قراءة فى كتاب الإباحة والإجارة والجعالة
قراءة فى كتاب الإباحة والإجارة والجعالة
فى المقدمة تطرق المؤلفون إلى المقارنة بين الشرع والقانون الوضعى فقالوا:
"تطرقت معظم التشريعات الوضعية إلى تعريف الالتزام القانوني بأنه رابطة قانونية بين شخصين بمقتضاها يتمكن الدائن من إكراه المدين على أن يؤدي إليه مبلغا من المال، أو يسلمه شيئا أو يتم عمله أو يقوم بعمل ومنهم من عرفه بتعريف العقد، وهذا فيه اقتباس من الشريعة الإسلامية التي عرفت الالتزام بتعريف العقد، بصفتها أول تشريع سن حرية التعامل وأخرج البشرية من تعقيداته الشكلية، التي توارثها المتعاملون أيام الرومان ومن سبقهم
فالشريعة الإسلامية عرفت الالتزام من خلال تعريفها للعقد نفسه وذلك في غالب تعريفاتها لهذا المبدأ، ثم عرف الفقهاء العقد بأنه عبارة عن التزام العاقدين وتعهدهما بأمر، وهو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول"
وتعرض المؤلفون للإباحة فى اللغة فقالوا:
"المبحث الأول: حقيقة الإباحة
تمهيد:
يستعمل لفظ الإباحة في اللغة ثلاثيا فيقال: باح بمعنى ظهر، وهو في هذا الاستعمال لازم كما يقال باح بسره أظهره فهي بمعنى المتعدي أباح وليست متعديا، ومصدر الأول البؤح، ومصدر الثاني الإباحة، والمباح اسم مفعول من الإجابة... وأما المباح لغة، فهو اسم مفعول من أباح الشيء بمعانيه اللغوية المختلفة السابقة فهو اسم لكل ما وقعت عليه الإباحة بكل معنى من تلك المعاني"
ثم ذكروا معنى الإباحة فى الأصول فقالوا:
المطلب الأول: الإباحة عند الأصوليين وعند الفقهاء
أولا: الإباحة عند الأصوليين
الإباحة مأخوذة من أبحتك الشيء بمعنى أحللته لك وأطلقتك فيه فالأصوليون يعرفونها بأنها التخيير بين فعل الشيء وتركه، ويعرفون المباح بأنه هو الأمر الذي خير الشارع بين فعله وتركه وهذا مفاد تعريف الغزالي للجواز الذي هو مرادف الإباحة عنده إذ يقول: إن الجواز هو التخيير بين الفعل والترك بتسوية الشرع وقد درج على اختيار هذا التعريف للإباحة الإمام البيضاوي في المنهاج عند تعريفاته لأقسام الحكم بما دل على أنها حدود لتلك الأقسام فالصلاة مثلا في أول وقتها الموسع، فإن المكلف مخير بين فعلها وتركها وليست الصلاة ولا الكفارة مباحة بل واجبة
ولقد وضع الآمدي تعريفا للمباح إذ قال: إن الأقرب في ذلك أن يقال: إن المباح ما دل الدليل السمعي على خطاب الشارع بالتخيير فيه بين الفعل والترك من غير بدل" والذي يفيد الإباحة عنده على هذا دلالة خطاب الشارع على التخيير بين فعل الشيء وتركه من غير بدل
...وبعد ما أوردناه من تعريفات الأصوليين للإباحة والمباح نتجه إلى التعريف الذي وضعه الآمدي لما فيه من استقامة ووضوح وعدم احتياج إلى قيد يبين المراد"
والخلاصة أن المباح هو الحلال ولكن هناك مباح مفروض ومباح مخير فيه المسلم ثم تعرضوا للمعنى فى الفقه فقالوا:
ثانيا: الإباحة عند الفقهاء
يستعمل الفقهاء لفظ الإباحة كثيرا وخاصة الأحناف عند الكلام عن الحظر والإباحة فالإباحة عند الفقهاء هي الإذن بإتيان الفعل حسب مشيئة الفاعل في حدود الإذن وقد تطلق الإباحة على ما قابل الحظر، فتشمل الفرض والإيجاب والندب
وقد جاء في تعريف للأستاذ مصطفى الزرقا بأنها الإذن باستهلاك الشيء باستعماله وهي لا تجعله مملوكا بل هي دون التمليك وقد يكون هذا الإذن من الشارع، ويكون في الاستيلاء على المال المباح وهو كل ما خلفه الله لينتفه به الناس على وجه معتاد وليس في حيازة احد مع إمكان حيازة مما يكون في مجرد الانتفاع كالإذن في الانتفاع بالمساجد والطرقات بما شرعت له...أو كان إذن العباد بعضهم لبعض بمنفعة العين فقط كمن يدعوك لركوب سيارته أو السماع من مذياعه، أو مشاهدة مسرحية عنده أو التفرج بصور في معرضه إلى غير ذلك من صور إباحة المنافع، وهذا النوع يتم استحقاقه واستيفاؤه بمجرد الانتفاع لأن المنافع تستهلك وتنقذي وتزول ساعة فساعة
بقي أن نشير هنا إلى الإباحة ليست من قبيل التعاقد، فهي لا تحتاج إلى الإيجاب والقبول وإنما توجد بمجرد وجود الإذن القولي أو العملي كما أنه لا يشترط فيها أن يكون المأذون له معينا معلوما للآذن وقت الإذن لا بشخصه ولا باسمه، فمن يضع الماء في الأباريق ويضعها على قارعة الطريق، فإنه يبيح بذلك لكل من يمر أن يشرب منها دون تعيين للمأذون لهم لا بالإسم ولا بالوصف، ...
والقوم هنا يتحدثون عن إباحة الأشياء المادية ولا يتحدثون عن الإباحة الإلهية ككل وتعرضوا لمعناها فى القانون الجنئى والمدنى فقالوا:
المطلب الثاني: حقيقة الإباحة في القانون
أولا: في نظر القانون الجنائي
من تتبع كتابات فقهاء القانون الجنائي واستعمالاتهم للفظي الإباحة والمباح يجد الإباحة عندهم تطلق باطلاقين ، إباحة أصلية، وإباحة طارئة
أ- الإباحة الأصلية: المقصود بالإباحة عندهم ألا ينص القانون على التحريم بفعل شيء من الأشياء ولا إيقاع عقاب عليه وليس لها سبب أكثر من عدم النص القانوني على هذا التحريم كما تفيده قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون" ....وقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص صرحت بمدلولها معظم التشريعات ولم تكتف بعضها بالنص عليها في قانون العقوبات بل سجلها لأهميتها في الدستور كمبدأ أساسي لا يجوز مخالفته في قانون عادي، على أن هذه القاعدة تفضي إليها أصولها النظام الطبيعي العام
كما أن الغرض الأول من مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات هو كفالة حرية الأفراد في أفعالهم وتصرفاتهم لأنه لو ترك أمر التجريم للقاضي لأضحى الأفراد في حيرة من أمرهم لا يدرون بصفة قاطعة ما هو مباح لهم
وما هو محظور عليهم، ولذا فإن الأمر يتطلب إنذار الأفراد مقدما بما يتعرضون له إذا ما صدرت عنهم أعمال أو تصرفات معينة، ففي هذه القاعدة إذن ضمان لكفالة حقوق الأفراد من تعسف السلطات وصيانة المصلحة العامة إذ يأمن الأفراد معها حريتهم في مباشرة مختلف أوجه النشاط لأنها على الإباحة الأصلية فما لم ينص عليه في القانون الجنائي يعتبر مباحا، فما دام الفعل الذي ارتكب لا يعد جريمة من الناحية القانونية فإنه لا تنشأ عنه سلطة للدولة في معاقبة فاعله
ب- الإباحة الطارئة: الإذن بالفعل الذي كان ممنوعا إذا وجد سبب من أسباب الإباحة المنصوص عليها في القانون ومن أمثلة ذلك، الدفاع الشرعي، وتنفيذا أمر الرئيس إذا كان المنفذ موظفا، فقد يرتكب الشخص فعلا محظورا، ومع ذلك لا يعاقب لأسباب مختلفة من أجلها لا يعد الفعل جريمة...
ثانيا: حقيقة الإباحة عند فقهاء القانون المدني
إذا تتبعنا ما جاء في شروح القانون المدني، وكتب أصول القوانين نجد أن القوانين في الأصل لم توضع إلا لضبط علاقات الناس ووضع أحكام لها، مع أن الأصل في ضبط علاقاتهم بعضهم مع بعض ترجع إلى إرادتهم وما يتفقون عليه ولو كان ذلك مخالفا لما وضعه القانون الخاص من أحكام
وهذا التفويض الذي قرره القانون لإرادة الأفراد في تنظيم عقود المالية لم يمنع المشرع من التدخل في تنظيم هذه العقود بقواعد تشريعية، وهذه القواعد الصادرة من المشرع لم تصدر منه في صيغة الأمر والنهي، وإنما في صيغة البيان والاقتراح، ...لإرادة المتعاقدين أو مفسرة لسكوتهم أو مقررة لأرادتهم الضمنية
والقانون المدني في المادة 147 ينص على أن العقد شريعة المتعاقدين أي يخضع لإرادتهم إلا إذا كان الاتفاق مخالفا للنظام العام والآداب م 135
وهذا في جملته يتفق مع معنى الإباحة إذ الأفراد مخيرون في تصرفاتهم حتى ولو خالفت القانون الموضوعي الخاص دون مساس بالنظام العام أو الآداب ولذلك سميت هذه القوانين الخاصة بالقوانين المقررة لأنها تسمح لطرفي العقد بحق التحلل منها، والاتفاق على غيرها "
وبعد كل ما ذكر قارن المؤلفون بين الشرع والقانون فى معنى إلإباحة فقالوا:
"- مقارنة بين الشرع والقانون في مفاهيم الإباحة:
إذا كان القانون المدني قد جاءت أحكامه في الغالب تخييرية، يباح الاتفاق على مخالفتها وتحكيم ما يتفق عليه المتعاقدان من نصوص يذكرونها إلا بالنسبة للمواد المتعلقة بالنظام العام، والتي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، إذ العقد شريعة المتعاقدين، فإن الفقه الإسلامي حدد للناس حدودا في عقودهم لأن العقود أسباب جعلية شرعية للأحكام بمعنى أن العاقد بإرادته يتكون العقد، أما الحكم المتعلق به فهو من جعل الشارع وترتيبه وقد وضع الشارع حدودا للعقد ولكل ما يشترط الناس في عقودهم، إن التزموها كانت العقود صحيحة والشروط ملزمة، وما لم يرد نص يمنعه وحظره من العقود والشروط ...
أما فيما بين نظرة القانون الجنائي ونظرة الفقه الإسلامي لمفهوم الإباحة فإن نظرة كل منهما للإباحة الأصلية لا تكاد تختلف عن النظرة الأخرى من جهة ما يتجه كل منهما إليه من تخيير الناس بين الفعل والترك، وعدم ترتب ثواب ولا عقاب على ذلك
إلا أن القانون الجنائي يعتبر كل ما لم ينص على منعه وتجريمه فهو مباح، أما الفقه الإسلامي فإن الفعل المباح: ما دل الدليل الشرعي على التخيير فيه أو حكم به الحاكم العادل في حدود قواعد الشرع ومسايرة مصالح الناس
أما المسكوت عنه فهو مباح أيضا بالإباحة الأصلية، خلافا للمعتزلة الذين يرون في الأفعال حسنا وقبحا يدرك بالعقل وتجب مراعاته ولو لم ينص عليه الشارع، إذ حكم الشرع إنما جاء مؤيدا لحكم العقل، على أن المسكوت عنه الذي يرد نص بمنعه وتجريمه قد يكون مأمورا به لورود الخطاب بذلك، فيثاب المرء على فعله أي لا يقف عند العقاب وعدمه فقط وإنما يتجه ناحية الأجر والثواب وفي هذا تشجيع على الامتثال والطاعة"
والخطأ هنا هو وجود مسكوت عنه أو وجود ما يشرعه الحاكم العادل فهذا كلام يخالف وجود حكم لكل شىء فى الوحى كما قال تعالى :
" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
ومن ثم فالعقد هو تطبيق لكلام الله والمختلف فيه هو أعداد أو كميات أو مقادير أو نقود أو أسماء الموجودين فى العقد فالمباح هو :
أن يكون الله أحله حسب النصوص
ثم تحدثوا عن ألإباحة الطارئة فى القانون فقالوا :
"وأما الإباحة الطارئة في نظر الفقه الجنائي فهي أشبه بالإباحة بالإطلاق الثاني الذي ذكره الشوكاني من الأصوليين فإنك لا تستعمل إلا في الفعل الذي كان في ذاته غير مباح ثم عرض له ما يجعله مباحا، وقد مثل له الشوكاني بإباحة دم المرتد، وقد مثل له غيره أيضا بافتداء المرأة من زوجها إن خافا ألا يقيما حدود الله ففي الشريعة الإسلامية أن الفعل في ذاته قد يكون غير مباح ثم يعرض له ما يجعله مباحا كالمجنى عليه إذا كان غير معصوم الدم فالقتل أمر محرم في الشرع في كل اعتبار، ولكن إذا وقع من شخص ما يقتصد إباحة دمه كالمرتد عن الإسلام فإنه يكون مباح الدم بالإباحة الطارئة، ويصير الفعل بعد أن كان جريمة أمرا مباحا سبب إباحة ما طرأ مما جعل الشخص غير محقون الدم
ومن جهة أخرى فإن الإباحة الطارئة في اصطلاح شراح القانون الجنائي تشبه من بعض الوجوه ما أورده الأصوليون والفقهاء من الترخيص بأشياء أصلها كان محظورا ثم رفع الضرر لموجب اقتضى ذلك، سواء رفع ذلك الحظر إلى ما يسمى في عرفهم إباحة، أو وجوبا، أو ندبا فإن المقصود من ذلك انه ارتفعت المؤاخذة ولم يكن هناك سبيل على الفاعل ومن أمثلة ذلك شرب الخمر، ..."
وهذه الإباحات أحكام موجودة حسب الظروف التى حددها الله كلها فى كتابه وتحدث المؤلفون عن أساليب الإباحة وأقسامها وآثارها فقالوا:
المبحث الثاني: أساليب الإباحة وأقسامها وآثارها
المطلب الأول: أساليب الإباحة وأقسامها
الفقرة الأولى: أساليب الإباحة
المراد بأساليب ما دل عليها وتستفاد على منه سواء أكان ذلك بدلالة لفظية حديثة كانت أو مجازة، أو كان ذلك بقرينة من القرائن اللاعقلية فأساليبها متنوعة، ...
أولا: الإباحة والجواز:
اختلف الأصوليون فى الصلة بين الإباحة والجواز، فمنهم من قال: إن الجائز يطلق على خمسة معان المباح، وما لا يمتنع شرعا، وما لا يمتنع عقلا، أو ما استوى فيه الأمران والمشكوك في حكمه ومنهم من أطلقه على المباح، ومنهم من قصره عليه، فجعل الجواز مرادفا للإباحة والفقهاء يستعمل في الجواز فيما قابل الحرام، فيحمل المكروه وهناك استعمال فقهي لكلمة بمعنى الصحة وهي موافقة الفعل ذي الوجهين للشرع، والجواز بهذا الاستعمال حكم وضعي وبالاستعمالين السابقين حكم تكليفي
ثانيا: الإباحة والحل:
الإباحة فيها تخيير، أما الحل فإنه أعم من ذلك شرعا، لأنه يطلق على ما سوى التحريم، وقد جاء مقابلا له في القرآن والسنة، كقوله تعالى " وأحل الله البيع وحرم الربا" وقوله: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" وقوله (ص) " أما إني والله لا أحل حراما وأحرم حلالا" ...
ثالثا: الإباحة والصحة
الصحة هي موافقة الفعل ذي الوجهين للشرع ومعنى كونه ذا وجهين أنه يقع تارة موافقا للشرع، لاشتماله على الشروط التي اعتبرها الشارع، ويقع تارة أخرى مخالفا للشرع والإباحة التي فيها تخيير بين الفعل والترك مغايرة للصحة وإن كانا من الأحكام الشرعية، إلا أن الإباحة حكم تكليفي، والصحة حكم وضعي على رأي الجمهور منهم من يرد الصحة إلى الإباحة فيقول: إن الصحة إباحة الانتفاع والفعل المباح قد يجتمع مع الفعل الصحيح، فصوم يوم من غير رمضان مباح، أي مأذون فيه من الشرع، وهو صحيح إن استوفى أركانه وشروطه وقد يكون الفعل مباحا في أصله وغير صحيح لاختلال شرطه، كالعقود الفاسدة وقد يكون صحيحا غير مباح كالصلاة في ثوب مغصوب إذا استوفت أركانها وشروطها عند أكثر الأئمة
الإباحة والتخيير:
الإباحة تخيير من الشارع بين فعل الشيء وتركه، مع استواء الطرفين بلا يرتب ثواب أو عقاب، أما التخيير فقد يكون على سبيل الإباحة، أي بين فعل المباح وتركه، وقد يكون بين الواجبات بعضها وبعض، وهي واجبات ليست على التعيين كما في خصال الكفارة في قوله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة" فإن فعل أي واحد منها يسقط المطالبة، لكن تركها كلها يقتضي الإثم ...
الإباحة والعفو:
من العلماء من جعل العفو الذي رفعت فيه المؤاخذة، ونفي فيه الحرج، مساويا للإباحة، ...وهو ما يحل عليه قوله تعالى: "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها" فما عفا الله عنه لم يكلفنا به فعلا أو تركا، ولم يرتب عليه مثوبة ولا عقابا وهو بهذا مساو للمباح"
وكل هذا الكلام لا داعى له فالحلال والحرام هما أساس الشرع والحلال كله مباح إلا أنه ينقسم لواجب أى فرض حتمى كالصلاة وفرض مخير فيه المسلم بين أمور كالقتل حكمه التخيير بين العفو والقتل
ثم تحدثوا عن أقسام الإباحة فقالوا:
"الفقرة الثانية: أقسام الإباحة
للإجابة تقسيمات شتى باعتبارات مختلفة وقد تقدم أكثرها وبقي الكلام عن تقسيمها من حيث مصدرها ومن حيث الكلية والجزئية
أولا: تقسيمها من حيث مصدرها
تقسم بهذا الاعتبار إلى إباحة أصلية، بألا يرد فيها نصر من الشارع، وبقيت على الأصل، وقد سبق بيانها وإباحة شرعية: بمعنى ورود نصر من الشارع بالتخيير، وذلك إما ابتداء كإباحة الآكل والشرب، وإما بعد حكم سابق مخالف كما في النسخ أو الرخص، وقد ...
ثانيا: تقسيمها باعتبار الكلية والجزئية:
1 - إباحة للجزء طلب الكل على جهة الوجوب، كالأكل مثلا، فيباح أكل نوع وترك آخر مما أذن به الشرع واكن الامتناع عن الأكل جملة حرام لما يترتب عليه من الهلاك
2 - إباحة للجزء مع طلب الكل على جهة الندب، كالتمتع بما فوق الحاجة من طيبات الأكل والشرب، فذلك مباح يجوز تركه في بعض الأحيان، ولكن هذا التمتع مندوب إليه باعتبار الكل، على معنى أن تركه جملة يخالف ما ندب إليه الشرع من التحدث بنعمة الله والتوسعة، كما في حديث " إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وكما قال عمر بن الخطاب إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم
3 - إباحة للجزء مع التحريم باعتبار الكل، كالمباحات التي تقدح المداومة عليها في العدالة، كاعتياد الحلف، وشتم الأولاد فذلك مباح في الأصل، لكنه محرم بالاعتياد
4 - إباحة للجزء مع الكراهة باعتبار الكل، كاللعب المباح، فإن ذلك وإن كان مباحا بالأصل إلا أن المداومة عليه مكروهة"
هذا التقسيم بشرى ليس عليه أى دليل من الوحى فاللعب بمعنى محرم كله وهو التمتع بمتع الدنيا الحرام واللعب بمعنى أخر فيه الحلال والحرام كممارسة الرياضات أو ما يسمى الألعاب التعليمية
وتحدثوا عن نتائج الإباحة فقالوا:
المطلب الثاني: آثار الإباحة
إذا ثبتت الإباحة ثبت لها من الآثار ما يلي:
1 - رفع الإثم والحرج وذلك ما يدل عليه تعريف الإباحة بأنه لا يترتب على الفعل المباح إثم
2 - التمكين من التملك المستقر بالنسبة للعين، والاختصاص بالنسبة للمنفعة: وذلك لأن الإباحة طريق لتملك العين المباحة هذا بالنسبة للعين أما بالنسبة للمنفعة المباحة فإن أثر الإباحة فيها اختصاص المباح له بالانتفاع، ...
هذه هي آثار الإباحة للأعيان في إذن العباد أما آثار الإباحة للمنافع فإن إباحتها لا تفيد إلا حل الانتفاع فقط، على ما تقدم تفصيله فحق الانتفاع المجد من قبيل الترخيص بالانتفاع الشخصي دون الامتلاك، وملك المنفعة في اختصاص حاجز لحق المستأجر من منافع المؤجر، فهو أقوى وأشمل، لأن فيه حق الانتفاع وزيادة وآثار ذلك قد تقدم الكلام عليها"
وبعد أن تناولوا معانى الإباحة وما يختص بها فى أكثر من نصف الكتاب تحدثوا عن الإجارة فاستهلا الكلام بتعريفها فقالوا :
الفصل الثاني: الإجارة
المبحث الأول: الإجارة وأركانها
المطلب الأول: تعريف الإجارة
الإجارة في اللغة اسم للأجرة وهي كراء الأجير وهي بكسر الهمزة وهو المشهور وحكم الضم بمعنى المأخوذ وهو عوض العمل ونقل الفتح أيضا، فهي مثلثة، لكن نقل عن المبرد انه يقال: أجر وآجر إجارا وإيجارة وعليه فتكون مصدرا وهذا المعنى هو المناسب للمعنى الاصطلاحي
وعرفها الفقهاء بأنها عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض ويخص المالكية غالبا لفظ الإجارة بالعقد على منافع الآدمي وما يقبل الانتقال غير السفن والحيوان ويطلقون على العقد على منافع الأراضي والدور والسفن والحيوانات لفظ كراء، فقالوا الإجارة والكراء شيء واحد في المعنى
الأصل في عقد الإجارة عند الجمهور اللزوم فلا يملك أحد المتعاقدين الانفراد بفسخ العقد إلا لمقتضى تنفسخ به العقود اللازمة، من ظهور الغيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة واستدلوا بقوله تعالى: "أوفوا بالعقود" وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز للمكتري فسخ الإجارة للعذر الطارئ على المستأجر مثل أن يستأجر دكانا يتجر فيه فيحترق متاعه أو يسرق لأن طروء هذا أو أمثاله، يتعذر معه استيفاء المنفعة المعقود عليها، وذلك قياسا على هلاك العين المستأجرة، وحكى ابن رشد انه عقد جائز
وما دامت الإجارة عقد معاوضة فيجوز للمؤجر استيفاء الأجر قبل انتفاع المستأجر على التفصيل الذي سيرد في موضعه والأصل في عقد الإجارة انه مشروع على سبيل الجواز والدليل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والمعقول أما الكتاب فمنه قوله تعالى: " فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن"
ومن السنة ما رواه أبو سعيد الجدري أن رسول الله (ص)قال:" من استأجر أجيرا فليعلمه لأجره" وقوله: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" وقوله: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة" الحديث وعد منهم رجلا استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره"
وأما الإجماع فإن الأمة أجمعت على العمل بها منذ عصر الصحابة وإلى الآن وأما دليلها من المعقول فلان الإجارة وسيلة للتسيير على الناس في الحصول على ما يبتغونه من المنافع التي لا يملك لهم في أعيانها..."
الإجارة إذا تعاهد بين فردين أو اكثر على قيام طرف بعمل أو مطلوب ودفع الطرف الأخر لأجر العمل هذا كمعنى وأما الحلال والحرام فقد تعرضوا لها فى أركان عقد الإجارة فقالوا:
"المطلب الثاني: أركان عقد الإجارة
يختلف الفقهاء في تعداد أركان الإجارة فالجمهور ذهبوا على أنها الصيغة (الإيجاب والقبول)، والعاقدان، والمعقود عليه فأطراف للعقد ومقوماته، فلا يقام للعقد إلا باجتماع ذلك كله فالخلاف لفظي لا ثمرة له
الصيغة:
صيغة عقد الإجارة ما يتم بها إظهار إرادة المتعاقدين من لفظ أو ما يقو مقامه، وذلك بإيجاب يصدره المملك، وقبول يصدره المتملك على ما يرد الجمهور في حين يرى الحنفية أن الإيجاب ما صدر أولا من أحد المتعاقدين والقبول ما صدر بعد ذلك من الآخر ...
العاقدان:
من أركان عقد الإجارة عند غير الحنفية العاقدان -المؤجر والمستأجر - والحنفية يعتبرونها من أطراف العقد لا من أركانه..."
والكلام عن الأركان هو كلام من قبيل البديهيات فالعقد لابد أن يكون فيه طرفين أو أكثر وأن يكون هناك اتفاق على العمل أو المطلوب وأجره
وتحدثوا عن محل الإجارة فقالوا:
محل الإجارة:
الكلام هنا يتناول بمنفعة العين المؤجرة والأجرة
أولا منفعة العين المؤجرة
المعقود عليه في الإجارة عند الحنفية هو المنفعة، وهي تختلف باختلاف محلها وعند المالكية والشافعية أن المعقود عليه إما إجارة منافع أعيان، وإما إجارة منافع في الذمة، واشترطوا في إجارة الذمة تعجيل النقد، للخروج من الدين بالدين وعند الحنابلة محل العقد أحد ثلاثة: الأول: إجارة عمل في الذمة في محل معين أو موصوف وجعلوه نوعين: استئجار العامل مدة لعمل بعينه، واستئجاره على عمل معين في الذمة كخياطة ثوب ورعي غنم الثاني: إجارة عين موصوفة في الذمة الثالث: إجارة عين معينة لمدة محددة
الأجرة:
الأجرة هي ما يلتزم به المستأجر عوضا عن المنفعة التي يتملكها وكل ما يصلح أن يكون ثمنا في البيع يصلح أن يكون أجرة في الإجارة وقال الجمهور: أنه يشترط في الأجرة ما يشترط في الثمن ويجب العلم بالأجر لقول النبي (ص) " من استأجر أجيرا فليعلمه أجره"، ..."
ومن الكلام السابق يتبين أن الإجارة إما إجارة شىء سواء مسكن أو آلة أو ما شابه وإما إجارة مكان للسكنى فيها أو العمل فيه
وتحدثوا عن مدة العقد فقالوا:
المبحث الثاني: انقضاء عقد الإجارة
اتفق الفقهاء على أن الإجارة تنتهي بانتهاء المدة، أو بهلاك المعقود عليه المعين، أو بالإقالة وذهب الحنفية إلى أنها تنقضي أيضا بموت أحد المتعاقدين، أو حدوث عذر يمنع من الانتفاع بالعين المستأجرة، وذلك بناء على أنهم يرون أن الأصل في الأجرة أنها تتجدد بتجدد المنفعة وذهبت المذاهب الأخرى إلى عدم انقضاء الإجارة بهذه الأمور بناء على أنهم يرون أن الأجرة تثبت بالعقد، كالثمن يثبت بنف البيع وسنفصل ذلك على الشكل الآتي:
أولا: انقضاء المدة
إذا كانت الإجارة محددة المدة، وانتهت هذه المدة، فإن الإجارة تنتهي بلا خلاف غير أنه قد يوجد عذر يقتضي امتداد المدة، ...
ثانيا: انقضاء الإجارة بالإقالة
كما أن الإقالة جائزة في البيع، لقوله (ص): "من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة" فهو كذلك جائزة في الإجارة، لأن الإجارة بيع منافع
ثالثا: انقضاء الإجارة بهلاك المأجور
تفسخ الإجارة بسبب هلاك العين المستأجرة بحيث تفوت المنافع المقصودة منها كلية، كالسفينة إذا انقضت وصارت ألواحا، أو الدار إذا انهدمت وصارت أنقاضا
رابعا: انفساخ الإجارة بالموت"
الإجارة كانت جائزة فى حالة عدم وجود دولة للمسلمين وفى بداية الدولة حيث لا يوجد تنظيم بسبب هجرة المسلمين إلى مكان الدولة وأما عند تنظيم الدولة فلا يوجد شىء من الإجارة حلال لا استئجار بيت لأن طبقا لآية سورة النور يوجد لكل مسلم بيت ملكه يسكن فيه كما قال تعالى :
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت أبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت اخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم"
وحيث لا استئجار لعامل أو فلاح أو غيرهم لأن المجتمع ككل يقسم العمل فيما بين أفراده الرجال وفى حالة الاضطرار يقسمه بين النساء خاصة غير المتزوجات كما فى قوله تعالى :
" علم أن سيكون منكم مرضى وأخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وأخرون يقاتلون فى سبيل الله"
ونجد مثلا استئجار الشيخ الكبير استأجر موسى(ص) فى دولة كافرة
وفى الفصل الثالث تحدثوا عن الجعالة فعرفوها فقالوا:
"الفصل الثالث: الجعالة
المبحث الأول: الجعالة ومشروعيتها
المطلب الأول: تعريف الجعالة
الجعالة أو الجعل أو الجعلية لغة: هي ما يجعل للإنسان على فعل شيء أو ما يعطاه الإنسان على أمر يفعله وتسمد عند القانونيين: الوعد بالجائزة أي المكافأة أو الجعل أو الأجر المعين فهي عقد أو التزام بإرادة منفردة
وشرعا: التزام عوض معلوم على عمل معين أو مجهول، عسر علمه
وعرفها المالكية ، كما جاء في كتابه بداية المجتهد لابن رشد : بأنها الإجارة على منفعة مظنون حصولها، مثل قول القائل: من رد علي دابتي الشاردة أو متاعي الضائع، أو بني لي هذا الحائط أو حفر لي هذا البئر حتى يصل إلى الماء، أو خاط لي قميصا أو ثوبا فله كذا
ومنها ما يخصص من المكافآة لأوائل الناجحين أو المتسابقين فيما يحل فيه السباق أو ما يلتزمه القائد من مبلغ معين أو سهم من الغنيمة لمن يقتحم حصنا للعدو، أو يسقط عددا من الطائرات ومنها الالتزام بمبلغ مالي لطبيب يشفي مريضا من مرض معين، أو لمعلم يحفظ ابنه القرآن
ويمثل الفقهاء عادة بحالة رد الدابة الضالة (الضائعة، والعبد الأبق (الهارب))"
وفى الإسلام يجوز هذا للمسلمين وهم فى دولة كافرة وأما فى دولة المسلمين المنظمة فهذا ليس بجائز لأن من لا يملك وهو الحاكم أو من يمثله يعطى من لا يستحق وهم الباحثون أو المتسابقين أو المتفوقين وهم غير موجودين فى الدولة المنظمة كما أن ذلك لا يراعى أن الله جعل الأفراد مختلفين فى القدرة فما ذنب الأعمى أن يحرم من المكافأة مثلا ويأخذها بصير فالمال مال المسلمين جميعا يعطى لهم بالعدل جميعا كما أنه لا يحق لأحد ان يأخذ مال ضائع أو مفقود حيث يرد المال لصاحبه إن عرف وإما يرد لبيت المال فيوزع على الكل بالعدل وهو السوية
وتحدثوا عن إباحة الجعالة فقالوا:
"المطلب الثاني: مشروعية الجعالة
لا تجوز الجعالة عند الحنفية لما فيها من الغرر أي جهالة العمل والمدة قياسا على سائر الإجارات التي يشترط لها معلومية العمل والمأجور والأجرة والمدة وإنما أجازوا فقط استحسانا دفع الجعل لمن يرد العبد الأبق أي الهارب من مستأجره أو الوصي عليه، ولو بلا شرط، من مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا، ومقدار الجعل أربعون درهما، تغطية للنفقة في مدة السفر وإن رده لأقل من ذلك المقدار، فبحسابه، اعتبار الأقل بالأكثر، فإذا رده مثلا من مسافة يومين فله ثلثاها، ومن يوم ثلثها، ومن رده من أقل منه، أو وجده في البلد يرضخ له، أي يعطي بنسبة عمله وسبب استحقاق الجعل: هو أخذ الأبق لصاحبه، فدفع الجعل طريق للمالك لصيانة ماله
وتجوز الجعالة شرعا عند المالكية كما جاء في كتاب بداية المجتهد لابن رشد بدليل قوله تعالى في قصة يوسف مع إخوته: "قالوا: تفقد صواع الملك، ولمن جاء به حمل بعير، وأنا به زعيم" أي كفيل وبدليل ما جاء في السنة من أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة (أم القرآن)، وهو ما رواه الجماعة إلا النسائي عن أبي سعيد الخدري: أن ناسا من أصحاب رسول الله (ص)أتوا حيا من أحياء العرب، فلم يقروهم (يضيفوهم)، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل فيكم راق؟ فقالوا: لم تقرونا، فلا نفعل أو تجعلوا لنا جعلا، فجعلوا لهم قطيع شاء، فجعل رجل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاق ويتفل، فبرأ الرجل، فأتوهم بالشاء، فقالوا لا تأخذها حتى نسأل رسول الله (ص)فسألوا رسول الله (ص) عن ذلك، فضحك، وقال: "وما أدراك، إنها رقية، خذوها واضربوا لي فيها بسهم""
الأدلة الأول منها حدث فى دولة كافرة وليس فى دولة المسلمين فلا يصح وإن قام به نبى والحديث الثانى لا يصح فالقرآن كما قال تعالى" شفاء لما فى الصدور" أى دواء للكفر فى النفوس وليس علاجا لأمراض أو إصابات جسمية ثم قالوا:
"والمعقول يؤيد ذلك: وهو أن الحاجة تدعو إلى الجعالة، من رد ضالة، وآبق، وعمل لا يقدر عليه صاحبه، فجاز بذلك الجعل، كالإجارة والمضاربة، إلا أن جهالة العمل والمدة لا تضر بخلاف الإجارة، لأن الجعالة غير لازمة والإجارة لازمة وتفتقر إلى تعيين المدة لمعرفة قدر المنفعة، ولأن الجعالة رخصة اتفاقا لما فيها من الجهالة، وأجيزت لإذن الشارع بها"
وتنظيم الملكية والعمل فى دولة المسلمين يجعل كل هذه الأمور لا تقع لأنها تتسبب فى اختلال نظام الدولة حيث تجعل هناك أغنياء غنى فاحش بسبب البحث عن الكنوز وغيرها بينما أرض الدولة كلها بما عليها ملك للمسلمين جميعا
وتحدثوا عن أساليب الجعالة وشروطها فقالوا:
|المبحث الثاني: الجعالة أساليبها وشروطها
المطلب الأول: صيغة الجعالة
الجعالة التزام بإرادة واحدة فلا تتحقق إلا بصيغة من الجاعل من الصيغ السابقة في تعريفها ونحوها، تدل على إذن بالعمل بطلب صريح، بعوض معلوم مقصود عادة ملتزم به، فلو عمل العامل بلا إذن، أو أذن الجاعل لشخص، فعمل غيره، فلا شيء له، ...
وتحدثوا حديثا لا لزوم له عن الفرق بين الجعالة والإجارة فقالوا:
وتفترق الجعالة عن الإجارة على عمل معلوم كبناء وخياطة ثوب وحمل شيء إلى موضوع معلوم من نواح أربعة وهي:
أولا: لا يتم استيفاء المنفعة للجاعل إلا بتمام العمل كرد الشارد وبرء المريض أما في الإجارة فيتم استيفاء المنفعة للمستأجر بمقدار ما عمل الأجير ...
ثانيا: إن الجعالة عقد يحتمل فيها الغرر، وتجوز جهالة العمل والمدة بخلاف الإجارة فالعمل في الجعالة قد يكون معلوما، أو مجهولا غير معلوم، ...وإذا قدرت الإجارة بمدة لزم الأجير العمل في جميع المدة، ولا يلزمه العمل بعدها أما الجعالة فالمهم فيها إنجاز العمل دون تقيد بالمدة
ثالثا: لا يجوز اشتراط تقديم الأجرة في الجعالة بخلاف الإجارة
رابعا: الجعالة عقد جائز غير لازم فيجوز فسخه، بخلاف الإجارة، فإنها عقد لازم لا يفسخ"
والفرق ألأساسى هو أن الإجارة تكون فى شىء موجود بينما الجعالة تكون فى شىء مفقود
وتحدثوا عن شروط الجعالة فقالا:
"المطلب الثاني: شروط الجعالة
يشترط في الجعالة ما يأتي :
أولا: أهلية التعاقد:
يشترط عند الشافعية والحنابلة في الجاعل مالكا كان أو غيره أن يكون مطلق التصرف (بالغا، عاقلا، رشيدا)، فلا يصح من صبي ومجنون ومحجور سفه وأما العامل: فإن كان معينا اشترط فيه أهلية العمل، فلا يصح كونه عاجزا عن العمل كصغير لا يقدر على العمل لأن منفعته محدودة وإن كان غير معين مبهما كفى علمه بإعلان النداء على الجعل وتصح الجعالة عند المالكية والحنفية من المميز وأما التكليف فهو شرط لزوم
ثانيا: كون الجعل (أو الأجرة) مالا معلوما
فإن كان الجعل مجهولا فسد العقد لجهالة العوض، ...
ثالثا: أن تكون المنفعة معلومة حقيقة، مباحا الانتفاع بها شرعا، ....والقاعدة في ذلك: أن كل ما جاز أخذ العوض عليه في الإجارة جاز أخذ العوض عليه في الجعالة وما لا يجوز أخذ العوض عليه في الإجارة، لا يجوز أخذ الجعل عليه، لقوله تعالى: "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة 5/ 2] ...
رابعا: اشترط المالكية ألا يحدد للجعالة أجل، وقال غيرهم: يصح الجمع بين تقدير المدة والعمل، مثل من خاط لي هذا الثوب في يوم فله كذا، فإن أتى به في المدة استحق الجعل ولم يلزمه شيء آخر، وإن لم يف به فيها فلا يلزمه شيء له، وذلك بخلاف الإجارة
وأضاف بعض المالكية (القاضي عبد الوهاب خلافا لابن رشد) شرطا خامسا: وهو أن تكون الجعالة في العمل اليسير، ولو كان متعددا كإبل كثيرة شردت واشترط المالكية كما تقدم عدم شرط النقد للجعل، فإن شرط النقد يفسدها، لأنه سلف جر نفعا بطريق الاحتمال، وأما تعجيل الجعل بلا شرط فلا يفسدها"
قطعا الشرط فى العقد هو أن يكون فى أمر حلال وأن يكون ملتزم بشروط الله فيه
اجمالي القراءات
2915