مصر: 10 آلاف مواطن أمام محاكم الإرهاب خلال 8 أشهر

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٠ - يونيو - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


مصر: 10 آلاف مواطن أمام محاكم الإرهاب خلال 8 أشهر

في خطوة غير مسبوقة من حيث الحجم والتوقيت والدلالات، أقدمت نيابة أمن الدولة العليا في مصر خلال ثمانية أشهر، فقط، على إحالة ما يقارب عشرة آلاف متهم إلى المحاكمة الجنائية أمام دوائر الإرهاب، في 202 قضية تتعلق جميعها باتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية أو دعمها. وتكشف هذه الإحالات، التي تم تحديد جلسات لـ98 قضية منها حتى الآن، عن نهج قضائي جديد يعيد إنتاج الأزمة الحقوقية المصرية بشكل مغاير، إذ ينقل المسؤولية من النيابة العامة إلى ساحات القضاء، ولكن دون أي ضمانات جوهرية بتحقيق العدالة أو احترام معايير المحاكمة المنصفة.
مقالات متعلقة :


وبحسب ما أفاد به مصدر قضائي رفيع المستوى، من داخل المكتب الفني للنائب العام، في حديث لـ"العربي الجديد"، فإن نيابة أمن الدولة العليا كثّفت، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024 حتى مطلع يونيو/حزيران 2025، جهودها لإغلاق ما وصفه بـ"الملفات العالقة" من قضايا الحبس الاحتياطي المطول، فأحالت أكثر من 202 قضية دفعة واحدة إلى المحاكم المختصة، في خطوة بدت لكثير من المراقبين أشبه بـ"تصريف جماعي" لمشكلة دستورية وقانونية مستمرة منذ سنوات.

وأشار المصدر إلى أن عدد المتهمين في تلك القضايا يناهز عشرة آلاف شخص، بينهم نساء وفتيات، وأن أغلبهم قيد الحبس الاحتياطي منذ سنوات طويلة، وتعود وقائع معظم القضايا إلى الفترة بين 2016 و2022، ما يعني أن المئات (إن لم يكن الآلاف) قد تجاوزوا الحد الأقصى للحبس الاحتياطي المنصوص عليه في القانون المصري، وهو عامان فقط.

ولا تقتصر هذه القضايا على النشطاء السياسيين العاديين أو المتهمين المجهولين، بل تضم قيادات حزبية وسياسية بارزة، أعضاء سابقين بمجلسي الشعب والشورى، مرشحين رئاسيين سابقين ومحامين وحقوقيين معروفين. وتؤكد المصادر أن الاتهامات الموجهة تشمل: "الانضمام إلى جماعة إرهابية، تولي مناصب قيادية فيها، التحريض على التظاهر، نشر أخبار كاذبة، تمويل جماعة محظورة، إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتخطيط لقلب نظام الحكم"، وهي الاتهامات التي باتت، وفقاً للمنظمات الحقوقية، قوالب جاهزة لتصفية الخصوم السياسيين في مصر.

وبحسب المصدر القضائي، جاءت هذه الإحالات بتوجيه مباشر من النائب العام المستشار محمد شوقي عياد، الذي أمر المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا، المستشار خالد ضياء الدين، بضرورة تسريع وتيرة الإحالة في القضايا المفتوحة منذ سنوات طويلة، بهدف احتواء الانتقادات المتصاعدة بشأن استمرار الحبس دون محاكمة، وهي الانتقادات التي باتت تشكل عبئاً سياسياً ودبلوماسياً على النظام المصري.من جانبه، اعتبر المحامي بالنقض والدستورية العليا أحمد حلمي، رئيس هيئة الدفاع عن عدد كبير من المتهمين، أن ما يحدث هو نوع من التحايل القانوني لإعادة تغليف الأزمة القديمة بمظهر جديد. وقال في تصريح لـ"العربي الجديد": "نحن أمام عملية نقل للحبس من يد النيابة إلى ساحات القضاء، ولكن دون أي ضمانات حقيقية بمحاكمات عادلة أو سرعة في الفصل".

وأوضح حلمي أن تحديد جلسات المحاكمة لـ98 قضية فقط من أصل 202، وكونها جميعاً ستُنظر أمام دائرتين فقط من دوائر الإرهاب، يعني أن القضايا ستظل رهينة التأجيل لسنوات، وهو ما يُبقي على وضع الحبس كما هو، لكن بقرار قضائي هذه المرة. وأضاف: "القضية لا تتعلق بالشكل القانوني للإجراء، بل بجوهر العدالة ذاتها، وهو ما يتم تجاوزه بالكامل في هذه المعالجة الشكلية".

وأشار إلى أن هذه الإحالات جاءت، في تقديره، استجابة لضغوط دولية، وتحديداً من صندوق النقد الدولي الذي أرفق ضمن شروطه غير المعلنة لدعم مصر، ضرورة إنهاء ملف الحبس الاحتياطي المطول واحترام الحقوق القانونية للمتهمين. واعتبر حلمي أن الدولة اختارت ترحيل الأزمة إلى القضاء بدلاً من مواجهتها بتشريعات حقيقية أو حلول سياسية.

أما المستشار محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، فذهب إلى ما هو أبعد، إذ شكك في شرعية دوائر الإرهاب نفسها، التي وصفها بأنها "تفتقر للضمانات الدستورية لاستقلال القضاء". وقال دربالة لـ"العربي الجديد": "ثبات تشكيل هذه الدوائر لسنوات على قضاة محددين يمثل مخالفة صارخة لمبدأ استقلال القاضي، ويُعد توجيهاً غير مباشر للأحكام".

وأضاف أن السلطة تستخدم المحاكم غطاء لإطالة أمد الحبس بدلاً من إلغائه، مشيراً إلى أن إحالة هذا الكم الضخم من القضايا في هذا التوقيت بالتحديد، يرتبط بشكل مباشر باقتراب موعد المراجعة الدورية لملف مصر الحقوقي في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأن الهدف ليس إنصاف المحتجزين، بل إرسال رسالة شكلية للمجتمع الدولي بأن "الأزمة انتهت"، بينما الواقع يكشف أن الأزمة أُعيد إنتاجها بأسلوب قانوني آخر.

وانتقد دربالة بشدة عقد جلسات المحاكمات داخل السجون المغلقة، معتبراً أن ذلك يقوّض حق الدفاع، ويمنع الاتصال الطبيعي بين المحامي وموكله، ويُضعف من فرص مناقشة الشهود أو فحص أدلة الاتهام بشكل موضوعي. وقال: "العدالة لا يمكن أن تُبنى داخل جدران السجون، وفي غياب الرقابة الشعبية أو الإعلامية أو حتى النقابية".

وتحت لافتة "الحلحلة" القانونية، يرى مراقبون أن الدولة المصرية تحاول تقديم مخرج سياسي وقانوني لأزمة الحبس الاحتياطي الممتدة منذ ما بعد يوليو/تموز 2013، لكنها تقدم هذا المخرج بأدوات قضائية لا تراعي الجوهر الحقوقي للقضية، بل تكتفي بإعادة ترتيب الشكل الإجرائي لتخفيف الضغط الدولي، دون تفكيك حقيقي لأسباب الأزمة أو تعديل تشريعي يحترم الحقوق الدستورية.

ويحذر الخبراء من أن هذا المسار قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلًا من حلّها، لأن القضاء المصري، بما لديه من دوائر محدودة، لن يكون قادراً على نظر آلاف القضايا في وقت مناسب، مما يعني استمرار الحبس، ولكن بمسميات مختلفة، وشرعية قضائية اسمية.ويؤكد حقوقيون أن الإحالات الجماعية لعشرات الآلاف من المواطنين إلى محاكم الإرهاب، وتحديد جلسات أمام دائرتين فقط من دوائر الإرهاب، خطوة بالغة الخطورة على صعيد الحقوق والحريات، وربما على صعيد استقلال القضاء المصري ذاته أيضاً. فبدلًا من أن تكون هذه الإحالات مقدمة لمعالجة حقيقية، فإنها قد تؤسس لمرحلة جديدة من المحاكمات الشكلية الطويلة، والتدوير القضائي المزمن، إذ تُستخدم أدوات العدالة لتأبيد الأزمة لا لإنهائها.
اجمالي القراءات 92
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق