المبرد : ( محمد بن يزيد ) : ( الموسوعة الأدبية النحوية التاريخية )
المبرد : ( محمد بن يزيد ) : ( الموسوعة الأدبية النحوية التاريخية )
مقدمة
فرض المبرد نفسه على دارسي اللغة وعلومها والآداب وتاريخها، كما اشغل بمروياته ونوادره هواة التاريخ والشعر ، وقد استفدت ـ مبكرا ـ الكثير من كتبه ، خصوصا كتابه ( الكامل ) في الأدب والتاريخ . ولقد كان المبرد في حياته بؤرة اهتمام ، دخل في معارك علمية نحوية وخصومات شعرية واتسعت لذلك كله صفحات التراث، بالإضافة إلي ما أسهم به من مؤلفات لا تزال من عيون التراث .
" المبرد" إمام النحو واللغة في بغداد والبصرة
هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير بن حسان بن سليم بن سعد بن عبدالله بن زيد بن مالك بن الحارث بن عامر بن عبدالله بن بلال بن عوف بن أسلم ثمالة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبدالله بن مالك بن النضر بن الأزد. إذن هو عربي صريح النسب من قبيلة الأزد المشهورة بإسهاماتها في تاريخ المسلمين.
وقد اشتهر بلقب المبرد .. وهناك روايتان لتعليل ذلك اللقب ، الرواية الأولي إنه لما صنف المازني كتاب " الألف واللام " سأل المبرد عن المسائل الدقيقة في الكتاب فأجابه المبرد بأحسن جواب فقال له المازني : قم فأنت المبرد ـ بكسر الراء ـ أي المثبت للحق، ولكن خصوم المبرد من أهل الكوفة جعلوها بفتح الراء ليسخروا منه .
والرواية الثانية عن لقب المبرد يسندونها إليه، إذ سئل عن سبب هذه التسمية فقال : " سبب ذلك أن صاحب الشرطة طلبني للمنادمة ، فكرهت الذهاب إليه ، فدخلت علي أبي حاتم السجستاني فجاءه رسول صاحب الشرطة يطلبني . فقال لي أبو حاتم : " ادخل في هذا " يعني في المزملة ، فدخلت وجاء رسول صاحب الشرطة فأنكر أبو حاتم وجودي عنده ، فلما خرج ناداني أبو حاتم : " المبرد ..المبرد " ، فتسامع الناس ذلك ولهجوا به ، فأصبح لقبا لي.."
شيوخه وتلاميذه
كان العلم وقتها بالسماع والتلقّى . سمع المبرد العلم من أشياخ كثيرين في البصرة حيث نشأ ، وكان من شيوخه أبو عثمان المازني وأبو حاتم السجستاني . وبعد أن اشتد عوده صار إمام أهل النحو في البصرة ، وكان بين مدرسة النحو في البصرة ومدرسة النحو في الكوفة تنافس ومنافرة ، وانعكس ذلك على علاقة المبرد إمام النحويين في البصرة بإمام النحويين في الكوفة وهو ثعلب ، واستمرت المنافسة بينهما إلى أن انتقل المبرد إلي بغداد ليكون إمام النحو فيها. وفي بغداد تكاثر تلامذة المبرد وكان منهم نفطوية النحوي ومحمد بن أبي الأزهر وإسماعيل بن محمد الصفار وأبو بكر الصولي وأبو عبد الله الحكيمي وأبو سهل بن زياد وأبو علي الطوماري وأبو إسحاق الزجاج.
ويذكر الزجاج أنه تعلم النحو على يد المبرد بأجرة قيمتها درهم كل يوم ، وأنه التزم أن يدفع ذلك الدرهم كل يوم للمبرد ، وأن يخدمه ما استطاع طالما ظل حيا ، وقد استفاد الزجاج بشيخه المبرد ، إذ عن طريقه عرف التكسب بالعلم ، حيث عمل معلما لبعض الناس بترشيح المبرد له ، ثم أصبح بتزكية المبرد ، مؤدبا للقاسم بن عبيد الله الذي صار وزيرا فيما بعد للخليفة المعتضد.
والزجاج يقول إن المبرد لما قدم بغداد أتى الزجاج لمناظرته ، وكان يقرأ على أبي العباس ثعلب خصم المبرد ويميل إلي مدرسة الكوفيين في النحو ، وحينما التقى بالمبرد رأي فضله وتبحره فالتزمه وتتلمذ على يديه فأفلح.
بين المبرد وثعلب
والتنافس بين المبرد وثعلب يحتل جزءا مهما من تاريخهما ، كما يعتبر إحدى علامات التنافس بين المدرستين النحويتين مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة . وكانت العداوة بينهما قد اشتهرت حتى نظم الشعراء في ذلك أبياتا مشهورة ، منها قول بعضهم .
كفى حزنا إنا جميعا ببلدة
ويجمعنا في أرض برشهر مشهد
نروح ونغدو لا تزاور بيننا
وليس بمضروب لنا عنه موعد
فأبداننا في بلد والتقاؤنا
عسير كأنا ثعلب والمبرد
والسيرافي المؤرخ النحوي يقول في كتابه" أخبار النحويين " أنه كانت بين المبرد وثعلب منافرة لا خفاء فيها وأكثر أهل العلم يفضلون المبرد على ثعلب ." وكان أكثر الناس تعصبا للمبرد تلاميذه ، يقول نفطوية عنه : " ما رأيت أحفظ للأخبار منه."
المبرد بين خصومه ومريديه
وبعض محبي المبرد مدحه بالشعر يفضله علي غريمه ثعلب .
قال بعضهم :
بنفسي أنت يا ابن يزيد من ذا يساوي ثعلبا بك غير قيمه
وقال فيه ابن عبدالسلام الشاعر:
أيا ابن سراة الأزد أزد شنوءة وأزد العتيك الصدر رهط المهلب
حموا حما الإسلام بالبيض والقنا وهم ضربوا نار الوغى بالتهلب
وأوتيت علما لا يحيط بكنهه علوم بني الدنيا ولا علم ثعلب
علم المبرد
وقالوا عنه إنه كانت له المعرفة التامة باللغة وهو أوحد عصره في علم النحو في المدرسة البصرية ، أي إمام المدرسة النحوية في البصرة ، وقالوا إنه كان فصيحا بليغا مفوها ثقة إخباريا علامة صاحب نوادر وفكاهة وظرف وكان جميل المظهر والمخبر.
ويروي الخطيب البغدادي مؤلف موسوعة ( تاريخ بغداد ) أن بعضهم كان يتهم المبرد بالكذب بسبب كثرة حفظه في اللغة وعظم محصوله منها ، فانفقوا على اختباره بأن يسألوه عن مسألة لا أصل فيها لينظروا كيف يجيب عنها ، وكانوا قبل ذلك قد اختلفوا في تقطيع بيت من الشعر وفي تحديد بحره الشعري ، وهو قول الشاعر:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
فقال بعضهم إنه من البحر الفلاني ، وقال آخرون بل هو من البحر الفلاني ، وصاروا يقطعونه ويرددونه على أفواههم ويقولون : ألق بعض .. وصارت تلك الكلمة التي لا معنى لها دليلا لديهم يختبرون به المبرد، فذهبوا إليه يقولون : أنبئنا أيدك الله ما القبعض عند العرب ؟. والواضح أنهم اختاروا كلمة نحتوها من كلمتي " ألق بعض "ولكنهم عندما سألوا المبرد عن معناها قال : القبعض عند العرب هو القطن ، والدليل هو قول الأعرابي:
كان سنامها حشي القبضعا
فاندهشوا من سرعة إجابته ، ورأوا إن كان ذلك صحيحا فهو عجيب ، وإن كان المبرد قد سارع باختلاف الشعر والمعني فذلك أعجب ، وفي الحالتين كانوا أعجز عن الرد عليه فانصرفوا عنه!!. لذلك كانوا يقولون عنه إنه " لم يخلف مثله ، وأنه لم ير مثل نفسه."، اى كان معدوم النظير فى وقته .!.
نوادر المبرد
وقد أورد المبرد كثيرا من النوادر في كتبه خصوصا كتابه " الكامل "
وحكى عن نفسه نوادر كثيرة ذكر بعضها ابن الجوزي في المنتظم والخطيب في تاريخ بغداد وهى تتعلق بأخبار المبرد مع المجانين .
يروي ابن الجوزي أن المبرد دخل مستشفي المجانين فوجد بينهم شابا تبدو عليه بقايا نعمة فناداهم ، وبعد أن تناشد معهم الشعر قضي نحبه ، أي أنه كان مجنونا بالحب علي النحو الذي كان يظهر كثيرا في أقاصيص الشعر والعشق العذري ، وفيه تصنع واختلاق . وتلك الرواية أسندها ابن الجوزي مع اختلاف في بعض التفاصيل لأشخاص آخرين.
إلا أن الرواية الأخرى عن المبرد أقرب للواقعية ، وقد أسندها الخطيب البغدادي إلى المازني شيخ المبرد ، وفيها يحكي المبرد عن زيارة له إلي مستشفى المجانين ويصف أوضاعهم وصفا يظهر أحوالهم في تلك المواضع في ذلك العصر ، ويذكر المسئول عنهم وهو ابن أبي خميصة ، ويحكى المبرد أنه شيخ من المجانين ناداه وكلمه بأحسن ما يكون الكلام مما جعل المبرد يأنس إليه ويجلس قريبا منه يحادثه ، وقد سأله الشيخ :" أتعرف أبا عثمان المازني" ؟ فقال المبرد : " أعرفه معرفة ثابتة" ، فقال له الشيخ : " فتعرف الذي يقول فيه:
وفتى من مازن ساد أهل البصرة
أمه معرفة وأبوه نكرة "
فقال المبرد : " لا أعرفه" .. وسأله الشيخ : " أتعرف غلاما له قد نبغ في هذا العصر ، معه ذهن ، وله حفظ ، وقد برز في النحو ، وجلس في مجلس صاحبه وشاركه فيه ، " . يعرف بالمبرد؟ فقال المبرد : " أنا والله عين الخبير به" ، قال : " فهل أنشدك شيئا من عبثات شعره؟ " . فقال المبرد : " لا أحسبه يقول الشعر "، فقال الشيخ : " يا سبحان الله أليس هو القائل:
حبذا ماء العناقيد بريق الغانيات " .
فقال المبرد : " قد سمعته ينشد هذا في مجالس الأنس " . فقال الشيخ :" وما تسمع ما يقول الناس في نسبه ؟" فقال المبرد : " يقولون أنه من الأزد ثم من ثمالة ". فقال الشيخ : أتعرف قول الشاعر فيه :
سألنا عن ثمالة كل حي فقال القائلون ومن ثمالة؟
فقلت محمد بن يزيد منهم فقالوا : زدتنا بهم جهالة
فقال لي المبرد: خل قومي فقومي معشر فيهم نذالة "
فقال له المبرد: " أعرف هذه الأبيات لعبد الصمد بن المعدل يقولها فيه "، فقال الشيخ : " كذب هذا الشاعر ، إنه رجل لا نسب له يريد أن يثبت له بهذا الشعر نسبا "، ثم قال الشيخ للمبرد: " يا هذا قد أسرتني بخفة روحك فما هي كنيتك ؟" فقال له المبرد :" أنا أبو العباس" ، قال : " فما اسمك ؟" فقال : " محمد "، قال : " فمن الأب؟ " فقال : "يزيد " ، فعرف الشيخ أنه المبرد نفسه : فقال له : " قبحك الله أحوجتني إلى الاعتذار إليك مما قدمت ذكره " ، ثم وثب للمبرد يبسط يده ليصافحه ، فمنعه القيد، ثم قال للمبرد : " يا أبا العباس صُن نفسك عن الدخول إلى هذه المواضع فليس يتهيأ لك في كل وقت أن تصادف مثلي في هذه الحالة الجميلة.!! " ، ثم جعل يصفق ويهتف : " أنت المبرد " وانقلبت عيناه وتغيرت خلقته ، فأسرع المبرد بالهرب ، ولم يعد بعدها لدخول المارستانات .
مؤلفاته
وكتب المبرد في فنون كثيرة :
1 ـ ففي النحو كتب في التعقيب على كتاب سيبويه : " المدخل إلى كتاب سيبويه " " الرد على سيبويه " " الزيادة على المنتزعة من كتاب سيبويه " " شرح شواهد سيبويه " "معنى كتاب سيبويه" وكتب أيضا " معنى كتاب الأوسط للأخفش ". وفي علم النحو وقضاياه العامة كتب " المقصور والممدود " " المذكر والمؤنث" " الاشتقاق" " الحروف " التصريف" وله في التاريخ "طبقات النحاة البصريين " " الكافي في الأخبار ".
2 ـ في البلاغة " كتاب البلاغة" " شرح كلام العرب " " ما اتفقت ألفاظه واختلفت معانيه " " والفاضل والمفضول" .
3 ـ في الأنساب " نسب عدنان وقحطان " .
4 ـ في علوم القرآن" معاني القرآن " " إعراب القرآن" " الحروف في معاني القرآن إلي سورة طه".
5 ـ في العروض والشعر والأدب : " كتاب القوافي " " ضرورة الشعر " " أدب الجليس " " الممادح والمقابح " " الرياض المونقة " " العروض " " الدواهي " " الجامع " " الوشي" " الناطق " " التعازي" .
6 ـ وله في الفلسفة والأخلاق وعلم الكلام : " الحث على الأدب والصدق " " صفات الله عز وجل " " الرسالة الكاملة " " العبارة عن أسماء الله تعالى".
7 ـ وله أيضا " الأنواء " وكتاب " الخط والهجاء " " المقتصب " " الروضة "
8 ـ هذا بالإضافة إلي كتابه الأشهر " الكامل " في الأدب والتاريخ.
اجمالي القراءات
3978