تحالف الإدمان والعنف يهدد الأمن المجتمعي في مصر
تربط دراسات علمية عدة بين إدمان المخدرات وتزايد معدلات العنف، مع تداخل عوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية تجعله أكثر تهديداً للسلم المجتمعي.
نظرت محكمة جنايات القاهرة، في 18 سبتمبر/أيلول الماضي، واحدة من القضايا التي تلقي الضوء على الترابط بين تعاطي المخدرات وتفشي العنف، إذ اتُهم عامل بقتل شاب في حي الخليفة، بعد مشادة كلامية إثر اعتراض الضحية على تعاطيه المخدرات علناً في الشارع، ليستل المتهم سلاحاً أبيض، ويسدّد للضحية طعنة نافذة في العنق أودت بحياته.
ليست هذه القضية حدثاً منفرداً؛ بل مؤشر على ظاهرة متنامية تؤكدها القضايا المنظورة في المحاكم، وترى الاختصاصية النفسية بأحد مراكز علاج الإدمان، إيناس عزت، أن علاج المدمنين ممن تظهر لديهم ميول عنفيّة لا يقتصر على تهدئة السلوكيات الظاهرة، بل يتعامل مع تغييرات أعمق في كيمياء الدماغ ناجمة عن طول فترة التعاطي.
وتوضح عزت لـ"العربي الجديد"، أن "بعض الحالات تعاني من اضطرابات نفسية أو ذهانية حادة، ما يتطلب تدخلاً دوائياً، إلى جانب برامج التأهيل السلوكي التي تساعد الشخص على إعادة بناء قيمه من جديد بعيداً عن المواد المخدرة. نجاح العلاج يستلزم تكامل الجانبين الطبي والسلوكي، فالأول يعالج الاضطرابات العقلية والذهانية، والثاني يعمل على إعادة تأهيل الفرد اجتم بدورها، تعتبر مدربة التنمية البشرية المتخصصة في العلاقات الأسرية، نرمين حزين، أن العنف الأسري وأصدقاء السوء من أبرز الأسباب المؤدية إلى الإدمان، وتشير إلى أن "سهولة الوصول إلى المخدرات جعلت التعاطي أمراً مألوفاً في غياب الرقابة الفعّالة والقوانين الرادعة".
وتؤكد حزين لـ"العربي الجديد"، أن "العلاج النفسي طويل الأمد، سواء عبر الأدوية أو الجلسات السلوكية، هو الأسلوب الأكثر فاعلية للتعامل مع المدمنين ذوي الميول العنفيّة، مع أهمية استمرار حضور مجموعات العلاج الجماعي والمتابعة المستمرة بعد التعافي، فالإدمان في جوهره سلوك تكيفي غير صحي يتصوّر فيه الشخص أن المخدر يساعده على مواجهة الحياة، بينما يعمل العلاج النفسي على كسر هذا الارتباط الوهمي".
وتروي تجربة واقعية لإحدى الحالات التي تعاملت معها، إذ "كان المدمن يعاني من ميول انتحارية شديدة، فلجأت أسرته إلى منعه من مغادرة المنزل، ما زاد من عنفه، وتحول إلى رغبة في الانتقام، وبعدما اقتنعت الأسرة بضرورة العلاج، بدأت ميوله الانتقامية بالتراجع تدريجياً. دور الأسرة حاسم دائماً، إما في إنقاذ المريض، أو في دفعه إلى مزيد من العنف".
ويربط الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، بين الظروف المعيشية الصعبة وانتشار تعاطي المخدرات، مشيراً إلى أن الفقر والتهميش يخلقان بيئة أسرية هشة، وضغوطاً نفسية متزايدة تجعل الشباب أكثر عرضة للإدمان، كما أن البطالة تؤدي إلى فراغ يفتح الباب أمام السلوك العدواني، والانجراف نحو المخدرات كوسيلة للهروب من الواقع.
تردي الأوضاع المعيشية يؤدي إلى العنف، القاهرة، 21 يناير 2021 (خالد دسوقي/فرانس برس)
تردي الأوضاع المعيشية يؤدي إلى العنف، القاهرة، 21 يناير 2021 (خالد دسوقي/ فرانس برس)
ويوضح ذكر الله لـ"العربي الجديد"، أن "العنف الأسري يولّد خسائر اقتصادية جسيمة، خصوصاً في الأسر الفقيرة، إذ يؤدي الضغط النفسي إلى تقويض استقرارها، ويقلل فرص تحسين الوضع المعيشي، أو الحصول على عمل. على مستوى الدولة، يكبد انتشار الإدمان والعنف الاقتصاد خسائر مباشرة وغير مباشرة، تشمل الإنفاق على الرعاية الصحية، والأمن، والعدالة، فضلاً عن انخفاض الإنتاجية، وخسائر سوق العمل. الحلول لا يمكن أن تكون أمنية أو اقتصادية فقط، بل تتطلب خطة شاملة تشمل سياسات للتشغيل والتدريب، وتحفيز القطاع الخاص على التوظيف، وتطوير التعليم الفني وربطه بسوق العمل، إضافة إلى تحسين الوصول إلى خدمات علاج الإدمان، كما يجب أن تُوجَّه برامج الحماية الاجتماعية إلى الفئات الأكثر هشاشة، مع اعتبار العدالة الاجتماعية حجر الأساس لأي حل دائم".
ويؤكد رئيس مؤسسة "رايتس للاستشارات القانونية"، المحامي مصطفى علوان، أن "العنف يرتبط في المجتمعات الشرقية باستخدام القوة لفرض الرأي نتيجة غياب الثقة في فاعلية القوانين، وانتشار المخدرات يعزز هذه النزعة، إذ يفقد المدمن القدرة على التمييز، فتتحول نزعاته إلى أفعال إجرامية"، ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "مواجهة هذه الظاهرة تحتاج إلى العودة لتنشئة الصغار على مبدأ الثواب والعقاب، إلى جانب ترجمة العدالة الاجتماعية إلى واقع ملموس يضمن المساواة أمام القانون، مع ضرورة تغليظ العقوبات على جرائم العنف الأسري والمجتمعي".
بدوره، يشير الحقوقي صالح حسب الله، إلى أن القانون المصري يجرم العنف الأسري عبر نصوص متفرقة في قوانين العقوبات والأحوال الشخصية والطفل، لكنه يفتقر إلى قانون موحد شامل لمكافحة الظاهرة. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "المرأة يمكنها طلب الطلاق للضرر، والطفل يتمتع بحماية خاصة، لكن الحاجة قائمة لتشريع مستقل يضمن حماية أوسع. المدمن مريض، وليس مجرماً، والقانون المصري يتيح للمحكمة إيداع المدمن مصحة علاجية لمدة تتراوح بي أشهر وثلاث سنوات، مع إمكانية إلغاء وقف تنفيذ العقوبة المخففة إذا ثبت فشل العلاج، أو ارتكب جريمة جديدة".من جانبه، يقول أستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة، عاصم حجازي، لـ"العربي الجديد"، إن "تعاطي المخدرات ليس المسؤول الوحيد عن انتشار العنف، لكنه يظل عاملاً بارزاً يتداخل مع عوامل أخرى، مثل الاختيار العشوائي لشريك الحياة، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والاضطرابات النفسية، وهذه العوامل تصبح أكثر خطورة عندما تقترن بالإدمان".
ويحذر حجازي من خطورة تداول مشاهد التعاطي والعنف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كون ذلك يؤدي إلى "حالة من البلادة العاطفية"، وتجاوز النفور أو الاشمئزاز المفترض. وأكد أن "الأجهزة الأمنية تتحرك لمواجهة أي تجاوز موثق، لكن ينبغي تجريم النشر العام لمثل هذه المقاطع، والاكتفاء بإرسالها إلى الجهات المختصة. المشكلة ليست تشريعية بقدر ما هي ثقافية، إذ تميل العادات إلى تغليب الحلول الودية على اللجوء للقانون، خصوصاً في قضايا العنف الأسري، والإعلام والدراما يسهمان في تطبيع هذه السلوكيات، وتلزم مراجعة خبراء علم النفس للأعمال الفنية لضمان تقديمها ما ينفر الجمهور من هذه الظواهر بدلاً من التطبيع معها".
اجمالي القراءات
14