عادل حمودة : لو ضربك سلفى على خدك الأيمن فاضربه على خده الأيسر!
عادل حمودة : لو ضربك سلفى على خدك الأيمن فاضربه على خده الأيسر!
عادل حمودة
12/16/2011 7:21 PM
صلت المرأة «المتنقبة» ركعتى «الفجر».. وراحت تتمشى على شاطئ البحر الهادئ فى قريتها الصيفية المطلة على الساحل الشمالى.. لكنها.. ما إن تأملت سطح المياه الناعمة كالحرير حتى شعرت برغبة مفاجئة فى السباحة.. فلم تتردد فى إشباعها.
القت بنفسها فى البحر بكل ما يحمل جسمها من ملابس سوداء.. خشنة.. متعددة الطبقات.. سرعان ما تشبعت بالمياه.. فثقلت.. وشدت صاحبتها نحو القاع.. وبدأت تهبط.. وراحت تغرق.
خرجت من المرأة صرخة استغاثة مدوية.. مزقت الصمت الذى يحاصرها.. فاستيقظ حارس الشاطئ من نومه.. وقفز فى الماء.. وأمسك بها.. وراح يسحبها بهدوء نحو الشاطئ.. وهو يشعر بزهو المنتصر على شبح ملك الموت الذى فلتت من يديه فريسة سهلة.
المثير للدهشة أن مدير القرية استجاب للزوج وعاقب الحارس بخصم أيام من راتبه.. وهو يقول بينه وبين نفسه: «مسكينة هذه المرأة.. سيطلقها زوجها.. لن يعاشرها بعد أن لمس غيره ملابسها.. أصبحت محرمة عليه».
حدثت هذه الواقعة منذ سنوات فى قرية «الرواد».. القرية التى يقضى فيها محمد حسنين هيكل شهرى يوليو وأغسطس من كل صيف.. وقد رواها لى ثم أضاف معلقا: إن هذه المرأة تشبه مصر.. تغوص فى المشاكل إلى حد الغرق.. والمسئول عنها لا يعرف كيف ينقذها.. وفى الوقت نفسه لا يريد لغيره أن ينقذها.. بل ويعاقبه على ذلك».
ولو كانت هذه الواقعة قد بدت غريبة منذ سنوات فإنها تبدو معتادة هذه الأيام بعد أن خرج السلفيون من مخابئهم ليفرضوا على المجتمع أسلوبهم الخشن المتزمت، ولو كانت النتيجة الموت غرقا.. أو الموت حرقا.. كما حدث فى السعودية.. مصدر وحيهم.. وموقع خبرتهم.. ومقر قيادتهم.
فى عام 2002 شب حريق فى مدرسة للبنات بمكة.. وهرع أولياء الأمور لإنقاذ بناتهن.. ولكن.. مطوعى هيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» الذين يمارسون وظيفة الشرطة الدينية أغلقوا الباب على البنات والنيران مشتعلة فيهن ورفضوا دخولهم.. أو دخول رجال الإطفاء والإسعاف والإنقاذ.. بحجة أن البنات لا يرتدين الحجاب.. ولا يجوز لهن أن ينكشفن على غرباء.. ليسوا من المحارم.. وكانت النتيجة زيادة جثث الضحايا التى شويت وتفحمت ولقيت ربها غاضبة من ضيق الأفق الذى تسبب فيما جرى لها».
وهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» هيئة رسمية سعودية أسست عام 1940.. لتطبق الحسبة الدينية مباشرة.. ويبلغ عدد أفرادها 4000 مطوع.. يرأسهم شيخ بدرجة وزير.. وتنتهى خدمته بأمر ملكى.. وهناك من يقول: إن غالبية المطوعين من أصحاب السوابق الجنائية.. تابوا فى السجون.. وحفظوا القرآن.. وخرجوا لينضموا للبوليس الوهابى.
وحسب اللائحة التنفيذية للهيئة يحق للمطوعين مراقبة الأسواق والطرقات والحدائق ومراكز التسوق خاصة وقت الصلاة لإجبار الناس على أدائها.. ولو لم يؤدوها هم أنفسهم المتشددون دينيا.. فثواب الحث على تأدية الفريضة أكبر على ما يبدو من ثواب الخضوع لها.
وبقوة القانون يتدخل المطوعون لمنع الاختلاط بين الجنسين.. ومواجهة غير المسلمين إذا ما حاولوا إظهار معتقداتهم وشعائرهم أو ما يدل على ديانتهم.. مثل بناء الكنائس أو إبراز الصليب.. أو السماح بزى خاص للرهبان والقساوسة.. أو رسم نجمة داود ولو فى الكاريكاتير.. أو نشر صورة لبوذا ولو للسخرية منها.
وتراجع الهيئة الكتب المدرسية.. وتنبه على المعلمين بوضع علامة «إكس» على رسومات علم الأحياء.. بدعوى أن المصورين والرسامين فى النار.
ويملك المطوعون الجرأة الكافية لضرب المرأة التى لا تلتزم بالزى الذى يفرضونه عليها.. ويكون السجن من نصيب زوجها إذا ما اعترض على تصرفاتهم.. وفى الوقت نفسه لهم الحق فى مداهمة محلات تفصيل ملابس النساء ومراقبة المعارض التى تبيعها.
ويقدم المطوعون للمحاكمة كل من يحتفل بالمولد النبوى أو بشم النسيم أو الكريسماس أو غيرها من الأعياد التى يعتبرونها بدعة.. ولو كان الاحتفال بها سرا فى البيوت.
ويحرمون تشغيل الراديو والتليفزيون والكاسيت بالقرب من المساجد بدعوى التشويش على المصلين.. وكانوا من قبل يحرمونها تماما.. خوفا من أن يكون الشيطان يركبها.
ويتمتع المطوعون بالضبطية القضائية.. ويمارسونها دون اعتراض.. وحسب رؤيتهم الخاصة لما يسمونه التجاوزات الشرعية.. ولهم طلب تحريات خاصة عمّا يشتبهون فيه.. ولهم سلطة تفتيشهم.. بأنفسهم.. أما تفتيش النساء فتقوم به امرأتان بعد حلف اليمين.
ويجوز لهم تفتيش المساكن وغيرها من الأماكن بدعوى ضبط منكر شرعي.. رغم مخالفة ذلك لأحكام الشريعة.
وتحكم الهيئة على المخالفين بعقوبات الجلد أو السجن أو هما معا.. ولكن.. لا تنفذ العقوبات إلا بالرجوع لأمير البلاد للموافقة عليها.. ولو قضت الهيئة بالبراءة لعدم وجود مخالفة شرعية فلا يحق لمن اتهم رد اعتباره.. أو الرجوع على الهيئة بطلب تعويض.
أما النساء فلا يجوز احتجازهن فى مراكز الهيئة إلا وقت التحقيق.. ويشهد التحقيق أحد محارمهن.. وعند الحكم عليهن بالسجن ينفذن العقوبة فى السجون المخصصة لهن.
ويجرى تنفيذ عقوبة الجلد أو قطع الرقبة بعد صلاة الجمعة فى ساحة أكبر مساجد المدينة.. ليكون الجناة عبرة للجميع.. وهو ما يضيف للعقوبة الشرعية عقوبة اجتماعية وهى الفضيحة.
ولكن.. حسب ما نشر من وثائق ويكيليكس فإن مطوعى الهيئة لا يجرؤون على اقتحام قصور أمراء العائلة الحاكمة.. وفى هذه القصور كل ما ينهون عنه الناس.. خمر وجوارى وعرى وأفلام بورنو.. وهو ما يعنى أن ما يرونه شرعا لا يطبق على الجميع.. فمن له ظهر لا يجلد عليه.
وكشفت نفس الوثائق أن الهيئة دربت فى سنوات أخيرة مئات من السلفيين المتطرفين المصريين ليواجهوا من يرونهم متجاوزين شرعا فى الشارع.. وهم على ما يبدو من شكلوا فرق مطاردة الفتيات والقبطيات والمحجبات غير المتنقبات فى الأماكن العامة.
وفى الدول الأوروبية يوصف من يفعل ذلك بالفاشية.. وقد واجههم الناس هناك بالعنف.. فليس من حق أحد التدخل فى الحرية الشخصية لغيره.. مادام ملتزما بالقانون.
أما فى مصر فلم يجد الناس سوى المقاومة بالتنكيت.. لكن.. ليس بالسخرية وحدها تواجه الشعوب مصائرها.. إن مبارك لم يرحل بالنكت التى أطلقت عليه، وإنما بالمظاهرات التى اشتعلت ضده.. وبالهجمات التى اتجهت إلى قصره.
لا مبرر للخوف من جماعات مصابة بهوس ديني.. هشة.. عاجزة.. لا تملك سوى حنجرة فارغة.. والخوف منها يضاعف من شراستها.. لا مفر من أن نواجهها بالوقوف أمامها بصلابة.. فالحوار معها لن يجدي.
لا علاقة لهذه الجماعات بالإسلام الحقيقى الذى يسهل الوصول إليه بآيات القرآن الكريم..» «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»ــ (سورة الكهف الآية 29)..«إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين»ــ (سورة القصص الآية 56)..«ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»ــ (سورة يونس الآية 99).
فلو كان القرآن لا يفرض التدخل فى عقائد المشركين فكيف يتدخل هؤلاء فى حياة المؤمنين من مسلمين ومسيحيين؟
إن مصر التى واجهت الجماعات الإرهابية المسلحة فى تسعينيات القرن الماضى لن تستسلم لشخصيات متهورة.. سعودية التربية.. وهابية العقيدة.. فمخزون بلادنا الحضارى استوعب مثل هؤلاء الخوارج.. وأكثر.. وأكثر.. وأكثر
اجمالي القراءات
4476