تقرير حقوقي: السجون المصرية الجديدة واجهة حديثة لانتهاكات قديمة

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٥ - سبتمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


تقرير حقوقي: السجون المصرية الجديدة واجهة حديثة لانتهاكات قديمة

نشرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، اليوم الخميس، تقريراً بعنوان "هل ساهمت السجون الجديدة في تحسين أوضاع المحتجزين؟"، فضح الواقع المرير خلف جدران مراكز الإصلاح والتأهيل التي أنشأتها السلطات المصرية عام 2021. ورغم الإنفاق الحكومي الضخم على هذه المشاريع، أظهر التقرير أن التحسينات الإنشائية في السجون المصرية لم تنعكس على حقوق السجناء أو ظروفهم المعيشية.

وثّق التقرير شهادات 16 شخصاً، بينهم سجناء سابقون وأسرهم ومحاموهم، بشأن أربعة سجون جديدة: العاشر من رمضان (رجال ونساء)، بدر 1، وبدر 3. وكشفت الشهادات استمرار أزمات كبرى مثل سوء الرعاية الصحية، ونقص التغذية، وقيود صارمة على الزيارات، ما أدى إلى تسجيل وفيات وإضرابات عن الطعام. وأكد التقرير أن الإصلاحات الشكلية في الأبنية لم تُحدث تغييراً حقيقياً، فيما واصلت السلطات استخدام إجراءات عقابية قاسية، بينها الحبس الانفرادي، وقطع المياه والكهرباء، ومنع الدواء، إضافة إلى التعذيب بالصعق الكهربائي والضرب.

التقرير أوضح التناقض بين بناء هذه السجون الجديدة وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2021، التي بشّرت بتوسيع الطاقة الاستيعابية للحد من الاكتظاظ وتحسين الرعاية الصحية. كذلك رافقها تعديل قانون السجون المصرية رقم 396 لسنة 1956، الذي استبدل مصطلحات مثل "سجن" بـ"مركز إصلاح وتأهيل" و"سجين" بـ"نزيل". لكن هذه التغييرات بقيت شكلية، ولم تُترجم إلى تحسّن ملموس في حياة المحتجزين.

وتضم هذه المراكز الجديدة مجمعات بدر، وادي النطرون، العاشر من رمضان، أخميم في سوهاج، وسجن 15 مايو. غير أن بُعدها الجغرافي عن المدن الكبرى ضاعف معاناة الأسر. فمجمعا بدر والعاشر من رمضان يبعدان أكثر من 60 كيلومتراً عن القاهرة، بينما يقع وادي النطرون على مسافة 80 كيلومتراً. وأدى هذا إلى صعوبة وكلفة كبيرة في الزيارات، التي تتحول إلى رحلة شاقة تبدأ فجراً وتشمل تفتيشاً مرهقاً وانتظاراً طويلاً قبل لقاء محدود زمنياً مع السجناء. وغالباً ما تمنع الإدارة إدخال الطعام والدواء، ما يجبر السجناء على شراء احتياجاتهم من "الكانتين" بأسعار مرتفعة.وأشار التقرير إلى أن اعتماد جلسات المحاكمات عن بُعد عبر تقنية الفيديو في هذه السجون يقوّض مبدأ المحاكمة العادلة. فالسجناء لا يستطيعون التحدث بحرية أمام القضاة، ويُحرمون التواصل الفردي مع محاميهم. ووثّق التقرير وقائع مقاطعة القضاة للمتهمين في أثناء حديثهم عن الانتهاكات أو تجاهل شكاواهم.

أما على المستوى الإنشائي، فرغم أن الزنازين أوسع نسبياً من السجون القديمة، فإنها تعاني من سوء التهوية ونقص الإضاءة الطبيعية، إذ تقتصر الفتحات على سقوف ضيقة تتيح بيئة خصبة للأمراض. ومع غياب الزجاج أو الخشب عن النوافذ، يتعرض السجناء لبرودة قاسية في الشتاء. وتعاني هذه المراكز أيضاً من أعطال متكررة في الصرف الصحي وانقطاع المياه، مع شكاوى من أن المياه المتاحة غير صالحة للشرب.

وأعلنت وزارة الداخلية تجهيز هذه السجون بعيادات ومستشفيات وغرف عمليات ووحدات غسل كلى. لكن شهادات السجناء أكدت أن هذه التجهيزات لم تغير الواقع: فالفحوص الطبية عند الدخول غائبة، والمتابعة الدورية ممنوعة، والأدوية نادرة. وفي حالات كثيرة، اضطر السجناء إلى دفع أموال لإجراء فحوص أو الحصول على علاج، في انتهاك صارخ للقانون، ما تسبب في وفيات عدة رغم محاولات الأهالي لإدخال الأدوية التي تُرفض غالباً.

كذلك زُوّدت جميع الغرف بكاميرات مراقبة وإضاءة مستمرة بحجة "تعزيز الحماية"، لكن هذا الإجراء حرم السجناء النوم وأثر سلباً بصحتهم النفسية والجسدية. وبحسب الشهادات، تجاهلت الإدارة نداءات الاستغاثة التي تظهر عبر الكاميرات والميكروفونات، وهو ما دفع إلى اندلاع إضرابات في سجون بدر 1 وبدر 3.

ويخلص التقرير إلى أن السجون المصرية الجديدة ليست سوى واجهة حديثة لسياسات قمعية قديمة، حيث تُمارس إداراتها، بالتعاون مع ضباط الأمن الوطني، سلطات واسعة خارج أي رقابة أو محاسبة. وأكدت الجبهة المصرية أن "أي إصلاح حقيقي يتطلب تغييرات جذرية في سياسات إدارة السجون، لا مجرد تحسينات شكلية أو حملات علاقات عامة. فالغرض من السجون يجب أن يكون الإصلاح وإعادة التأهيل، لا التعذيب والإهمال وحرمان أبسط الحقوق الإنسانية".
اجمالي القراءات 67
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق