أزمة الأدوية في مصر... "مافيا" لبيع البواقي ونقص أصناف حيوية
لم تكد تختفي ظاهرة نقص الأدوية التي شهدتها الأسواق المصرية لمدة ثلاثة أعوام، حتى أطلّت أزمة أكثر حدة، على مدار الأسابيع الماضية، تمثلت في اختفاء أدوية أمراض مستعصية خاصة أمراض القلب والضغط والسكري والغدة، وأخرى مرتبطة بأمراض الأورام والأمراض المناعية، وزراعة الكبد والكلى وضمور العضلات، بالإضافة إلى ألبان الأطفال والمعدات الطبية والأجهزة التعويضية.
وتسببت الأزمة في عودة بيع الأدوية الشحيحة في الأسواق السوداء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع ظهور "مافيا" لبيع بواقي الأدوية، والمحظور تداولها بدون وصفة طبية لاحتوائها على مواد مخدرة. وتوقع مصدر رفيع المستوى في هيئة الدواء، تفاقم نقص الأدوية في الأسواق خلال الربع الثاني من العام الجاري، جراء عدم قدرة مصانع الأدوية على رفع قدراتها الإنتاجية، ولجوء بعضها إلى وقف خطوط الإنتاج، لنقص وارداتها من مستلزمات الإنتاج.
وأكد المصدر لـ"العربي الجديد"، أن شركات إنتاج الأدوية تعاني من عدم التزم هيئة الشراء الموحّد التابعة لمجلس الوزراء والمكلفة باستيراد خامات الأدوية ومستلزمات شركات إنتاج وتوزيع الأدوية والمعدات الطبية، بتسليم أغلب طلبات الشركات المتفق على جلبها من الخارج، خلال الفترة من مارس/آذار 2024 حتى نفس الشهر من العام الجاري.
وأوضح أن قيمة طلبيات الشركات تبلغ نحو مليار دولار، قامت المصانع وشركات توزيع الأدوية بسداد قيمتها بالجنيه المصري لصالح هيئة الشراء الموحّد، التي حصلت بدورها على موافقة من الحكومة والبنك المركزي على تمويل المشتريات بالعملة الصعبة، ولم تلتزم بجداول توريد تلك المنتجات حتى الآن، ما تسبب في أزمة حادة بمستلزمات الإنتاج، ونقص في السيولة لدى المنتجين، الذين حصلوا على قيمة توريد الصفقات بقروض من البنوك التجارية بسعر فائدة يتراوح ما بين 15% و30%.وأضاف أن بعض الشركات اتجهت إلى رفع كمية الأدوية التي يمكن تصديرها إلى الخارج، لضمان الحصول على عملة أجنبية، تساعدهم على مواجهة أزمة الدولار، وتوفير العملة ذاتياً لشراء مستلزمات الأدوية ومعدات المصانع، بينما تبحث أخرى عن شراكات مع شركات أدوية دولية وعربية، تساعدها على ضخ استثمارات أجنبية، تعينها في تدبير السيولة اللازمة للتشغيل أو الخروج بمصانعها تدريجياً من السوق المحلية، مع بقائها واجهة لشركات توزيع للأدوية المحلية والأجنبية.
وأشار المصدر إلى عدم التزام هيئة الشراء الموحّد، بدعم مبادرة إنتاج المواد الخام للأدوية محلياً التي استهدفت عند إطلاقها عام 2024، تصنيعَ وتوطينَ إنتاج 280 مادة خاماً للأدوية محلياً، بما يضمن خفض استيراد مستلزمات الإنتاج، وتوفير موارد التشغيل بصفة دائمة، مع تقليل التكلفة.
ولفت إلى فشل الحكومة في تدبير مخصصات مالية، لمشروع القروض الميسرة ذات الفائدة المنخفضة، بما لا يتجاوز 50% من قيمة الفائدة في البنوك التجارية، والتي وعدت بطرحها للشركات الصغيرة والمتوسطة، لمساعدتها على الاستمرار في إنتاج أدوية شعبية بسعر جبري.
وبيّن المصدر أن لجوء وزارة الصحة ومستشفيات وزارة التعليم العالي إلى تحويل الصيدليات داخل المستشفيات العامة إلى مشروعات ربحية، جعلها تعتمد على استهلاك الأدوية المستوردة تامة الصنع، التي تحقق من خلالها أعلى هامش ربح على حساب المرضى، وفي الوقت ذاته، لم تلتزم بدفع المستحقات المتأخرة لصالح شركات الأدوية والمستلزمات الطبية المحلية، التي تقدر بنحو 15 مليار جنيه (296.5 مليون دولار).
بدوره قال رئيس شعبة الدواء في الغرفة التجارية علي عوف، في تصريحات صحافية مؤخراً، إن عودة أزمة نقص الأدوية للظهور من جديد خلال الأسابيع الماضية، جاءت بسبب تغيير هيئة الدواء المصرية لمعايير إنتاج الأدوية، بصفة دورية سنوياً، بما يحمّل المصانع أعباء مالية باهظة، مع عدم قدرتها على تدبير المواد الخام من الخارج، والتي تمثل نحو 91% من مكونات الأدوية، مع الزيادة الكبيرة في سعر الدولار مقابل الجنيه، التي بلغت نحو 40% منذ مارس 2024، إذ أضافت أعباء كبيرة على الشركات، دون قدرتها على تحريك الأسعار بما يناسب التراجع في قيمة الجنيه ومعدلات التضخم، وزيادة استهلاك المرضى للأدوية التقليدية، وعدم رغبتهم في تناول أدوية بديلة، تقلل من الحاجة إلى استيراد المواد الخام.وأسفرت ضغوط شعبة الدواء عن موافقة الهيئة المصرية للشراء الموحّد، على تدبير 1.6 مليار دولار لتمويل شراء الأدوية للحالات الحرجة والمستعصية، حتى نهاية العام المالي الجاري الذي ينقضي في 30 يونيو/حزيران المقبل، وتشكيل لجنة وزارية لسداد مديونية الجهات الحكومية لشركات توريد الأدوية.
وأكدت مصادر في غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات أن احتكار هيئة الشراء الموحّد لشراء مستلزمات الإنتاج واستيراد الأدوية تامة الصنع لحسابها، ساهم في ارتباك الإنتاج في المصانع، وكرس عمليات تهريب الأدوية من الخارج، مشدداً على أن دخول جهات سيادية في الهيمنة على توزيع وتسويق الدواء، وعدم إنهاء أزمة ديون شركة المتحدة للصيادلة التابعة لها، مع الموردين ومصانع الأدوية بقيمة ثمانية مليارات جنيه، انعكس سلباً على شركات التوزيع وإنتاج الأدوية، وأوضحت المصادر أن بعض الشركات إمّا امتنعت عن تصنيع الأدوية رخيصة السعر، أو توقفت تماماً عن إنتاجها، للحد من الخسائر وأزمة السيولة المالية.
وقال المدير السابق لمعهد الأورام التابع لجامعة القاهرة مدحت خفاجي، لـ"العربي الجديد"، إن أزمة السيولة لدى شركات الأدوية، تدفعها إلى اختيار المنتجات التي تحقق لها أعلى ربحية، مع معاناتها المستمرة من تراجع قيمة الجنيه، وارتفاع تكاليف التشغيل والمديونية الهائلة لدى هيئة الدواء الموحد، لصالح المصنعين والموردين.
وأكد خفاجي أن أزمة السيولة ستظل مستمرة لفترة طويلة بما يهدد قدرة المصانع على الإنتاج، في ظل اعتمادها بنسبة تزيد عن 90% على مكونات ومستلزمات الإنتاج من الخارج، داعياً المواطنين إلى قبول الوصفات البديلة للأدوية التي يقرّرها الأطباء للأمراض الشائعة في المجتمع، بما يحد من الطلب على خاماتها من الخارج، ويشير خفاجي إلى إسراف أغلب المرضى في طلب المضادات الحيوية، بما يفوق المعدلات العالمية، بما يشكل خطورة على الصحة العامة، وعدم فاعلية الأدوية وارتفاع التكاليف.
وتعمل في مصر 180 شركة في إنتاج الأدوية، توفر نحو 90% من احتياجات المواطنين، مع استيراد نحو 10% من الأدوية تامة الصنع من الخارج، خاصة اللازمة لعلاج الأورام وشلل الأطراف والأدوية الاحتكارية للشركات الكبرى.
اجمالي القراءات
91