العاملات الأجنبيات في العراق... وضع هشّ يؤسس للاستغلال والعنف

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢٨ - سبتمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


العاملات الأجنبيات في العراق... وضع هشّ يؤسس للاستغلال والعنف

تسلّط الحوادث المتكررة لوفاة عاملات غير عراقيات، آخرها لشابة نيجيرية في 31 أغسطس/ آب الماضي، أثناء محاولتها الهروب من مبنى لشركة تشغيل في بغداد، على واقع مأساوي للهروب المتكرر والتعنيف وحجز الحقوق.

ورغم وجود قوانين للعمل ومكافحة الاتجار بالبشر، يُبقي غياب إطار خاص ينظم العمل المنزلي وضعف الرقابة والمساءلة آلاف النساء في دائرة الهشاشة والتبعية شبه كاملة.
مقالات متعلقة :

تقول الناشطة المدنية هيفاء الطائي لـ"العربي الجديد": "تتعامل أسر باحترام مع العاملات الأفريقيات، لكن غياب الرقابة المؤسساتية والمتابعة الجدية من الأجهزة المختصة يجعل الوضع هشّاً وقابلاً للانزلاق إلى الاستغلال والعنف. وفي غياب آليات واضحة للمساءلة قد تتعرض أية عاملة لانتهاكات متكررة من دون حماية فعلية". تتابع: "سحب جوازات السفر من العاملات فور وصولهن إلى العراق، واحتجازهن لمدة قد تتجاوز عامين يقيّد حركتهن ويجردهن من القدرة على الاعتراض أو مغادرة بيئة العمل، لا سيما في ظل عدم وجود أطر رقابية تلزم أرباب العمل بإعادة الجواز، أو حتى توفير عقد واضح ومُلزم قانونياً. وخلال تعاملنا مع منظمات مدنية عدة في شأن حالات هروب بحثنا في خلفياتها، وجدنا أن الأمر لا يتعلق فقط برغبة العاملات في مغادرة العمل، بل بأسباب حقيقية وجدية وراء هذه القرارات، من بينها التعرض لتحرش، أو العمل ساعات طويلة من دون راحة، أو التعامل معهن بعنف نفسي وجسدي، وإهمالهن صحياً وغياب أي نوع من الحماية".
وكانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أصدرت، في مايو/ أيار 2024، في إطار تنظيم سوق العمل، تعليمات ألزمت بتشغيل عامل عراقي مقابل كل عامل أجنبي يُستقدم، باستثناء فئة العاملات المنزليات، ما جعل هذا القطاع أقل خضوعاً للقيود المفروضة في مجالات التشغيل، علماً أن الوزارة شددت على أنها خصصت خطاً ساخناً لتلقي شكاوى العاملات والعمال الأجانب ومتابعة قضاياهم، وأكدت التزامها بحماية حقوقهم ومحاسبة أي جهة استقدام أو تشغيل تثبت مخالفتها الضوابط القانونية.

أبرز الانتهاكات التي تتعرض لها العاملات المنزليات في العراق تتمثل في حجز وثائق السفر والأجور، والعمل لساعات طويلة من دون منحهن أيام راحة

ويقول المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، حسن خوام، لـ"العربي الجديد": "يخضع استقدام العمالة الأجنبية لشروط عدة، أهمها امتلاك العاملة أو العامل المهارات والخبرات المطلوبة في المجال الذي استقدم من أجله. وقد عانى هذا الملف من إهمال وفوضى لفترة طويلة لذا أنشأت الوزارة قاعدة بيانات تدريجية للعمالة الوافدة، وشجعت المكاتب على تسجيل العقود لضمان الحدّ الأدنى من الحماية للطرفين". يضيف: "تواصل فرق التفتيش التابعة للوزارة زياراتها الميدانية لمواقع العمل من أجل متابعة مدى التزام أصحابها بقانون العمل رقم 38 الصادر عام 2015 وقانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، وأيضاً مراقبة نسب العمالة الأجنبية التي يجب ألا تتجاوز 20% من إجمالي الأيدي العاملة في أي مشروع، مقابل 80% من العمالة العراقية، وفق قرار أصدره مجلس الوزراء. وفي حال تسجيل مخالفات، يُرفع تقرير تفتيشي مفصّل إلى الوزارة لإحالته إلى محكمة العمل واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".
وتظهر تقارير محلية ودولية أن أبرز الانتهاكات التي تتعرض لها العاملات المنزليات في العراق تتمثل في حجز وثائق السفر والأجور أو اقتطاعها بطرق غير قانونية، وأيضاً العمل ساعات طويلة جداً من دون منحهن أيام راحة، إلى جانب التعرض لتعنيف جسدي أو لفظي والتهديد بترحيلهن وتقييد حركتهن ومنعهن من الاتصال أو تغيير جهة العمل.

تهمل الشرطة العراقية شكاوى تقدمها عاملات أجنبيات، 17 يوليو 2025 (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
تهمل الشرطة العراقية شكاوى تقدمها عاملات أجنبيات، 17 يوليو 2025 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
ووثقت هذه الانتهاكات تحقيقات صحافية وشهادات عدة، من بينها تصريحات أدلت بها فاطمة وزيري عزي، المديرة العامة للوكالة الوطنية لمنع الاتجار بالبشر في نيجيريا، التي نددت بما وصفته بأنه "ظروف تشبه العبودية تتعرض لها عاملات نيجيريات، وتشمل حجز هواتف، والتعرض لاستغلال جسدي وتحرش جنسي".
وتوضح وزارة الداخلية أن متابعة حالات الإساءة أو العنف التي تتعرض لها عاملات منزليات أجنبيات، ومن بينهن نيجيريات، من صلاحيات مديرية مكافحة الإجرام في الشرطة التي تتدخل فرقها فور تلقي بلاغ مباشر أو معلومات دقيقة، وهو ما حصل سابقاً حين ضُبط متهم بشراء عاملات أجنبيات وتعنيفهن في بغداد. ويقول المقدم في الشرطة المجتمعية صادق الشمري لـ"العربي الجديد": "نتلقى بلاغات وشكاوى عن العنف والتحرش، خصوصاً في قضايا تخص النساء والفئات الهشة، والوقائع التي تسجل تظل في إطار الحوادث الفردية التي تُعالج بعد وقوعها، وليس في إطار ظاهرة منهجية. ولم نتلقَ شكاوى رسمية مباشرة في شأن مزاعم تحرش أو اغتصاب لعاملات منزليات أجنبيات".
ويشير إلى أن "المشكلة الأبرز تتمثل في مطالبة العاملات غالباً برفع شكاوى عبر مكاتب التوظيف أو أصحاب العمل، ما يؤدي أحياناً إلى إهمال الشكاوى أو تقييدها. وأقرّت الوزارة سابقاً بوجود فجوات على مستوى الإطار القانوني والإجرائي لاستقبال شكاوى هذه الفئة عبر قنوات مستقلة واضحة، لكن كل شكوى رسمية تُقدّم يجري التعامل معها من خلال تنفيذ القانون بالكامل بما يضمن حقوق الضحايا ومساءلة المعتدين".ويتحدث القانوني وسام عبد العزيز لـ"العربي الجديد" عن أن "ملف العاملات المنزليات في العراق لا يزال يفتقر إلى تنظيم قانوني واضح يضمن الحد الأدنى من الحقوق والواجبات. وقانون العمل رقم 37 لعام 2015 لم يتضمن نصوصاً تفصيلية خاصة بالعمل المنزلي، ما ترك فراغاً استغلته بعض شركات الاستقدام. من هنا يبدأ الحل بترسيم حماية صريحة للعاملات المنزليات من خلال لوائح تنفيذية أو تعديل تشريعي تُلزم أن تكون العقود مكتوبة بلغة مفهومة للعاملات، مع وضع حد أقصى لساعات العمل ويوم راحة أسبوعي، وتجريم حجز جواز السفر".
يضيف: "يجب إلزام شركات الاستقدام بدفع تأمين مالي وإخضاعها لرقابة صارمة، ونشر قوائم سوداء بحق المخالفين لضمان حقوق الأجور والإيواء الآمن، كما أن الشفافية في التحقيقات الخاصة بحوادث الوفاة أو التعنيف، ونشر نتائج الطب العدلي، خطوتان أساسيتان لردم الشائعات وتحديد المسؤوليات أكانت جنائية أو مهنية".
اجمالي القراءات 162
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق