أعيدوا الأوقاف المصرية لأصحابها
لو صحت التصريحات المنسوبة إلى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، نكون أمام عملية سطو رسمي على أموال الأوقاف المصرية غير المملوكة للحكومة أصلاً، بل أموال وأصول وممتلكات وأراض وعقارات خاصة تنازل عنها أصحابها لأجهزة الدولة للإنفاق من عوائدها على المحتاجين أمثال الفقراء واليتامى والأرامل والمطلقات وطلاب العلم وأوجه الخير المختلفة.
وإذا كانت الحكومة تسابق الزمن لبيع أصول الدولة العامة من شركات وبنوك وأراض وعقارات وغيرها، وتخضع لإملاءات صندوق النقد الدولي وغيره من الدائنين في هذا الشأن، فإنه ليس من حقها بيع أملاك الأوقاف للقطاع الخاص والمستثمرين ورجال الأعمال الخليجيين والعرب والأجانب، الذين يتسابقون لشراء مزيد من الأصول المصرية وبرخص التراب بعد أن تآكلت العملة المحلية مقابل الدولار.
قبل أيام، خرجت علينا صحف ومواقع مصرية تتحدث عن أن رئيس مجلس الوزراء أعطى أوامر لأجهزة الدولة بإجراء حصر شامل ومميكن لجميع أملاك هيئة الأوقاف المصرية، بما يشمل الأراضي والمباني السكنية والتجارية، ودراسة الفرص الاستثمارية المتاحة، تمهيداً لطرحها على القطاع الخاص، وأن مدبولي عقد اجتماعاً لمناقشة هذا الأمر حضره وزير الأوقاف أسامة الأزهري ورئيس هيئة الأوقاف خالد الطيب، تم خلاله مناقشة أهمية تعظيم العائد من أصول الأوقاف واستثمارها بشكل اقتصادي فعّال، وأن التوجيهات المتعلقة ببيع أصول الأوقاف تأتي ضمن خطة الدولة لتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وزيادة كفاءة إدارة الأصول.ووفق بيان رسمي صادر عن رئاسة مجلس الوزراء، فإن رئيس الوزراء شدد خلال الاجتماع على أن الحصر لأموال الأوقاف يجب أن يشمل جميع الأراضي والمباني السكنية والتجارية التابعة للهيئة، وأن هناك دعماً حكومياً كاملاً لأي مشروع تنفذه هيئة الأوقاف بالشراكة مع القطاع الخاص، وذلك في إطار تحقيق الاستثمار الأمثل لأملاك الأوقاف.
شخصياً، تمهلت في الكتابة عن قصة بيع أصول الأوقاف المصرية، قلت لعل وعسى يخرج علينا بيان من رئاسة الوزراء أو المتحدث باسمه ينفي توجه الحكومة نحو بيع تلك الأصول التي تزيد قيمتها عن تريليون جنيه، أي ما يزيد عن 20 مليار دولار، وفق تقديرات سابقة صادرة عن الهيئة، لكن هذا لم يحدث.
ولذا تعاملت بجدية مع قصة البيع التي تطرح عشرات من علامات الاستفهام الغامضة، الأول: هل حصلت الحكومة على موافقة أصحاب تلك الأصول والأموال الأصليين قبل الإقدام على عملية البيع وتغيير الغرض المحدد لها، والثاني: أين ستؤول حصيلة البيع، هل لسد عجز الموازنة العامة وسداد أعباء الدين العام، أم لاستكمال منشآت العاصمة الإدارية وغيرها من المشروعات العملاقة المفتوحة والتي تبتلع مئات المليارات من الجنيهات، والثالث: إذا كانت الحكومة قد فشلت في استثمار تلك الأصول الضخمة بشكل ذي كفاءة وتنميتها لصالح الفقراء واليتامي والمحتاجين وأعمال الخير، فلماذا لا تتم إعادة تلك الأصول لأصحابها الأصليين ليتولوا إدارتها بشكل احترافي؟والرابع: إذا كانت الحكومة لديها خطة لبيع تلك الأصول فمن حق أصحابها المطالبة باستعادتها وبيعها أو تحديد أسلوب توزيعها بالشكل الذي يحقق الغرض منها من وجهة نظرهم، لأن الحكومة أخلت باتفاق التنازل عن تلك الأصول، والخامس: هل عملية البيع التي تتحدث عنها الحكومة تمتد لكل أصول الأوقاف، أم تقتصر على أصول وممتلكات هيئة الأوقاف المصرية فقط والتي تضم 256 ألف فدان زراعي، و120 ألف وحدة عقارية ما بين سكني وإداري واستثماري، قدرت قيمتها رسمياً بتريليون و37 مليار جنيه في العام 2019، إضافة إلى قصور وممتلكات خديوية داخل مصر وخارجها، أشهرها سوق العتبة والميدان وشارع العتبة والأزهر ومنطقة الأزهر وشارع عبد العزيز، والغورية ومنطقة فاطمة النبوية وسوق السلاح والخيامية ووكالة الحج والكسوة رضوان بك وقصور الأمير محمد علي والملك فؤاد بكفر الشيخ، والمنطقة الأثرية بالمسلة، وقصور متعددة وأسبلة وأثريات لا تستغل، ومساجد أثرية، وخارج مصر تمتلك نحو 15 أثراً ومنشأة في جزيرتي تاثيوس وكيفالا باليونان.
ببساطة، الحكومة المصرية تبيع ما لا تملك وتتصرف في أصول مؤتمنة فقط على إدارتها، وهذا يمثل اعتداء صارخاً على الملكية الخاصة ومواد الدستور التي تصون الملكية الخاصة والعامة معاً. وإذا كانت الحكومة قد فشلت في إدارة هذه الأوقاف، فعليها أن تتعلم من الهيئات والجامعات الأجنبية التي حققت نجاحات كبيرة في إدارة هذه النوعية من الأصول لصالح أصحابها والمستفيدين منها، بل وتحقيق عوائد توفق أصل تلك الأصول.
اجمالي القراءات
164