الأحد ٠٨ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
آحمد صبحي منصور
:
دعنى أحك لك هذه الحكاية ردا على سؤالك :
كنت ضيفا مزعجا في حفل عقد القران الذي دعوني إليه، جاءت جلستي إلى جانب المأذون الذي انطلق في خطبته المعهودة يتحدث عن فضائل الزواج ، وقال الكلام المعهود الذي كنت اسمعه وأقرؤه في الكتب الصفراء من أن آدم حين أراد أن يتزوج من حواء كان مهرها أن يصلي على النبي ، وكان الحاضرون يسمعون هذا الكلام وهم سكوت ، والعريس ووالد العروس يجلسان في توتر ، ويأملان أن ينتهي المأذون من خطبته العصماء ، وتشجعت فقاطعته وطلبت منه أن يدخل في الموضوع فلا شأن لنا بكيفية عقد الزواج الذي كان بين آدم وحواء ، ولم يكن وقتها مأذون ولا شهود من البشر ، وأن ذلك كله غيب لا يعلمه إلا علام الغيوب ، وعلينا أن نأخذ الغيب بما جاء في القرآن وحده .
تلعثم المأذون ولم يعرف كيف يجيب وآثر الدخول في الموضوع فجذب إليه يد العريس ويد والد العروس ودخل في صيغة عقد القرآن ، وأخذ يعيد ويكرر القول بأنه الزواج على سنة الله ورسوله وعلى مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان.
وانتظر على أحر من الجمر حتى انتهى من عقد الزواج ورأيته متأهبا لمشاغبتي ، فبادرته بسؤال : من قال لك إن الإمام أبا حنيفة هو الإمام الأعظم؟ ويبدو أنه رآها فرصة للإيقاع بي واتهامي بأنني أكره أبا حنيفة، وتركته ينطلق في حديثه حتى تأكدت أن الحاضرين قد اقبلوا على الاستماع للمناظرة ، وتهيأوا للاستماع إلي ردي فقلت : أنا أحترم الإمام أبا حنيفة . وربما أوثره على غيره من الأئمة ، ولكن إذا كنا نقول عنه إنه الإمام الأعظم فماذا نقول عن الرسول عليه السلام ! ألا يعني ذلك أننا نجعله فوق النبي محمد عليه السلام ؟ وبهت المأذون وعجز عن الإجابة ، والتفت الحاضرون إلي أنفسهم كأنما استيقظوا على حقيقة مفزعة.
وقلت لهم : إننا نقع في الخطأ حين نقول الإمام الأكبر أو الإمام الأعظم ، فليس في الإسلام إمام إلا الرسول عليه السلام ، وبعد موت النبي فالإمام الباقي هو كتاب الله ، والله تعالى قال عن القرآن و التوراة (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً ) هود 17 ـ الاحقاف 12 ) . فالكتاب هو الإمام والرحمة ، ينطبق ذلك على التوراة الحقيقية كما ينطبق على القرآن الكريم .
واضطر المأذون للاعتذار بأنها خطبة اعتاد قولها وأنها مصطلحات اعتاد الجميع النطق بها دون أن يفطنوا إلي مدلولها ، وقلت له إن ذلك لا يعفينا من المسئولية فالقرآن بيننا يدعونا لأن نتدبره ، ونتعقله ، وينبغي أن نعرض عقائدنا على القرآن فهو الميزان وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي على أساسه سيحاسبنا رب العزة يوم القيامة .
1. ثم قلت له: هل قيل للنبي عليه السلام حين تزوج عائشة أو غيرها " أنه تزوجها على سنة الله ورسوله وعلى مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان ؟. وهل يعتبر الزواج قبل أبي حنيفة، وفي عصر النبي والصحابة – باطلا أو ناقصا لأن أبا حنيفة لم يكن موجودا ولأن مذهبه لم يكن معروفا ؟ ورأيت الحرج والعرق على وجوه الجميع ، وقلت لهم إن الزواج هو سنة الله التي شرعها منذ بداية الوجود البشري ، أنه هو المعروف والعرف القائم والمستمر ، ومحمد قبل أن يكون نبيا يوحى إليه تزوج خديجة زواجا شرعيا صحيحا ، وقبل ذلك تزوج آباؤه وأجداده زواجا شرعيا صحيحا ، لأن الزواج هو شرع الله وسنة الله ، وبعد بعث النبي الخاتم أصبح سنة اله ورسوله ، والرسول يحكم بما أنزل الله ويسير على شرع الله وسنة الله ، ولا ينبغي أن تكون هناك مذهبية أو شقاق في دين الله ، إذ لا مذهبية في الإسلام ، والله تعالي يقول (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ) ويقول (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ألانعام 159،153.
وقلت لهم إن العصر الذهبي للإسلام في عهد النبي عليه السلام لم يعرف المذهبية والاختلاف في الدين ، ولكن عرف المسلمون ذلك حين هجروا كتاب الله واتبعوا السبل والمذاهب والطرق وحين زيفوا في الدين ونسبوا للنبي عليه السلام ما لم يقله وتوارثنا ذلك جميعه وتوارثنا معه التعصب للمذاهب والفرق والألقاب الضخمة مثل الإمام الأعظم والإمام الأكبر وآية الهف وروح الله وحجة الإسلام .. وتواترت تلك الألقاب وتلك العادات والعبارات في حياتنا الاجتماعية ومظاهر التدين عندنا ، ولا صلاح للمسلمين إلا إذا رجعوا للمنهج القرآني الإلهي أو الميزان الدقيق الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه . أما التعامي عن ذلك والزج بالإسلام في المعترك السياسي ومحاولة التكسب باسمه العظيم في سوق الدنيا الفانية فهو ظلم للإسلام وتضييع للمسلمين.
مقالات متعلقة
بالفتوى
: