : الانفال 39 ).
3 ـ الذى حدث ان فقهاء دين السنة قاموا بتشريع لما وقع فيه الخلفاء الفاسقون فيما يُيعرف بالفتوحات الاسلامية . ركزوا فقط على الأمر بالقتال" قاتلوا" واهملوا القاعدة التشريعية للقتال او المسوغ الوحيد لاباحته وهو ان يكون القتال دفاعيا فقط . وترتب على هذا أن أصبح القتال ليس فى سبيل الله تعالى لاقرار الحرية الدينية ومنع الاكراه فى الدين ، وليس لمجرد الدفاع الشرعى عن النفس ، بل أصبح لتشريع العدوان على الغير وجعله ليس فقط مباحا بل واجبا شرعيا باعتباره جهادا اسلاميا.
أخيرا :
ليس مثل الاسلام دين أضاعه المنتسبون زورا اليه .!!
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5196 |
اجمالي القراءات | : | 59,778,675 |
تعليقات له | : | 5,491 |
تعليقات عليه | : | 14,888 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
تجميع القسم الأول من كتاب الشريعة الاسلامية .
خاتمة مختصرة لكتاب ( الشريعة )
الفصل الثالث : المقاصد العامّة والفرعية
الفصل الثانى:( التقوى ) هى المقصد الأصلى والأساس فى تشريع القرآن
دعوة للتبرع
إنفصال واقعى: االس لام عليكم انا اعيش في بلد اوربي...
أكملت ..أتممت : السؤا ل : الا ه الكري مه : ( اليوم اكملت لكم...
الرسول والقرآن: قال تعالى : من يطع الرسو ل فقد اطاع الله . و قال...
شهادة المسيح: ما رای ;كم فی قوله تعال 1740; عن...
عن التبرع للموقع: أود أن أسألك سؤالا بخصوص التبر ع للموق ع في...
more