دراسة تسلط الضوء على آراء المغاربة حول تقاسم النساء للفضاء العام معهم

اضيف الخبر في يوم الإثنين ١٤ - أبريل - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: إيلاف


دراسة تسلط الضوء على آراء المغاربة حول تقاسم النساء للفضاء العام معهم

اعتبرت أن حضورهن لا يزال محفوفاً بشروط اجتماعية غير مرئية
دراسة تسلط الضوء على آراء المغاربة حول تقاسم النساء للفضاء العام معهمإيلاف من الرباط: تبدو المرأة المغربية اليوم حاضرة في الساحة السياسية ومراكز القرار، كما في الشارع العام ووسائل الإعلام والإعلانات والفضاء الرقمي. غير أن هذا الحضور، رغم اتساعه، لا يزال محفوفاً بشروط اجتماعية غير مرئية، وضوابط ثقافية صارمة، لا تقل وطأة عن القوانين التي يُفترض أن تحميها.

وكشفت دراسة حديثة قدمتها مؤسسة "منصات" للأبحاث والدراسات الاجتماعية تحت عنوان "النساء، الفضاء العام والحريات الفردية!"، السبت بالدار البيضاء، عن مفارقة صادمة، حيث أن 75% من المغاربة يؤكدون أنهم لا يمانعون في وجود النساء بالفضاء العام، لكن قبولهم سرعان ما يتراجع حين يتعلّق الأمر بحرية المظهر أو استقلالية الجسد. وهو ما يسلط الضوء على فجوة عميقة بين القبول المعلن والرفض الضمني، بين التحرّر الخطابي والرقابة المجتمعية المتواصلة.

الأكثر من ذلك أن 86% من المستجوبين لا يعرفون حتى مضامين القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، مما يجعل الحديث عن "حماية قانونية" مجرد نصٍ معلقٍ في فراغ معرفي وسياق ثقافي لم يفهم بعد.

وبين امرأة تبحث عن مكان آمن في الشارع، وشاب يرى في ملبسها "دعوة ضمنية" للتحرش، يضيع المعنى الحقيقي للفضاء العام كفضاء للمساواة والتفاعل المدني. لتظل المرأة في النهاية "حاضرة جسداً وغائبة حقاً"، تسير في شارع لا يعترف بكامل إنسانيتها، وتجلس في مقهى تلاحقها فيه الأعين قبل الكلمات.

هذه أهم خلاصة خرجت بها دراسة ميدانية، شملت عينة من 1528 شخصاً، موزعين على 12 جهة من جهات المملكة، مسجلة وجود تحوّلات تدريجية في نظرة المجتمع المغربي لحضور النساء في الفضاء العام، خاصة في ما يتعلق بارتباط هذا الحضور بالحريات الفردية. إذ أظهرت النتائج أن 75% من المشاركين يوافقون على ولوج النساء للفضاءات العمومية مثل المقاهي، ودور السينما، والحدائق، والفنادق، وغيرها، فيما أكدت النساء المستجوبات تأييداً أكبر لهذا الحق بنسبة بلغت 83.7%، مقابل 66.4% لدى الرجال.

غير أن هذا القبول لا يبدو مطلقاً، إذ تشير النتائج إلى أن فئات معينة، وخصوصاً كبار السن، لا تزال تتخذ موقفاً أكثر تحفظاً. ففي الفئة العمرية التي تتجاوز 65 عاماً، لا تتعدى نسبة المؤيدين لحضور النساء في الفضاء العام 55.9%.

شعور متفاوت بالأمان
في ما يخص الإحساس بالأمان داخل الفضاءات العمومية، أظهرت الدراسة أن 5% فقط من المستجوبين يرونها آمنة جداً للنساء، فيما اعتبر 20% أنها غير آمنة. وقد عبّرت النساء عن مستويات أقل من الأمان مقارنة بالرجال، خصوصاً في المناطق الحضرية وشبه الحضرية، التي شهدت أيضاً نسباً أعلى من التصريحات المرتبطة بتعرض النساء للتحرش.

ويعتقد معدّو الدراسة أن هذا الإحساس المتفاوت يرتبط بضعف التفاعل المجتمعي مع قضايا الحريات الفردية، وغياب الوعي القانوني الكافي بما يكفله التشريع المغربي من حماية للنساء.

حرية الجسد: المفهوم الملتبس
من أبرز القضايا التي تناولتها الدراسة مسألة حرية الجسد، حيث كشفت النتائج أن 67% من المشاركين لا يرون مانعاً من أن تتصرف المرأة بحرية بجسدها داخل المنزل، بينما عبّر 55% عن رفضهم لهذه الحرية عندما يتعلق الأمر بالفضاء العام.

ورصدت الدراسة تبايناً في هذه المواقف بحسب المستوى التعليمي، حيث يزداد القبول بحرية المرأة لدى الفئات المتعلمة، ويتراجع بشكل ملحوظ لدى الأقل تعليماً.

بين المرجعية الدينية والقانون
وطرحت الدراسة ايضا سؤالاً محورياً حول المرجعية التي ينبغي اعتمادها لضمان حقوق النساء، هنا أظهر المستجوبون تردداً بين الالتزام بالشريعة الإسلامية والانفتاح على المرجعيات الحقوقية. إذ عبّر 45% عن تأييدهم للجمع بين المرجعيتين، فيما رأى 33% أن الشريعة كافية، و14.9% اكتفوا بالمرجعية الحقوقية الدولية.

ويبدو أن هذا التردد يعكس تفاعلاً مع النقاش المجتمعي الجاري حول التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة، التي تشكّل إحدى المحطات البارزة في تقييم موقع المرأة ضمن النسيج القانوني والاجتماعي.

ضعف في الوعي القانوني
وفي ما يتعلق بالإطار التشريعي لحماية النساء من العنف والتحرش، أظهرت الدراسة أن 86% من المشاركين لا يعرفون شيئاً عما ينص عليه القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، رغم مرور أكثر من خمس سنوات على دخوله حيز التنفيذ.

وتُظهر هذه النتيجة ضعف الثقافة القانونية في أوساط المواطنين، بما في ذلك النساء أنفسهن، حيث أظهرت الأرقام أن نسبة النساء اللواتي يجهلن وجود هذا الفصل تفوق نسبة الرجال.

مطالب مجتمعية بتعديل مدونة الأسرة
وسجلت الدراسة توافقاً نسبياً على ضرورة مراجعة مدونة الأسرة، إذ عبّر 50% من المشاركين عن تأييدهم لإجراء تعديلات على النص الحالي، وذهبت النسبة الأكبر من المؤيدين (40%) إلى المطالبة بمزيد من المساواة، مقابل 36% دعوا إلى تمكين النساء من حقوق أكبر. ورغم اختلاف المرجعيات، فإن المؤشر العام يعكس استعداداً مجتمعياً للانخراط في نقاش مدني حول قضايا المرأة، دون أن يعني ذلك تجاوز الإكراهات الثقافية والقانونية القائمة.

وتسلط هذه الدراسة الضوء على مفارقات الواقع المغربي في ما يخص تمثلات النساء في الفضاء العام، بين انفتاح نسبي على الحريات، وتشبث ملحوظ بقيم تقليدية، وبين ترحيب بالتعديلات التشريعية، وضعف في التفاعل المجتمعي مع أدواتها.
اجمالي القراءات 83
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق