اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٢١ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً.
الصوت المسلم في الانتخابات البريطانية
فيما تحتدم المنافسة بين الاحزاب الرئيسية في الساحة البريطانية، مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في السادس من مايو (أيار) المقبل، يسعى المسلمون للبحث عن دور سياسي يتناسب مع حجم وجودهم السكاني وما يتطلبه من تشريعات لضمان حقوقهم. انها مشكلة الاقليات القاطنة في مجتمعات تمارس انظمة ديمقراطية متباينة في مدى التزامها بشعارات تلك الديمقراطية ولوائح حقوق الانسان. الانتخابات هذه المرة تشهد تطورات على صعيد الادارة وتقنيات التواصل مع الناخبين، واساليب عرض السياسات والمانفستو السياسية للاحزاب، بالاضافة الى الاوضاع الاقتصادية والامنية التي تعيشها الدول الغربية خصوصا بريطانيا المتورطة في حربين غير مضمونتي النتائج. وقد جاء البث التلفزيوني لمناظرة هي الاولى من نوعها في التاريخ الانتخابي البريطاني، بين زعماء الاحزاب الثلاثة الكبرى، ليضيف "صرعة" انتخابية اخرى شغلت بال الكثير من البريطانيين بضعة ايام بعد بثها مساء الخميس الماضي. وسوف تبث مساجلتان اخريان قبل يوم الانتخابات، بهدف اطلاع الناخب على شخصيات زعماء الاحزاب ونمط كل منهم في التعاطي مع اطروحات الحزب الآخر. وتسعى بريطانيا في ذلك لتقليد ممارسة امريكية استمرت منذ اكثر من نصف قرن، حيث جرت العادة على ظهور المرشحين الرئيسيين للرئاسة الامريكية على شاشات التلفزيون في حوار سياسي – شخصي – ايديولوجي يهدف لتوفير صورة تقترب من الواقعية لتصرف كل من المرشحين ازاء التحديات المتجددة. الانتخابات البريطانية هذه المرة تتسم بقدر كبير من الغموض حول ما يمكن ان يتخض عنها من نتائج، خصوصا ان استطلاعات الرأي العام تشير الى تقارب النتائج المحتملة لكل من الحزبين الرئيسين، حزب العمال الحاكم وحزب المحافظين المعارض، والاحتمال الاكبر ان يتخض "برلمان معلق"، لا يتوفر لأي من الاحزاب الرئيسية فيه العدد الكافي من المقاعد البرلمانية الذي يوفر له الاغلبية المطلوبة لتمرير القوانين. ومع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي تتصاعد وتيرة الحملات الدعائية، التي تستعمل فيها كافة الوسائل المتاحة بما في ذلك استئجار طائرات صغيرة لتنقل زعماء الاحزاب من منطقة لاخرى على امل كسف موقفهم بالتصويت لصالح مرشحي تلك الاحزاب.
المسلمون يسعون هذه المرة لاثبات الوجود على اوسع نطاق ممكن. فبرغم عددهم السكاني الذي قد يصل الى 5 بالمائة من السكان، فان تمثيلهم السياسي محدود جدا. ولاستعادة دور المسلمين الغائب او المغيب، فقد استوعب النشطاء المسلمون ضرورة الحضور الفاعل للتأثير على المسيرة الانتخابية بما يحقق شيئا من مطالبهم. وقد حثت المنظمات الاسلامية الرئيسية، خصوصا المجلس الاسلامي البريطاني (Muslim Council of Britain) المسلمين على تسجيل اسمائهم لدى الدوائر المختصة لضمان حقهم في التصويت، كما يفعل بقية المواطنين. وفي الوقت نفسه هناك سعي حثيث من قبل السياسيين، خصوصا زعماء الاحزاب الرئيسية للتاثير على اتجاه تصويت المسلمين، برغم ان الاحزاب الرئيسية تضم نشطاء منهم، وصل بعضهم الى البرلمان في الانتخابات السابقة، ومنح البعض الآخر مناصب وزارية في حكومة حزب العمال. وحتى ما قبل عشرين عاما لم يكن للمسلمين حضور سياسي فاعل على الساحة السياسية المحلية، ولكن ثمة تطورات دفعتهم للحراك السياسي وممارسة شيء من حقوقهم الطبيعية على امل ايصال بعض المرشحين المسلمين او المتعاطفين معهم لمواقع القرار، منها: اولا التحدي الذي انطوى عليه نشر كتاب "الآيات الشيطانية" لسلمان رشدي، في 1989 وما ادى اليه من احتجاجات واسعة في البداية، ما لبثت ان تحولت لعملية سياسية أيقظت المسلمين من سباتهم ودفعتهم نحو الممارسة السياسية المنظمة. وكان من نتائج ذلك تشكيل "المجلس الاسلامي البريطاني" الذي ولد من رحم كتاب رشدي. ثانيا: التحدي الصارخ الذي نجم عن ظاهرة التطرف والارهاب في التسعينات، وشعور الحكومة البريطانية بضرورة مد الجسور مع الجالية المسلمة، التي هي الثانية من حيث العدد. ثالثا: حوادث 11 سبتمبر وما تلاها من حروب في افغانستان والعراق، وشعور الحكومة البريطانية بالحاجة للصوت الاسلامي وهي تخوض معتركا خارج الاطر الرسمية للامم المتحدة. رابعا: نمو جيل جديد من المسلمين، يفكر بطرق مختلفة عن آبائه، ويشعر بضرورة تطوير اوضاعه في بريطانيا، بعيدا عما يحمله الآباء من افكار واجندات سياسية يعمل بمقتضاها ضد النظام الحاكم في بلده.
وثمة اجماع على ان صعود حزب العمال الى الحكم في 1997 صاحبه صعود الحضور الاسلامي السياسي للمرة الاولى في التاريخ البريطاني الحديث. فقد ضم عددا من المسلمين الى قوائمه الانتخابية وعين اربعة من المسلمين بمجلس اللوردات. وحاول الحزبان الآخران احتضان المسلمين في اوساطهم السياسية على امل ان يؤدي ذلك الى عمل سياسي منفتح وشامل. وفي الانتخابات الحالية يتوقع فوز اربع مسلمات من مجموع 16 مسلمة ترشحن للانتخابات. كما ان عدد الرجال المسلمين المتوقع فوزهم في الانتخابات سوف يتضاعف، وفق بعض الاحصاءات، ليصل الى ثمانية اعضاء. ويخوض المرشحون المسلمون المعركة الانتخابية ضمن الاحزاب الثالثة الرئيسية: العمال والمحافظين والاحرار، ولكن اغلبهم ينتمي لحزب العمال الحاكم الذي يخوض معركة حاسمة بين البقاء في السلطة او الخروج منها. انها بدون شك تجربة مهمة في العمل السياسي في بلد كبريطانيا، ولكنها لا تخلو من مخاطر، خصوصا مع استمرار التحفظات الواسعة لدى المسلمين البريطانيين على السياسة الخارجية للحكومة الحالية. فاذا كان حزب العمال هو الذي احتضن المسلمين وفتح امامهم باب الولوج للسياسة، فانه المسؤول كذلك عن زج البلاد في حروب طاحنة في العراق وافغانستان، لا يعتقد اغلب البريطانيين بمردودات ايجابية لها على الواقع البريطاني. وهناك شعور واسع بالاحباط في اوساط الجيل الثالث من المسلمين، الذي ولد وترعرع على الارض البريطانية، وبدأ يبحث عن جذوره الدينية والثقافية، واصبح يشعر بالغربة في الارض التي يعتقد انها وطنه ويستمد منها جانبا من هويته.
الجيل الحالي من المسلمين يشعر بالحيرة ازاء الانتخابات الجارية. فهناك حث واسع من الرموز الاسلامية وائمة المساجد ومسؤولي المؤسسات والجمعيات الاسلامية على المشاركة تحت شعارات من نوع "صوتك له قيمة". وفي الوقت نفسه هناك تيارات متطرفة تدعو لمقاطعة الانتخابات بدعوى انها "تصويت للكفر" و "شرعنة للحرب". وثمة ابعاد عديدة تعمق الشعور بالاحباط والحيرة والتردد لدى الجيل الحالي من المسلمين البريطانيين. اولها الشعور العام بفساد المؤسسة التشريعية البريطانية في ضوء الفضائح المالية التي امتلأت صفحات الجرائد بها على مدى الاثني عشر شهرا الاخيرة. وظهرت اسماء بعض البرلمانيين المسلمين بين من وجهت لهم الاتهامات باختلاس اموال من الخزينة العامة لا يستحقونها. وهذا شعور ليس خاصا بالمسلمين بل ان هناك حالة اشمئزاز واسعة بعد الكشف عن هبوط المستوى الذي بلغت اليه المؤسسة التشريعية على مستوى افرادها وجشع بعضهم، واستعداد البعض الآخر لتزوير الوثائق والحقائق من اجل الحصوص على حفنة من المال من الخزينة العامة. ثانيها: ظهور جوانب كانت خفية من السياسات الحكومية المرتبطة بالتقارب من المسلمين. فهناك جهود رسمية حثيثة، مدعومة ماليا وسياسيا، للتمييز بين إسلامين: معتدل ومتطرف. وتمارس السلطات ضغوطا خفية على المؤسسات الاسلامية لمواجهة "المتطرفين" وتشجيع "المعتدلين". وفيما يرى الكثير من المسلمين ان ذلك امر مشروع، يرى البعض الآخر ان نزعة التطرف انما هي ناجمة عن السياسات الخارجية للدولة وليس عن انماط التعليم والتبليغ الديني فحسب. ثالثها: ان تجربة "المجلس الاسلامي البريطاني" مع السلطات ليست مشجعة. فقد احتضنته حكومة العمال في البداية، ولكنها الآن تنأى بنفسها عنه، وتشجع بدائل اخرى له. والسلطة هنا تمارس دورا يثير الشكوك، ويضعف الوجود الاسلامي، اذ تشجع على اقامة مؤسسات موازية تتبنى فكر التصوف مثل "المنبر الاسلامي البريطاني" وتتهم المجلس الاسلامي البريطاني بالتطرف، لاسباب ثلاثة: اولها انه يسعى للاستقلال بطرحه الديني وممارساته بعيدا عن املاءات الحكومة وبالتالي يضم عناصر اسلامية ملتزمة ترفض المساومة على ما تعتبره "ثوابت دينية". وثانيها: انه لم يتوقف عن انتقاد السياسة الخارجية للحكومة خصوصا في مجال الحروب التي تخوضها في العراق او افغانستان، ويعتبر ذلك مضرا بالمصلحة الوطنية. ثالثها: انه يرفض حضور "يوم الهولوكوست" ويطالب بتحويله الى "يوم الابادة" ليشمل كافة المظلومين في العالم. رابعها: ان الجيل الحالي يرى توجها شبه رسمي لمواجهة الظواهر الاسلامية خصوصا الحجاب، وقد بدأت تلك التوجهات باستفتاءات حول النقاب والحجاب في الجامعات والاماكن العامة، وقد يتطور الامر الى قرارات مستقبلية بمنع تلك الظواهر. خامسها: ثمة حالة شك تهيمن على نفسيات الشباب المسلم، بسبب تنامي ظاهرة "التوقيف والتفتيش" التي تسمح للشرطة بتوقيف اي شخص في الشارع ومن ثم تفتيشه بشكل مهين، بذريعة البحث عن الارهابيين. وتفيد الاحصاءات ان المسلمين هم اكثر الشباب البريطاني تعرضا لهذه الممارسة المهينة، وانها غير فاعلة في تعقب الارهابيين. وتشير احصائية صدرت الاسبوع الماضي عن وزارة الداخلية البريطانية الى ان عدد الذين تم ايقافهم وتفتيشهم العام الماضي بلغ اكثر من 200.000 شخص ولكن لم توجه تهم مرتبطة بالارهاب الا الى تسعة منهم فقط!
وثمة مشكلة اخرى تؤثر سلبا على موقف المسلمين في الممارسة الانتخابية الحالية، تتمثل بتعمق الاحساس بوجود اجندة خفية تحركها الجهات الصهيونية للتأثير على موقع المسلمين سياسيا ودينيا. فمثلا ما يزال حزب المحافظين يقاطع المجلس الاسلامي البريطاني لسبب واحد، وهو ان احد رموزه، الدكتور داود عبد الله، وقع العام الماضي بيانا صدر في نهاية مؤتمر عقد بتركيا خلال العدوان الاسرائيلي على غزة، يدعم المقاومة ويشجب القوى التي تشجع على استمرار حصارها، الامر الذي أزعج حزب المحافظين، ودفع رئيسه، ديفيد كاميرون، للاستمرار في المقاطعة. وثمة مشكلة اخرى تتحدى مشاعر المسلمين تتمثل بتوسع دائرة "الاسلاموفوبيا" او التخويف من الاسلام، وهي ظاهرة مقلقة جدا لانها تستهدف عقائدهم وتشوه صورتهم وتسخف عقولهم. هذه الظاهرة اصبحت مقلقة خصوصا بعد القرار السويسري بمنع بناء المآذن. وبرغم شجب بعض الدول الاوروبية ذلك القرار. الا ان استفتاءات لاحقة اظهرت دعما لذلك القرار باغلبية في اسبانيا وألمانيا وفرنسا. وبالاضافة لهذه الظاهرة فان صعود اليمين المتطرف، هو الآخر، تطور مقلق آخر. فقد فاز حزب المتطرف الهولندي، جيرت فايلدرز في الانتخابات البلدية مؤخرا. وحقق جان ماري لوبان الفرنسي نتائج كبيرة في الانتخابات المحلية، وحققت "الرابطة الشمالية" الايطالية نتائج كبيرة في الانتخابات المحلية برفع شعار مناهض للمهاجرين، واصبح لوكا زائيا، الذي رفع شعارات معادية للاسلام في حملته الانتخابية محافظا لمقاطعة فينيتو، بفوز ساحق.
امام هذه الحقائق، اصبح مسلمو بريطانيا امام خيارات محدودة. فبرغم مؤاخذاتهم على الاداء السياسي لحكومة حزب العمال، لم يعد بامكانهم التراجع الى الخلف، والاستناد الى قرار يدفعهم الى العزلة بالابتعاد عن الانتخابات. لكن هذه الاشكالات احدثت اضطرابا داخل الجسد ا لاسلامي، خصوصا مع الضوضاء العالية التي يثيرها المحسوبون على تيارات التطرف في الجمعيات الاسلامية بالجامعات البريطانية وفي بعض المساجد. وقد وجد المسلمون انفسهم في موقف صعب عندما اصدرت وزارة الداخلية العام الماضي قرارا بمنع تيار "المهاجرون" من العمل بزعم دعمه التطرف والارهاب. فهو منع شكلي لا يقضي على الظاهرة، بل ربما يعززها، ويجذب المزيد من الشباب اليها. فكما ان تيار اليمين المتطرف حقق نجاحات انتخابية في المجالس البلدية السابقة، وانتخابات البرلمان الاوروبي، فان التيارات المتطرفة على الجانب الاسلامي، تجد في صعود اليمين المتطرف والاسلاموفوبيا مادة مناسبة للدعاية المضادة للشراكة السياسية من قبل المسلمين. الواضح ان زمام الامور لم يعد بأيدي العناصر التقليدية الناشطة المحسوبة على التيارات التقليدية المعروفة في العالم الاسلامي، بل ان هناك تيارات تنطلق من رحم التطرف الذي تمثله الاحزاب اليمينية في اوروبا من جهة وبدعم من أطراف غير معروفة من جهة اخرى. المؤسسة السياسية البريطانية هي الاخرى مسؤولة عن بروز نزعات التطرف: السياسي والديني. وما لم تحتضن المؤسسة السياسية البريطانية المواطنين جميعا، وتقبل ان المواطن الصالح هو ايضا من ينتقد وليس من يقر سياساتها بدون مساءلة، فستظل اشكالية المواطنة قائمة، وسيظل الشباب الذي يتألف منه المجتمع، ومن بينهم المسلمون، رقما صعبا في المعادلة المتعددة المتغيرات. الانتخابات البرلمانية المقبلة ستكون تصويتا على عدد من الامور: السياسات الحربية والاقتصادية والبيئية والضريبية والعائلية، وعلى شخصيات الزعماء، وكذلك على التعدد الثقافي والمواطنة والهوية. ولن يجد المسلمون حلولا الابخوض غمار الانتخابات بفاعلية وحماس، واعتراف المؤسسة البريطانية بالمسلمين كمواطنين بحقوق كاملة، وشركاء في العملية السياسية، وان مارس شبابهم النقد اللاذع، فالمواطن الصالح هو المواطن الناقد، حسب تعبير البروفيسور طارق رمضان.
د- سعيد الشهابى
دعوة للتبرع
ذوق الموت : فى القرآ ن ان كل نفس ذائقة الموت ، فماذا النهى...
الدروس الخصوصية : الدرو س الخصو صية هل هى حرام أم حلال ؟...
الاعراب ودولة النبى : هل ممكن يا استاذ نا توضيح علاقة الاعر اب ...
ليس هذا صحيحا: في البدا بة أحب أن أقدم نفسي، فأنا من...
more