خالد حسن Ýí 2008-08-06
الأخوة رواد ومشرفو وكتاب موقع أهل القرآن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد تناولنا في المقال السابق كيفية التلفيق واستخدام الأحاديث النبوية كسلاح بين الفرق المتناحرة على السلطة والملك , فكل فريق يصنع أحاديث وينسبها للرسول ليعطي لنفسه الشرعية في الاستيلاء على الحكم ويسخر الفقهاء للتعديل والإخراج المسرحي , كما فعل البخاري في كتاب الفتن المروي زورا وبهتانا عن الرسول فهو مثال حي للتزوير والتلفيق .
فقد كانت هذه الأحاديث هي كالمخدر للشعوب فمن يخرج عنها فقد كفر بما انزل على محمد , وهذا ما نلمسه في حياتنا اليومية من رضا بالظلم والسكوت على الضيم وبذلك تركزت المنظومة القهرية في نفوسنا وتعودنا أن نكون عبيدا لا نساق إلا بالعصا , فتبخرت من عقولنا الديمقراطية وقبول الرأي المتعدد ولم نعد نتنفس هواء الحرية .
دعونا نتعرف على الرأي الفقهي في مسألة الحكم والحاكم ودعونا نرى كيف رسخ الفقهاء لنظريات الانقلاب ولنظريات الحكم الديكتاتوري.
دعونا نطرح السؤال التالي ولنسمع الإجابة من الفقه السني :
هل يجوز عزل الحاكم للفسق أو للظلم أو للفساد ؟
لنرى التيار الأساسي من مدرسة الحديث بقيادة الحنابلة يقرر أنه لا يجب خلع الحاكم سواء أكان فاسقا ويأخذ الأموال ويضرب الابشار ويعطل الحدود فيقول أبو يعلى الفراء في كتابه الأحكام السلطانية ص 20
(( لا يخلع الحاكم سواء أكان الفسق متعلقا بأفعال الجوارح وهو ارتكاب المحظورات أو كان متعلقا بالاعتقاد ))
هذا النص المنقول عن أبي يعلى وهو من رؤوس الحنابلة.
ثم ننتقل سريعا إلى هذا الكلام المقتبس من كتاب التمهيد للباقلاني ص 186
(( الامام لا ينخلع لفسقه وظلمه بغصب الأموال وضرب الابشار وتناول النفوس المحرمة وتضييع الحقوق وتعطيل الحدود ))
ويزيد فوق ذلك الباقلاني وهو محسوب على الاشاعرة
(( أن حدوث الفسق في الامام بعد العقد له لا يوجب خلعه , وإن كان مما لو حدث عند ابتداء العقد لبطل العقد له)) وهذه تفسيرات غير معقولة لأناس لطالما كنا نعتقد أنهم خير قرون أخرجت للناس فنرى النسفي وهو من الماترتدية يقرر في صراحة مدهشة في كتابه العقائد النسفية ص 448 أن الحاكم
(( لا ينعزل بالفسق أي بالخروج من طاعة الله والجور والظلم على عباد الله , لأنه قد ظهر الفسق وانتشر الجور من الأئمة والأمراء بعد الخلفاء الراشدين . والسلف كانوا ينقادون لهم , ويقيمون الجمع والأعياد بإذنهم ولا يرون الخروج عليهم ))
وهذا تفسير غريب , حيث يصبح السلف مصدرا للتشريع بما يخالف ذلك الشريعة . ففعل (( السلف )) المتمثل هنا في الانقياد للأنظمة الفاسدة هل هو (( دليل )) الحكم بجواز ذلك الانقياد ؟؟؟
فهذه المنظومة السلفية توجب الطاعة للحاكم ولو كان جائرا وظالما آكلا لحقوق الرعية ولو قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين الباقيين ودليلها الشرعي الوحيد هو أن السلف انقادوا لهذه الأنظمة الدموية ؟؟ وهذا ما يتضاد مع المقاصد القرآنية التي تدعو للرحمة والمساواة والعدل . والأدهى من ذلك أن هذه المدرسة الحنبلية تشرع للانقلابات العسكرية وتدعو الشعوب أن لا تثور على الحاكم الجديد الذي قام بالانقلاب فوفقا لمدرسة أحمد بن حنبل كما جاء في كتاب الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 20
(( من غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي بأمير المؤمنين , لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما عليه , برا كان أو فاجرا , فهو أمير المؤمنين ))
فالعبارة التي تدهشنا في هذا النص الذي ننقله عن فقيه الحنابلة هي عبارة ( لا يحل ) فهي تضعنا ببساطة مذهلة حيال حكم شرعي بالتحريم . ليس فقط على من يعلن الخروج والعصيان , وإنما كذلك على من ينفي في تصوره الداخلي صفة الشرعية عن الحكومة الفاسدة الجائرة ليس ذلك فحسب بل أن الإثم يلحق بمن لا يثبت لهذه الحكومة الصفة الشرعية , أو بعبارة أحمد (( بمن يبيت ولا يراه إماما عليه )) وهو ما يعني في عبارة مكافئة , وجوب اتخاذ موقف إيجابي باعتقاد الشرعية , لا مجرد موقف سلبي بالامتناع عن الاعتقاد. ومكمن الخطورة هو أن أحمد بن حنبل لا يؤرخ حدثا , ولا يقدم رأيا بل ينظر نظرية ويؤصل حكما ويشرع تشريعا له صفة التأبيد والدوام.
