ابن الصيرفي بين مؤرخي عصره:

آحمد صبحي منصور Ýí 2012-07-14


 

كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى ): دراسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى . الفصل التمهيدى :

ثالثا :  ابن الصيرفي بين مؤرخي عصره:

ابن خلدون والمؤرخون المصريون فى عهده

1 ـ فى أواخر القرن الثامن ظهرت عبقرية المؤرخ ابن خلدون فى ( مقدمة ابن خلدون ) التى أتمها وأكملها قبل قدومه لمصر ، والتى لم يكتف فيها بنقد التاريخ وإنما حاول استخلاص القوانين الإنسانية التى تحكم حركة العمران الإنسانى، وكان أول من أنشأ علم الاجتماع بالمفهوم العلمي ، ثم جاء لمصر ليعيش فيها 24 عاما قبل أن يموت فيها عام 808 ه، وفيها تكونت له مدرسة تاريخية تأثرت بمنهجه النقدى للتاريخ ، وشهد النصف الأول من القرن التاسع قلة من أعلام المؤرخين ليسوا بالطبع في مكانة ابن خلدون وإن كانوا بالقطع أفضل ممن جاء بعدهم من تلامذتهم.

2 ـ وقد كان المقريزى أبرز مؤرخي القرن التاسع، وكان تأثره واضحاً بابن خلدون، وقد برز المقريزي في مجال التاريخ أكثر من الحديث والفقه.أما ابن حجر العسقلاني (ت852) فقد توزع اهتمامه بين التاريخ والحديث والفقه وكانت نبرته في نقد وقائع التاريخ الذى يرويه أهدأ من المقريزى. وظهر في النصف الثانى من القرن التاسع مجموعة أخرى من المؤرخين تعتبر إمتداداً للمقريزى وابن حجر، كان منهم أبو المحاسن (874) والسخاوى (ت902) وابن الصيرفي (ت900).وآخرون . ونعطى فكرة سريعة عنهم .

البقاعى

هو ابراهيم بن عمر ت 885.هو فقيه سنّى ناقم على الصوفية على طريقة ابن تيمية فى القرن الثامن الهجرى . والبقاعى كان بطل ما يعرف بكائنة البقاعى التى سنعرض لها فى هذا الكتاب . اشتهر البقاعى بتكفير ابن عربى وابن الفارض فى (تنبيه الغبي فى تكفير ابن عربى، تحذير العباد من أهل العناد)، كما اشتهر بلمحاته الرائدة فيما يعرف بتفسير المناسبة ، أى المناسبة بين سور القرآن وأياته . وتتجلى اسهاماته التاريخية فى : (تاريخ البقاعى ) ولا يزال مخطوطا فى مجلد بدار الكتب المصرية، (تحت رقم 5631 .تاريخ ). ويهتم فيه البقاعى بأخبار الفقهاء والقضاة ، ويمتاز بالدقة والتفصيل للإحداث التى ينقلها من واقع المشاهدة والمشاركة. وهو يعطى بالطبع وجهة نظره وموقفه ويدافع عن نفسه في الأحداث التى كان فيها البطل : ( كائنة البقاعى وابن الفارض ). ومع دفاعه عن نفسه وهجومه على خصومه إلّا إنّ الصدق يبدو واضحا وتبدو الأحداث طبيعية ومفهومة فى ضوء سيطرة التصوف وأربابه على العصر . ولكن يعيب مخطوطة الكتاب عدم ترتيب سنوات الأحداث فيه وتعرضها للعبث من خصوم البقاعى بعد موته مما يؤكّد مصداقيته فيما كان يحكى ويفضح من رموز عصره وظلمهم. وتحقيق تاريخ البقاعى صعب لأن النسخة المخطوطة أقرب إلى أن تكون مسودة بخط المؤلف، فهى كثيرة الحواشى والتنقيح والزيادة ، وخطها ردئ ويبدو أنها كانت تكتب على فترات، مع تعرضها لطمس بعض كلماتها عن عمد . ولكن مما يساعد في قراءة الخط فيه ما ورد من مواضع متشابهة في كتابي البقاعى : تنبيه الغبي ، تحذير العباد وهما محققان. وقد اعتمد السخاوى في الضوء اللامع على تاريخ البقاعى في مواضع كثيرة جدا .

إبن إياس:( محمد بن أحمد).

وهو من مخضرمى الدولتين المملوكية والعثمانية.ولدعام855. ومشهور(تاريخ ابن اياس)أو(بدائع الزهور).بدأ ابن اياس كتابة ( بدائع الزهور) فى السنة التى مات فيها السلطان قايتباي (901 ).يقع تاريخ ابن اياس في ستة مجلدات ، الا انه يمكن تقسيمه الي قسمين كبيرين : القسم الاول الذي كان ينقل فيه ابن اياس عن المؤرخين السابقين ، وهو التاريخ الذي يعتبر ماضيا بالنسبة لابن اياس ولم يشهده ، ثم القسم الثاني ، وهو الذي كان فيه ابن اياس شاهدا علي عصره ، يكتب ما يراه وما يسمعه.وعلي اساس هذا التقسيم فان القسم الاول الذي ينقل فيه ابن اياس عن مؤلفين سابقين يقع في الاجزاء  الثلاثة الاولي من تاريخ ( بدائع الزهور ) الجزء الاول في مجلدين كبيرين + الجزء الثاني الذي ينتهي منه حتي سلطنة الظاهر تمربغا الذي تولي الحكم في مصر 58 يوما فقط وتولي مكانه السلطان قايتباي سنة 872 هـ .وبدءا من سلطنة قايتباي يوم الاثنين 6/ رجب /سنة872 يبدأ الجزء الثالث من تاريخ ابن اياس ، ويبدأ معه ابن اياس فى التأريخ لعصر قايتباى ومن بعده الى عام 906، ويشترك مع ابن اياس في التأريخ لهذه الفترة مؤرخنا ابن الصيرفى والسخاوى وابو المحاسن بن تغري بردي، كل حسب السنة التى توقف فيها عن التأريخ ، وبعد موتهما يكون ابن اياس هو العمدة فى التأريخ لمصر ، حيث ظل ابن إياس يؤرّخ  لمصر منفردا بعد ذلك في الجزء الرابع من سلطنة قانصوه الغوري الذي تولي يوم الاثنين اول شوال سنة 906 ، وانتهي في شوال سنة921 ، ثم فى الجزء الخامس والاخير ليؤرخ لسقوط الدولة المملوكية وتحول مصر الي ولاية عثمانية،أي إنفرد ابن اياس بالتأريخ لمصر من واقع المشاهدة والمعاينة في فترة هامة فيما بين 902 : 928 هـ أي قبل وفاته بعامين..

ولابن إياس مؤلفات تاريخية أخرى منها كان ينقل فيها عن السابقين:( مرج الزهور في وقائع الدهورر ) في قصص الانبياء ، وفيه نقل عن الثعالبى و الطبرى و ابن كثير فى قصص الأنبياء، و( نشق الازهار في عجائب الاقطار ) في جغرافية مصر والعالم وتاريخ مصر الفرعونية ، وتأثر فيه بالجزء الأول من تاريخ المسعودى ، و( نزهة الامم في العجائب والحكم ) في تاريخ العالم.و( المنتظم في بدء الدنيا وتواريخ الامم ) وينتهي فيه تاريخ المسلمين حتي سنة 355 ، وتأثر فيه بتاريخ الامام ابن الجوزي ( المنتظم في تاريخ الامم والملوك )، و( وجواهر السلوك في الخلفاء والملوك ) ويبدو فيه تأثره بالمقريزي في تاريخه ( السلوك ).و (عقد الجمان في وقائع الازمان ) في اختصار تاريخ مصر ، ويبدو فيه تأثره بكتاب المقريزي ( درر العقود ) وبتاريخ العيني( عقد الجمان ).  

أبو المحاسن ابن تغرى بردى  (813 :874 ) ه.

من أصل مملوكى ارستقراطى، كان ابوه الامير تغري بردي اتابكيا أي قائدا للجيش المملوكي ثم نائبا للسلطان علي الشام ، أي واليا للشام.إشتهر بكتابة "النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة" وقد حاكى فيه أستاذه المقريزى، إلّا إن أبا المحاسن فى ( النجوم الزاهرة ) بلغ به  16 جزءا ، وبدأه من الفتح العربى وسار بعده متخصصا فى التاريخ المصرى ، ينقل فيه عن السابقين ، الى أن وصل الى عصره فكان يؤرخ من واقع المشاهدة الى قبيل موته بعام واحد ، أى أتم التأريخ لمصر في النجوم الزاهرة حتي 873 هـ ومات عام عام 874، أى يحاكى استاذه المقريزى. فقد توقف المقريزى في تاريخه فى  "السلوك" عند سنة 844هـ أى قبيل وفاته بعام واحد. وقام تلميذه أبو المحاسن بإكمال التأريخ لعصره فكتب "حوادث الدهور في الأيام والشهور" وجعله ذيلاً لتاريخ المقريزى في السلوك. وصدر فى باريس ( منتخبات من حوادث الدهور)، حررها وليم بيبر عام  1930 . ولأبى المحاسن أيضا كتاب ( المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى ).فى خمسة أجزاء ، وهو قصر على التراجم المختصرة لشخصيات عصره . وكان أبو المحاسن كثيراً ما يعترف بفضل المقريزي ويحاكيه في نقده العنيف لمظالم عصره وإن كان أقل مستوى من أستاذه. واشترك أبو المحاسن ومؤرخنا ابن الصيرفى فى التأريخ لنفس لعامى  972 و 973 .

السخاوى المؤرخ شمس الدين ت 902 ه

لا نقصد السخاوى الصوفى ، وهو شيخ صوفى معاصر لصاحبنا السخاوى المؤرخ المحدث ، هذا السخاوى الصوفى هو( نور الدين على بن أحمد بن عمر، المتوفى عام 900.)، وقد تخصص هذا السخاوى فى إرشاد الزائرين للقرافة المتبركين بالمقابر المقدسة ، ممن كانوا يعرفون بلقب ( مشايخ الزيارة ) . ومن واقع تخصصه كتب هذا السخاوى:( تحفة الأحباب وبغية الطلاب فى الخطط والمزارات والتراجم والبقاعات المباركات). وهو ضمن ما كان يعرف فى العصر المملوكى بكتب المزارات .

 أما (السخاوى ) المؤرخ صاحبنا المقصود فهو (الحافظ شمس الدين محمد بن عبدالرحمن بن محمد أبى بكر (831 ـ 902).اشتهر فى مجالى التأريخ والحديث . وله فى التأريخ : ( الذيل على رفع الأصر ) وهو إكمال لكتاب ابن حجر العسقلانى( رفع الأصر عن قضاة مصر ) .كان مؤرخنا السخاوى مشهورا بالحدة في النقد ، ولا يقال إنه تأثر فى هذا بأستاذه المقريزى الذى نثر انتقاداته فى السلوك ، لأنّ المقريزى كان موضوعيا فى نقده ، ووجّه معظم نقده للأمراء المماليك الظالمين ، أما السخاوى فقد وجّه حدة نقده لأقرانه من الشيوخ ، خصوصا السيوطى ، وقد وصلت الخلافات بينهما الى حد تأليف كتب يطعن كل منهما فى صاحبه . والسخاوى كتلميذ للمقريزى يتابعه فى التأريخ ، وقد كتب السخاوى تاريخه "( التبر المسبوك ) ليكمل تاريخ "السلوك" للمقريزى بمثل ما فعل أبو المحاسن فى (حوادث الدهور ). على أن السخاوى وضع سفراً ضخماً وهو ( الضوء اللامع فى أعيان القرن التاسع ) ترجم فيه لأعيان القرن التاسع الهجرى من علماء ومماليك وطلبه وتجار وغيرهم. وقد رتّبه على حروف الهجاء مثلما فعل المقريزى في كتابه "المقفى الكبير" واقتبس كثيراً مما أورده المقريزى في كتابه "درر العقود" . إلا أنه يعيب السخاوى حدة طبعه في النقد وأنه جعل من كتابه الضخم "الضوء اللامع" متنفساً لتسوية الحسابات بينه وبين منافسيه من العلماء فترجم لهم من موقع الخصومة وذلك شطط لم يعرفه أستاذه المقريزى.على أن السخاوى تعلم من المقريزى اسلوبه العلمى الفصيح فى الصياغة التاريخية للأحداث . وتلك ميزة يتميز بها السخاوى عن مؤرخ معاصر له من تلامذة  إبن حجر العسقلانى ونعنى به مؤرخنا "ابن الصيرفي" ، الذى نصل اليه فى النهاية .

ابن الصيرفي على بن داود بن إبراهيم الخطيب الجوهرى الصيرفى (819-900).

1 ـإكتسب لقبه (الصيرفي) من عمله مع أبيه في سوق الصيارفه وسوق الجواهر فأطلق عليه (الجوهرى) و(الصيرفي)،ولقب (ابن الصيرفي)هو الأكثر شيوعاً. وقد درس ابن الصيرفي على ثلاثة من مشاهير العلماء في وقته وهم ابن حجر وأبو زكريا الأقصرائى وابن سليمان الكافيجي. وكان ابن حجر يعطف على تلميذه ابن الصيرفي ويهتم به، وكوفئ ابن الصيرفي على اهتمام ابن حجر بن بهجوم السخاوى عليه، وقد كان السخاوى زميلاً لابن الصيرفي في التتلمذ على ابن حجر وقد ترجم السخاوى لرفيقه ابن الصيرفي في الضوء اللامع في سطور امتلأت بالكراهية والنقد على عادة السخاوى  في تجريح معاصريه ومنافسيه.

2 ـ ولعل نشأة ابن الصيرفي الفقيرة واضطراره للعمل مع أبيه في سوق الصيارفة كان من أسباب تواضع مستواه في الكتابة وغلبة العامية عليه في التفكير وفي الأسلوب معاً، بل ربما كانت نشأته الفقيرة سبباً في تملقه الشديد لأعيان الدولة المملوكية الذين أخذوا بيده ليكون ضمن قضاة المذهب الحنفي في مصر وليحظى بالدخول على السلطان قايتباى ضمن وفد العلماء والقضاة في عادة التهنئة بأول كل شهر عربي.

3 ـ وأصبح ابن الصيرفي معروفا بعناية الدكتور حسن حبشى الذى قام بتحقيق كتابى الصيرفى: (نزهة النفوس) و( إنباء الهصر)" الذى أكمل فيه الصيرفى حوادث كتابه "نزهة النفوس". وتاريخ (نزهة النفوس الأبدان في تاريخ الزمان) سار فيه الصيرفى على الطريقة المتبعة في تغطية حوادث التاريخ منذ البداية إلى وقت عصر المؤلف.وقد نقل عن العينى والمقريزى دون أن يضيف.والجزء الذى حققه د. حسن حبشى يؤرخ لدولة المماليك الجراكسة.

4 ـ وتاريخ "إنباء الهصر بأبناء العصر" الذى حققه أيضاً الدكتور حسن حبشى ونشرته دار الفكر العربي، هو ما نعتمد عليه في التعرف على المجتمع المصري في عصر السلطان قايتباى . والعنوان غريب: "إنباء الهصر بأبناء العصر" وتزول الغرابة نوعاً إذا عرفنا أن ابن الصيرفي نهج نهج أستاذه ابن حجر حتى في طريقة العنوان." فابن حجر" ترجم لعصره ومعاصريه في كتاب ( إنباء الغمر بأبناء العمر)  وأبن الصيرفي حاكاه في العنوان فقال:  (إنباء الهصر بأبناء العصر).وليس مألوفاً اختيار كلمة (الهصر) التى لا معني لها اللهم إلا من خلال محاكاة ابن الصيرفي لشيخه والاتيان بما يفي بحق السجعة على عادة مؤلفى العصر المملوكى من الاحتفال بالسجع وتزيين عناوين الكتب به. وكما حاكى ابن الصيرفي أستاذه ابن حجر في العنوان فقد سار على منواله في طريقة التأليف، لذا نجد الشبه واضحاً بين (إنباء الغمر بأبناء العمر) و(إنباء الهصر بأبناء العصر) في النغمة الهادئة ومحاولة (ارضاء جميع الأطراف) وإن كان أسلوب ابن الصيرفي أو ثقافته لا يمكن أن ترقى إلى مستوى أستاذه بأى حال.

5 ـوالصيرفى يؤرخ فيه للاحداث المصرية التي عايشها من 873 حتي 886 ، ومات المؤرخ الصيرفي سنة 900 .وقد غطي الجزء المحقق من كتاب (الهصر) سبع سنوات فقط من عصر السلطان قايتباى.  

ويبقى أن نتفحّص نقديا كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) ونبحث منهج ابن الصيرفي وتنوع المادة التاريخية فيه ومصادر ابن الصيرفي وأسلوبه وطريقته في العرض.

اجمالي القراءات 15234

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5130
اجمالي القراءات : 57,288,556
تعليقات له : 5,458
تعليقات عليه : 14,839
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي