اقتصاديون: صدمات الاقتصاد المصري المحلية أشد فتكاً من رسوم ترامب
كشف اقتصاديون عن تأثر الاقتصاد المصري من صدمات داخلية أقوى وأشد فتكا من الآثار التي أحدثتها الرسوم التي أصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بنسبة 10% على الصادرات المحلية للسوق الأميركية. في ندوة موسعة نظمها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، بحضور نخبة من الخبراء ورجال الأعمال وممثلي الحكومة وبرلمانيين ووزراء سابقين مساء أمس الأول، لمناقشة توابع رسوم ترامب الجمركية على الواردات الأميركية والاقتصاد المصري الوطني، أن الصادرات المصرية، تمثل أقل من 3% من اجمالي الواردات الأميركية وأن الحكومة في ظل سياسات غير منضبطة أضاعت فرصا عديدة، ولم تستغل وضع مصر كدولة أولى بالرعاية، في الدفع بقيمة الصادرات عن المعدلات المطلوبة من قبل الإدارة الأميركية، بما أفقد الاقتصاد مليارات الدولارات، على مدار الأعوام الماضية.
وكشفت المناقشات الساخنة، حول تركيز الصادرات المصرية على قطاعات المنسوجات والملابس التي تجد منافسة كبيرة من دول جنوب شرق آسيا في السوق الأميركية، وعدم سماح الولايات المتحدة بدخول الخضروات والفاكهة الطازجة لأسباب تتعلق بحظر الشحن الجوي المباشر للمطارات الأميركية، مع وجود معوقات أمام المصدرين، تدفع إلى زيادة العجز التجاري دائما لصالح الولايات المتحدة، دون القدرة على تعويض العجز المالي بزيادة حركة السياحة وتقديم الخدمات للسوق الأميركية.
وحذر الاقتصاديون من تأخر الحكومة في مواجهة حالة الفوضى التي احدثتها رسوم ترامب على الأسواق والشركاء التجاريين لمصر، التي قد تدفع بزيادة الواردات ودخول منتجات رخيصة سيئة الجودة، تزيد تعقيدات الاقتصاد المصري الذي يواجه ضغوطا من تراجع عائدات قناة السويس بسبب الحرب على غزة، والاضطراب الاقتصادي وسلاسل الإمداد، بما يزيد من الضغوط على الجنيه، ومعدلات التضخم، والضغوط التنافسية على الصناعات المحلية.
وبينت المديرة التنفيذية ومديرة البحوث في المركز المصري عبلة عبد اللطيف، في عرضها لدراسة حول التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ومصر والاتفاقيات الموقعة بين البلدين، تتضمن التبادل التجاري الحر في إطار اتفاقيتي "تيفا" (TIFA) و"كويز" (QIZ) المختصة بدخول منتجات مصرية ذات مكونات إسرائيلية، والصادرات غير النفطية تشمل 70 منتجا، تتصدرها الملابس الجاهزة بنسبة 45.6%، بقيمة 1.2 مليار دولار لعام 2024، وأخرى رئيسية منها الأسمدة والحديد والخضروات والفواكه المعلبة والسجاد والفواكه والمكسرات ومواد البناء.وأوضحت عبد اللطيف أن الاقتصاد المصري سيتأثر مثله مثل بقية اقتصادات الدول المصدرة لأميركا رغم وجود نسبة رسوم منخفضة في حدود 10%، ووجود مصر كلاعب صغير جداً في حجم التجارة العالمي بنسبة لا تتخطى 0.26%. وأوضحت عبد اللطيف أن مصر تمتلك إمكانات تصديرية ضخمة غير مستغلة في السوق الأميركي، منها الأسمدة بنسبة 81% من الإمكانات المتاحة، والآلات بنسبة 98%، والفواكه، والبلاستيك، وتظل حصة الاقتصاد المصري في سوق الملابس الأميركي صغيرة جدًا مع وجود رسوم شبه صفرية، مما يشير إلى مشكلات تتعلق بالتنافسية تتجاوز مسألة الرسوم الأميركية. أوضحت عبد اللطيف أن فرض التعرفة الجديدة بنسبة 10% على مصر ستؤدي إلى تآكل القدرة التنافسية لصادرات الملابس الجاهزة المصرية، التي تحتل المرتبة الأولى بإجمالي الصادرات المصرية إلى السوق الأميركية، وقد تجعل استغلال الإمكانات التصديرية في القطاعات الأخرى أكثر صعوبة.
وبينت أن المنافسين الرئيسيين لصادرات الملابس الجاهزة المصرية مثل الصين وفيتنام وبنغلادش وكمبوديا لديهم حصصا سوقية أكبر بكثير في الولايات المتحدة رغم مواجهتهم لرسوم حالية أو محتملة، مما يرجع غالباً إلى انخفاض تكاليفهم وحوافزهم الداخلية، مشددة على أن تقرير الحواجز التجارية الافتراضي الأميركي لعام 2025، يبرز وجود تحديات تواجه الشركات الأميركية في الاقتصاد المصري أشد خطرا على الصادرات المصرية من رسوم ترامب وتشمل القيود التي تضعها الحكومة أمام الاستيراد من الخارج وبيروقراطية التراخيص وتعقيدات التقييم الجمركي وعدم وضوح معايير دخول الواردات والجمارك، وشهادات "حلال" وحقوق الملكية الفكرية والقيود على الاستثمار، وحرية تبادل البيانات على الإنترنت والتي تستخدم من قبل الولايات المتحدة كورقة ضغط، لزيادة الرسوم أو دفع الحكومة إلى إزالة هذه القيود.
وأظهرت عبد اللطيف أن حصة مصر الضئيلة في السوق الأميركي، تؤكد أن التحدي الأكبر أمام المنتجات المصرية، هو عوائق التنافسية الداخلية وليست الرسوم الخارجية فقط، مبينة أن رسوم ترامب قد تمنح فرصاً لمصر في حال ما تضررت دول أخرى أكثر من مصر. ودعت الحكومة إلى تحسين شروط الاستثمار واللوجستيات للاستفادة من رغبة الدول المتضررة بنقل استثماراتها إلى مصر وتصدير إنتاجها إلى الولايات المتحدة، مؤكدة أهمية التحرك بسرعة فائقة لتنفيذ إصلاحات داخلية عميقة وشاملة لتعزيز الصادرات وبناء المرونة لمواجهة التحديات الخارجية، التي تفرضها رسوم ترامب التي ستتأثر بها الأسواق العالمية، خاصة الدول المصدرة للبضائع ومستلزمات الإنتاج للمصانع المحلية.وأشارت مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية، إلى نتائج دراسة أجراها المركز باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي إلى إمكانية زيادة نسب الصادرات بشكل كبير في قطاع الملابس الجاهزة وهو ما يمكن تطبيقه على كافة القطاعات، موضحة أنه إذا أجريت بعض الإصلاحات، لرفع كفاءة الموانئ وتقليل وقت الإفراج عن الواردات سيدفع ذلك إلى زيادة صادرات الملابس الجاهزة بنسبة 25%، كما أن تبسيط الإجراءات سيقلل وقت الإفراج الإجمالي بنسبة 62.8% ويعزز الصادرات بنسبة 21% فورا. ودعت عبد اللطيف الحكومة إلى ضرورة إصلاح منظومة دعم الصادرات مذكرة بأن تقليل تأخير صرف الدعم من قبل وزارة المالية للمصدرين من 14.7 شهرًا حاليا، إلى 15 يوماً يرفع الصادرات بنسبة تتراوح بين 3% و6% داعية إلى ميكنة عمليات الصرف لتتم خلال 15 يوماً والقضاء على تأخير صرف المستحقات للمصدرين، مع خفض تكاليف التخليص الجمركي وزيادة الشفافية، وتفعيل الدفع الإلكتروني، ومحاربة الرسوم غير الرسمية (الإكراميات والرشاوى تحت الطاولة)، وتوحيد التقييم الجمركي، وتحسين مناخ الاستثمار بشكل عام.
وأوضح محمد قاسم رئيس جمعية المصدرين المصريين "إكسبولينك" (Expolink) أن حالة الاضطراب التي فرضها ترامب كانت من الأمور المتوقعة، وتعكس تحالف اليمين الأميركي من ذوي البشرة البيضاء العنصريين، الذين يرفعون شعار "أميركا أولاً" لمحاربة الأعراق الملونة وذوي الأصول غير الأوروبية، وامتد تأثيرهم في فترة الرئاسة الثانية لترامب، بدعم من كتلة تصويتية كبيرة، ومراكز بحثية شديدة التطرف، منها معهد "هيريتدج" للسياسات التي زودت ترامب بدراسات دقيقة، وخطة متكاملة، تمكنه من شن حرب تجارية واسعة ضد الدول الأخرى، بما يضمن هيمنة الولايات المتحدة على حركة التجارة الدولية، وإعادتها كمركز تصنيع للعالم، وانهاء دور منظمة التجارة العالمية، التي تحملت منذ ميلادها عام 1995، ضبط قواعد التجارة الدولية، بموجب اتفاقيات "الغات" و"غاتس" للتجارة في الخدمات.وأشار قاسم إلى تركيز الحكومة على رصد العجز في الميزان التجاري فقط، دون الأخذ في الاعتبار الجوانب الأخرى مثل ميزان المدفوعات والخدمات التي كانت تعمل على ضبط الميزان التجاري مع واشنطن في سنوات سابقة داعيا الولايات المتحدة إلى أن لا تقتصر نظرتها على العجز التجاري فقط، بل يجب أن تأخذ في الاعتبار ميزان المدفوعات بشكل عام، حيث تمتلك الولايات المتحدة فائضاً كبيراً في ميزان المعاملات غير المنظورة، نتيجة للخدمات التي تقدمها في الأسواق العالمية".
ووصف قاسم ما يدور بالأسواق الدولية، بأنه يعكس حالة الانهيار للنظام العالمي كما عرفناه خلال السبعين عاماً الماضية، مشيراً إلى أن ما فعله ترامب في يوم التحرير يمثل "القشة التي قصمت ظهر البعير" في النظام التجاري العالمي مضيفاً أن "ما يحدث على السطح قد يبدو ضوضاء، لكن القوى الرئيسية التي تعمل تحت السطح هي التي ستستمر في التأثير على الاقتصاد العالمي.
ولفت قاسم نظر الحكومة إلى ضرورة استغلال الفرص التي تتيحها هذه التحولات، مثل إعادة هيكلة سلاسل الإنتاج العالمية، والتي لم تستغل مع بداية أزمة الشحن وتوريد السلع للأسواق، خلال جائحة كوفيد-19، مشددة على ضرورة تنفيذ إصلاحات هيكلية في التعليم والصحة للاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات المفروضة علينا بشدة.
وذكر رئيس جهاز التمثيل التجاري بوزارة التجارة والاستثمار يحيى الواثق بالله أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على عدد من المنتجات الأجنبية ستكون لها تأثيرات مباشرة على صادرات الاقتصاد المصري إلى السوق الأميركي، مستدركا أن هذ التعرف قد يفتح فرصا جديدة لدول مثل مصر لاستقطاب الاستثمارات من دول أخرى.وأوضح "الواثق بالله" أنه وفقًا لإجراءات ترامب فإن صادرات الاقتصاد المصري التي لا تتمتع بأي معاملة تفضيلية ستخضع لرسوم جمركية تبلغ 10%، وكذلك الصادرات المحلية الخاصعة لاتفاقية "الكويز" التي تساهم الصناعات الإسرائيلية بمكوناتها بنسبة 10.5%، بينما ترتفع في منتجات الحديد والألومنيوم إلى 25% المطبقة من قبل الولايات المتحدة على كافة الدول. كشف "الواثق بالله" الذي كلف منذ يومين بإدارة التمثيل التجاري في واشنطن بأنه أجرى اتصالات مع عدد من المسؤولين الأميركيين الجمعة الماضية، لإزالة بعض المعوقات التجارية غير الجمركية التي تراها الولايات المتحدة موجودة في مصر، بما يرفع الرسوم الجديدة عن المنتجات المصرية، والتي تخص المنتجات الزراعية مثل تقاوي البطاطس أو اصدار شهادات "الحلال" والشحن الجوى منوها إلى بحث المطالب الأميركية المتعلقة بالقيود على نقل البيانات من مراكز البيانات الرئيسية إلى الخارج، وفقا لمقتضيات الأمن القومي وعدم تأثير تلك الإجراءات على خفض الحصيلة الجمركية. وشدد الواثق بالله على أن الحكومة المصرية والقطاع الخاص يجب أن يتحركا بسرعة لاستغلال هذه الفرص، والعمل على تحسين البيئة الاستثمارية وتعزيز قدرات الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات المصرية، قائلا: "هذه فرصة تاريخية لمصر، ونحن حاليًا بصدد التفاوض مع وفود صينية لترتيب استثمارات جديدة في الاقتصاد المصري خلال إبريل/نيسان الحالي ومايو/أيار المقبل، لتحقيق استثمارات إضافية عن المعتادة حالياً في حدود 10 مليارات دولار، تتراوح بين 10 و15 مليار دولار في السنوات الثلاث القادمة.
ورداً على سؤال حول خفض المكون الإسرائيلي في اتفاقية "كويز" والذي تصل نسبته إلى 10.5% حالياً، أشار الواثق بالله إلى أن مصر بدأت مفاوضات حول هذا الموضوع منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن هذه المفاوضات توقفت بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة.
من جانبه، قال طارق توفيق نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية ورئيس غرفة التجارة الأميركية، إن السياسات الاقتصادية التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغم عدم ظهور أهدافها تماماً، تتسم بـ"عدم الوضوح" و"الضبابية"، مؤكداً أن ما يتم تنفيذه في الاقتصاد المصري ليس مجرد خطوات عشوائية، بل هو "برنامج ممنهج" فرض حالة من التوتر الجيوسياسي والاقتصادي. وذكر "توفيق" أن أميركا لا تزال أكبر مستفيد من النظام الاقتصادي العالمي، إذ يسيطر الدولار الأميركي على 80% من العملات المتداولة عالمياً، و60% من الاحتياطات العالمية، مما يعكس القوة الاقتصادية الكبيرة للولايات المتحدة، مشيرا إلى أن المواطن الأميركي لن يقبل العمل في الوظائف البسيطة، التي يريد ترامب إعادتها داخل الولايات المتحدة، التي دفعتهم من قبل إلى توظيف الدول الأخرى لإنتاج السلع اليومية بما يضمن للاقتصاد الأميركي أدنى معدلات تضخم وأعلى مستوى توظيف.
ويرى رئيس مجلس إدارة المركز المصري للدراسات الاقتصادية عمر مهنا أن الأزمات العالمية رغم تحدياتها، يمكن أن تخلق فرصاً جديدة للاقتصاد المصري إذا تم التعامل معها بحكمة وسرعة، داعيا الحكومة إلى التحرك الفوري لتحسين مناخ الاستثمار، مشدداً على أن خروج الأموال الساخنة من الاقتصاد المصري خلال هذه الأزمة، قد يكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد، بما يعطي الدولة الفرصة لإعادة التفكير في استراتيجياتها المالية.
وأضاف: "قد نرى في خروج الأموال الساخنة فرصة لتغيير توجهاتنا، خاصة في ما يتعلق بخفض أسعار الفائدة، بحيث نتمكن من دعم القطاع الخاص بشكل أكثر إيجابية وزيادة الإنتاج والاستثمار". وقال مهنا: "إن القطاع الخاص يعاني حالياً من صعوبة الوصول إلى الائتمان والسيولة المالية، مضيفا أن البنوك تعتمد بشكل كبير على تحقيق أرباح من استثمار أموال المودعين في أذون الخزانة، بما يجعلها أكثر تأثراً في ظل الظروف الحالية.
اجمالي القراءات
88