فقد عرفنا في النصوص السابقة أن الحاكم لا يخلع إذا فسق وظلم بل يجب مبايعته ((من كره من أميره شيئا فليصير , فإنه من خرج من السلطان شبرا فمات مات ميتة جاهلية )) صحيح البخاري – كتاب الفتن
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا :
هل يجوز خلع الحاكم من غير أن يفسق أو يظلم ؟؟؟ وعلى هامش هذ1 التساؤل نثير سؤال آخر : هل يجوز تحديد فترة زمنية معينة للحكم , كأربع سنوات أو خمس سنوات , بحيث تنقضي مدة الحكم بعدها بصرف النظر عن أداء الحاكم خلالها من حيث العدالة والقدرة ؟ أو بمعنى آخر: هل يجوز تأبيد الحكم لشخص حتى يموت أم يتم تداول السلطة ؟
لنرى كيف يرد القاضي عبد الجبار لهذه المسألة في كتابه ( المغني في أبواب التوحيد والعدل , ج2 ,ق1, ص 305) فيقول أن الشرع قد(( أوجب)) في أن الإمام لا يخلع إلا عن فسقه فلقد (( ثبت بالشرع في الإمامة أن الخلع والإزالة لا تجوز من غير حدث . وأن خلعه لا يجوز مع السلامة . لإجماعهم على ذلك )) " مع العلم أن الحاكم يا قاضي عبد الجبار ولو فسق وظلم لا يخلع أيضا وهذا ما يقوله الحنابلة وغيرهم من السلفيين "
والقاضي عبد الجبار لا يعبر عن مذهب المعتزلة فحسب بل عن تيار الفقه السلفي في مجمله فهو رأي مدرسة الحديث ورأي الاشاعرة والسؤال هو :
من أين جاء هذا الوجوب ؟ هل هناك من أمر جازم أو نهي جازم ثابت في الكتاب والسنة؟
يقدم القاضي عبد الجبار دليله على النحو التالي :
(( لأنهم اختلفوا في أيام عثمان على قولين لا ثالث لهما , إما من يقول : أنه أحدث ما يوجب خلعه . وإما من يقول : لم يحدث حدثا فلا يجوز خلعه . فما خرج عن هذين القولين فهو باطل باتفاق )) المرجع السابق .
ولسنا هنا بصدد مناقشة هذا النص من ناحية المنطق البر هاني المحض . وإلا فنحن لا نسلم له بالنتيجة التي رتبتها المقدمتين . إذ ليس يلزم من ثبوت انحصار الخلاف في فريقين فقط , بطلان القول بثالثهما . وهل حقا انحصر في قولين فقط ؟ وذلك لانعدام الدليل على ذلك في النص أو في برهان العقل .
والسؤال هو عن (( أيام عثمان ))
هل يصح لها أن تصير ( مصدرا للتشريع ) يلزمنا إلى درجة الوجوب ؟؟؟
ومن أولئك الذين (( اختلفوا أيام عثمان ))؟؟ هل هم مشرعون للأمة على امتداد آجالها وأجيالها على وجه الحتم والإلزام .؟؟ فمن أعطاهم هذا الحق ؟ ومن وهبهم العصمة ؟ ومن علمهم غيب الزمان ؟؟
ثم أن (( أيام عثمان )) هي النموذج المثالي الأول في تاريخ المسلمين , لحالة الفرقة والاختلاف ببصمتها التي لا تزال بارزة في عقل الأمة وبنيتها الفكرية .
وبهذا لا نص يمنع من خلع الحاكم مع السلامة بما في ذلك إنهاء حكمه بشكل دوري بتحديد مدة الولاية لسنوات معينة ثم تولي حاكم آخر الحكم في مدة معينة أخرى , ولكن تم منع ذلك وتحريمه لا لشيء إلا لأن الفريقين ( الذين في أحدهما قتلة عثمان وفي الآخر مروان بن الحكم ) اقتصروا في خلافهم على قولين وليس ثلاثة أقوال !!!!.
فبهذا نعرف سبب تكفير الإخوان المسلمون والمتشددون للعملية الديمقراطية والانتخابات ووصفهم لها أنها لا تجوز شرعا معطلين بذلك آيات القرآن الكريم (( وأمرهم شورى بينهم )) (( وشاورهم في الأمر )) حيث أن قوة النبي كانت مستمدة من صحبه ومجتمع المدينة كله فتكون الشورى هي الانتخابات . بل يسعي الإخوان لإقامة أنظمة دكتاتورية باسم الإسلام , فأنا لا أرى اختلاف في شيء فالأنظمة العربية اليوم التي يحاربها الاخوان المسلمون والمتشددون الاسلاميون هي نسخة كربونية للحكم الأموي والعباسي ونتاجها وابنها الغير شرعي , ففيها تأبيد الولاية وفيها عدم خلع الحاكم ولو فسق وظلم العباد والبلاد وفيها الانقلابات وآخرها الانقلاب على الرئيس الموريتاني المنتخب بطريقة ديمقراطية سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله 6/8/2008 , وحقيقة الامر أن الإخوان والمتشددون يلعبون على عواطف الناس ويدلسون عليهم مستخدمين شعارات دينية براقة مثل( الإسلام هو الحل) والحقيقة هي أنها شعارات تستخدم للانقضاض على السلطة .
فهذه هي تركة الشيوخ التي تركوها لنا ما زالت تفعل بنا الأفاعيل وهذا هو تآمر العمامة والتاج على أجساد المساكين والغلابة
دعوة للتبرع
قتال داعش : هل قتال الكور د لداعش جهاد لانهم يهلكو ن ...
تطبيق العقوبات: إذا كان الإسل ام جاء بشريع ة العدل بين جميع...
إضطرار فى الصلاة: ما وجهة نظرك فيمن يضطر للصلا ة مع المحم ديين ...
العصمة : قرأت ردودك م على كتاب العصم ة للسيد...
معتكف فى بيتى : اود ان اسألك .. هل صادفت في حياتك شخص رجل او...
more
الملاحظ أن الفقه السنى التراثى قد ركز فى أبواب الطهارة و العبادات و المعاملات بين الناس ، و أكثر من التفصيلات الى درجة تخيل صور فقهية يضحك منها الحزين، ولكنه فى الوقت نفسه أهمل أخطر باب وهو شئون الحكم والعلاقة بين الحاكم بالمحكوم. وكأنما تحرج الفقهاء من الخوض فى حقل الألغام هذا ـ وهم يعيشون فى ظل الاستبداد الشرقى العنيف ويرتزقون من فتات موائده ، فكان التجاهل هو سيد الموقف، ولكن نفرا آخر منهم تمتع بصفاقة لا يحسد عليها فكتب يقنن ويشرع الاستبداد القائم ، بل ويفتى بان الحاكم هو الراعى ، وأن الناس هم الرعية ـ أى المواشى التى يملكها الحاكم وله ان يذبح منها ما يشاء و يستبقى للخدمة ما يشاء ، وتأسيسا على ذلك فقد أفتى بعضهم ـ عليهم لعنىة الله ـ بأن للحاكم أن يقتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين .. وهكذا هانت حياة الناس لدى فقهاء السلطة السنية الاستبدادية.
أشكر للشاب الباحث خالد حسن أن توقف مع هذه المحنة بهذا المقال الرائع .. . وأتمنى أن يتخصص فى هذا الفرع من الفقه ، وهو علاقة الحاكم بالمحكوم فى الفقه السنى ، ودور الفقه السنى فى تشريع و مساندة الاستبداد الشرقى.
شكرا يا خالد ..