1- تحت شعار الشرف يقتل الأب أو الأخ البنت أو الأخت لغسل العار وذلك فى تشريع ما أنزل الله تعالى به من سلطان. الذكر عندنا يتفاخر بعلاقاته النسائية المحرمة بينما الأنثى وحدها هى التى تدفع فاتورة الشرف دون الذكر الجانى لأننا حصرنا مفهوم الشرف بين ساقى المرأة فقط . من أجل الشرف العربى تسيل دماء الأنثى الضحية بنتا كانت أوأختا ، أى أقرب الناس للقاتل وأحقهم برعايته وحمايته، بينما ينجو الرجل الجانى .
قتل الانثى بدافع الشرف ليس جريمة عندنا بل هو رفع للعار، لأن العارفى ثقافتنا ليس نفاق الحاكم الظالم وتملقه والخضوع والخنوع له والرضى بالظلم والصبر عليه ، كما انه ليس من مفردات الشرف فى ثقافتنا الاجتماعية القيم العليا من الصدق والأمانة والشهامة والرجولة والشجاعة والاخلاص فى العمل والوفاء بالوعد ، لأن هذه القيم لا يمارسها الا شعب ديمقراطى حر أبىّ يحكم نفسه بنفسه، هذه هى مفردات الشرف فى الثقافة الغربية لا العربية .
الاستبداد العربى الشرقى هو الذى انتج هذه الثقافة- ثقافة العبيد.
الاستبداد هو القهرالذى يمارسه الحاكم المستبد على وزرائه ويمارسه الوزراء على نوابهم ووكلاء الوزارات ، وهكذا يبدأ القهر من أعلى ليشمل من دونه شيئا فشيئا متضخما متغولا فى امتداده الى أن يصب جحيمه فوق رأس الرجل العادى. وفى ثقافة الاستبداد يصول الشخص الأعلى على من هو دونه بينما يتضاءل ويتراقص بين يدى من هو أعلى منه، فاذا وصل الأمر الى الرجل العادى تجده قد انصبت على رأسه كل أنواع القهر فلا يجد متنفسا الا فى المرأة الخاضعة له بحكم الثقافة والتربية فينفس فيها عن كل غضبه واحتجاجه المكتوم. وحيث لا يستطيع أن يكون شريفا بمعنى قيم الشرف الحقيقية – من الشجاعة والشهامة والجرأة والصدق وحفظ الوعد والعهد .. الخ - فلا بد من أن يدفن شرفه المسلوب بين ساقى الاناث التابعات له ، فاذا فرطت احداهن فى شرفه أسرع يقتلها ليقنع نفسه والآخرين بأن له شرفا. لا يدرى المسكين ان شرفه الحقيقى وعزته الانسانية قد ضاعت من قبل حين ارتضى الخضوع لذل الاستبداد والاستعباد .
هذا المفهوم الخاطىء للشرف عند العرب هو احدى الثمار المرة لثقافة العبيد.فظلم الاستبداد يجعل ظلم الناس بعضهم بعضا عملة سائدة تتعدى أكثر لتصيب من كان غريبا عنك.
2- ثمرة أخرى من ثمار تلك الثقافة – ثقافة العبيد – أننا نرتضى ظلم القريب لنا فاذا تدخل غريب لرفع الظلم عنا اوحتى اذا احسن الينا نقابل احسانه باللؤم ونكران الجميل .
نبدأ بالشائع فى ثقافتنا : فالأخ الأكبرغالبا ما يستولى على معظم التركة . ورغم أن الله تعالى جعل حقا منصوصا عليه للمرأة فى الميراث الا ان الشائع فى الريف المصرى حرمان المرأة من كل الميراث أو بعضه .
طبقا للقرآن الكريم فان حرمان وارث من حقه يستوجب الخلود فى النار( النساء 7 و 14 ) وطبقا لأى قانون بشرى عادل فهذه سرقة تستوجب العقاب . وطبقا للضمير الانسانى والمعايير الخلقية فهذه خسة ونذالة حين يقوم الأخ الأكبر بالاعتداء على حقوق اخوته الصغاروأكل حقوق اخواته البنات بينما الواجب عليه أساسا حمايتهم والدفاع عنهم ، ولكننا نتقبل هذا الظلم باعتياد. الغريب أن المرأة المهضوم حقها – فى أغلب الأحيان - لا تحتج على أكل حقها، بل تسامح الأخ الأكبر وتغفر له. وهذا ما يفعله غالبا الأخوة الصغارالذين يأخذون مسلك الأخ الأكبر حقا اجتماعيا مسلما به . الأغرب انه اذا جاء نفس الاعتداء من شخص غريب أو أجنبى ثار الغضب والاحتجاج واتخاذ الاجراءات الكفيلة بعودة الحق الضائع لأصحابه.
طبقا للقرآن الكريم – أيضا – فان العدالة لا مجال فيها للتفرقة أو التمييز بين وارث وآخر بسبب الدين أو الملة، أو بين مجرم ومجرم بسبب القرابة أو الديانة، لذا فالقرآن يتحدث عن المجرم يصفه بنفس الجناية التى ارتكبها بغض النظر اذا كان المجرم أبا أو أخا للضحية . غير هذا تجده فى كتب الفقه مثلا، فالأب اذا قتل ابنه لايسرى على الأب القاتل حكم القتل( لأن الأب كان سببا فى وجود الابن فلا يصح ان يكون الابن سببا فى عدم الأب ) !! هو منطق أعرج ومضحك بالتأكيد.. ولكنه الفقه السنى !! فى نفس الفقه تجد اختلاف الدين يمنع القصاص فى القتل والتوارث فى الميراث، فلا يصح قتل مسلم اذا قتل غير مسلم ، وفى نفس الوقت اذا أسلم نصرانى أو يهودى فلا يصح لابنائه أن يرثوا تركته بعد موته اذا كانوا غير مسلمين ، بل تذهب التركة لبيت المال ، أى لبطن الحاكم (المسلم ) اى تذهب الى "المحيط الهادى "..
3- طبقا لثقافة العبيد فاننا نرتكب ما يسمى ب" الكيل بمكيالين" الذى نشجبه ونستنكره ونتهم به الآخرين بينما نمارسه فى ثقافتنا وتعبر عنه امثالنا الشعبية وحياتنا الدينية المليئة باكاذيب وطقوس تخالف القرآن وما كان عليه خاتم النبيين عليهم جميعا السلام.
المثل الشعبى المصرى يعبر بصدق عن هذه الحالة فيقول :" حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط " وليس هذا من التسامح فى شىء، لأنك اذا كنت متسامحا فعليك ابتلاع الزلط من الجميع لا فرق بين عربى وأعجمى فى الزلط ، كما لا تفرق بين زلط كبير وحصى صغير، و لا بين عدو أو صديق. الا ان المثل الشعبى يستطعم ظلم – أو زلط - القريب الحبيب، وفى نفس الوقت يتنمر لمن يعتبره عدوا ؛ يتحامل عليه ويفسر كل أفعاله فى ضوء المؤامرة وسوء النية.
فى المثل الشعبى نقول " ضرب الحبيب زى أكل الزبيب " أما اذا لم يكن حبيبا فالويل له. ويقول المثل الشعبى المصرى فى العصر المملوكى " ضرب الحاكم شرف " والمعنى أنه شرف عظيم لك اذا تفضل الحاكم واهتم بك واختارك لتحظى بالتعذيب دون غيرك من آلاف العوام الذين لا يأبه بهم . ولذلك تستمر جرائم التعذيب فى بلادنا ونأخذها حقا مكتسبا للحاكم وشرفا لنا، وظل الأمر هكذا حتى هبت علينا أفكار الغرب التحررية وثقافته فى حقوق الانسان ، وجاءت منظماته الى بلادنا تنشر الوعى وتحرض على أن نحترم آدميتنا فتأسست لدينا – بتبرعات الغرب - منظمات تقاوم التعذيب السياسى الذى يقع على النخبة . ثم اكتشفنا متأخرا – يا عينى – أن التعذيب يقع أيضا فى أقسام الشرطة، وجاء هذا الاكتشاف بالحاح من المنظمات الغربية فارتفعت الدعوة أخيرا ضد التعذيب الذى يقع على الغلابة فى أقسام ومراكز الشرطة.
ولكن – والحق يقال – انه لا يزال بيننا نفر من مدمنى ثقافة العبيد يصممون على وصف تلك المنظمات الحقوقية الغربية المدافعة عن حقوق الانسان بالتآمر علينا والتدخل فى أدق خصوصياتنا ومنها حق الحاكم فى قتل من يشاء وتعذيب من أراد ، لأننا رعية –أى مواشى مملوكة– اذن فلا شأن لنا بحقوق الانسان . هل للمواشى حقوق على مالكها الراعى ؟ ان من حقه أن يذبح ما يشاء ويبيع ما شاء ويعتنى ويسمن ما يشاء الى حين استحقاق الذبح .
على أنه – والحق أيضا يقال – فان ثقافتنا الأصيلة فى تكريس التعذيب قد أثرت على بعض الامريكيين فى العراق حين احتلوا احدى الأكاديميات الكبرى فى فن التعذيب وهى سجن أبو غريب ، وبتشجيع من بعض العراقيين الأفذاذ فى هذا الفن مارس بعض الامريكيين هذه التكنولوجيا العربية ، فكشفتهم الصحافة الامريكية التى لا تفوتها فائته، وتعرضوا لسخط الرأى العام الأمريكى الذى لا يرحم ، وتوالت التحقيقات ثم الاعتذارات من الرئيس بوش الى وزير الحربية - كلها تؤكد ان هذه ليست ثقافتنا حتى لوكانت شيئا مألوفا فى الشرق الأوسط, ووسط هذا الصخب الاعلامى حوكم الجناة وتمت ادانتهم.
ماذا فعلنا نحن ؟ انطلقنا فى سب أمريكا وهمجيتها فى التعذيب ونسينا انفسنا ، أى أننا نحن الذين نكيل بمكيالين.
4- الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية عندنا تتعرض لدرجات مختلفة من الاضطهاد ويسرى التعتيم عليها حتى لو وصل الأمر الى ارتكاب المذابح العرقية كما حدث من قبل فى العراق ثم فى دارفور. اذا فشل التعتيم و تدخل الغرب لاقرار العدل وللدفاع عن المظلوم اتهمناه بالتدخل فى شئوننا الداخلية وبالتآمر على العرب والمسلمين . حدث هذا حين تدخلت أمريكا والغرب لاغاثة ضحايا دارفورالأفارقة المسلمين من مذابح أرتكبها فى حقهم ( أشقاؤهم العرب المسلمون ). بل ان التعتيم قد يصل الى تجاهل دور أمريكا والغرب فى حماية مسلمى كوسوفا من الابادة الجماعية على يدى الصرب المسيحيين لأنه لا يصح ان نذكر أى ايجابية لأمريكا والغرب . مقابل هذا التعتيم والتجاهل تنطلق حناجرنا بالصراخ حين ترسل احدى المنظمات الوهابية الأمريكية شكوى كاذبة الى الصحف العربية تشكو من التمييزالذى تزعم وقوعه فى مجتمع المسلمين الأمريكيين. وكم عانى مركز ابن خلدون وصاحبه دكتور سعد الدين ابراهيم حين فتح بصراحة ملف الأقليات فى الوطن العربى مطالبا باعطائهم حقوقهم بالمساواة والعدل، فتعرض لاضطهاد وأغتيال معنوى للشخصية شارك فيه مثقفو الاستبدادوالاستعباد من دعاة القومية العربية وفكر الستينيات العظيم الى دعاة السلفية الوهابية السياسية مع ذيول الحاكم المستبد القائم. أولئك جميعا هم الذين تزدهر بهم ثقافة العبيد.
5- ان ثقافة العبيد هى عملة رديئة لها وجهان : الأول الخنوع للقريب الظالم واستعذاب ظلمه سواء كان أخا أو أبا أو حاكما، والوجه الثانى هو كراهية الآخر اى الأجنبى لمجرد انه أجنبى مختلف عنا .
الأجنبى يبدأ بالمختلف معنا فى الداخل – المختلف دينيا ومذهبيا وعرقيا ولغويا ، ثم يمتد ويتضخم ليشمل الأحنبى الغريب فى الخارج .كلما زادت الفوارق بيننا وبين الأجنبى وزادت قوته وازداد احتكاكه بنا ازددنا عداء له مهما فعل من خير لنا. ينطبق هذا على الغرب وأمريكا بالذات ، فاذا قدمت أمريكا خيرا فهى مؤامرة ، واذا تصرفت أمريكا وفقا لمصلحة شعبها – وهذا هو واجب أى حكومة فى العالم باستثناء حكوماتنا المقدسة - اشتعل الهجوم علي الرئيس الأمريكى لأنه لا يعمل لمصلحة الشعوب العربية كما لو كان رئيسا للولايات المتحدة العربية وليس الامريكية. فى نفس الوقت فان الحاكم المستبد المحلى يرتكب ما يشاء من جرائم ويجد من يدافع عنه ويمجده ويفسر كل خيباته الثقيلة فى ضوء التآمر الامريكى والاسرائيلى . ولو راجعت الأمثلة الشعبية السابقة لوجدتها تنطبق على هذه الحالة المرضية. فضرب الحاكم لنا شرف ومثل أكل الزبيب ونحن نبلع له الزلط بينما نتمنى لأمريكا الغلط ، فاذا خيبت امريكا أملنا ولم تغلط بادرنا نحن بالغلط فيها لكى نفرغ فيها احباطنا وعجزنا وفشلنا وقهرنا . لا نستطيع ان نقدر على الحمار- هل عرفت المقصود به الآن ياصاحبى – اذن علينا بالبردعة لأنها لن ترد ولن تنهق ولن ترفس مثل الحمار.
6- ثقافة العبيد هى التى تحول الشخص العادى الى حاكم مستبد اذا اتاحت له الظروف أو الصدف الوصول للحكم. اذا صار حاكما رأى تلك الثقافة تلح عليه وترجوه أن يستبد ويطغى . وهكذا وصل الى الحكم - بفعل الصدف وأشياء أخرى - بعض ارباب السوابق وبعض ارباب العاهات ، وبعد أن ركبوا شعوبهم اتاحت لهم ثقافة العبيد أن يصبحوا حكاما متألهين أو انصاف آلهة فى مجتمعات تزعم أنها تؤمن بالله الواحد الأحد !!
تلفت أنور السادات حوله يبحث عن نائب بمواصفات خاصة فلم يجد سوى حسنى مبارك. فى حكم عبد الناصر استطاع السادات بدهائه وخنوعه أن يكسب عطف عبد الناصر اذ لم يتوجس منه شرا، فاختاره ناصر نائبا له. بعد أن استوى الامر للسادات ومسح باسم عبد الناصركوكب الأرض – وبعض الكواكب الأخرى – اراد اختيار نائب باهت مطيع صامت ساكن – لا يهش ولا ينش - يخلو من الدهاء والطموح والتفكير المبدع . شخص عسكرى ينفذ فقط الأوامربعقلية الموظف المجتهد لارضاء سيده. لم يجد هذه المواصفات الا فى حسنى مبارك. هذه هى الصدفة الأولى. جاءت الصدفة الثانية بمصرع السادات المفاجىء فاصبح حسنى مبارك رئيسا لأكبر دولة عربية. لم يكن يتخيل لنفسه هذا الوضع ولم يسع اليه ، كان المنصب أكبر من طموحاته وامكاناته . وظهرهذا فى سنواته الأولى اذ أعلن انه سيحكم مدة واحدة فقط ، وصرح انه لا يجيد القاء الخطب . ولكنها مصر التى قال عنها عمرو بن العاص من قبل " مصر مطية راكب" أو كما يقول عنها المثل الشعبى المصرى نفسه " بلد اللى يركب ". أى ان ثقافة العبيد هى التى سهلت الأمر على شخص متواضع الامكانات مثل حسنى مبارك ان يركب ، فتشجع واكمل المدة الأولى ثم تمطع وأكمل الثانية ثم تجبروأكمل الثالثة ثم اكمل الرابعة فاصبح الكرسى جزءا من مؤخرته يلتصق به ولا يعرف الجلوس على غيره وهو فى أرذل العمر. بسبب الفساد والسرقة والنهب والجوع والقهر والتعذيب والتمديد والتوريث اضطر بعض آلاف من المصريين للهتاف ضد مبارك مطالبن برحيله ولكنه لا يزال يرفض حتى وهو يسمع لعنات الناس عليه.
فى العراق ظهر صدام حسين مجرد بلطجى مسجل خطرأتاحت له الظروف الوصول للحكم فعاث فى العراق وماحوله فسادا وتدميرا استلزم تدخل المجتمع الدولى مرتين لانقاذ العراق وجيرانه من "هولاكو العرب"..
حين ظهر صدام بملابسه الداخلية فى السجن غلت عروق العبيد والخدم فاعتبروا صورة صدام طعنة للشرف العربى. أى شرف هذا الذى يلتصق بصدام اكبرسفاح عربى فى العصر الحديث؟ وأخيب وأفشل قائد عسكرى فى تاريخ العرب المعاصر؟ كل انتصاراته التى حققها بنجاح هى حملاته العسكرية على فئات مطحونة من الشعب العراقى ، يقتل ويخرب وينتهك الأعراض. كباحث تاريخى أقرر انه أسوأ حاكم عربى مسلم قرات عنه فى حياتى. الا أنه اصبح بطلا وفق مفهوم الشرف العربى طبقا لثقافة الاستعباد لدينا.
لو كان لدينا مفهوم الشرف الغربى الأمريكى ما توصل امثال صدام ومبارك الى الحكم، ولو وصلوا اليه ما بقوا فى الحكم يوما واحدا. لأن الشرف بالمفهوم الغربى يعنى الصدق والأمانة والعزة والشجاعة والاستعداد للتضحية فى سبيل الحرية والعدل . ولهذا خاض الاوربيون حروبا دامية استمرت عدة قرون كان آخرها الحرب العالمية الثانية ليتخلصوا من الطغاة بينما كنا نحن – ولا نزال – نهتف بحرارة لكل زعيم قائلين :" بالروح بالدم نفديك يا عباس" فاذا سقط عباس تركناه وولينا هاربين وفقا لثقافة العبيد الذين يفكرون بأقدامهم عند الخطر !!
7- المؤسف فى الامر ان ثقافة العبيد لا تزال سائدة حتى لدى بعض الثائرين على الطاغية المصرى حسنى مبارك .
هذه الثورة الشعبية ضد طغيان مبارك جاءت نتيجة لالحاح منظمات المجتمع المدنى وحقوق الانسان والديمقراطية التى تعضدها أمريكا ودول الغرب، والتى استطاعت نشر الوعى بالحرية وحقوق الانسان وحتمية الديمقراطية. لم تكتف أمريكا بذلك بل تدخلت فى العراق لتزيل هولاكو العرب الذى لم يستطع العراقيون ازالته، ومكنت العراقيين من اقامة أول انتخابات حقيقية ديمقراطية تأتى بأول رئيس مسلم غير عربى يحكم العراق. وتجهزالعراق ليصبح رائدا للديمقراطية فى الوطن العربى برغم هجمات الارهابيين اعداء الله تعالى ورسوله. هذا الجهد الأمريكى واكبه الحاح على باقى دول المنطقة – خصوصا مصر والسعودية – لتبنى الاصلاح السياسى والاجتماعى والتعليمى والاقتصادى. وتحول الخطاب الأمريكى الى القوى الحية العربية يحثها على المطالبة بالاصلاح لينبع من الداخل ليقطع حجة المستبدين الرافضين لأن تأتى أوامر الاصلاح من الخارج. بسبب كل هذا التشجيع الأمريكى بدأت الحركة الوطنية المصرية تهتف ضد مبارك فقام الأمن المركزى والبوليس المصرى يتصرف كالمعتاد بالروتين المعهود؛ يضرب المتظاهرين ويهتك أعراض المتظاهرات ويعتقل ويعذب. تدخلت امريكا واعطت أوامرها للفرعون الصغير بأن يكف عن ايذاء احرار المصريين فارتدع وخاف من امريكا طبقا للمثل الشعبى القائل " صنف يخاف ما يختشى ".. كف ألأمن المصرى عن ضرب المتظاهرين فأصبحت المظاهرات المصرية – بالتدخل الأمريكى – حقا مكتسبا لا يجوزمعاقبة المتظاهرين بسببه.. بعد رحلة وزيرة الخارجية الأمريكية الى مصرواعلانها التأييد للمطالب الديمقراطية للحركة الوطنية المصرية للضغط على الفرعون العجوز اتسع المجال للحركة كى تنمو وتتطور وتعطى املا فى تحول سلمى ديمقراطى .
هذا التحول السلمى الديمقراطى أخشى عليه من تصرفات بعض القادة المصريين – خصوصا الناصريين والقوميين - الذين لا يزالون يتحاملون على الدور الأمريكى وينتقد بعضهم تدخل وزيرة الخارجية لصالح الوطن ويصفه بانه تدخل فى الشئون الداخلية لمصر طبقا لثقافة العبيد القائلة " ضرب الحبيب زى أكل الزبيب"
المفروض ان تعترف الحركة الوطنية المصرية بفضل التدخل الأمريكى الايجابى ، ليس فقط لأن الأحرار هم الذين يعترفون بالفضل لأصحاب الفضل ، وليس فقط لأنها قيمة اخلاقية واسلامية ان تشكر من احسن اليك وان تدين له بالجميل على عونه ومساعدته وقت الشدة ولكن أيضا لتشجع الجانب الأمريكى على بذل المزيد من العون لتقصير امد المعاناة ولأزاحة الكابوس البليد الجاثم منذ اكثر من ربع قرن – يا مؤمن !!.
أن السياسة الخارجية الأمريكية ليست مؤسسة للبر والاحسان وانما هى تعبير عن المصالح الأمريكية فى المنطقة. وقد أدركت امريكا مؤخرا ان مصلحتها فى التخلص من الاستبداد المحلى الذى ينتج التطرف الذى ضرب أمريكا فى الحادى عشر من سبتمبر وما سبقه، وعليه تعين على أمريكا ان تساعد على اقامة الديمقراطية فى منطقة الشرق الأوسط . اقامة الديمقراطية لا يمكن أن تتم الا بالوعى الذى يدفع بالمواطنين لأن يكونوا أحرارا راغبين فى التضحية من أجل الحرية، أى لا بد من ارساء ثقافة الديمقراطية أولا بديلا عن ثقافة العبيد، وهذه مهمة محلية داخلية يقوم بها المفكرون والمثقفون الاحرارمن أبناء المنطقةمع تأييد مشكور من الخارج.
ولكن اذا كان زعماء المعارضة ساخطين على امريكا مقدما ناكرين لجهودها سلفا رافضين لمساعدتها أساسا فهل ننتظر من اليد الأمريكية الممدودة بالمساعدة ان تظل ممدودة فى الهواء لتصافح من يرفض مصافحتها؟.
لقد جعلوا حسنى مبارك يفوزمقدما ، فاليد الأمريكية التى امتدت له متوعدة لتامره بالرحيل ولتصافح الثائرين عليه لم تجد من يرد عليها التحية بأحسن منها ، فاضطرت اليد الأمريكية لأن تربت على كتف الديكتاتور العجوز لتعطيه املا فى البقاء الى ان تنضج الحركة الوطنية المصرية وتتخلص من ثقافة العبيد وتصبح جديرة بثقافة الأحرار والديمقراطية.
8- ان أخلاقيات القرآن الكريم وتشريعاته ترفض ثقافة العبيد وثمارها العفنة.
فالعدل فى الاسلام يعنى ألا تكيل بمكيالين . بل ان تقول الحق حتى لوكا ن ضارا بوالديك وأقرب الناس اليك( النساء 135)( الأنعام 152 ) وأن تقول الحق حتى لو كان فى صالح عدوك ( المائدة 8) وهذا العدل الاسلامى مرتبط بالسلام فمهما كان عداء عدوك لك فلا يصح اطلاقا ان تعتدى عليه طالما لم يعتد هو عليك ( المائدة 2)
أما اذا أحسن اليك أحد فلا بد ان تعترف له بالفضل، واذا حياك بتحية فعليك أن ترد بمثلها أو أحسن منها ( البقرة 237 ) ( النساء 86 )
الغريب أن السياسة الأمريكية فى تشجيع الديمقراطية وطرد الطغاة انما تعبر عن الاسلام الصحيح بينما يتناقض الاسلام مع استبداد الطغاة وأثر هذا الاستبداد فى ترسيخ ثقافة العبيد .
اجمالي القراءات
20877
ثوابت الحاكم المستبد نراها متحققة ومتوفرة في ثقافة العبيد التي تستعذب ظلم القريب ، وتجعله مستساغا حلو المذاق ، فيرى خضوعه وذله للحاكم شرفا ، والصبر عليه تسامحا ، وورعا وتقوى .. بينما يستهجن ويرفض كل من يدافع عنه من منظمات حقوقية !! ثقافة العبيد ترى أن كل مختلف مرفوض حتى ولو كان ينادي بحقوقه وحريته ، وحقوقه الادمية !!والمختلف عنه يبدأ عنده من الداخل ، المختلف في الدين ، المذهب ، العرق ، اللغة .. ثقافة العبيد هذه تقف مع الظالم الذي يسرق والذي يقتل والذي يعذب لمجرد انه لا يريد تدخل الغريب المختلف !! واخترع لهذا عبارة الاستقواء بالخارج ، في إشارة إلى ان العدل الخارجي مرفوض!! نرى لثقافة العبيد اثر في الظلم داخل الأسرة في الميراث ،عندما يستولي اكبر الأبناء على معظم الثروة ، بينما تُحرم منه الأنثى لمجرد انها أنثى ، والغريب والعجيب انها ترى هذا حقا ولا ترفضه !! ثقافة العبيد متغلغلة في مفردات حياتنا اليومية نراها ثوابتا تعودنا على غصتها واستعذبنا مرها من طول العشرة، بها والألفة معها !! هل آن الآوان لرفض ثقافة العبيد والالتفات لثقافة حقوق الإنسان التي نادى بها أسلامنا العظيم من قبل !! هل آن الأوان أن نفهم كلام المختلف ،ونعقله ، ولا نسارع بالرفض لمجرد ان قائله مختلف !! فهل أصبحت ثقافة العبيد لدينا كالثوابت الدينية التي لا تُناقش!!