بطالة النساء تهدد الاستقرار المجتمعي في العراق

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٠٧ - مايو - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


بطالة النساء تهدد الاستقرار المجتمعي في العراق

تقبع قصص متعددة خلف أبواب البيوت المغلقة في العراق، إذ تعيش عشرات الآلاف من النساء والشابات واقعاً خانقاً من الانتظار والقلق واليأس، بعدما فشلن في ترجمة سنوات الدراسة الطويلة إلى وظائف أو مصادر دخل. لا يعود الأمر إلى الكسل أو قلة الكفاءة، بل إلى ضعف البرامج الحكومية، وغياب بيئة عمل تراعي خصوصية المرأة.
وبحسب تقرير مشترك صدر عن المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا"، يبلغ معدل بطالة النساء فوق 15 سنة في العراق نحو 28.3%، فيما سجلت الشابات بين 15 إلى 24 سنة نسبة بطالة وصلت إلى 62.2%، وهي من بين الأعلى عربياً.
في منطقة شعبية بالعاصمة بغداد، تعيش زهراء طه (27 سنة) حياةً تفتقر إلى الحافز، فمنذ تخرّجها من كلية الإدارة والاقتصاد قبل خمس سنوات، لاتزال محاولاتها للالتحاق بسوق العمل فاشلة، فلا القطاع الحكومي وفّر لها فرصة عمل، ولا القطاع الخاص فتح أبوابه أمامها، رغم إرسالها عشرات السير الذاتية شهرياً.
تقول زهراء لـ"العربي الجديد": "لا يمرّ يوم دون أن أفتح مواقع التوظيف، وأبحث عن فرصة عمل. أشعر كأن شهادتي الجامعية مجرد ورقة لا تساوي شيئاً، وانغلاق الأفق أمامي يشعرني بعدم وجود أي تقدير للعلم في بلدي، ولا عدالة في التوظيف. أغلب الوظائف تُمنح عبر العلاقات أو الرشاوى، وحياتي الاجتماعية تتآكل؛ فالتوتر مع عائلتي دائم، وأشعر بثقل نفسي كبير، وأحياناً أرى الزواج طوقَ نجاة، لكنني أرفض أن يكون مخرجاً وحيداً من الواقع المؤلم، وأتمنى أن يكون شراكة حقيقية".
ويدفع تفاقم المسؤوليات والاحتياجات الأسرية كثيرات من ربات البيوت إلى السعي لإيجاد عمل في محاولة لتخفيف الأعباء عن أزواجهنّ، لكنهنّ يصطدمن بشح الفرص، على الرغم من امتلاكهنّ كفاءات وشهادات. من بين هؤلاء، أمجاد عبد السلام (42 سنة)، وتقول لـ"العربي الجديد"، إنها أم لأربعة أبناء، وزوجها يعمل موظفاً في وزارة الكهرباء، ويعاني من ضيق ذات اليد.

ساعدت الهواتف العراقيات على البيع الإلكتروني (زايد العبيدي/فرانس برس)
الآلاف من خريجات الجامعات العراقية عاطلات (زايد العبيدي/فرانس برس)
وتشير إلى أنه رغم امتلاكها شهادتَين جامعيتَين؛ في التربية الرياضية والتجارة، لم تنجح خلال أكثر من عشرين عاماً في العثور على وظيفة مستقرة، وعملت لفترات قصيرة في الدروس الخصوصية، لكن الطلب قليل والدخل لا يكفي، وتضيف: "كنت أحلم بفتح صالة رياضية نسائية، أو متجر صغير للملابس، لكن الدعم معدوم، والقروض المخصصة للمشاريع الصغيرة تذهب للمقربين، أو تتعثر بالإجراءات المعقدة. أشعر بالعجز وأنا أرى الديون تتراكم ومصاريف أولادي تزداد. ليست المشكلة في عدم حصولي على فرصة عمل، بل في تداعيات ذلك، فقد أدخلت الضغوط المالية أسرتي في دوامة من المشاكل".
تأمل فرح حسنين (33 سنة) هي الأخرى بالحصول على عمل، لكن حلمها يتآكل يوماً بعد يوم، تقول لـ"العربي الجديد": "تخرجت من كلية اللغات قبل ما يزيد عن عشر سنوات، ورغم مهاراتي العديدة وإجادتي اللغتَين الإنكليزية والإسبانية لا أجد عملاً مناسباً مستقراً، رفضت عروض زواج كثيرة كوني لم أجد فيها من يشاركني الطموحات نفسها، لكنّني اليوم أفكر في الأمر بطريقة مختلفة، وقد أتزوج من لا يتوافق مع أفكاري هرباً من الحالة النفسية التي أعيشها، فحلم تحقيق أهدافي التي كرست لأجلها دراستي واجتهادي لسنوات طويلة ذُبح على مقصلة الواقع".
وتضيف: "في البداية كنت أنتظر الفرصة التي تناسب قدراتي، أما الآن فأشعر بإحباط كبير، وحالتي شبيهة بحالات كثيرات من صديقاتي، ومصيرهنّ انقسم بين الهجرة أو الزواج الاضطراري، وبعضهنّ وصلن إلى حافة الاكتئاب، وبعضهن فكرن حتى في الانتحار".ويؤكد الباحث الاجتماعي مهند الطائي، لـ"العربي الجديد"، أن "بطالة النساء في العراق تحوّلت من ظاهرة اقتصادية إلى مشكلة نفسية واجتماعية عميقة تؤثر على تكوين الأسرة واستقرارها. الملاحظ لدينا أن المرأة العاطلة عن العمل أكثر عرضة للاكتئاب والقلق، وأحياناً الانسحاب الاجتماعي، فحين تُحرم من تحقيق ذاتها، فإنها تفقد التوازن. كثير من الحالات التي نتابعها تكون لنساء فقدن الأمل تماماً، وبعضهنّ يتحدثن عن أفكار سوداوية، حتى إنّ البطالة من بين دوافع ارتفاع عدد حالات انتحار النساء في العراق".
ويشير الطائي إلى أن "هناك ضغط اجتماعي هائل على الشابات للزواج للخلاص من البطالة، وغالباً ما يؤدي هذا إلى زيجات غير متكافئة تنتهي بالفشل أو العنف الأسري. الحل لا يقتصر على توفير فرص العمل، بل ينبغي دمج الدعم النفسي والاجتماعي ضمن برامج التشغيل".
اجمالي القراءات 45
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق