انفجر الآن قطاع غزة بكل ما يحوي في وجه مصر، تم تفجير حدود الدولة المصرية المهيبة (افتراضاً)، لم يفجر الأسيجة الصلب والخرسانية جموع الباحثين عن طعام ووقود كفعل تلقائي عشوائي، وإنما فعلها ملثمون لديهم متفجرات يجيدون استخدامها وبلدوزرات تمهد الطريق، هو إذن قرار قوي ومدروس جيداً من حماس الداخل والخارج، وهاهو قد حقق نجاحاً باهراً، وقفت الدولة المصرية أمامه فاغرة فاها بلا حول ولا قوة.. تدرك حماس ولاشك أنها قادرة على مواجهة الدولة المصرية، وتعلم أنها في ذلك لن تكون وحدها، وتدرك أنه بمجرد تفجير الأسوار سيكون كل ما عدا ذلك طريقاً ممهداً، ولكن إلى أين؟!!
هل الأمر هو فقط للحصول على بعض المواد التموينية والقليل من الوقود المتواجد في أسواق العريش ورفح المصرية، وهل الكميات المتواجدة من هذه الاحتياجات تكفي أحداً أو تسد رمقاً، أم أنهم متجهون إلى أعماق مصر حاملين أحزمتهم الناسفة، كما تشير تحركاتهم في بني سويف جنوب مصر؟ انظر http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=fron8.htm&DID=9475
إن كانت الإجابة الواضحة -لمن يريد أو ينتوي أن يرى الحقائق- هي بالنفي، فلماذا ارتكبت حماس هذه الكبيرة، خاصة وأن المظهر العام لما يحدث يشكل فضيحة لحماس، أن يصل الأمر تحت قيادتها إلى الانفجار، وتدفق الآلاف هرباً من المصير المأساوي؟
لو أن المسألة مجرد حصار اقتصادي وقتي، ألم يكن الأسهل على حماس إعلان فوري بالتوقف عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ملفوفاً ببعض العبارات الإنشائية التي تحفظ ماء وجه المجاهدين والأشاوس؟!
ألم يكن هذا التنازل ثمناً هيناً يمكن لحماس دفعه، مقارنة بثمن مواجهة الدولة المصرية ذات السيادة (افتراضاً)، مضافاً إليه ثمن فضيحة الفشل الحمساوي ذي الجلاجل؟!
ألا تدفعنا تلك التساؤلات إلى نظرة مختلفة لما يحدث، أبعد من مجرد هروب من حصار اقتصادي طارئ، لنراه اجتياحاً لمصر من إرهابيي حماس المتسترين بالدين، محتمين كعادتهم بالجماهير المغلوبة على أمرها، وفراراً للأمام من قبل حماس المنظمة المحاصرة منذ انقلابها على الشرعية الفلسطينية، ثم هو خطوة كبيرة مباركة للالتقاء المباشر مع جماعة الإخوان المسلمين، قاعدة حماس الأيديولوجية في مصر، والتي نجحت في تحريك الجماهير في كل أنحاء مصر تأييداً وتضامناً مع حماس؟!
انفتحت حماس الآن على فضاء شبه جزيرة سيناء بكل اتساعه، وعلى البدو الممسكين ميدانياً بسهولها وجبالها ومغايرها ودروبها الوعرة، بكل ما لديهم من مشاكل أمنية واحتقانات مع الدولة المصرية، لم تعد في الآونة الأخيرة تهدر تحت السطح، وإنما صارت مواجهات علنية صاخبة.
إسرائيل تخشى من تدفق الأسلحة من سيناء باتجاه القطاع، لكن إذا كان عابرو الحدود الأوائل لم يحملوا فقط جراكن الوقود الفارغة لملئها والعودة بها في سلام، وإنما حملوا معهم أيضاً أحزمة ناسفة تم القبض على بعض حامليها، فالأولى بالمصريين أن يتحسبوا من وابل في الاتجاه المعاكس، تدفق للأسلحة والمتفجرات والمجاهدين والاستشهاديين من غزة إلى سيناء، ومنها إلى كل أنحاء مصر، خاصة وأن سيطرة الدولة المصرية أمنياً على سيناء كانت محدودة بالأساس، مقارنة بسيطرتها على باقي أنحاء البلاد، فماذا سيؤول إليه الحال بعد هذا التدفق الحمساوي؟
ماذا سيكون مصير السياحة في سيناء، ومصير مليارات دولارات الاستثمارات في أنحائها؟!
هل من قبيل الشطط في الهواجس أن نشك في مخطط إيراني سوري حمساوي، يحاول تكرار لعبة حزب الله والجنوب اللبناني في سيناء، ليجعل من أرض الفيروز وكراً للإرهاب والابتزاز الإيراني للعالم وللمنطقة، يناوش بها إسرائيل على سبيل ذر الرماد في العيون، فيما تتجه كل سهامها وثعابينها وعقاربها إلى الداخل المصري، وتعيد تمثيليات النصر الإلهي للسيد حسن نصر الله؟
هل ذهبنا بعيداً وراء الهواجس إلى حيث لا ينبغي أن نذهب؟ آمل ذلك!!
إذا كان لمصر أن تستضيف مفاوضات بين السلطة الفلسطينية الشرعية وبين حماس الممسكة بالقطاع بين براثنها، فهل كل أوراق حماس الآن هي قطاع غزة، أم أنها في مواجهة الجميع صارت تمسك إلى جانبها بورقة سيناء، وربما مستقبل الأعماق المصرية، من خلال جماعة الإخوان المسلمين، التي صارت تنسق الآن معهم علانية وعلى رؤوس الأشهاد، وليس في السراديب والأنفاق المظلمة كما كان عليه الحال؟!
إذا كان ما يسمى تجملاً "بالموائمة" هو المنهج الذي يسود سياسة الدولة المصرية إزاء جماعة الإخوان المحظورة لما يقرب من ثلاثة عقود، وكان التوظيف العملي لتلك السياسة يتمثل في التراجع التدريجي والمستمر أمام تلك الجماعة، ومداومة إفساح المجال أمامها في مختلف جوانب الحياة المصرية، بدءاً من مؤسسات الدولة والمدارس والجامعات والنقابات المهنية، وانتهاء بالأحياء الشعبية والعشوائيات، ثم من جانب آخر اتباع منهج المزايدة عليها بتبني مقولاتها، بوهم إقناع الجماهير أن الدولة أكثر تأسلماً من دعاة الإسلام السياسي، رغم أن العكس هو ما يحدث، إذ لم تؤد تلك السياسة إلا إلى المزيد من تمهيد الأرض والجماهير لتفشي تلك الجماعة في كل أنحاء البلاد، إذا كان ذلك كذلك كما يقولون، فهل ستغير الدولة المصرية سياستها لتتحول إلى المواجهة والحسم إنقاذاً لمصر مما يتهددها؟
أم ستستمر على منهج الموائمة، الذي ستضطر بموجبه –إزاء هذه الظروف الجديدة- إلى التراجع خطوات بعيدة إلى الوراء، لتفسح أمام إخوان مصر وإخوان غزة مساحات شاسعة، يلهون فيها ويعبثون ما شاء لهم الهوى؟!
ربما يدرك القائمون على الأمور أن ظهورنا قد وصلت إلى الحائط، ولم يعد أمام الدولة المصرية إلا الوقوف بقوة وحسم لوضع الأمور في نصابها، فإما هذا وإما الركوع لحماس والإخوان المحظورة ومن خلفهم إيران!!
نستطيع أن نقول بلا مبالغة أن الأمور قد وصلت إلى نقطة حرجة ومصيرية، لا يفيد فيها التمويه والتسكين والتخدير ودفن الرؤوس في الرمال، وإعادة الوضع ظاهرياً إلى ما كان عليه على الحدود المصرية مع القطاع، مع بقاء حماس ممسكة برقاب الشعب الفلسطيني، تتحدى العالم وهي متسترة خلف نسائه وأطفاله، وتجتاح بهم الجوار وقتما تشاء، وتسرب المتفجرات والمخربين وتتلاعب بالشعارات الدينية كما تهوى.
لحظة مصيرية أيضاً تحتاج لوقفة حازمة مع الجماعة المسماة محظورة بعد عملها لحساب الخارج، وتحريكها للجماهير خلف أغراض مجهولة وغير مصرية وغير بريئة في جميع الأحوال، وقفة تحدد فيها الدولة المصرية إن كانت تلك الجماعة محظورة اسماً وفعلاً، أم ستجمع الدولة أوراقها وتنسحب، مسلمة مصر بمن فيها لقمة سائغة لهم!!
ضعوا مصر وحدها أمام عيونكم يا سادة، فليس لدينا سواها.. من له إذنان للسمع فليسمع، قبل أن نصل إلى وقت لا يفيد فيه الندم!!
اجمالي القراءات
10011