تلاميذ العراق... مشاعر دونية وعجز بسبب التنمر

اضيف الخبر في يوم الأحد ٠٤ - مايو - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


تلاميذ العراق... مشاعر دونية وعجز بسبب التنمر

يؤكد العديد من الأهالي أن أبناءهم يتعرضون إلى سلوكيات مؤذية من زملائهم في المدارس العراقية، تراوح بين السخرية والتهميش، وتمتد أحياناً إلى أشكال أكثر قسوة ترتبط بالهوية أو المظهر الجسدي. وداخل الفصول الدراسية يقف المعلمون في الصف الأول من المواجهة اليومية مع التنمر فهم الأكثر معرفة بتفاصيل الحياة اليومية للطلاب، ويرون بأعينهم ما قد يغيب عن الأهل أو الإدارات التربوية.

تقول فاطمة مزهر، وهي معلمة بمدرسة ابتدائية في العاصمة بغداد لـ"العربي الجديد": "مضى على وجودي في سلك التعليم أكثر من عشر سنوات، والتنمر ليس ظاهرة نادرة كما يظن البعض، بل يزداد انتشارها. يشتكي الطلاب والطالبات كثيراً من تعرضهم لعنف لفظي يصل أحياناً إلى عنف جسدي، ويتلقى بعض الطلاب إساءات لفظية بسبب أشكالهم أو أسمائهم أو ملابسهم، أو بسبب ضعف مستواهم العلمي، وبعض من يتعرضون للتنمر يفقدون أعصابهم ويردون على المتنمرين بالضرب أو بتحطيم الأشياء، ما يجعل الحالة تصل إلى عنف متبادل".

لكن فاطمة تجد أن الأخطر هو انعكاس المواضيع السلبية التي يتناولها المجتمع أو المشاكل التي مرّ بها العراق خلال سنوات ماضية وتركت ترسبات بين التلاميذ الذين يصوغون منها عبارات تنمر، وتقول: "المقلق أن عبارات التنمر التي يستخدمها بعض الطلاب تحمل ألفاظاً فيها كلمات طائفية انتشرت داخل المجتمع جراء الخلافات السياسية".

وفيما لا يواجه المعلمون هذه الظاهرة وحدهم، تملك مرشدات تربويات يعملن في كواليس المدارس رؤية أعمق لحالات التنمر من خلال تواصلهن المباشر مع التلاميذ في جلسات الدعم والإرشاد النفسي. هذا ما تؤكده المرشدة التربوية هدى علي التي تعمل منذ تسع سنوات في مجال الإشراف التربوي. وتقول لـ"العربي الجديد": "واجهت خلال عملي حالات عدة من التنمر بين التلاميذ كان بعضها صادماً. رأيت تلاميذ يتعرضون لسخرية بسبب لهجتهم أو ملابسهم، وآخرين يواجهون التنمر الديني أو الطائفي، حتى إنه جرت مضايقة طالبة محجبة بسبب التزامها الديني. ويعكس هذا التنوع في أشكال التنمر هشاشة في الفهم المجتمعي للتعدد والاختلاف".

وتشير هدى إلى أن "العديد من المدارس تحتاج إلى فرق نفسية مدربة تستطيع التعامل مع الحالات مبكراً، علماً أن بعض التلاميذ لا يعرفون أنهم يتعرضون لتنمر، ويشعرون فقط بحزن وقلق من دون أن يفهموا السبب، لذا من واجبنا بصفتنا خبراء في الصحة النفسية أن نعلمهم كيف يعبرون عن مشاعرهم، ويطلبون مساعدة".

يؤكد معلمون أن التنمر يزداد في المدارس، 22 سبتمبر 2024 (مرتضى السوداني/ الأناضول)
يؤكد معلمون أن التنمر يزداد في المدارس، 22 سبتمبر 2024 (مرتضى السوداني/الأناضول)
وبالانتقال إلى المنازل التي تعكس غالباً ما يحدث داخل أسوار المدارس، يشهد الآباء والأمهات أحياناً كثيرة التغيّرات المفاجئة في سلوك أبنائهم. تقول حسناء جمال الدين، وهي والدة طفل عمره 11 سنة، لـ"العربي الجديد": "تعرّض ابني لتنمر جسدي ولفظي في مدرسته الابتدائية، وكان يعود من المدرسة وهو صامت، ثم أصبح يصرخ لأبسط الأسباب، ويرفض أن يذهب إلى المدرسة. ظننت في البداية أنه مدلل ثم اكتشفت لاحقاً أن مجموعة من الطلاب يسخرون منه لأنه سمين، ويضربونه أحياناً. اضطررت إلى نقله إلى مدرسة خاصة، وتحسنّت حالته تدريجاً".

ولأن الطفولة هي المرحلة الأهم في بناء الشخصية، يرى خبراء أن ترك هذه الظاهرة من دون مواجهة قد يخلّف أثراً مزمناً على الصحة النفسية للأجيال القادمة، وتساهم في إنتاج مجتمع مثقل بالعقد تسوده الانطوائية أو العدوانية.
ويقول اختصاصي الطب النفسي، فارس موفق، لـ"العربي الجديد": "يؤثر التنمر في صحة الأطفال النفسية ومستقبلهم في حال لم يستطيعوا تجاوز الحالة التي يمرون بها. التنمر بحد ذاته أكان داخل المدرسة أو خارجها يعدّ من أبرز أسباب التوتر النفسي لدى الصغار في العراق، والتنمر المدرسي، بأشكاله المتعددة، لم يعد مجرد مشادات عابرة بين التلاميذ، بل معولاً ينخر في تماسك النسيج التربوي ويهدد بنشوء جيل يفتقد الثقة في نفسه والشعور بالأمان، وهذا ما نتحدث عنه باستمرار مع أولياء الأمور".يضيف: "ألاحظ كثيراً ازدياد حالات الاكتئاب والقلق بين الأطفال العراقيين، ويرتبط كثير منها ببيئة المدرسة. الطفل الذي يتعرض لتنمر يشعر بالعجز، وقد يطور شعوراً بالكراهية تجاه المجتمع أو المدرسة، وربما يتحوّل لاحقاً إلى متنمر إذا لم يتلقَ العلاج والدعم".

ويشير موفق إلى أن "التنمر لا يؤثر فقط في اللحظة، بل يترك بصمة طويلة الأمد في شخصية الفرد. الأطفال الذين يتعرضون لتنمر يعانون غالباً من ضعف في المهارات الاجتماعية، وانخفاض ثقتهم بنفسهم، وقد يصبحون في المستقبل أقل قدرة على تحمل الضغوط أو التفاعل السليم مع الآخرين، وهذا يؤثر بالتالي على مجتمعنا الذي يعاني أساساً من مشاكل مختلفة برزت منذ أكثر من عقدين جراء الظروف المعيشية والاقتصادية".
اجمالي القراءات 14
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق